لا يخفى على أي محب للتسوق أهمية شهر نوفمبر/تشرين الثاني، فهو الشهر الأكثر شهرةً بسبب التخفيضات والعروض التي تعلنها كبرى العلامات التجارية في العالم، خاصةً في تركيا، التي تعتبر من الدول الرائدة في مجال التسوق الإلكتروني، فقد ارتفعت معدلات نمو الشراء عن طريق الإنترنت بنسبة 38% مقابل 15% عالميًا ونسبة مستخدمي الإنترنت تتجاوز الـ94% من عامة الشعب.
هذه البيانات حفزت شهية الشركات للاستفادة من هذا الموسم لنشر عروض وتخفيضات وهمية تهدف إلى تضليل الزبون لشراء منتج بسعره الطبيعي دون أي تخفيض، عبر بعض التكتيكات الإعلانية الخادعة.
لكن دعنا نسأل أولًا: لماذا شهر نوفمبر/تشرين الثاني تحديدًا؟
اكتسب شهر نوفمبر/تشرين الثاني هذه الأهمية لعدة أسباب، إذ يوافق عيد الشكر في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الخميس الرابع في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ويشتهر هذا العيد في الثقافة الأمريكية بتقديم أفراد العائلات الهدايا لبعضهم البعض، لهذا تستغل الشركات اليوم التالي لهذا اليوم (يوم الجمعة) في تقديم عروض وخصومات حقيقية على كم هائل من المنتجات المعروضة في المحلات ومواقع التسوق الإلكتروني فيما يعرف في وقتنا الحالي بالـ”الجمعة السوداء”.
أصبح هذا المصطلح عادة سنوية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، ودائمًا ما تنتشر صور وفيديوهات لفوضى وتدافع المتسوقين في مراكز التسوق والمحال التجارية.
وبعد انتشار الأجهزة الإلكترونية وتهافت المتسوقين على شرائها، روجت الشركات لـ”الإثنين الرقمي” Cyber Monday (بعد يومين من الجمعة السوداء)، ليكون فرصةً ثانيةً لمن لم يستطع أن يتبضع كل حاجياته يوم الجمعة السوداء.
الطرف الآخر من الكرة الأرضية لن يترك هذه الفرصة تذهب دون استغلال، فقد روجت شركات صينية لما يدعى بـ”يوم العزاب”، واختير يوم 11.11 من كل عام ليكون عيدًا للتسوق تتصارع فيه الشركات والمواقع الصينية لتقديم عروض وتخفيضات جذابة، ومن أكثر المواقع التي استغلّت هذا اليوم موقع التجارة الإلكترونية الصيني الأشهر AliExpress حيث يحقق أرقام مبيعات قياسية تتجاوز الـ84 مليار دولار في يوم واحد فقط!
أين تركيا من كل هذا؟
موقع تركيا الجغرافي الذي يصل آسيا بأوروبا أعطى مواقع التسوق والعلامات التجارية دفعة قوية لاستغلال كِلا الحدثين: “يوم العزاب” و”الجمعة العظيمة” المصطلح الترويجي التركي لـ”الجمعة السوداء”، إذ تتسابق أشهر مواقع التسوق في تركيا كـTrendyolوHepsiBurada وN11 والنسخة التركية من Amazon لتقديم وترويج عروض حصرية كلٌ منها على طريقته، منهم من يقدم خصمًا إضافيًا على السلة ومنهم من يقدم “كوبونات” تخفيض ومنهم من يخفض الأسعار بشكل جنوني بهدف جذب أكبر عدد من المشترين.
وسط كل هذه الفوضى تلمع فرصة لجني المزيد من المال، كيف ذلك؟ عن طرق تقديم عروض وهمية، تخفيضات غير حقيقة وترويج عبارات مضللة تشوش على قرار المشتري وتجعله يتبضع بلا وعي.
كيف تحتال المتاجر على المشترين؟
تخفيض غير حقيقي: أحد أكثر الطرق رواجًا هي عرض وترويج تخفيضات غير حقيقية عن طريق رفع سعر المنتج قبل موعد التخفيض وإعادة السعر لما كان عليه – أو حتى أعلى – في موعد التخفيضات.
تخفيضات محدودة ومضللة: تتوجه بعض العلامات التجارية إلى ترويج تخفيضات كبيرة تحت عبارة “تخفيضات تصل إلى 70%” مثلًا، لكن ما تكتشفه بعد دخولك للصفحة أو اطلاعك على المنتجات، أن قلة قليلة فقط من المنتجات هي التي يكون عليها تخفيض 70% وباقي المنتجات تُباع بالسعر الطبيعي أو أقل بشكل بسيط جدًا.
اشتر قطعة والثانية مجانًا: واحدة من أكثر العروض رواجًا في الفترة الأخيرة، إذ تضاعف بعض المواقع سعر المنتجات ومن ثم ترويج هكذا عروض بهدف جذب العملاء.
الحكومة التركية تتدخل
بعد شكاوى كثيرة تقدم بها المواطنون الأتراك ضد بعض هذه المواقع أو المتاجر، أصدرت وزارة التجارة التركية، هذا العام، تعليمات تجبر فيها الشركات على استخدام لغة غير مضللة في صياغة الجمل والعبارات الترويجية والإعلانية، ومن أبرز هذه القرارات:
– منع المتاجر من رفع السعر قُبيل أيام التخفيض وإعادة تخفيضه، لإيهام المشتري بخصم كبير على عكس الحقيقة، حيث أجبرت وزارة التجارة التركية على مقارنة السعر بعد التخفيض بأرخص سعر للمنتج خلال الـ30 يومًا التي تسبق يوم التخفيض.
– منع المتاجر من استخدام عبارات كـ”فقط!” و”لا أكثر من” في إعلاناتهم الترويجية.
– منع المتاجر من استخدام عبارات مثل “اشترِ قطعتين واحصل على الثالثة مجانًا” أو “اشترِ قطعة واحصل على خصم 20% على القطعة الثانية” أو ما شابهها من عبارات مضللة.
– منع المتاجر من استخدام عبارات كـ”تخفيضات تصل لـ30%” أو “بأسعار تبدأ من 50 ليرة”، “أي منتج بـ100 ليرة” إلخ.
– إجبار المتاجر على توضيح تفاصيل الشراء بالتقسيط كمدة التقسيط وقيمة الفائدة والسعر الإجمالي بعد إضافة الفائدة في جميع إعلاناتهم الترويجية.
– إجبار الشركات على كتابة الأرقام ونسبة التخفيض والسعر قبل وبعد التخفيض بشكل مقروء وواضح.
ولإنصاف المتاجر أصدرت وزارة التجارة قرارًا يقضي بحصر المتاجر على تقديم خدمة الإعادة (الإرجاع) المجانية للمنتجات التي تم شحنها بالخطأ او لم تتناسب مع وصف المنتج أو كانت معطلة، أما في غير هذه الحالات يتوجب على المشتري دفع قيمة شحن المنتج للبائع في حال كان يريد إعادته.
وتستجيب وزارة التجارة لشكاوى الجمهور من مواطنين ومقيمين عن طريق منصة الدولة رقمية التي يمكن من خلالها تقديم أي شكوى ورفع معلومات وصور تساعد الوزارة على التحقق من الشكوى ومعاقبة البائع حال مخالفته القانون.
ختامًا، سواء كنت تفضل التسوّق عبر مواقع تجارية الإلكترونية أوالمراكز التجارية والمولات، فإنه لأول مرة في مواسم التخفيضات في تركيا، ربما، ستكون واثقًا من أن المتاجر والباعة لا يخدعونك فيما يتعلق بحقيقة السعر المخفّض، وأن التخفيضات التي تراها حقيقة وصادقة، ويمكنك الاستفادة منها.