ترجمة وتحرير: نون بوست
يتصدر تمويل تغير المناخ جدول أعمال القمة السنوية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، المعروفة باسم “مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ”، التي أقيمت هذه السنة في أحد منتجعات شرم الشيخ المصرية المطلة على البحر الأحمر في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر.
في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتتالي الظواهر الجوية الكارثية بوتيرة وشدة أكبر، لا يمكن إنكار حقيقة أن تكلفة تغير المناخ آخذة في الازدياد. ومع ذلك، يظل تأثير تغير المناخ متفاوتًا على الدول الفقيرة التي تعتبر أيضًا الأقل قدرة على دفع ثمن هذا الضرر ناهيك عن أنها ليست المساهم الرئيسي في الأسباب الجذرية للمشكلة. ورغم كونها ثاني أكبر قارة في العالم من حيث عدد السكان بعد آسيا، إلا أن إفريقيا مسؤولة عن حوالي أربعة بالمئة فقط من الانبعاثات العالمية.
أدى ذلك إلى إطلاق دعوات للدول الأكثر ثراءً من أجل تقديم تعويضات مناخية للدول الفقيرة من خلال صندوق “الخسائر والأضرار”، فيما يُعرف بـ “الركيزة الثالثة” في مكافحة تغير المناخ، إلى جانب استراتيجيات التخفيف والتكيف.
والسؤال المطروح: هل انعقاد قمة هذه السنة في دولة إفريقية سيعطي هذه الدول الأفقر أفضلية لمحاسبة الدول الغنية عن تكلفة تغير المناخ؟
يرى إيمانويل سياكيلو، كبير مستشاري التكيف مع المناخ ومرونة الأراضي في مركز “باور شيفت أفريكا”، وهي مؤسسة فكرية في كينيا، أن “هناك حاجة مطلقة لأفريقيا لممارسة المزيد من الضغط للحصول على الدعم المالي”.
في السنوات الأخيرة، عانت الدول الأفريقية من بعض أسوأ آثار تغير المناخ، حيث أدت الأعاصير والانهيارات الأرضية والجفاف إلى انتشار الجوع والنزوح وكذلك الموت. في سنة 2019، ضرب إعصار إيداي المناطق الشرقية من زيمبابوي مما تسبب في نزوح أكثر من 60 ألف شخص ومقتل أكثر من 300 شخص. هناك حاجة إلى أكثر من نصف مليار دولار لاستبدال البنية التحتية المدمرة، بما في ذلك المدارس والطرق وخطوط الكهرباء والعيادات الطبية.
في الأثناء، شهدت كينيا أربع سنوات متتالية من مواسم أمطار دون المتوسط لتعاني من أطول موجة جفاف منذ 40 سنة على الأقل، مما ترك 4.2 مليون شخص على الأقل في حاجة إلى المساعدة الإنسانية. وفي المناطق الرعويّة، عانى الرعاة من خسائر كبيرة وهم يواجهون تحديًا في حياتهم المعيشية، إذ تُشير التقارير إلى أن ما لا يقل عن 1.5 مليون رأس من الماشية قد نفقت نتيجة للجفاف.
في نيسان/ أبريل من السنة الجارية، قُتل حوالي 450 شخصًا جراء الأمطار الغزيرة والفيضانات في جنوب إفريقيا. وقد دمرت الأمطار الغزيرة المنازل وانهارت المباني وجرفت الطرق الرئيسية في حصيلة أضرار تقدر بنحو 684 مليون دولار في مدينة ديربان الساحلية والمناطق المحيطة بها، وذلك وفقًا لمسؤولين في جنوب إفريقيا.
ووفقًا لبنك التنمية الأفريقي، تخسر القارة ما بين 5 بالمئة و15 بالمئة من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بسبب تغير المناخ والآثار المرتبطة به. وقد أدى ذلك إلى وضع البلدان الأفريقية في موقف صعب بشكل خاص للتعافي من الأزمات والكوارث الناجمة عن تغير المناخ. ومن جهته، أوضح سياكيلو “تستخدم البلدان في إفريقيا الأموال المخصصة لقطاعات حيوية مثل الصحة والزراعة لتمويل تكاليف التكيف”.
في سنة 2009، في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في كوبنهاغن، وعدت بلدان الشمال العالمي باستثمار 100 مليار دولار في تمويل المناخ سنويًا بحلول سنة 2020 لمساعدة البلدان في جنوب الكرة الأرضية على التخفيف من آثار تغير المناخ. لكن منذ سنة 2015، فشلت دول الشمال في الوفاء بوعد تمويل المناخ. وبلغت قيمة أكثر الالتزامات المُنجزة حوالي 80 مليار دولار في سنة 2019، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
التحدي الأكبر في أزمة المناخ يتمثل في كونها ظاهرة علمية يقرر السياسيون الحلول اللازمة لها. وهذا يعني أن الجغرافيا السياسية هي التي تقود عملية صنع القرار، وليس التأثيرات على أرض الواقع.
ووفقًا لبنك التنمية الأفريقي، فإن القارة ستحتاج من سنة 2020 إلى سنة 2030 إلى حوالي 1.6 تريليون دولار لجهودها الخاصة للحد من تغير المناخ والتكيف مع الآثار الضارة التي تظهر بوضوح بالفعل. وقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنه من المتوقع أن يتسبب تغير المناخ في أفريقيا ما بين 2030 و2050 في حدوث حوالي 250 ألف حالة وفاة إضافية سنويًا نتيجة سوء التغذية والملاريا والإسهال والإنهاك الحراري.
يعتقد الدكتور أندرسون كابيلا، رئيس البرنامج في معهد ستوكهولم للبيئة بإفريقيا، أن الدول المتقدمة يجب أن تنظر إلى التحدي المناخي باعتباره تحديًا تواجهه جميع البلدان بدرجات متفاوتة. وتتحمل الدول المتقدمة المسؤولية الأكبر ذلك أنها مسؤولة عن أكثر من 90 بالمئة من انبعاثات الكربون العالمية. ويعتقد كابيلا أن بلدان الشمال يجب أن توفر الدعم الفني والمالي لتمكين جنوب الكرة الأرضية من مواجهة التحدي المناخي.
كان سياكيلو أكثر صراحة في تقييمه لما يجب القيام به بقوله إن “الدول المتقدمة قد استنفدت حرفيا ومجازيا “الفضاء المناخي” أثناء تطورها. والخيار الوحيد الذي تبقى أمام أفريقيا هو أن تقدم لها الدول المتقدمة الدعم بشكل عاجل في شكل تمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات؛ إنها قضية أخلاقية”.
يقول تابوا أوبرين ناتشي، عالم الاجتماع وخبير المناخ في زيمبابوي، إنه رغم استمرار الدعوات المتزايدة لإنشاء صندوق عالمي لمساعدة البلدان والمجتمعات في معالجة الخسائر والأضرار، استمرت المناقشات حول إنشائه بوتيرة بطيئة. ويعزو ناتشي ذلك أساسًا “إلى المعارضة الشرسة من قبل الدول الغنية – بما في ذلك الولايات المتحدة وأستراليا وبعض الدول الأوروبية – التي لا تريد أن تتحمل المسؤولية عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتفعة تاريخيا أو توفر المزيد من التمويل المتعلق بالمناخ”.
وبدلاً من ذلك، ركزت بعض الحكومات المانحة – على حد تعبير ناتشي – على توسيع نطاق الوصول إلى التأمين في البلدان النامية. فعلى سبيل المثال، تهدف “شراكة عدم القدرة على الصمود العالمية التي تم إطلاقها في سنة 2017 إلى توفير الحماية المالية ضد مخاطر المناخ والكوارث لـ 500 مليون شخص، بما في ذلك صغار المزارعين، بحلول سنة 2025”.
ويضيف ناتشي أن “العديد من المدافعين عن المناخ يقولون إن التأمين لا يمكن أن يكون إجابة دائمة، مع توقع ارتفاع الخسائر التي ربما ستصبح غير قابلة للتأمين مع اشتداد الكوارث المناخية. ومن المتوقع أن تصل احتياجات تمويل الخسائر والأضرار إلى مئات المليارات من الدولارات سنويًا بحلول سنة 2030. كما أنه من غير المرجح أن توفر المساعدات الإنسانية مساعدةً كافية”.
يوضح ناتشي أن التحدي الأكبر في أزمة المناخ يتمثل في كونها ظاهرة علمية يقرر السياسيون الحلول اللازمة لها. وهذا يعني أن الجغرافيا السياسية هي التي تقود عملية صنع القرار، وليس التأثيرات على أرض الواقع.
تشتهر قمم الأمم المتحدة للمناخ بلفت انتباه العالم إلى أزمة المناخ العالمية – ويعود جزء كبير من ذلك إلى حشود الناشطين والمتظاهرين الذين يتجمعون في إطار هذا الحدث
ويُذكّر ناتشي بأن “هذه القضية قد بدأت قبل تسع سنوات، عندما وافق مفاوضو الأمم المتحدة بشأن المناخ على إنشاء آلية رسمية لمعالجة الخسائر والأضرار – ولكن لم يتم إتخاذ سوى القليل من الإجراءات الملموسة، بخلاف الجهود التي يدعمها المانحون لتعزيز التأمين ضد الكوارث الجوية في البلدان النامية”.
لقد تغيّر العالم بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية، وخرج الناس من الوباء مرهقين ليواجهوا أزمة طاقية نتيجة الحرب الأوكرانية أدت إلى عودة العديد من الدول الغربية إلى استخدام الفحم ومواصلة اعتمادها على الوقود الأحفوري. وتلوح أيضًا أزمة اقتصادية في الأفق في ظل ارتفاع التضخم على مستوى العالم. وهذا المزيج يعني وجود تمويل أقل للتعويضات وانعدام الإرادة السياسية.
تتخذ بعض البلدان في إفريقيا تدابير لحماية البيئة وتقليل أسباب تغير المناخ. يُذكر أن كينيا ورواندا وتنزانيا فرضت حظرا صارما على استخدام البلاستيك للحد من التلوث. كما استثمرت كينيا في الطاقة المتجددة النظيفة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مثلها مثل المغرب ومصر
ولكن في أوقات الأزمات ونقص المواد، اتبعت دول مثل ناميبيا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية مسارًا نطوي على مخاطر بيئية. وفي السنة الماضية، أعلنت ناميبيا اكتشاف احتياطي نفط يعادل 11 مليار برميل من النفط، بينما تعتزم أوغندا استخراج 6.5 مليار برميل، مقابل 5 مليارات برميل نفط في جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما تفتتح زيمبابوي مناجم فحم جديدة لتلبية احتياجاتها من الطاقة وكذلك لتصدير الوقود الأحفوري.
كما هو الحال دائمًا فإن المخاطر كبيرة، ويعتبر تركيز العالم على إفريقيا فرصةً. تشتهر قمم الأمم المتحدة للمناخ بلفت انتباه العالم إلى أزمة المناخ العالمية – ويعود جزء كبير من ذلك إلى حشود الناشطين والمتظاهرين الذين يتجمعون في إطار هذا الحدث. ومع ذلك، مع ورود تقارير عن مراقبة واعتقال الناشطين قبل بدء القمة، يبدو أن النظام المصري عازم على إدارة الأضواء مما يضر كثيرًا بالقارة والمناخ على حد سواء.
المصدر: نيو لاينز