انقضت الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، حاملة معها جملة تغييرات على المستقبل المنظور والقريب مع استعادة الجمهوريين للكونغرس، بحصولهم على 210 مقاعد مقابل حصول الديمقراطيين على 198 مقعدًا، مع تقاسُم مجلس الشيوخ مناصفة بـ 48 مقعدًا لكل حزب، فما تأثيرات هذه النتائج على السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية؟
أولًا: السياسة الداخلية
1. تشريع القوانين: بصورة عامة، يملك الرئيس صلاحيات كبيرة في تقرير السياسات الداخلية والخارجية، لكن الكونغرس هو من يموّل الموازنة ويوافق على القوانين، وهذا ما يجعل السياسية الأمريكية الداخلية بالغة التعقيد وتخضع للكثير من المساومات.
هناك بعض القوانين التي عمل عليها الحزبان لإقرارها معًا، مثل قوانين تجارة الأسلحة والاستثمار التكنولوجي هذا العام، والإنفاق على البنية التحتية العام الماضي، لكن صعود الجمهوريين سيعني تغييرًا في توجُّه الكونغرس، فمن المتوقع تهميش قوانين مثل الإجهاض ومعالجة تغيُّر المناخ والمراقبة الأكثر صرامة للأسلحة، وسيكون معظم، إن لم يكن كل، جدول أعمال الرئيس جو بايدن ميتًا فعليًّا خلال العامَين الأخيرَين من ولايته، ومع ذلك لا شيء يصبح قانونًا من دون توقيع بايدن.
تعتبر مشاريع القوانين لتمويل الحكومة ورفع سقف الديون والتعامل مع القضايا العسكرية ضرورية لكي تعمل الحكومة، ومن المرجّح أن تصبح مشاريع القوانين تلك نقاط اشتعال في المفاوضات بين الحزب الجمهوري والديمقراطيين والبيت الأبيض.
بايدن، الذي خدم في مجلس الشيوخ لعقود من الزمان، كثيرًا ما روّج لأوراق اعتماده من الحزبَين، وقال إنه يريد العمل مع الجمهوريين، لكن لن يكون هناك إقبال كبير على ذلك في الكونغرس الجمهوري، الذي جعل معارضة بايدن على رأس أولوياته.
يحمل الجمهوريون أجندتهم الخاصة، والتي تركز على أمن الحدود وإنفاذ القانون وخفض الميزانية واستخراج الوقود الأحفوري، لكن حتى إذا تولى الجمهوريون الكونغرس فسيكون الديمقراطيون قادرين على منع المرور في مجلس الشيوخ باستخدام قاعدة المماطلة، أو في البيت الأبيض باستخدام حق النقض الذي يتمتّع به بايدن، وعلى مدى العامَين المقبلَين قد يكون الجمود التشريعي هو السمة البارزة.
2. سلطة التحقيق: لمدة عامَين، كان الديمقراطيون هم من يتخذون القرارات ويجرون التحقيقات، وهذا سهّل لهم إجراء تحقيق موسّع في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، والهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي، وجلسات استماع حول مواضيع تشمل الإجهاض والرعاية الصحية وحقوق التصويت، حيث إذا تولى الجمهوريون السيطرة على الكونغرس فإن الأولويات ستتغير بسرعة.
وقد وعد المحافظون في مجلس النواب بالفعل بعقد جلسة استماع في العلاقات التجارية التي تربط هانتر، نجل جو بايدن، بالصين، ويريدون أيضًا النظر في سياسات الهجرة لإدارة بايدن، وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وأصول جائحة فيروس كورونا في الصين.
تتولى اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ مراجعة الترشيحات الرئاسية للمحاكم الفيدرالية، وعلى مدى العامَين الماضيَين سجّل الديمقراطيون رقمًا قياسيًّا حديثًا لعدد القضاة الجدد الذين تمَّ تعيينهم مدى الحياة.
إذا سيطر الجمهوريون أيضًا على مجلس الشيوخ الأمريكي، فتوقعوا أن تتوقف عملية تأكيد مرشحي بايدن، وإذا تم فتح منصب شاغر في المحكمة العليا، فهناك فرصة جيدة لأن يظل شاغرًا حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ثانيًا: السياسة الخارجية
بشّرت إدارة دونالد ترامب ببدء حقبة جديدة عدوانية في سياسة الصين، مع التركيز أولًا وقبل كل شيء على الجانب الاقتصادي، ما أثار بعض الإدانة في مبنى الكابيتول هيل، حيث يخشى الجمهوريون من أصحاب التجارة الحرة عادةً إثارة غضب الرئيس وناخبيهم الأساسيين، وبالنسبة إلى الديمقراطيين المتشكّكين عادةً في قوانين التجارة، كانت التعريفات الجمركية مناسبة جدًّا، حتى لو اقترحها ترامب.
كان لدى المشرّعين في كلا الحزبَين مخاوف مبدئية وجيدة الأساس بشأن الصين، لكنهم كانوا أيضًا يوجّهون الرأي العام الأمريكي، حيث خلال السنة الأولى من رئاسة ترامب 47% من الأمريكيين لديهم وجهة نظر غير مواتية للصين، ارتفاعًا من 29% فقط في عام 2006.
صانعو السياسة الأمريكية قلقون من ضرورة اتخاذ سياسة تحدي مع الصين، معززة بحقيقة أن 4 من كل 5 أمريكيين ينظرون الآن إلى الصين بشكل غير مواتٍ، كما أبقى الرئيس جو بايدن على معظم الإجراءات التي حرّض عليها ترامب، واتخذ نهجًا شاملًا لمواجهة الصين.
امتد هذا النهج إلى حقوق الإنسان، والسياسة الصناعية، ووضع العلاقة الصينية الأمريكية من منظور الديمقراطية مقابل الاستبداد، وهو أمر من المرجّح رؤيته بشدة مع الجمهوريين.
روسيا وأوكرانيا
منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/ شباط، أقرَّ الكونغرس 66 مليار دولار في فواتير الإنفاق التكميلية المتعلقة بأوكرانيا بتأييد واسع من الحزبَين، لكن القصة الكاملة أكثر تعقيدًا.
خلال التصويت التكميلي بـ 40 مليار دولار الذي تمَّ إجراؤه في مايو/ أيار، صوّت ربع أعضاء مجلس النواب الجمهوريين وخُمس الجمهوريين في مجلس الشيوخ بـ”لا”، واستشهد معظمهم بالمخاوف المالية، إلى جانب المخاوف من أن التمويل المرتفع لأوكرانيا خاطئ مع مواجهة الولايات المتحدة للعديد من القضايا الملحّة في الداخل.
دخل دونالد ترامب في هذا بوزنه أيضًا، واصفًا التصويت بأنه سوء أولوية لأموال دافعي الضرائب، وكانت هذه علامات مبكّرة على ما قد يكون نهجًا يتشكّل بين الأعضاء الجمهوريين الحاليين والمرشحين بشأن مساعدات أوكرانيا.
قال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، كيفن مكارثي، إنه لن يكون هناك “شيك على بياض” لأوكرانيا عندما “يكون الناس في حالة ركود”، ورفض العضوان من الرتبتَين الثانية والثالثة في قيادة مجلس النواب القول ما إذا كانت أغلبية الحزب الجمهوري في مجلس النواب ستستمر في دعم المساعدة الأوكرانية، رغم أن كليهما كان يدعم المساعدات في السابق.
قضايا أخرى
فيما يخص إيران، لا يعتقد حصول تطور كبير في هذا الجانب، فإدارة بايدن ماضية بشكل كبير في كل الإجراءات التي اتخذها ترامب بإلغاء الاتفاق النووي من جانب واحد، كما أنها لم تعيد الاتفاق النووي لا بصيغته القديمة ولا بصيغة جديدة رغم استمرار المفاوضات لمدة عامَين، وربما يكون رد الفعل على الميليشيات الموالية لإيران -في حالة إقدامها على أي عمل عدائي- هو الجانب المختلف هنا.
وتبرز الاختلافات الرئيسية في قضايا أخرى مثل المثلية والمناخ والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي وملفات التسليح في الخليج وغيرها، ربما لن يكون الوجود الجمهوري في الكونغرس مؤثرًا في بعضها، لكن القضايا التي ستتطلب تصويتًا من الأعضاء قد تكون على المحك، خاصة ملفات بيع الأسلحة.