ترجمة وتحرير: نون بوست
الأردن هو أحد أكثر دول العالم جفافاً، اعتاد سكان الأردن منذ فترة طويلة على إمدادات المياه إلى المنازل التي قد لا تزيد عن 36 ساعة فقط في الأسبوع، ولكن في الآونة الأخيرة يتقلص هذا التدفق الضئيل بسبب مزيج منهك من ارتفاع درجة حرارة الكوكب وتضخم الطلب.
مثل الكثيرين في العاصمة عمَّان؛ تقوم رجاء البوابيجي البالغة من العمر 64 سنة بتخطيط أيامها وفقًا لذلك؛ حيث تعمل خلال الأسبوع كمحامية لحقوق الإنسان، وفي أيام الجمعة تتحول إلى عداءة ماراثون منزلي، فتقوم بالتنظيف وغسل الملابس وطهي ثلاث وجبات كبيرة على عجل خلال فترة توفر المياه القصيرة.
لكن هذا الصيف جفت الصنابير المنزلية لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع في أجزاء من هذه الدولة الجافة الصغيرة في الشرق الأوسط. ومع حلول أوائل الصيف، عندما لم تنبض الصنابير بالحياة في الموعد المحدد، قالت رجاء البوابيجي بأنها خشيت المزيد من الانقطاعات.
وذكرت أن الجميع كانوا قلقين بشأن الماء، لذلك اشترت خزانًا ثانيًا في سقف بيتها وتشاركت مع جيرانها لملئه عن طريق شراء المياه من شركة صهاريج مياه خاصة، وقالت بحسرة: “إذا أردت أن تشعر بالحرية، فأنت بحاجة إلى ثلاث خزانات”.
لقد كان للنمو السكاني وتناقص موارد المياه وتغير المناخ أثرهم، وقد زاد من سوء الوضع تضرر البنية التحتية غير الفعالة، بالإضافة إلى التحديات الكبيرة التي تفرضها الجغرافيا والتضاريس الأردنية؛ حيث إن فقر المياه الناتج عن ذلك هو بمثابة تحذير لما قد يحمله المستقبل للمنطقة والعالم خارجها.
تقع جميع مصادر المياه الرئيسية في البلاد بالقرب من الحدود، مما يتطلب نقل المياه إلى الأراضي الداخلية وهي عملية تستهلك الكثير من الطاقة ومكلفة بشكل متزايد مع ارتفاع أسعار الوقود. وانخفض هطول الأمطار بشكل حاد في العقود الأخيرة، ومع درجات الحرارة الأكثر دفئًا، ما قد يأتي من المطر يتبخر بسرعة، ولقد أدت فترات الصيف الأطول والأكثر سخونة بالفعل إلى قصر مواسم الزراعة المتاحة للمزارعين.
وقال معتصم سعيدان، وزير المياه السابق والأستاذ في الجامعة الأردنية: “تغير المناخ ضرب الأردن بقوة في السنتين الماضيتين”، فنهر البلاد الذي يحمل اسمها يكاد أن يجف، وقد أصبح التدفق في نهر الأردن أقل من 10 في المائة من متوسطه التاريخي، كما أن أحد روافده الأساسية – وهو نهر اليرموك – في تضاؤل شديد، وتغذي مياه الأردن التي كانت متسارعة في السابق البحر الميت، بحيرة المياه المالحة التي أخذت في الاختفاء.
ويتم تقاسم الأنهار بشكل غير مريح مع الجيران؛ حيث قامت “إسرائيل” وسوريا لسنوات بتحويل المياه من المنبع لاستخدامهم الخاص، وتمثل زيادة الإمدادات من هذه المصادر تحديًا، لا سيما مع “إسرائيل”، التي عاشت سلامًا باردًا مع الأردن لعقود إلى الآن.
كل هذا أدى إلى الاعتماد الشديد على استخراج المياه من الطبقات الجوفية تحت سطح الأرض؛ حيث يتم استنزاف طبقات المياه الجوفية بما يقارب ضعف معدل تجددها الطبيعي وتمثل الآن حوالي 60 في المائة من إمدادات المياه في البلاد.
وقال عمر سلامة الناطق باسم وزارة المياه والري إن الحكومة تدرك جيدًا مخاطر استنفاد موارد المياه الجوفية، لكنه قال إن تزايد عدد السكان، الذي يرجع بشكل كبير إلى موجات اللاجئين من سوريا والدول الأخرى التي تواجه الصراع، قد عرَّض الحكومة إلى لضغوط لتلبية الطلب المتزايد.
وارتفع عدد السكان من 8 ملايين نسمة ليصل الآن إلى أكثر من 11 مليون نسمة في عقد واحد فقط، بما في ذلك أكثر من 760,000 شخص مسجلين لدى الأمم المتحدة كلاجئين.
وقال السيد سلامة: “ليس لدينا بدائل أخرى”.
بالنسبة لأولئك الذين يملكون الموارد المالية، تتوفر الحلول والبدائل من خلال المال،. ومن لا يملكه عليه ببساطة التصرف بدونه.
يلجأ العديد من الأردنيين إلى خدمات صهاريج المياه الخاصة، لكن الأسعار التي تتقاضاها تلك الناقلات المنتشرة في الأحياء الأكثر ثراءً في العاصمة عمان، ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة في الصيف الماضي؛ حيث تحتفظ المباني والمنازل بخزانات المياه على الأسطح، ويتم ملؤها من مصدر المياه الحكومي الذي يخضع لنظام الحصص خلال الأسبوع، غالبًا ما يكون لدى الأسر الغنية خزانات متعددة، كما يمكنهم ملؤها بالمياه المشتراة من الناقلات الخاصة.
وتعتبر الفئات الفقير هي الأكثر تضررا من نقص المياه، فلا يستطيع الفقراء الشراء من الناقلات الخاصة وقدرتهم أضعف على تخزين المياه، ويتعين على جميع الأسر شراء خزانات خاصة بهم، وإذا تضرر أحدها تكون العواقب وخيمة.
وتعيش الفلسطينية ابتسام يوسف عبد الرحمن، البالغة من العمر 55 عاما، المقيمة في مخيم الوحدات في جنوب شرق عمان، في شقة مكونة من غرفتين مع زوجها وبناتها وحفيديها، ولقد تلقوا خزانًا جديدًا من قبل اليونيسف خلال الجائحة لتحل محل ذلك الخزان الفولاذي التالف والمصدأ ولكن في منتصف أيلول/سبتمبر، تحطم خزان اليونيسيف، وتدفقت المياه الثمينة إلى الشارع. وحيال هذا الشأن، قالت: “بدأت أبكي وأركض في الحي. الآن لا يوجد ماء وهذا أكثر ما يثير قلقي”.
وبسبب عدم القدرة على توفير مياه للاستخدام طوال الأسبوع، عادت للتجول على جيرانها مصحوبة بدلو لتطلب منهم أن يملؤونها، وتضطر عائلتها للتخلي عن الاستحمام والتنظيف. وكانت تصرخ عليهم في كل مرة يغسل فيها أحدهم يديه وتحثهم باستمرار على ألا يهدروا حتى قطرة.
ويعد متوسط كمية المياه المتاحة كل عام للمقيم في الأردن أقل بكثير من عتبة “ندرة المياه المطلقة” البالغة 500 متر مكعب التي حددتها الأمم المتحدة، فحسب السيد سلامة، لا يمكنهم تجاوز 80 مترًا مكعبًا من الماء.
ومن شأن مشاريع تحلية المياه أن توفر شريان حياة واعدًا للأردن، لكن تنفيذها ليس سهلًا؛ حيث يجري العمل على مشروع واسع النطاق لتحلية المياه في مدينة العقبة الساحلية على البحر الأحمر، لكن الأمر سيستغرق سنوات. وهناك حل واحد سريع محتمل: شراء المزيد من المياه من “إسرائيل”، الرائدة في تقنيات تحلية المياه، وكان التعاون في مجال المياه عنصرا هاما في معاهدة السلام سنة 1994 بين البلدين، كما وقع البلدان اتفاقية المياه مقابل الطاقة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في منتجع شرم الشيخ المصري المطل على البحر الأحمر يوم الثلاثاء.
واندلعت الاحتجاجات في عمان السنة الماضية عندما تم الإعلان لأول مرة عن الخطة، التي توسطت فيها الإمارات العربية المتحدة والتي ستشمل إرسال الأردن للطاقة الشمسية إلى “إسرائيل” مقابل تقديم المياه، ويعد الاعتماد المفرط على المياه الإسرائيلية أمرًا غير مستساغ لكثير من الأردنيين الذين يعارضون احتلال الأراضي الفلسطينية.
لكن المياه قضية مهمة للأمن القومي في الأردن، ويهدد النقص بزعزعة استقرار حليف عربي أمريكي قوي كان واحة من الهدوء في منطقة تتسم بالاضطرابات. في هذا السياق، قال إياد الدحيات، المسؤول السابق بوزارة المياه، إن حقيبة المياه لا تقل أهمية عن الجيش بالنظر إلى التهديدات التي يتعرض لها الأردن من جراء ظاهرة تغير المناخ.
وتوقعت إحدى الدراسات الحديثة أن النقص الحاد في المياه والذي من المحتمل أن يزعزع الاستقرار سيصبح شائعًا في الأردن بحلول سنة 2100 ما لم تتخذ الدولة إجراءات وتغييرات كبيرة.
وقات ساندرا روكستول، وهي باحثة أمريكية مقيمة في عمان ومستشارة أولى في إدارة المياه الدولية: “تحتاج الحكومة إلى زيادة الإمداد للمجتمعات للحد من الاستياء”، كما تؤكد السيدة روكستول وخبراء آخرون على أن الحكومة بحاجة إلى رفع أسعار المياه على أساس دخل الأسرة لمراعاة التكلفة الباهظة لتوصيلها إلى المنازل والشركات، لكن العديد من الأردنيين يعانون بالفعل من البطالة وارتفاع الأسعار وهذا سيكون عبئًا إضافيًا لا يحظى بشعبية.
ويعد اختيار المحاصيل بحكمة وإدارة المياه أمرًا بالغ الأهمية للزراعة الأردنية مع تسارع تغير المناخ، وكان القطاع يستخدم في السابق حوالي 70 في المائة من إمدادات المياه في البلاد، على الرغم من أنه يساهم بشكل ضئيل نسبيًا في الناتج المحلي الإجمالي.
وانخفض الاستخدام إلى حوالي 50 في المائة، وهو ما وصفه السيد سلامة، المتحدث باسم الحكومة، بأنه مؤشر واعد، لكن العديد من المزارعين لا يزالون يركزون على زرع المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه والتي تزداد صعوبة زراعتها.
يُعد خير الدين شكري، البالغ من العمر 68 سنة، مالك مزرعة متقاعد ومستشارًا طالما حث على زرع المحاصيل التي تتطلب كميات أقل من المياه وتجلب المزيد من المال، وقال إن قضية المياه تدور حول التخطيط مشيرًا إلى الممارسات غير الفعالة والهدر، وأوضح متحدثًا عن الأردن: “إنها دولة ذات إمكانات هائلة لكنها تفتقر إلى إدارة فعالة”.
وفي زيارة لمزرعة تمور يساعد السيد شكري في الإشراف عليها، عرض المحصول الذي دافع عنه لسنات: تمر المجهول الذي يمكنه تحمل المياه المالحة منخفضة الجودة ويباع بأسعار عالية.
وكانت محاصيل المزارع الواقعة في المنطقة ضئيلة هذا الصيف لأن الحقول تلقت كميات أقل من المياه التي كانت مالحة أكثر من المعتاد. في إحدى المزارع، قاموا بزراعة نصف المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل الباذنجان والطماطم والفلفل التي يبيعونها لسلسلة محلات السوبر ماركت الدولية كارفور، حسب السيد شكري. وقد واجه فريقه سرقة للمياه خلال موجة الحر في مزراع الزيتون، وبحلول الوقت الذي أعادوا فيه إمدادات المياه، فقدوا المحصول بالكامل.
في الشأن ذاته، قال السيد شكري وهو يهز رأسه: “عندما تفقد محصولاً، تخسر عامًا من حياتك”.
المصدر: نيويورك تايمز