خلال زيارته إلى العاصمة التركية أنقرة، أمس الثلاثاء 8 تشرين الثاني/نموفمبر، أكد رئيس الوزراء السويدي أولف كريستيرسون، “التزام بلاده بكل التعهدات التي قطعتها لتركيا في مكافحتها للإرهاب”، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده كريستيرسون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أشار إلى أن بلاده تعلم أن تركيا في حرب مع حزب العمال الكردستاني “بي كي كي”، قائلًا: “الآلاف من الأتراك كانوا ضحايا هذه الحرب، نحن نعي ذلك وأريد التأكيد على هذا، وفي الأصل نريد مساعدة تركيا في مكافحة الإرهاب”.
تودد
كان ملفتًا في حديث رئيس الوزراء السويدي قوله إن بلاده “ستقدم على خطوات مهمة مع تركيا نهاية العام الحاليّ ومطلع العام القادم لا سيما بخصوص مكافحة الإرهاب، في إشارة لمكافحة تنظيم “بي كي كي”، مضيفًا أن السويد “ستلتزم بتعهداتها التي قطعتها لتركيا قبل انضمامها للناتو، وكذلك بتعهداتها التي ستقطعها بعد الانضمام تجاه حليفتها”، كما أشار إلى أن “تركيا من أكثر دول الناتو تضررًا من الإرهاب”.
كلام رئيس الوزراء السويدي هذا يأتي في ظل تودد سويدي منذ شهور لأنقرة من أجل إزالة العراقيل التركية في طريق ستوكهولم للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وقد سبقت زيارة كريستيرسون تصريحات لوزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم، قال فيها: “الحكومة الجديدة في البلاد ستنأى بنفسها عن وحدات حماية الشعب”، وأشار بيلستروم إلى أن “هناك صلة وثيقة جدًا بين هذه المنظمات وحزب العمال الكردستاني.. الذي يستفيد من العلاقة الجيدة بيننا وبين تركيا”.
يعد النأي السويدي عن “وحدات الشعب الكردية” وربطها بالمنظمة المصنفة كتنظيم إرهابي في تركيا (حزب العمال الكردستاني) تطورًا ملفتًا من طرف السويد التي تحاول تمهيد طريقها إلى عضوية الناتو، وهو ما أكده بيلستروم بقوله: “الهدف الأساسي من ذلك هو دخول حلف شمال الأطلسي”.
نأي
بدورها استنكرت “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سوريا التصريحات السويدية بشأن “النأي بنفسها عن وحدات حماية الشعب”، واصفة الخطوة بأنها سير في الفلك التركي و”شراكة مع تركيا ضد وحدات الحماية”، وقالت دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية: “من المؤسف أن نجد هكذا تصريح من وزير سويدي، وذلك بسبب العلاقة مع تركيا والتعاون معها وإرضائها للموافقة على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي”.
و”الإدارة الذاتية” هي مناطق شمال شرق سوريا التي تحكمها الفصائل الكردية العسكرية وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية المعروفة باسم “قسد”، وأُنشئ في هذه المناطق حكم ذاتي بعد القضاء على تنظيم “داعش” بمساعدة التحالف الدولي، وتشمل المنطقة أجزاء من محافظات الحسكة والرقة وحلب ودير الزور.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية عديدة إضافة إلى دول عربية تقدّم دعمًا كبيرًا للوحدات الكردية، لكن تركيا البلد الأقرب جغرافيًا تصنف هذه الوحدات تنظيمًا إرهابيًا ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على لوائح الإرهاب عالميًا.
ذكرت “الإدارة الذاتية” أن “تطور علاقاتها مع الدول الإسكندنافية ومن بينها السويد جاء بعد التضحيات المقدمة في مواجهة الإرهاب الذي تعرض له الشعب الكردي”، واعتبرت أن “نضالها هو من أجل الإنسانية ونيابة عن العالم، ومن أجل الاستقرار وتحقيق السلام والأمان”، وأضافت: “بكل أسف تلقينا تصريح وزير الخارجية السويدي الجديد توبياس بيلستروم الذي تحدث عن عدم دعم الأكراد في سوريا، أو وحدات حماية الشعب حيث شمال وشرق سوريا وقواتها العسكرية التي ما زالت تناضل ضد داعش”.
وعدت “الإدارة الذاتية” أن التصريح السويدي “جاء لإرضاء تركيا”، ووصفت موقف السويد الأخير بأنه “مناقض للقيم الديمقراطية وللمواقف الداعمة للنضال ضد الإرهاب، وهو رضوخ واضح لتركيا. وهذا يؤدي لأن تكون حكومة السويد شريكة للسياسات التركية ضدنا، وضد شعوب المنطقة وموقفها الداعم للإرهاب”.
والسويد أحد أهم حواضن التنظيمات الكردية في أوروبا، ويوجد بها أكثر من 135 ألفًا من اللاجئين الأكراد الذين فروا على مدار العقود الماضية، وعلى الرغم من وجود اللاجئين الأكراد بكثافة في دول مثل ألمانيا وفرنسا، فإن التنظيمات الكردية تتخذ من السويد بيئة تسمح لها بإقامة أعمالها هناك، وبحسب الاتهامات التركية فإن السويد “مقر للتنظيمات الكردية الإرهابية التي تعمل ضد تركيا وترتبط بحزب العمال الكردستاني وتدعم الهجمات ضد تركيا”.
وفي منتصف السبعينيات اعتمدت بلدية سويدية تقديم اللغة الكردية كلغة أساسية، بعد ذلك بسنوات بدأت هجرة كردية جديدة من تركيا إلى السويد، ما ضاعف أعداد الموجودين هناك، ثم تسببت أزمات مثل حرب نظام العراق السابق برئاسة صدام حسين على الأكراد بهجرة جديدة.
يذكر أن آلاف الأكراد لجأوا إلى السويد منذ سبعينيات القرن الماضي من تركيا والعراق وإيران، وزادت هذه الحركة بعد الحرب التي شنها بشار الأسد على الشعب السوري وإطلاق يد تنظيم “داعش” في شمال شرق سوريا وهي المناطق التي كانت مركزًا للتنظيم وفيها وجود كردي، ليجد الأكراد في هذه الدول ملاذًا آمنًا لهم، كما تعد السويد من أكبر التجمعات التنظيمية للأكراد المغتربين.
وبدأ التوتر بين السويد وتركيا عندما تقدمت ستوكهولم بطلب لعضوية “حلف شمال الأطلسي”، لكن أنقرة أعلنت شروطًا للموافقة على انضمامها، إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينها، أن بلاده “لا تعتبر احتمال انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو إيجابيًا، لأن الدول الإسكندنافية هي بيت ضيافة للمنظمات الإرهابية”، وهو ما دأب مسؤولون أتراك على تأكيده مرارًا بعد ذلك.
تركيا غير واثقة
لكن بعد شد وجذب استطاعت السويد بجانب فنلندا الاتفاق مع تركيا بشأن انضمام الدولتين إلى الحلف الأطلسي، حينها أعلنت تركيا دعمها لانضمام الدولتين الأوربيتين للحلف في أعقاب توقيع مذكرة ثلاثية معهما، ونصت المذكرة على أن فنلندا والسويد “ستتعاملان بسرعة مع طلبات ترحيل أو تسليم مشتبهين بالإرهاب عبر مراعاة المعلومات والأدلة المقدمة من تركيا”.
تنص المذكرة على بند تتعهد من خلاله السويد وفنلندا “بالتحقيق في أنشطة جمع الأموال وتجنيد المقاتلين لصالح حزب العمال الكردستاني وامتداداته كافة، وأنهما ستعملان على منع تلك الأنشطة”، كما حمل الاتفاق إدانة الدولتين بشكل واضح وصريح جميع هجمات التنظيمات الإرهابية ضد تركيا، وفي إطار هذه الصفقة، قدمت تركيا قائمة بالأشخاص الذين تريد من السويد تسليمهم ووعدت الأخيرة ببحث الأمر قضائيًا.
الانعطافة السويدية لتغيير سياستها تجاه تركيا من أجل دخول “الناتو” توضح حجم التباين الحاد بين مواقفها من تركيا خلال أشهر، حيث كانت أنقرة تطالب في السنوات الماضية بتسليم 33 شخصًا تتهمهم بـ”الإرهاب”، لكنها لم تتلق ردودًا إيجابية منهما، وكانت السويد قد فرضت عقوبات على تركيا عام 2019 بسبب قيامها بعملية عسكرية ضد “الوحدات الكردية” في مناطق شمال سوريا وبالتحديد في عملية “نبع السلام”، كما تتحدث التقارير عن أن السويد قدّمت مساعدات ومعدات عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
لكن يبدو أن السويد حاليًّا ستمضي باتفاقيتها مع أنقرة، خاصة أن الرئيس التركي هدد بعرقلة انضمامها مجددًا حين قال: “تركيا ستجمد عملية انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي إن لم تتخذا الخطوات اللازمة للإيفاء بشروط أنقرة”، من جهتها أعلنت الحكومة السويدية أنها ستسلم مطلوبًا لأنقرة بعد أن نظرت المحكمة العليا في القضية، وخلصت إلى أنه “لا توجد عقبات أمام التسليم”، يأتي ذلك في إطار البدء بتسليم القائمة التي قدمتها تركيا بمطلوبين تريد استلامهم.
لكن الخطوات السويدية لم تقنع المسؤولين الأتراك حتى الآن، فأنقرة تتعامل مع البراغماتية السويدية بحذر وعدم ثقة وهو ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقوله: “على الرغم من الخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها لتلبية المطالب التركية بالتضامن في مكافحة الإرهاب، بيد أن أنقرة ليست مستعدة بعد للترحيب بالسويد في حلف شمال الأطلسي الناتو”.
وأضاف أردوغان خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء السويدي أن حكومته لا تزال بحاجة إلى تهدئة مخاوف الشعب التركي وتأكيد وجود التضامن في الناتو قبل الانتخابات المقررة في العام المقبل، وتابع أردوغان “أعتقد أن صديقي العزيز كريستيرسون سوف يتفهم موقفي في هذه اللحظة”، مضيفًا أن تركيا لا تزال تتوقع خطوات “ملموسة من السويد، من بينها إعادة بعض المشتبه بهم الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين”.
بالمحصلة، تعمل أنقرة على استغلال حاجة السويد للانضمام إلى الناتو لتحصيل أكبر قدر من المكاسب التي تريدها خاصة تلك المتعلقة بالمطلوبين بقضايا إرهابية، وعلى الرغم من رضوخ السويد لبعض شروط أنقرة، فإن بناء الثقة يبدو صعبًا بعد سنوات من تزعزعها.