يتطلع النظام الجزائري منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى قصر المرادية إلى إخراج البلاد من عزلتها الاقتصادية والسياسية التي دامت سنوات عدة، انطلقت مع مرض الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وتدعمت مع تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية سنة 2014.
عاينا هذا في الحراك الدبلوماسي الذي تقوده الجزائر في ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء الإفريقية وفي غرب أوروبا أيضًا ومناطق أخرى عديدة، وظهرت مؤشراته أيضًا في رغبة الجزائر الانضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تضم الدول صاحبة معدلات النمو الأسرع في العالم، وهو ما أثار مخاوف الغرب الذي يرى في الجزائر حديقة خلفية له.
الانضمام إلى “بريكس”
بعد تعبيرها عن رغبتها في الانضمام إلى المنظمة، طلبت الجزائر رسميًا ذلك، إذ أكّدت المبعوثة الخاصة، المكلفة بالشراكات الدولية الكبرى في وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، ليلى زروقي، أن “الجزائر قدّمت رسميًا طلبًا للانضمام إلى منظمة بريكس”.
وقالت زروقي للإذاعة الجزائرية الحكومية: “كانت لنا فرصة المشاركة في القمة الأخيرة لمجموعة بريكس في الصين، التي دُعي الرئيس الجزائري إلى المشاركة فيها، وخرجت هذه القمة بالانفتاح على ضم دول أخرى إلى المجموعة. نحن قدمنا طلبنا، ورحبت كل من روسيا والصين بانضمام الجزائر”.
سبق أن أثار الرئيس الجزائري في أغسطس/آب الماضي احتمال انضمام الجزائر إلى دول مجموعة “بريكس” وأكد أن بلاده تتوافر بها شروط الانضمام للمجموعة، وقال تبون حينها إن هذه المجموعة تهم بلاده بالنظر لكونها قوة اقتصادية وسياسية.
اعتبر تبون أن الالتحاق بهذه المجموعة سيبعد الجزائر عن “تجاذب القطبين”، غير أنه شدد في نفس الوقت على ضرورة عدم استباق الأحداث، وسبق أن شارك الرئيس الجزائري في قمة “بريكس” عبر الفيديو نهاية يونيو/حزيران الماضي، وتحدث آنذاك عن “مقاربة الجزائر حول ضرورة السعي نحو إقامة نظام اقتصادي جديد يضمن التكافؤ والمساواة بين مختلف الدول”.
تأمل الجزائر في أن يفتح لها الانضمام إلى مجموعة بريكس العودة بقوة إلى الساحة الإقليمية والدولية
حاليًّا، الصين وروسيا موافقتان على الطلب الجزائري، في انتظار موقف كل من البرازيل وجنوب إفريقيا والهند، ففي سبتمبر/أيلول الماضي أكد السفير الروسي الجديد في الجزائر، فاليريان شوفايف، أن موسكو لا تعترض على رغبة الجزائر في الانضمام إلى مجموعة “بريكس”.
بدوره، أكد القائم بأعمال سفارة الصين لدى الجزائر كيان جين بأن بلاده ترحب بمساعي انضمام الجزائر إلى “بريكس”، كما رحب وزير الخارجية الصيني وانغ يي في لقائه بنظيره الجزائري رمطان لعمامرة على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بعضوية الجزائر في “أسرة بريكس”.
من المنتظر أيضًا أن يقبل باقي الأعضاء طلب الجزائر، خاصة جنوب إفريقيا التي ترتبط بعلاقات قوية مع الجزائر، وتساندها الطرح في ملف الصحراء الغربية وكانت سندًا قويًا لها في معركتها الأخيرة ضد الكيان الصهيوني داخل أروقة الاتحاد الإفريقي.
جاء تأسيس مجموعة بريكس باقتراح من روسيا، بدأت بأربع دول قبل انضمام جنوب إفريقيا، وهدفها منافسة مجموعة السبعة التي تمثل 60% من الثروة العالمية، فيما تمثل دول بريكس 40% من مساحة العالم و24% من الاقتصاد العالمي و16% من التجارة العالمية، وقد أخذت المجموعة في الفترة الأخيرة اهتمامًا كبيرًا.
مصالح الجزائر
بالنظر إلى إمكانات الجزائر، خاصة في مجال الطاقة والمناجم على غرار النفط والغاز والحديد والصلب والمعادن النفيسة مثل الذهب والفضة والمعادن الصناعية بما في ذلك الباريت والبنتونايت والأسمنت والحجر المسحوق والحصى والجبس والهيليوم والحجر الجيري والرخام والأسمدة النيتروجينية والفوسفات والبوزولانا والكوارتز والملح والرمل بجميع أنواعه، فإنه يمكن القول إن ملف الجزائر قوي ويضمن انضمامها.
كما تمتلك البلاد ثروات باطنية ورواسب معدنية كبيرة غير مستغلة، وتشمل اليورانيوم والألماس والمنغنيز والكوارتز البلوري والمعادن الأرضية النادرة والتنغستن، ناهيك بالسيليكون، وتركيز الدولة على العديد من القطاعات الواعدة الأخرى على غرار الفلاحة.
الجزائر تقدم طلبا رسميا للانضمام إلى مجموعة بريكس. pic.twitter.com/RCiHfFmG30
— الأحداث الأمريكية?? (@US_World1) November 7, 2022
يمكن أن يشكل كل من الاستقرار المالي في الجزائر أيضًا، وارتفاع احتياطي العملة الأجنبية في البلاد والتوازن الخارجي الإيجابي، وعدم وجود دين خارجي، دوافع قوية لقبول طلب الجزائر الانضمام إلى هذه المجموعة القوية.
تأمل الجزائر أن تستفيد اقتصاديًا من الانضمام لهذا التكتل، فبريكس ستمكنها من تعميق الشراكة وزيادة المبادلات التجارية مع دول التكتل واستقطاب الاستثمارات الأجنبية منها ونقل التكنولوجيا، فهي تضم دولًا تشهد نموًا مرتفعًا وكبيرًا مثل الصين والهند والبرازيل، ومن المؤكد أنها ستضيف دولًا أخرى، ما يساهم في تطور اقتصادها وابتعاده عن اقتصاد الريع.
هذه المجموعة ستمكنها من رفع صادراتها خارج المحروقات، خاصة أن سلطات الجزائر تأمل في التحرر من تبعية النفط وسيطرته على الاقتصاد الوطني، وتملك كل المقومات التي تؤهلها لذلك وتخرجها من سيطرة النفط.
يخشى الغرب أن تدير الجزائر ظهرها له بمجرد انضمامها لمجموعة بريكس وتغير حلفاءها
إلى جانب ذلك، تأمل الجزائر في أن يفتح لها الانضمام إلى مجموعة بريكس العودة بقوة إلى الساحة الإقليمية والدولية، ومساعدتها في الخروج من عزلتها، فمنذ وصوله إلى كرسي الرئاسة في ديسمبر/كانون الأول 2019، يحاول الرئيس تبون إعادة بوصلة دبلوماسية بلاده إلى مكانها المعهود، والخروج من الانطواء والعزلة اللذين عُرفت بهما البلاد في العقود الأخيرة.
كما يأمل قصر المرادية في تنويع شركائه الاقتصاديين والسياسيين وعدم الاقتصار على الشركاء التقليديين، الذين لم تستفد منهم الجزائر في شيء، بل العكس ما حصل، إذ تضررت الجزائر كثيرًا من الاتفاقيات المبرمة مع العديد من الدول والكتل على رأسها الاتحاد الأوروبي.
مخاوف غربية
رغبة الجزائر في الانضمام إلى هذه المجموعة السياسية والاقتصادية، تأتي في وقت تتسم فيه علاقات الجزائر مع بعض الأطراف الأوروبية بالتوتر كما هو الحال مع إسبانيا بسبب موقف مدريد من قضية الصحراء الغربية وانتصارها للطرح المغربي لهذه القضية.
كما أن علاقات الجزائر مع فرنسا متأرجحة رغم الزيارات المتكررة للمسؤولين الفرنسيين لهذا البلد العربي، إيطاليا الوحيدة التي تحسنت علاقاتها بالجزائر، لكن يمكن أن تتعكر أيضًا بعد انتصار اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
بريكس:
مجموعة جديدة تضم أسرع اقتصادات العالم نمواً بتأسيس (روسيا، الصين، الهند، البرازيل، جنوب افريقيا) وانضمام عشرات الدول حديثاً ويهدف لإنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد بعيداً عن النظام الذي تتحكم به امريكا واوروبا.— كولومبوس ? (@Columbuos) October 28, 2022
يخشى الغرب أن تدير الجزائر ظهرها له بمجرد انضمامها لمجموعة بريكس وتغير حلفاءها، خاصة أن قادة الجزائر عبروا في أكثر من مناسبة عن رغبتهم في إيجاد حلفاء جدد نتيجة عدم استفادة بلادهم من التحالفات القديمة.
ليس من مصلحة الغرب، خسارة الجزائر التي تمثل له حلقة وصل مع إفريقيا وأيضًا مصدرًا مهمًا للثروات الطاقية، فالغرب في حاجة ماسة للجزائر بعد توتر علاقاته بروسيا، وأي تغيير في التحالفات ستكون عواقبه وخيمة عليه.
صحيح أن الجزائر ترغب في تنويع شركائها، لكن من غير المنتظر أن تتخلى عن شركائها التقليديين، فهي الآن في حاجة لكل الأطراف لتحقيق برامجها وأهدافها، وتطوير اقتصادها والخروج من سيطرة النفط الذي آخر البلاد سنوات كثيرة.