تأسس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، في إطار الخطوات التي اتخذتها المعارضة السورية لترتيب صفوفها في جسم واحد يمثل الثورة السورية أمام العالم، ظهر الائتلاف في فترة كانت الثورة بأوجها ضد نظام الأسد الذي أوغل بالقتل والتدمير بحق السوريين، وكان لزامًا على المعارضة اتخاذ موقف حاسم للوقوف في وجه بشار الأسد بموازاة التقدم العسكري الحاصل على الأرض.
مع تطور الأحداث وتسارعها في سوريا، كان الائتلاف السوري يحاول مجاراة الوضع في البلاد على أسس متعددة وهي إسقاط النظام الحاكم وجل أجهزته الأمنية وتوحيد الجيش الحر ودعمه، ومع بداية الانطلاقة اعترفت بعض الدول بهذا الجسم السوري المعارض على أمل التجهيز لمرحلة ما بعد بشار الأسد والانتقال إلى نظام ديمقراطي حر، لكن لم تسر رياح التغيير كما يريد أصحابها، إذ كان للآلة الحربية صداها الأقوى.
استقدم الأسد القوات الإيرانية والميليشيات الطائفية، وتدخلت روسيا، ما غير موازين القوى على الأرض خاصة في عام 2016، بعد ذلك ازداد الوضع في البلاد تعقيدًا سنة تتلوها سنة، ومع انحسار قوات المعارضة وحصرهم في الشمال السوري وزيادة أعداد المهجرين وتزايد الأزمات بات الائتلاف في ضعف واضح يتسع مع كل أزمة، حتى أضحى دوره شبه معدوم في مناطق مثل إدلب التي تحكمها هيئة تحرير الشام التي يحاربها الائتلاف.
إخفاق وأزمات
بعد سنوات من الاعتراف الذي حظيت به مؤسسة الائتلاف على عدة أصعدة، تغير الأمر في السنوات الأخيرة، فباتت الدول لا تقيم اعتبارًا لهذه المؤسسة التي يراها البعض أضحت مترهلة ولا تصلح لقيادة المرحلة، وفي اطلاع على موقع الائتلاف الإلكتروني تجد أن أعمال المؤسسة باتت محصورة في إصدار البيانات والاجتماع مع بعض المسؤولين وحضور الفعاليات والمشاركة بمناسبات رسمية، مع غيابها عن شوؤن السوريين في بلاد المهجر خاصة تركيا.
يرى الخبراء أن أبرز إخفاقات الائتلاف تمثلت منذ البداية بالفشل في بناء رؤية بشكل واضح لسوريا المحررة من نظام الأسد، الأمر الذي أدى إلى عدم تعامل الدول معه بجدية، تبع ذلك غياب البوصلة التي انطلقت منها المؤسسة، فأصبحت تدار تبعًا لكل إدارة تستلمها دون تحديد مسار يحكم الإدارات المتلاحقة.
يضاف إلى ما سبق فشل الائتلاف في الابتعاد عن الخلافات البينية بين المكونات المُشكلة له، إذ هيمنت المحاصصة على المناصب والمكاسب على الكثير من الاجتماعات التي غابت عنها الأمور التي تهم القضية في الأساس، وأدت هذه الخلافات والمناكفات إلى توقف عمله عدة مرات، بالإضافة إلى تجميد مشاريع أساسية لخدمة الشعب السوري، كما أدت المناكفات السياسية إلى صراعات بين الأعضاء والكتل، فقد سعى كل فرد إلى تثبيت موقعه داخل كتلته وتعزيز المحاصصات.
ويلحق بما سبق من إخفاقات غياب الحوكمة إضافة إلى عدم الشفافية في إدارة الأمور المالية، وهنا بدأ حديث الناس عن الاختلاسات والفساد، إضافة إلى الفشل في إدارة الملف العسكري وتجميع الفصائل.
صحيح أنه توجد حكومة مؤقتة ترتبط بالائتلاف مباشرة تشرف على المناطق المحررة من سلطة الأسد في ريف حلب، إلا أن هذا الإشراف يبدو أنه مفرغ من مضمونه، فلا سلطة حقيقية لهذه الحكومة، فالأمر يرجع كله للفصائل العسكرية التي تنضوي تحت الجيش الوطني المدعوم من تركيا، وعلى الرغم من محاولات تفعيل نفسها، فإنها لم تنجح إلى الآن، لكن مع كل هذا الضعف الذي تعيشه المؤسسة، ما زالت المؤسسة قائمة.
يرى بعض السوريين أن الحفاظ على مؤسسة الائتلاف أمر جيد، لكنها تحتاج إلى تطوير، لأنها إن انهارت لن يستطيع السوريون إنشاء مؤسسة جديدة تؤدي الواجبات اللازمة عند الوصول إلى أي تسوية ممكنة في البلاد، وإلى الآن وعلى الرغم من ضعف الائتلاف في علاقاته مع الدول، تعتبره الدول الممثل الرسمي للمعارضة السورية وله مكاتب تمثيل.
إنجازات
لكن هل كان المشهد سوداويًا إلى هذه الدرجة؟ استطاع الائتلاف تحقيق بعض الإنجازات على صعيد العمل السياسي في الفترة الأولى، فاستطاع تمثيل المعارضة سياسيًا من خلال افتتاح بعض السفارات والممثليات في بعض الدول مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وقطر وبلجيكا، أضف إلى ذلك كانت مفاوضات جنيف 2، واحدة من أهم محطات الائتلاف، حيث كانت المرة الأولى، التي يجري بها تمثيل متساوٍ ومباشر بين طرف معارض واحد ونظيره من النظام السوري، ثم تحولت المفاوضات بعد ذلك إلى أشكال غير مباشرة، ولم يعد الائتلاف، منفردًا بالتمثيل.
كما تمكن الائتلاف من التوصل إلى تفاهمات مع هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي ومع قوى المجلس الوطني الكردي، وساعدت هذه التفاهمات على تعزيز الخطاب الوطني داخل المعارضة السورية وبناء أسس للتفاهم مع أكبر طيف من السوريين، إضافة إلى أن الائتلاف أسس وحدة تنسيق الدعم التي حصلت على دعم يقدر بمئات ملايين الدولارات من أجل مشاريع الإغاثة في سوريا، لكن ما لبثت هذه الوحدة أن أصبحت مثارًا للاستقطاب بسبب الدعم الذي يقدم لها.
إصلاح
وقع الائتلاف بعدة أزمات منذ تأسيسه إلى الآن، أبرز نلك الأزمات هي تلك المتمثلة بالمحاصصة السياسية بين الكتل المشكلة له، فأصبح التنافس والتنافر بين الأقطاب سمة عامة للمؤسسة، حتى إنه بات يطغى على كل هدف من الأهداف الأخرى، ومؤخرًا كانت الأزمة الكبرى حين واجه تحديات كبيرة إثر قرارات اتخذتها إدارته برئاسة سالم المسلط باستبعاد كتل سياسية داخله وفصل شخصيات ظلت لفترة طويلة تتصدر المشهد السياسي السوري المعارض.
استبعدت الهيئة العامة في الائتلاف، 4 من مكونات الائتلاف، وهي: “حركة العمل الوطني” و”الكتلة الوطنية المؤسسة” و”الحراك الثوري” و”الحركة الكردية المستقلة”، وكانت هذه الإدارة قد أقالت سابقًا 14 عضوًا، بالإضافة إلى إجراء عملية تبديل في تمثيل المجالس المحلية للمحافظات، هذه العملية اعتبرها أعضاء الائتلاف إصلاحًا بينما اعتبرها آخرون انقلابًا وإقصاءً لكيانات أساسية في العملية السياسية السورية.
عن هذه العملية قال سالم المسلط في تصريحات صحفية: “الائتلاف ذهب إلى تغيير بعض الممثلين داخله وإجراء إصلاحات بهدف توحيد المعارضة وإصلاح مؤسساتها”، وأشار المسلط إلى أن “الائتلاف يسعى إلى وحدة المعارضة وإصلاح مؤسساتها، ما دفعنا إلى البدء بالإصلاح وصياغة الخطاب الوطني الجامع”، وشدد على “ضرورة وجود تمثيل للمنظمات والكيانات الفاعلة على الأرض داخل الائتلاف لتمثل الواقع الحقيقي لسوريا وتمثل الشعب والثورة السورية”.
وأفاد المسلط بأن “يد الائتلاف مفتوحة لتمثيل حقيقي داخل المؤسسة”، معتبرًا أن ما جرى استبدال منطقي وواقعي بناء على طلبات جاءت من كيانات فاعلة على الأرض، مضيفًا “تعديل النظام الداخلي جاء بناء على تشكيل لجنة مستقلة دون تدخل أعضاء الائتلاف، وانتهى الأمر بالتوافق بين أعضاء المؤسسة، إذ صوت 60 عضوًا من الهيئة السياسية مقابل غياب 3 أشخاص وامتناع عضو واحد”، مؤكدًا “ما نقوم به ضمن أجندة وطنية سورية، ورغم دعم إخواننا الأتراك لنا، لم يحدث أي تدخل بأي قرار أو إجراء نريد القيام به”.
في الأصل، لم تنته عمليات الإصلاح في الائتلاف منذ تأسيسه، فكل رئيس قدم إليه وعد بإصلاحات وتغييرات تحسن من شكل وهيكل المؤسسة السورية، لكن هل من أمل في الإصلاح؟ في هذا السياق يقول الكاتب السوري أسامة آغي في مقال له: “التغيير والإصلاح في الائتلاف ليس قرارًا ائتلافيًا محضًا، بل له علاقة بتطورات إقليمية ودولية، تتعلق بدرجة انزياح موضع هذه القضية على خارطة الاهتمام العالمي”.
يضيف آغي “الإصلاح الشامل يحتاج من فريقه عملًا متكامل المهام والقدرات، فهل هذا موجود؟ ينبغي أن يكون موجودًا، فالإصلاح يحتاج في جانب منه مكتبًا إعلاميًا يمتلك إستراتيجية عمل متكاملة لا مجرد صياغة بيانات أو كتابة أخبار الائتلاف ونشاطاته. هذا المكتب يجب أن يكون اليد الضاربة لمعادي الإصلاح الشامل، لكن للأسف لم نر بعد هذه الإستراتيجية عمليًا”.
من أجل إعداد هذا التقرير تواصلنا مع المهندس محمد ياسين نجار رئيس المكتب السياسي في حركة العمل الوطني من أجل سوريا، لسؤاله عن حالة الائتلاف بعد 10 سنوات من تأسيسه، فأجاب قائلًا: “الائتلاف بواقعه الحاليّ عاجز عن إصلاح أو تطوير واقعه الهش وأصبحت شعارات الإصلاح جوفاء غير مقنعة لمناصري الثورة”، ويذكر نجار أن “هناك حاليًّا دعوات من أجسام سياسية وثورية ونقابية ومنظمات مجتمع مدني وعسكرية لتشكيل جبهة ثورية عريضة للاطلاع بمسؤولية الدفاع عن أهداف الثورة وبناء رؤى أساسها الاعتماد على الذات في تحرير سورية من الطغيان والاستبداد والاحتلال، ومن ثم التواصل مع الدول الصديقة الراغبة في المساعدة وتفعيل الدور العربي للخروج من حالة الإملاءات وفرض الوصاية بناء على قاعدة المصالح المشتركة وتحقيق الاستقرار الإقليمي والتعاون بين دول المنطقة”.
هل من ثقل باق؟
عشرة أعوام مرت على تأسيس الائتلاف الوطني، كانت بداياته حسنة، من حيث اعتراف المجتمع الدولي به كممثل للسوريين، بداية من مؤتمر مراكش وتمثيل سوريا في الجامعة العربية وحضور قمة الدوحة وتشكيل أول حكومة سورية مؤقتة، على أن الموقف تغير لاحقًا، ويرجع ياسين نجار ذلك إلى أن “هشاشة بنية الائتلاف والصراعات الداخلية للاستحواذ على كامل القرار في الثورة من بعض الكيانات وعدم استيعاب أن هذه المرحلة تحتاج للتوافق وليس الاستئثار جعلت الأجواء متوترة بشكل دائم، جعل العديد من الشخصيات والكيانات الوطنية ترغب بالخروج منه”.
أما عن الثقل الذي يحظى به الائتلاف حاليًّا وهل يملك أي دور في مستقبل الحل لسوريا يشير النجار إلى أنه “في الأساس بعد مؤتمر الرياض1 ومؤتمر الرياض2 أصبح الائتلاف مجرد جزء من المؤسسة الممثلة للثورة السورية حتى أصبح حاليًّا ينحصر دوره ببعض اللقاءات مع ممثلين من الدرجة الثالثة والرابعة للمجتمع الدولي ولم يعد الائتلاف بحالته الراهنة يتمتع بأي تأثير معتبر”.
يذكر أن حركة العمل الوطني التي ينتمي إليها السيد نجار كانت من ضمن المؤسسات التي استبعدها الائتلاف من صفوفه في إطار “الإصلاحات” التي قال الائتلاف إنه يجريها للنهوض بالمؤسسة، لكن حركة العمل الوطني اعتبرت ما حصل “انقلابًا” ضمن المؤسسة، وهنا يشير النجار إلى “تحول الائتلاف إلى مؤسسة ضعيفة مرتهنة وخاضعة لدول بعيدًا عن مصلحة الثورة، فمن يتصدر المشهد ثلة محددة لا تتمتع بالمصداقية والكفاءة والتمثيل الشعبي المطلوب والضرورية لنجاح الثورة السورية في ظل التحديات الحاليّة”.
يوجه نجار نقدًا لاذعًا للائتلاف بقوله: “المجموعة التي تدير الائتلاف استسلمت لحالة الاستقطاب الإقليمي وأصبحت عبارة عن مجموعة موظفين يناضلون لاستلام رواتبهم في نهاية كل شهر وتنفيذ رغبات الدول في حضور بعض المؤتمرات المناهضة لمصلحة الثورة”.
لا بد من الإشارة هنا إلى أننا تواصلنا في “نون بوست” مع مكتب العلاقات العامة في الائتلاف السوري لتوضيح دور المؤسسة حاليًّا والإجابة عن التساؤلات التي تثار بشأنه، إلا أننا لم نتلق ردًا، كما أننا تواصلنا مع أعضاء في الائتلاف رفضوا بدورهم الحديث والرد على الاتهامات والادعاءات التي تطلق ضدهم.
في ذات السياق يقول الدكتور محمد سالم مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري: “للأسف، لم يحقق الائتلاف ما كان متوقعًا منه، ففي بداية تشكيل المجلس الوطني السوري، ثم تشكيل الائتلاف الوطني، كانت الصورة المتوقعة في أذهان الثوار السوريين أن المشهد سيغدو مثل المشهد في ليبيا، حيث تم تشكيل المجلس الوطني الانتقالي الليبي، الذي كان له دور مهم في إسقاط النظام”.
ينوه سالم إلى أن ما سبق كان نتيجة لأن المجتمع الدولي “لم يرد إسقاط نظام الأسد، وهنا نتحدث خاصة عن تأثير الولايات المتحدة ذات التأثير الأكبر على محصلة الإرادة الدولية، والمتأثرة بدورها باللوبي الإسرائيلي، لذلك، لم يدعم الائتلاف الوطني إلا بشكل محدود، ولا شك بأن عوامل أخرى ذاتية وخارجية لعبت دورًا في إضعاف دور الائتلاف بعد أن حقق اعترافًا دوليًا في بداية ظهوره، حيث تراجع ذلك بعد ظهور داعش وتحول المشهد إلى التركيز على حرب الإرهاب”.
ويعزو سالم تراجع دور الائتلاف إلى تراجع دور قوى الثورة والمعارضة عمومًا في المشهد السوري بعد تدخل داعش والتدخل الروسي عامة.
أما عن ثقل الائتلاف حاليًّا يقول سالم: “ما زال هناك بعض الثقل الدولي للائتلاف، فهو لا يزال على علاقة بالجامعة العربية، ويدعى إلى حضور لقاءات الأمم المتحدة، لكنه محسوب كظل لتركيا بحكم الواقع الحاليّ، ولا شك أن أداء أجسام المعارضة السياسية السورية ضعيف عمومًا، والائتلاف السوري عليه الكثير من الانتقادات”.
بالمحصلة، رغم الإمكانات المالية والسياسية التي حظي بها الائتلاف في بداية تأسيسه، فإن أداءه كان متواضعًا وليس على قدر التوقعات والثقة التي أولاها السوريون له، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2012 خصص السوريون جمعةً للتظاهر تحت عنوان “دعم الائتلاف الوطني” في حالة كان يغلب عليها التفاؤل بتوحيد المعارضة السياسية.