ترجمة وتحرير: نون بوست
اسمي غادة حماد، نشأتُ في خان يونس في قطاع غزة، ودرستُ الكيمياء ثم عملتُ في مجال الصحة العامة، وكان عمري 27 سنة عندما بدأ الحصار الإسرائيلي، والآن عمري 42 سنة، ولقد عشتُ كل الحروب بين حماس و”إسرائيل”.
خان يونس هو بيتي، أعيش هنا وزوجي إسلام الذي يعمل مدرسًأ مع أطفالنا الخمسة، كانت المرة الأولى التي حاولت فيها مغادرة غزة بعد بدء الحصار هي في سنة 2013، حيث كنا نواجه مشاكل في الخصوبة، لم تكن القيود المفروضة على التنقل صعبة في ذلك الوقت، وأتذكر أن الإجراءات كانت سلسة، وهذا جزء من سبب صدمتي الآن من شدة الصعوبات التي أواجهها كي أتلقى علاج السرطان.
تمت إحالتي إلى عيادة لأطفال الأنابيب في نابلس بالضفة الغربية، وأخيرًا أنجبت ستة أطفال قد توفي أحدهم، والآن يبلغ التوائم الخمسة من العمر تسع سنوات، وتبلغ ابنتنا الكبرى 13 عامًا، لذا لك أن تتخيل مدى انشغال حياتنا العائلية.
وعندما كنتُ لا أزال أرضِع أولادي، أصبتُ بالحمى وشعرتُ بالمرض لكنني شغلتُ بالأطفال لدرجة أنني لم أنتبه إلي الأمر، ثم شعرتُ بشيء في صدري وكان مؤلمًا، لكن عندما ذهبتُ إلى الطبيبة قيل لي إن كل شيء يبدو على ما يرام، ورغم ذلك أخذوا عينة، وجاءت النتيجة سرطان في الثدي من المرحلة الثانية.
وحدد المستشفى في غزة موعدًا لعملية استئصال ثدي واحدة، كما تلقيت العلاج الكيميائي والهرموني الذي انتهى في سنة 2015، لقد كان وقتًا صعبًا جدًا فالأطفال كانوا لا يزالون صغارًا، وبدأت المشاكل حقًا بعد انتهاء هذه العلاجات عندما تمت إحالتي للعلاج الإشعاعي، حيث لا توجد مرافق طبية في غزة يمكنها تقديمه. لتلقي العلاج عليك إما الحصول على إذن من الإسرائيليين للسفر إلى القدس أو الضفة الغربية، أو من المصريين للذهاب إلى القاهرة.
وعادة ما يتعين عليك الحصول على موعد إحالة من المستشفى في الضفة الغربية للحصول على العلاج الطبي خارج غزة، ثم التقدم بطلب إلى الهيئة الفلسطينية التي تعمل على تنسيق تصاريح السفر لغرض العلاج مع الإسرائيليين؛ حيث تعتبر ميزانيات التغطية الطبية التي تقدمها السلطة الفلسطينية ضعيفة جدًا، وهناك الكثير من المرضى بحاجة إلى العمليات الجراحية المعقدة وعلاج للسرطان، لذا عادة تُقدَّم التصاريح العاجلة فقط في الحالات الحرجة.
ويُعد الحصول على تصريح السفر المصري أسهل قليلاً، لكن الرحلة أطول وأصعب بكثير، وقد تحتاج إلى إعادة إجراء جميع الاختبارات الطبية في النظام الطبي المصري، وسيتوجب علينا أنا وإسلام تغطية الكثير من التكاليف بأنفسنا وهو ما لا يمكننا تحمله، وكذلك سنضطر إلى ترك الأطفال مع الأقارب لوقت غير معروف.
وفي حال تمكنتُ من الذهاب إلى القدس، فيمكن أن تسافر والدتي معي كمرافقة وسيبقى إسلام مع الأطفال؛ حيث لا فائدة تُرجى من محاولة حصوله على تأشيرة السفر عبر إسرائيل، فنادرًا ما يعطون الإذن للرجال تحت سن الخمسين.
وتقدمتُ بطلب مع طبيبتي للذهاب إلى مستشفى أوغستا فيكتوريا في القدس لتلقي العلاج الإشعاعي تسع مرات، ولم نتلق ردًا سواء بالنفي أو الإيجاب. وكما يبدو، لا فائدة من العلاج الإشعاعي إذا لم يكن في غضون بضعة أسابيع من الجراحة، لذلك وبعد أكثر من عام فقد استسلمت.
مرة واحدة خلال هذه الإجراءات ذهبت إلى معبر إيريز في سنة 2015 لإجراء مقابلة أمنية مع الإسرائيليين، وهذا في حد ذاته أمر كبير حيث يقلق معظم الفلسطينيين بشأن الأسئلة التي سيتعرضون لها.
في المقابلة لم يسألني الضابط أي سؤال يتعلق بسبب رغبتي في السفر أو حالتي الطبية، فلقد أرادوا فقط معرفة المزيد عن الرجال في عائلتي: من هم وماذا يفعلون وأرقام هواتفهم، وكنت مشغولة جدًا بالأطفال لدرجة أنني لم أكن حتى أحفظ رقم هاتف إسلام جيدًا، ناهيك عن غيره من الأقارب والأصدقاء، وربما ظنوا أن هذا مريب.
قال الإسرائيليون مؤخرًا إنهم لم يتلقوا طلبات السفر الخاصة بي في سنة 2015، لكن هذا غير منطقي، وإلا فلم طُلب مني الذهاب إلى المقابلة في إيريز؟
وفي شهر آيار/ مايو الماضي، شعرت بشيء في نفس الثدي عندما كنت أستحم، فذهبتُ على الفور إلى الطبيبة واتضح أن السرطان عاد إلى عضلة الصدر، وخضعتُ لعملية جراحية أخرى لإزالته والآن أتلقى العلاج الكيميائي، وكنت قد نسيت مدى المرض والإرهاق الذي يتسبب به؛ حيث أجد صعوبة في القيام بأي شيء في المنزل، والآن يقع هذا العبء على إسلام وأقاربنا.
هذه المرة تقول طبيبتي إنه لا بد وأن أحصل على العلاج الإشعاعي، ولقد كانت غاضبة مني ولامتني على الاستسلام من قبل قائلة إنه لهذا السبب عاد السرطان.
لدي موعد مقرر في القدس في ٦ تشرين الثاني/نوفمبر، ولكن بناءً على تجاربي السابقة، لست متفائلة بشأن الحصول على إذن المغادرة، لكن زوجي يعتقد أنه بما أن عمري تعدى الأربعين فلدي فرصة أفضل.
في معظم الحالات يخبرونك إذا حصلت على التصريح فقط في اليوم السابق للسفر، أو لا يخبرونك بأي شيء على الإطلاق، وحتى لو نجحت هذه المرة فسأضطر إلى التقدم مجددًا إذا احتجت إلى المزيد من المواعيد في المستقبل، وهو ما قد يتم رفضه، وهذه ليست طريقة فعالة لعلاج السرطان.
من الناحية النفسية فهو صراع، والأطفال كبار بما يكفي لفهم ما يحدث هذه المرة وهو أمر صعب عليهم، كما أكره الطريقة التي يتصرف بها بعض الناس في المجتمع كما لو كنت أطلب الشفقة؛ أريد فقط أن أعامَل بشكل طبيعي.
من الصعب التفكير في المستقبل؛ ففي معظم الأوقات أركز على أن أكون قوية من أجل أولادي، والشيء الوحيد الذي أريد سماعه هو طبيب يخبرني أن كل شئ أصبح على ما يرام حتى أتمكن من متابعة حياتي مجددًا.
المصدر: الغارديان