ترجمة وتحرير: نون بوست
تستمر فترة الحداد التقليدية في إيران 40 يومًا، ولكن منذ أن بدأت الاحتجاجات الوطنية الواسعة النطاق منذ ما يقرب من شهرين بعد وفاة مهسا أميني – الشابة الإيرانية الكردية التي دخلت في غيبوبة بعد تعرضها للضرب على يد ما يسمى بـ “شرطة الأخلاق” في طهران بسبب فشلها المزعوم في إخفاء شعرها بشكل صحيح – لم تتوقف فترة الحداد في البلاد، وقُتِلَ ما لا يقل عن 328 إيرانيًّا في الاحتجاجات، وفقا لوكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان بطهران (هرانا).
لكن ما بدأ كفيض من الحزن على وفاة أميني تطور إلى حركة وطنية تحويلية، فلقد أثرت المظاهرات التي تقودها النساء والشباب في الغالب ودعوتهم الواضحة إلى “حقوق المرأة والحياة والحرية” على كل ركن من أركان المجتمع الإيراني تقريبا، ورغم الحملات العنيفة التي شنتها قوات الأمن الإيرانية والتي أسفرت عن مقتل المئات واعتقال الآلاف؛ فلا توجد علامات على تراجع زخم الحركة في أي وقت قريب.
إن استمرار الاحتجاجات التي تقودها النساء بشكل أساسي – والتي هي من أجلهن – لفترة طويلة كان لا يمكن تصوره في السابق في إيران، التي حُكِمَت منذ عقود تحت القبضة الحديدية لمرشدها الأعلى علي خامنئي؛ حيث تعد البلاد واحدة من أسوأ البلدان أداء في العالم من حيث المساواة بين الجنسين، ففي حين أن النساء الإيرانيات لديهن تاريخ طويل من النشاط السياسي والتعبئة في البلاد، إلا أنهن نادرًا ما يظهرن في قلب تلك الحركات. ولكن اليوم؛ المرأة الإيرانية ليست فقط في طليعة الاحتجاجات المستمرة، ولكنها أيضا وراء مطالبها المركزية؛ أي سقوط النظام.
لكن مركزية المرأة في هذه الاحتجاجات مهمة لأسباب تتجاوز التمثيل أو المساواة. هذا لأنه – وفقا لعلماء المقاومة المدنية – تميل المستويات العالية لمشاركة المرأة إلى جعل الحركات الجماهيرية أكثر شمولًا وابتكارًا ولا عنفية، والأهم من ذلك أنها أكثر عرضة لتحقيق أهدافها، والسؤال السائد الذي يواجه إيران: هو ما إذا كانت هذه الاحتجاجات ستثبت أنها تمثل استثناء في تلك القاعدة؟
تنوع المتظاهرين هو في نواح كثيرة نتيجة مباشرة لمشاركة واسعة من النساء، اللواتي يشكلن نصف السكان وينتمين إلى جميع مناحي الحياة
بالنسبة لإيران؛ لم تكن مركزية المرأة في الاحتجاجات المستمرة مسألة معدة مسبقًا بقدر ما كانت نتيجة للظروف، فمنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979؛ تم تقليص حقوق المرأة في البلاد بشكل مستمر، لا سيما – وإن لم يكن حصريًّا – من خلال فرض قواعد صارمة للزي، بما في ذلك الحجاب الإلزامي للنساء في الأماكن العامة. وفي حين سعت النساء الإيرانيات في السابق إلى تصحيح أوضاعهن من خلال دعم المرشحين والحملات الإصلاحية؛ كانت هذه الجهود غير مجدية إلى حد كبير في إحداث تغيير جوهري؛ حيث تقول منى تجالي، الباحثة الإيرانية في النوع الاجتماعي والسياسة في السياقات الإسلامية: “إن ظهور النساء كدافعات أساسية وراء الاحتجاجات الحالية يعود إلى حقيقة أن النساء كان لديهن الكثير لتخسرنه”.
ورغم أن إيران شهدت مظاهرات أكبر في السابق – ولا سيما الحركة الخضراء في عام 2009؛ حيث احتج الملايين على تزوير الأصوات التي نظمتها الدولة – إلا أنها لم تكن حركة واسعة الانتشار على ما يبدو أو متنوعة ديموغرافيًّا مثل هذه الحركة، فقد امتدت الاحتجاجات المستمرة إلى ما يصل إلى 138 مدينة، وفقًا لوكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان بطهران، بما في ذلك المناطق التي كانت تُعتبر في السابق معاقل للنظام. وبينما تستمر الاحتجاجات في التركيز على حقوق ومطالب النساء، فإن دعواتهن من أجل التغيير يتردد صداها من قبل شرائح أكبر من الجمهور الإيراني أكثر من أي وقت مضى، بما في ذلك طلاب الجامعات ونقابات العمال ومجموعات الأقليات العرقية. وفي حين أن هناك مظالم أخرى تلعب دورًا في الاحتجاجات – ليس أقلها القيود الاجتماعية الخانقة، والاقتصاد المنهار، والقمع الواسع النطاق – فإن معارضتهم للنظام مشتركة.
وتقول تاجالي: “هذه واحدة من المرات الأولى التي نرى فيها رجالًا يشاركون أيضا في هذه الدعوة؛ فهم يرون أن مصالح المرأة ومطالبها بالمساواة بين الجنسين والتمييز غير الجنساني تتماشى مع المطالب الأكبر المؤيدة للديمقراطية والمؤيدة لحقوق الإنسان التي ينبغي أن يتمتع بها المجتمع الأكبر؛ إنه أمر أكثر تقاطعًا”.
إن تنوع المتظاهرين هو في نواح كثيرة نتيجة مباشرة لمشاركة واسعة من النساء، اللواتي يشكلن نصف السكان وينتمين إلى جميع مناحي الحياة، ومن المرجح أيضًا أن تستخدم الحركات التي تضم العديد من النساء أساليب مبتكرة وغير عنيفة تتجاوز الاحتجاجات في الشوارع، بما في ذلك – في إيران – قص شعورهن (وهي ممارسة ثقافية مرتبطة بالحداد والاحتجاجات ضد الظلم) وحرق حجابهن، فضلًا عن أساليب عالمية تكتيكية أكثر مثل المقاطعة والإضرابات. كما أنه يساعد على أن الحركات التي تقودها النساء تميل إلى أن تكون أكثر صعوبة في قمعها بالقوة الغاشمة (على الرغم من أن هذا بالتأكيد لم يمنع قوات أمن النظام من المحاولة).
وتقول زوي ماركس، الخبيرة في الحركات الجماهيرية اللاعنفية في كلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد: “إن الاعتياد على مشاركة المرأة هي التي لها كل هذه التأثيرات غير المباشرة، فهناك المزيد من الإبداع التكتيكي، وهناك المزيد من الارتباط بالمجتمع لأن النساء لديهن كل هذه العلاقات والموارد الاجتماعية التي تختلف قليلًا عن العلاقات والموارد الاجتماعية والمهنية للرجال”.
وتضيف ماركس أن الأهم من ذلك هو “أن الحركات التي تُبْرِز النساء بشكل كبير من المرجح أن تؤدي إلى انشقاقات بين كل من أعضاء النظام ومؤيديه، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن النساء غالبا ما يجلبن المزيد من الشرعية والتعاطف مع هذه الحركات”.
من غير المرجح أن يتم قمع المزاج الثوري في إيران، حتى لو كان يتم قمع الاحتجاجات
وبينما كانت هناك تقارير عن انقسامات بين أعضاء البرلمان حول حملات القمع العنيفة التي تقوم بها قوات الأمن، فإن فاطمة هاغيغاتجو، المدافعة عن حقوق المرأة وعضوة البرلمان السابقة في إيران والتي استقالت في عام 2004 في أعقاب حملة قمع ضد الإصلاحيين مثلها، تقول: “يبدو حتى الآن أن [من داخل] النظام موحد، على الأقل علنًا”، ففي الوقت نفسه، ضاعفت الحكومة من موقفها: وهو رفض تنفيذ الإصلاحات والادعاء بأن الاحتجاجات مؤامرة أجنبية.
وتضيف تاجالي:” لقد كان النظام الإيراني – منذ عام 1979 – أصمًّا تمامًا عن مطالب الناس، وكان هذا أحد الأسباب والمبررات الأساسية التي تجعل الناس يريدون فقط رؤية هذا النظام يسقط”.
ويرى بعض الإيرانيين أن هذه الاحتجاجات تمثل نقطة انعطاف، وبغض النظر عما إذا كانوا يحققون أهدافهم، فإن البلد قد تحول بالفعل عما كان عليه قبل هذه الاحتجاجات. ومع ذلك؛ فإن ما هو قدام ليس واضحًا بشكل كامل؛ حيث إن أحد أكبر التحديات التي تواجه هذه الاحتجاجات لا يتمثل في إسقاط النظام فحسب، بل في صياغة رؤية لنوع الحكومة التي يمكن أن تحل محلها، وهو ما تعبر عنه هاغيغاتجو بقولها: “ليس لدينا قيادة موحدة داخل وخارج البلاد وهذا نقطة ضعف كبيرة”.
ربما يكون السيناريو الأسوأ لهذه الاحتجاجات هو أن الوضع في إيران لا يعود إلى الوضع الراهن فحسب، بل يزداد سوءًا في النهاية؛ حيث تقول ماركس: “يُظهر بحثنا أنه عندما لا تحقق الحركات هدفها الأقصى وكانت هناك مشاركة واسعة للمرأة، يكون هناك دائمًا تراجع أو رد فعل عنيف في المساواة بين الجنسين والديمقراطية بعد انتهاء الحركة”، مستشهدة بأمثلة تركيا وروسيا. وعلى الرغم من أن الحركات من المرجح أن تنجح بمشاركة النساء بأعداد كبيرة، فإنها ترى أنه “لا تزال هناك أقلية كبيرة من الحركات التي تفشل، حتى مع مشاركة أكثر من 50 بالمئة من الإناث”.
ولكن كما ترى هاغيغاتجو والعديد من الآخرين، من غير المرجح أن يتم قمع المزاج الثوري في إيران، حتى لو كان يتم قمع الاحتجاجات، وتقول: “معظم الناس الذين عانوا من ثورة 1979 يقولون إن هذا الظرف يشبه عام 1978، وهو العام الذي أدى إلى الثورة، ولهذا آمل أن ينجح الناس، ولكن قد يستغرق بضع سنوات”.
المصدر: صحيفة التايم