قادة الجيش المصري متآمرون مع النائب العام ومعاونيه ومع النيابة ووزير الداخلية وقادة وزارته في الانقلاب العسكري على الرئيس المصري السابق محمد مرسي.
هذا ما أظهره تسريب نشرته قناة مكملين الفضائية والذي عرض جزءا من من المداولات والاتصالات الهاتفية التي جرت بين أعضاء المجلس العسكري في مصر، للبحث عن مخرج قانوني يبرر احتجاز مرسي في الأيام الأولى بعد الانقلاب العسكري في جهة غير معلومة.
وتظهر التسريبات طريقة العمل التي يعتمدها المجلس العسكري وطبيعة “التآمر” بين أعضاء المجلس لإضفاء صبغة قانونية على أعمال غير قانونية وغير دستورية، كما يظهر التعاون الوثيق بين المجلس ووزارة الداخلية والنائب العام والنيابة لـ “تلفيق” هذه الأعمال غير القانونية.
وبحسب التسريب الذي بثته القناة في برنامج “مكملين النهاردة”، الذي يقدمه الإعلامي أسامه جاويش، فقد أخبر المستشار القانوني للمجلس العسكري اللواء ممدوح شاهين اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي بأن القضايا التي يحاكم بها الرئيس مرسي قد تسقط “شكلا” إذا طعن محامو الدفاع على احتجازه في مكان غير تابع لسجون وزارة الداخلية في الأيام الأولى بعد الانقلاب، وهو ما يعني أن الاعتقال وكل التحقيقات والقضايا المرفوعة ضد مرسي غير قانونية وساقطة قضائيا، وأشار إلى أن النائب العام طلب منه حلا “بأي شكل” لهذه الأزمة.
اعتقال مرسي كان في وحدة عسكرية في الإسكندرية، وهو أمر مخالف للقانون إذ يجب أن يُحتجز في سجن تابع لوزارة الداخلية، ومن الواضح أن أحد أفراد النيابة قام بتسجيل هذه المعلومة في تقريره أثناء معاينته للمكان الذي احتُجز فيه الرئيس، النائب العام تواصل مع شاهين، وأخبره أنهم “في مصيبة” وأن المحكمة ستكون في “ورطة” إذا ركّز محامو الدفاع على هذه النقطة.
هذا التصريح تحديدا يتضمن تآمر النائب العام، مع قادة الجيش، ووزارة الداخلية، والمحكمة التي طالما يتم وصفها بالاستقلالية والحياد، إذ أن حديث النائب العام عن أن المحكمة ستكون في ورطة، ينفي أي استقلالية عنها، ويثبت تواطؤ جميع الأطراف في تنسيق التهم بحيث تبدو للرأي العام كقضية حقيقية.
وبناء على استشارة شاهين، طلب اللواء كامل طلب من شاهين الاتصال بقائد القوات البحرية اللواء أسامة الجندي للعمل بالتنسيق مع قوات الهندسة العسكرية على تحويل المبنى التابع للبحرية الذي احتجز فيه مرسي بعد الانقلاب إلى سجن، كما طلب شاهين من الجندي توصيف المكان له حتى يستخرج أوراقا قانونية بتواريخ قديمة من وزير الداخلية محمد إبراهيم تُقرِّرُ أن هذا المبنى المذكور هو سجن خاص تابع لوزارة الداخلية.
ممدوح شاهين كان فخورا بالتزوير الذي يقوم به، إذ يظهر التسريب قوله “إحنا في التزوير متقلقش علينا”!
شاهين أيضا قال في التسريب إن هذا الخبر سيتم نشره في “الوقائع المصرية” تحت بند “تابع”، مشيرا إلى أن هذا ما كان يحدث أثناء إدارة المجلس العسكري للبلاد.
وفي حوار آخر بيْن ممدوح شاهين ومدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل، تمّ الاتفاق على بعض الاحتياطات التي تظهر أن المبنى هو عبارة عن سجن منذ زمن بعيد، من خلال إظهار بعض الأوراق القديمة والكتابة على الجدران وغيرها من الإجراءات التي توحي لمن يرى السجن بأنه قديم وليس مجرد مبنى تم “تلفيقه” على عجل لضمان استمرار محاكمة مرسي.
ولا يعتقد كثيرون أن هذا التسريب سيكون له أثر قانوني، إذ قال أحد المعلقين إن المحكمة لن تعتد به لكونه تم تسجيله بطريقة غير شرعية، لكن أهميته تكمن في كونه وثيقة تاريخية تثبت التآمر الذي قامت به النخبة العسكرية الحاكمة في مصر، ضد الثورة المصرية، وضد الرئيس المنتخب للبلاد.
التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي كانت غير اعتيادية بالنسبة للمغردين في مصر، إذ كتب المعلقون أكثر من 50 ألف تغريدة تحت هاشتاج #تسريب_مكتب_السيسي، فيما برز التفاعل على صفحات فيسبوك بشكل أكبر.
وقبل نهاية اليوم، وفي محاولة يائسة لإلهاء الرأي العام المصري عن القضية، قام عبدالفتاح السيسي بإجراء اتصال هاتفي مع أحد البرامج التليفزيونية للحديث عن ذوي الاحتياجات الخاصة! ويبدو أن الأمر لم يؤثر كثيرا في التفاعل مع التسريبات، فقام أحد الصحفيين المعروفين بارتباطهم بالأمن بإطلاق شائعة تتضمن وفاة الديكتاتور المخلوع حسني مبارك، إلا أنه سرعان ما تم نفيها عبر مصادر متعددة.
العديدون تساءلوا حول مصدر التسريبات، فالتسريبات التي تثبت سلطة الدولة العميقة في مصر، تثبت أيضا صراعها الداخلي. فبينما رجح البعض أن تكون التسريبات أصدرها طرف في الصراع الدائر الآن، قلل البعض من قيمة ذلك الصراع مشيرا إلى أنه من الوارد أن يكون من سرّب ذلك هو أحد صغار الضباط من الرافضين للانقلاب العسكري.
للاستماع إلى التسريبات كاملة: