ترجمة حفصة جودة
يدخل العيادة في الصومال أطفال مصابون بسوء التغذية الحاد بمعدل طفل كل دقيقة يوميًا، ومع هلاك الحيوانات والنباتات في أسوأ مجاعة تواجهها الأمة منذ 4 عقود، يقف ملايين الصوماليين على حافة المجاعة في كارثة إنسانية غير مسبوقة.
ورغم الأزمة، تتلكأ الحكومة الصومالية منذ أشهر في إعلان مواجهة البلاد لمجاعة، وفقًا للقاءات مع مسؤولين حكوميين وعمال إغاثة ومحليين مطلعين على النقاشات الحكومية الداخلية.
هذا الإعلان كما يقول عمال الإغاثة، سيسمح بتدفق المساعدات مثلما حدث في مجاعة 2011، ويجذب انتباه المتبرعين الغربيين المنشغلين الآن بمواجهة تداعيات الحرب في أوكرانيا.
تقاوم حكومة الرئيس حسن شيخ محمود التي وصلت إلى السلطة في مايو/أيار إعلان المجاعة لعدة أسباب: أولها وأهمها أن الحكومة الوليدة تخشى تقويض سمعتها الحسنة التي تتمتع بها بين العامة ومواجهتها جماعة الشباب الإرهابية، حيث شن الجيش هجومًا واسع النطاق ضد المتمردين الذي أضروا بالبلاد منذ عقود وما زالوا يطلقون هجماتهم حتى الآن.
تخشى الحكومة الصومالية أيضًا أن يدفع إعلان المجاعة الناس إلى الهروب من المناطق المتضررة إلى المدن الكبيرة التي تعاني بالفعل من الموارد الشحيحة وارتفاع مستوى الجريمة.
كما أنهم قلقون من أن يبعد ذلك المستثمرين ويحول نقود المساعدات الدولية نحو الاستجابة الطارئة بدلًا من التنمية طويلة المدى الموجهة لتمويل الرعاية الصحية والتعليم وبرامج مقاومة المناخ.
اعترف الرئيس بتلك المعضلة في سبتمبر/أيلول حين قال: “إعلان المجاعة يشكل مخاطرة عالية، فمثل هذا الإعلان لن يؤثر على ضحايا المجاعة فقط بل سيؤخر التنمية والتغيرات والرؤى وكل شيء”.
خلال الأسابيع الماضية، أصر عمال الإغاثة المحبطون على أنهم وصلوا إلى أعتاب المجاعة بالفعل في بعض المناطق، وحثوا الحكومة في عدة اجتماعات على إعلان المجاعة لجذب الانتباه للأزمة.
لا تؤثر حالة الجوع الطارئ فقط على الصومال الذي يبلغ تعداد سكانه 16 مليون نسمة، بل على نحو 37 مليون شخص في القرن الإفريقي، وأحد الأسباب الرئيسية للأزمة تغير المناخ، الذي هو محور تركيز قمة المناخ المنعقدة في مصر.
يخشى عمال الإغاثة في الصومال من تكرار ما حدث في 2011 عندما مات أكثر من نحو 260 ألف شخص في المجاعة قبل إعلانها رسميًا، قال أحد عمال الإغاثة الذي رفض كشف اسمه لحديثه في أمور حساسة: “الحكومة تخشى كلمة مجاعة، لكن الوضع كارثي وكلما طال الانتظار ازداد الوضع سوءًا”.
اعترف عبد الرحيم عبد الشكور – مبعوث الرئيس للاستجابة للجفاف – أن هيئات الإغاثة تدفع الحكومة لإعلان المجاعة، لكنه أنكر أن الحكومة مترددة في القيام بذلك، وقال إنه لا يوجد دليل مادي على تجاوز عتبة تلك الأزمة، وأضاف “على الدول الغنية الوفاء بالتزاماتها بمساعدة الدول الفقيرة مثل الصومال الذي يتعامل مع آثار أزمة المناخ”.
يقول عبد الشكور الذي يجوب العواصم الغربية للتوعية بالموقف في الصومال: “ليست القضية فقط دفع الصدقات أو التبرع للصومال، إنها بشأن العدالة أيضًا”.
اتخذت مجموعة من الخبراء الذين يقيّمون ظروف المجاعة قرارًا بشأن الصومال لكنهم لم يعلنوا المجاعة.
يمكن تحديد المجاعة إذا واجهت 20% من الأسر في منطقة نقص شديد في الغذاء، وإذا كان 30% من الأطفال هناك يعانون من سوء التغذية الحاد، وإذا مات اثنان بالغان و4 أطفال من كل 10 آلاف شخص يوميًا بسبب الجوع.
وبينما يصنف الخبراء المجاعة وتحذر منها المنظمات الإنسانية، فإن إعلانها في النهاية يرجع إلى الحكومة ووكالات الأمم المتحدة.
يقول محمد حسين جاس مدير معهد “Raad” لأبحاث السلام في العاصمة مقديشو إنه بالتراجع عن إعلان المجاعة فإن المسؤولين الصوماليين يهدفون إلى كسب الوقت ويأملون أن يتحقق التمويل الذي يحتاجون إليه في النهاية، ويضيف “لكن هذه ليست سياسة جيدة، يجب أن نتحرك أسرع وننقذ الأرواح”.
تقول نيمو حسن مديرة اتحاد المنظمات غير الحكومية الصومالية إن التعريفات الفنية للمجاعة لا يجب أن تكون عذرًا للتقاعس عن العمل، وأضافت “الوضع يتجاوز الموارد المتاحة، فأنت تحاول إطعام شخص بالتنقيط بينما هو بحاجة إلى شرب المياه سريعًا”.
توقعت المراجعة الأخيرة للموقف في الصومال – التي نُشرت في سبتمبر/أيلول – أن المجاعة ستحدث في مقاطعتين بمنطقة باي الجنوبية بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول وأن ظروف الجفاف الشديدة ستستمر حتى مطلع العام القادم.
في المناطق المتضررة بشدة في الصومال، يمكن إعلان المجاعة قريبًا، فقد أنهى الخبراء من الأمم المتحدة للتو جمع البيانات بخصوص وضع الجفاف والآن يحللونها قبل نشر نتائجهم في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، وهي الخطوة التي قد تدفع المسؤولين إلى إعلان المجاعة رسميًا.
يعيش نحو مليون صومالي في مناطق يصعب الوصول إليها – من بينها الواقعة تحت سلطة جماعة الشباب – ويقدر الذين أجروا المراجعة أن الظروف هناك مماثلة لنفس وضع المناطق التي جُمعت منها البيانات إن لم يكن أسوأ.
أدت سيطرة جماعة الشباب على غالبية مناطق جنوب الصومال إلى تفاقم مجاعة 2011، وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول دعت الأمم المتحدة الجماعة للسماح بدخول هيئات الإغاثة دون قيود لمساعدة المتضررين من الجفاف.
قالت هيئات الإغاثة إنه منذ سبتمبر/أيلول – عندما أعلنت الأمم المتحدة أن الصومال على أعتاب المجاعة – ازداد التمويل الدولي خاصة من الأمم المتحدة، لكن الخبراء يقولون إن جهود زيادة التمويل لا تزيد بنفس سرعة الحاجة إليها، وأنه كان على المتبرعين الاستجابة إلى تحذيرات العام الماضي لمنع وقوع وفيات ونزوح على نطاق واسع الآن.
يقول دانيل ماكسويل أستاذ الأمن الغذائي بجامعة تافتس وعضو لجنة مراجعة المجاعة في الصومال: “السؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسنا الآن يتعلق بمدى خسارة الأرواح وليس إذا ما كنا نقترب بمقدار قليل أو كثير من المجاعة، إن دعوات الاستجابة الآن أوضح من أي وقت مضى”.
دمرت الظواهر الجوية المتطرفة – بعضها مرتبط بتغير المناخ – الصومال في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى جفاف متكرر وجوع وفقر ونزوح داخلي، كما تواجه الدولة خامس موسم تاريخي من الجفاف وندرة الأمطار، ما يحد من قدرة المزارعين على تربية الماشية وزراعة المحاصيل.
أدى جفاف المحاصيل وقطع الإمدادات بسبب الجائحة وتأثير الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى تضاعف تكلفة المواد الغذائية الأساسية في بعض المناطق 3 أضعاف، ولأن الجفاف استمر لفترة أطول وأثر على مزيد من الناس والمناطق عن 2011، فإن الخبراء يشعرون بالقلق من موت المزيد من الناس بمرور الوقت.
تتحدث العيادات والمستشفيات التي تعالج الأطفال المصابين بسوء التغذية في الصومال عن تضاعف عدد الحالات مقارنة بالعام الماضي، حتى إن ثمن معكرونة الفول السوداني المستخدمة لمكافحة سوء التغذية ازداد سعرها بنسبة 23% وفقًا لوكالة الأطفال التابعة للأمم المتحدة، وحذرت الأمم المتحدة من أن أكثر من نصف مليون طفل معرضون للموت، وهي كارثة وشيكة لا تشبه أي كارثة واجهناها هذا القرن.
مع إحكام الجفاف قبضته على الصومال، أعلنت السلطات حربًا شاملة على جماعة الشباب بدعم العشائر المحلية المسلحة، قال بعض النقاد إن على السلطات التركيز على إنقاذ الأرواح أولًا، فالعدوان الأخير لن يخلق سوى مزيد من النزوح.
لكن عبد الشكور دافع عن عمليات الحكومة العسكرية قائلًا إن الشباب يساهمون في زيادة المعاناة بتفجير آبار المياه وابتزاز المدنيين وفرض الضرائب عليهم.
حتى الآن يقول موظفو الإغاثة إنهم يسابقون الوقت حتى لا يموت المزيد من الصوماليين أمام أعينهم مثلما حدث في 2011، تقول حسن: “وفاة طفل واحد أمر صعب، فما بالك بالمئات”.
المصدر: نيويورك تايمز