ترجمة وتحرير: نون بوست
شعر أفتاب خان بالعجز عندما غمرت السيول الغزيرة ثلث وطنه باكستان.
غُمرت بلدة خان بالمياه تمامًا، وأنقذ صديقه امرأة كانت تسير حافية القدمين، حاملة طفلها المريض، عبر مياه الفيضانات الراكدة لمسافة 15 ميلاً، ولم تتمكن والدة خان، التي تعيش معه الآن في إسلام أباد، من العودة إلى منزلها عبر طرق جرفتها الفياضانات للتحقق مما إذا كانت ابنتها بأمان.
وقال خان، وهو خبير دولي في التغير المناخي، لشبكة سي إن إن: “هذه قصص مؤلمة، قصص حقيقية؛ لقد شعرتُ بالحزن الشديد”.
أصبحت باكستان أوضح مثال هذه السنة على سبب تقاتل بعض البلدان من أجل ما يسمى صندوق “الخسائر والأضرار”، وهو المبدأ الذي يعني أن البلدان التي ساهمت أكثر من غيرها في تغير المناخ بانبعاثاتها المسببة لارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض يجب أن تدفع للبلدان الفقيرة للتعافي من الكوارث الناتجة عن ذلك.
في وقت سابق من هذه السنة؛ عانت باكستان من موجة حر قاتلة جعلها أكثر عرضة للتأثر بتغير المناخ بمقدار 30 ضعف، وذلك وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية. وهي الآن تترنح من عواقب أسوأ فيضانات في الذاكرة الحية.
وتعتبر الدولة الواقعة في جنوب آسيا مسؤولة عن أقل من 1 في المائة من انبعاثات الاحتباس الحراري في العالم، لكنها تدفع ثمنًا باهظًا له، وهناك العديد من الدول الأخرى حول العالم مثلها.
ستكون الخسائر والأضرار محور الاهتمام في قمة المناخ المنعقدة في مصر هذه السنة؛ حيث تطالب البلدان منخفضة الانبعاثات التي تغمرها الفيضانات أو تشاهد جزرها تغرق في المحيط البلدان المتقدمة ذات الانبعاثات العالية بدفع مقابل هذا الضرر.
لكن هذه القضية كانت شائكة لعدة سنوات؛ حيث تخشى الدول الغنية مثل الولايات المتحدة من أن الموافقة على صندوق الخسائر والأضرار قد يعرضها للمساءلة القانونية والدعاوى القضائية المحتملة في المستقبل.
وقال نشطاء المناخ في الدول النامية ومسؤول مناخي أمريكي كبير سابق لشبكة سي إن إن، إن الوقت ينفد، مشيرًا إلى الكوارث المتتالية في باكستان هي أوضح دليل على الحاجة إلى صندوق مخصص للخسائر والأضرار.
وقالت جينا مكارثي مستشارة المناخ السابقة للبيت الأبيض لشبكة سي إن إن، إن العالم النامي “غير مستعد لحماية نفسه وغير قادر على التكيف والصمود” في مواجهة الكوارث المناخي، وأضافت: “تقع المسؤولية على عاتق العالم المتقدم لدعم هذا الجهد؛ حيث تم تقديم الالتزامات ولكن لم يتم الوفاء بها”.
ما هي الخسائر والأضرار؟
من حيث المبدأ؛ فإن الخسائر والأضرار هي الفكرة القائلة بأن الدول الغنية، بعد أن تسببت بانبعاث معظم الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض، يجب أن تدفع للبلدان الفقيرة التي تعاني الآن من كوارث مناخية لم تكن سببًا في حدوثها.
وقضية الخسائر والأضرار ليست طرحًا جديدًا؛ فقد كانت البلدان النامية والدول الجزرية الصغيرة تضغط من أجل هذه الأنواع من الأموال منذ سنة 1991، عندما اقترحت جزيرة فانواتو الواقعة في المحيط الهادئ لأول مرة خطة للبلدان ذات الانبعاثات العالية لتوجيه الأموال نحو المتضررين من ارتفاع مستوى سطح البحر.
واستغرق الاقتراح أكثر من عقد لاكتساب الزخم، حتى مع اختفاء جزء كبير من جزيرة فانواتو وغيرها من الدول الجزرية الصغيرة في المحيط الهادئ ببطء.
في فيجي، الجزيرة الأصلية للناشط المناخي لافيتانالاجي سيرو، كلف الأمر وسطيَّا مليون دولار لإعادة توطين المجتمعات بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر. وقال سيرو، وهو منسق السياسات الإقليمية في شبكة العمل المناخي لجزر المحيط الهادئ، إن الابتعاد عن أراضي الأجداد ليس قرارًا سهلًا، لكن تغير المناخ له تأثيرات لا رجعة فيها على الجزر.
وأضاف سيرو: “إن تغير المناخ يهدد النسيج الاجتماعي لمجتمعاتنا في المحيط الهادئ، وهذا هو السبب وراء الحاجة إلى هذه الأموال. هذه مسألة تتعلق بالعدالة للعديد من الدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان مثل تلك الموجودة في المحيط الهادئ”.
لماذا تعد الخسائر والأضرار أمرًا مثيرًا للجدل؟
أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل هذا النوع من الصناديق مثيرة للجدل هو أن الدول الغنية تشعر بالقلق من أن دفع مثل هذه الصناديق يمكن أن يُنظر إليه على أنه اعتراف بالمسؤولية، مما قد يؤدي إلى معارك قانونية. وهو ما سبق وأن تراجعت عنه الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة في الماضي وما زالت تتعامل بحذر مع هذه القضية.
ورغم أنه يتفهم سبب “تباطؤ الدول المتقدمة الغنية”، إلا أن خان قد أكد على أهمية التعاطف وتحمل المسؤولية بالنسبة لهم، كما كان هناك التباس حول تعريفه المتعلق بما إذا كانت الخسائر والأضرار شكلًا من أشكال المسؤولية أو التعويضات.
وقال مبعوث المناخ الأمريكي جون كيري – في مكالمة مؤخرًا مع الصحفيين – إنه لم يتم استخدام مصلح التعويضات في هذا السياق، وأضاف: ” لطالما نبهنا إلى ضرورة أن يساعد العالم المتقدم العالم النامي على التعامل مع تأثيرات المناخ”.
والتزم كيري بإجراء محادثة حول صندوق هذه السنة قبل الموعد النهائي لسنة 2024 لاتخاذ قرار بشأن الشكل الذي سيبدو عليه مثل هذا الصندوق، ولا يزال لدى المسؤولين الأمريكيين أسئلة حول ما إذا كان سيأتي من خلال مصدر مالي قائم مثل صندوق المناخ الأخضر، أو مصدر جديد تمامًا.
وفي حدث حديث لصحيفة نيويورك تايمز، وفي إجابة منه على سؤال حول الخسائر والأضرار، أثار كيري بعض الجدل حول هذا الموضوع؛ حيث أشار إلى أنه لا يوجد بلد لديه ما يكفي من المال لمساعدة أماكن مثل باكستان على التعافي من الكوارث المناخية المدمرة.
وقال كيري في هذا الحدث: “تخبرني أن الحكومة في العالم لديها تريليونات الدولارات، لأن هذه هي التكلفة”، في حين يقول آخرون إن المال موجود؛ ولكنها مسألة أولويات.
وقال ألدن ماير، مساعد أول في مركز أبحاث الجيل الثالث للبيئة (E3G) لشبكة سي إن إن: “بالنظر إلى ميزانية الدفاع السنوية للدول المتقدمة، فيمكننا حشد الأموال. وبالتالي، فهي ليست مسألة وجود المال من عدمه؛ إنها مسألة إرادة سياسية”
ما الذي يعتقد الخبراء أنه يمكن القيام به بالفعل؟
في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، سيكون النقاش الأكبر حول ما إذا كان يجب إنشاء آلية مالية مخصصة للخسائر والأضرار – بالإضافة إلى التمويل الحالي للمناخ الذي يهدف إلى مساعدة البلدان على التكيف مع تغير المناخ والانتقال إلى الطاقة النظيفة.
وبعد أن دعت الدول التي دمرها المناخ إلى إنشاء مرفق جديد لتمويل الخسائر والأضرار في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021 في غلاسكو السنة الماضية، من المحتمل أن يكون جدول أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي رسميًّا هذه السنة. ولكن، حتى مع التزام الدول الأكثر ثراء مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بالحديث عن ذلك، فليس هناك الكثير من الأمل حول توصل الدول في شرم الشيخ إلى اتفاق بشأن صندوق.
وقال السفير المصري محمد نصر، المفاوض الرئيسي للمناخ في مصر، للصحفيين مؤخرًا: “هل نتوقع أنه سيكون لدينا صندوق بنهاية الأسبوعين؟ آمل، أود ذلك – لكننا سنرى كيف تحقق الأطراف ذلك”.
لكن نصر قد قلل أيضًا من التوقعات، قائلًا إنه إذا ما كانت الدول لا تزال تتفاوض بشأن وضع الخسائر والأضرار على جدول الأعمال، فمن غير المرجح أن تحقق تقدمًا في آلية التمويل. وأضاف أنه من المرجح أن تستمر محادثات الخسائر والأضرار على مدى أسبوعين في شرم الشيخ، وربما تنتهي كإطار تم إنشاؤه لآلية تمويل، أو كتوضيح ما إذا كانت الأموال قد تأتي من مصادر جديدة أو مصادر موجودة بالفعل.
وقد حذر بعض المسؤولين من الدول المعرضة للتغير المناخي من أنه إذا ما فشلت الدول في التوصل إلى اتفاق في الوقت الحالي، فإن المشكلة ستزداد سوءًا في وقت لاحق. وفي هذا السياق، قال أفيناش بيرسود، المبعوث الخاص لرئيسة وزراء باربادوس ميا موتلي، لشبكة سي إن إن: “تعتقد الدول التي ليست على خط المواجهة أن هذا الأمر هو نوع من الإلهاء وأن الناس يجب أن يركزوا على التخفيف. ولكن، إذا ما قمنا بالتخفيف في وقت مبكر بما فيه الكفاية، فلن نضطر إلى التكيف. وإذا ما تكيفنا مبكرًا بما فيه الكفاية، فلن نتعرض للخسارة والضرر، لكننا لم نقم بمثل هذه الأشياء”.
المصدر: سي إن إن