موقع اليمن الإستراتيجي بين قارتي إفريقيا وآسيا وإشرافه على أهم المضائق المائية في العالم جعله وجهة مهمة للمهاجرين واللاجئين الأفارقة من إثيوبيا والصومال الذين فروا من جحيم تغير المناخ من جهة والحروب والصراعات التي تشهدها بلدانهم من جهة ثانية.
اليمن المنهك بالصراع ليس بحالة جيدة لإغراء المهاجرين الأفارقة بالقدوم إليه والعيش فيه، في الوقت الذي يطمح غالبية سكان البلد في الهجرة واللجوء إلى الخارج فرارًا من جحيم الحرب التي دخلت عامها الثامن، لكنه صار مجرد محطة للوصول إلى دول الخليج الغنية بالنفط خاصة المملكة العربية السعودية الحدودية مع اليمن.
انشغال الأطراف اليمنية بالحرب الدائرة في البلاد جعل معظم السواحل اليمنية مناطق مفتوحة للمهاجرين، حيث يأمنون من إلقاء السلطات القبض عليهم، وفي المقابل أضفت الحرب الدائرة خطورة كبرى على حياة المهاجرين الذين يعبرون أكثر من منطقة للوصول إلى الحدود اليمنية السعودية.
وخلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سجلت مصفوفة تتبع النزوح (DTM) التابعة للمنظمة الدولية للهجرة في اليمن 6381 مهاجرًا دخلوا اليمن، بزيادة قدرها 6% مقارنة بـ6041 مهاجرًا في سبتمبر/أيلول 2022.
منذ بدء العام الحاليّ وحتى 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وصل ما يقدر بـ53.401 مهاجر إفريقي، ومَثل عدد المهاجرين من إثيوبيا 96%
كانت هجرة الأفارقة من بلدانهم تعود في المقام الأول لأسباب اقتصادية في النصف الأول من عام 2022، لكن منذ أغسطس/آب الماضي، بات الصراع السبب وراء هجرة 35% من المهاجرين وفق مصفوفة تتبع النزوح.
منذ بدء العام الحاليّ وحتى 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وصل ما يقدر بـ53.401 مهاجر إفريقيا، ومَثل عدد المهاجرين من إثيوبيا 96% و4% من الصوماليين، كانت غالبية المهاجرين من الذكور بنسبة 64% و23% من النساء و7% من الأولاد و6% من الفتيات اللواتي كن أيضًا من ضمن المهاجرين.
وبحسب منظمة الهجرة الدولية فإن “الوضع على طول المناطق الحدودية لليمن، لا يزال محفوفًا بالمخاطر مع استمرار الإبلاغ عن الانتهاكات المرتكبة ضد المهاجرين”.
طريق الهجرة الخطر
بطريقة غير شرعية وعبر طرق خطرة يهاجر الأفارقة إلى اليمن، حيث يركب العشرات على متن قوارب ويتم تهريبهم إلى قبالة السواحل اليمنية من دول القرن الإفريقي، وتعد المحافظات الجنوبية والمناطق الساحلية اليمنية المقصد الأول للمهاجرين وأبرزها محافظتي شبوة ولحج.
قصص غرق المهاجرين الأفارقة قبالة السواحل اليمنية لا تنتهي، فهم يواجهون الموت في كل محطة يصلون إليها، كان آخرها إعلان منظمة الهجرة تحطم وغرق قارب في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قبالة ساحل اليمن، وقالت المنظمة إنها تحققت من أن خفر السواحل اليمني استعاد ثلاث جثث خلال الأيام القليلة الماضية، ويستمر في البحث عن المهاجرين المتبقين، فيما يُعتقد أن 28 مهاجرًا إثيوبيًا على الأقل ما زالوا في عداد المفقودين.
ووفقًا للمنظمة الدولية، فقد غادر القارب مدينة أوبوك بجيبوتي في منتصف الليل لعبور مضيق باب المندب متجهًا إلى نقطة وصول معروفة في اليمن وعلى متنه ما لا يقل عن 30 شخصًا، ولم يستطع القارب المكتظ تحمل ارتفاع المد وتجنب الصخور، فغرق في نهاية المطاف.
خلال هذه الرحلة يتعرض المهاجرون إلى نهب أموالهم ومقتنياتهم، ما يجبر الكثير منهم على البقاء داخل اليمن والعمل في مهن دونية مثل التنظيف وغسل السيارات والزراعة
وتُسلط هذه الحادثة الضوء على الظروف الوحشية التي يواجهها المهاجرون على هذا المسار الذي يعد أيضًا أحد أكثر طرق الهجرة البحرية ازدحامًا وخطورةً على مستوى العالم.
مخاطر مختلفة
مخاطر كثيرة يواجهها المهاجرون الذين يتنقلون بطريقة غير شرعية، معتمدين على مهربين بين إثيوبيا والصومال والخروج من الصومال إلى جيبوتي واليمن، حيث يعرضهم المهربون لمجموعة من المخاطر بما في ذلك رحلات على متن مراكب مزدحمة وغير صالحة للإبحار، فضلًا عن الاستغلال والإساءة والعنف.
وعقب وصولهم الى اليمن تبدأ رحلة شاقة أخرى من السواحل اليمنية عبر عدة مناطق للوصول إلى المملكة العربية السعودية، في رحلة طويلة وغير آمنة، تمتد بين مطرقة الموت جراء المواجهات في مناطق الاشتباك والألغام وسندان الأسر على يد القوات السعودية في أثناء تجاوز الحدود بين البلدين.
يصل المهاجرون إلى محافظات لحج وشبوة وعقب ذلك يتوجهون نحو المحافظات الشمالية أبرزها مأرب وصنعاء وعمران وحجة وصعدة والجوف للوصول إلى الحدود السعودية، وخلال هذه الرحلة يتعرضون إلى نهب أموالهم ومقتنياتهم، ما يجبر الكثير منهم على البقاء داخل اليمن والعمل في مهن دونية مثل التنظيف وغسل السيارات والزراعة لتوفير لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة وأيضًا توفير المال لدفعه للمهربين، حتى يتمكنوا من الوصول إلى وجهتهم الأصلية في رحلتهم المضنية للبحث عن المال والثراء في السعودية.
وفيات واختفاءات
بحسب تقارير شركاء “الاستجابة الإقليمية للمهاجرين” تم الإبلاغ عن أكثر من 100 وفاة والعديد من الاختفاءات في عام 2021 مقارنة بـ40 حالة مسجلة عام 2020، رغم صعوبة توثيق الوفيات على طول هذا الطريق.
عبد الرزاق محمد مهاجر إثيوبي يعيش في العاصمة صنعاء منذ ثلاث سنوات، ويعمل في التنظيف في أحد المطاعم براتب شهري لا يتجاوز 60 ألف ريال يمني أي ما يعادل مئة دولار أمريكي.
كان طموحي السفر إلى السعودية، لكن خلال السنوات الماضية استقبلتُ الكثير من أبناء القبيلة وودعتهم وهم متجهون نحو السعودية، وقتل العديد منهم، فقررت البقاء في اليمن والقناعة بما سوف أكسبه هنا
عبد الرزاق ذو الـ32 عامًا يعتبر نفسه محظوظًا كونه وصل إلى اليمن بخير في قارب صغير كان على متنه نحو 50 شخصًا وكادوا أن يغرقوا في ساحل محافظة لحج جنوبي اليمن.
يقول عبد الرزاق: “لديّ هنا ابن عمي كان قد هاجر منذ عشر سنوات وهو من ساعدني على دفع أجرة المهربين وعندما وصلت إلى محافظة لحج تواصل معي وأرشدني للوصول إلى صنعاء، وبحث لي عن عمل حتى لا أضطر للسفر إلى السعودية”.
يضيف عبد الرزاق في حديثه لـ”نون بوست”: “كان طموحي السفر إلى السعودية، لكن خلال السنوات الماضية استقبلتُ الكثير من أبناء القبيلة وودعتهم وهم متجهون نحو السعودية، وقتل العديد منهم، فقررت البقاء في اليمن والقناعة بما سوف أكسبه هنا”.
يطمح عبد الرزاق في جلب أسرته من إثيوبيا والعيش معه هنا في اليمن، لكن خشيته من تعرضهم للغرق تمنعه من ذلك، فيرسل لهم الأموال بين الحين والآخر.
ويسكن عبد الرزاق في غرفة صغيرة مع أربعة من أصدقائه الأفارقة ويطمح بالذهاب إلى بلاده لزيارة أهله والعودة مجددًا للعمل في اليمن.
طريق العبور إلى السعودية
الكثير من المهاجرين الأفارقة لا يبقون في اليمن ويواصلون المسير نحو السعودية، وخلال رحلتهم الطويلة يواجهون أنواعًا مختلفةً من المعاناة في الداخل اليمني، حيث يفتقرون إلى الغذاء والدواء ناهيك بتعرضهم للعنصرية والعنف وعدم القدرة على الاندماج في المجتمع بسبب حاجز اللغة، فيواجهون أصنافًا مختلفةً من التعذيب والاستغلال والعنف الجنسي أو العملي، حيث يجبرون على العمل مقابل مبلغ زهيد لتأمين لقمة العيش، فضلًا عن الفصل الأسري والتجنيد القسري والاعتداء الجسدي والتهريب والتهديد بالحياة.
يوجد في اليمن ما يقدر بـ387.113 مهاجر، بينهم 191.117 بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ويكافحون من أجل الوصول إلى الخدمات الأساسية، كما يتعرضون بشكل متزايد لخطر انتهاكات حقوق الإنسان.
ويعد الإثيوبيون النسبة الكبرى من المهاجرين الواصلين إلى اليمن، نتيجة الصراع الداخلي في بلادهم، فضلًا عن الوضع الاقتصادي المتردي، حيث تتجاوز نسبتهم 90% فيما البقية من الصومال.
أمل العودة
ومع تردي الأوضاع الاقتصادية في اليمن، وعدم قدرة الكثير من الأفارقة على التأقلم مع الحياة، بالإضافة إلى التحديات التي تحول دون وصولهم إلى السعودية، فقد اختار العديد منهم العودة إلى بلدانهم.
ما يفاقم معاناة المهاجرين ارتكابهم بعض التجاوزات والجرائم، ما يزيد من العنصرية ضدهم في مختلف مناطق اليمن
وسجلت فرق مصفوفة تتبع النزوح التابعة للهجرة الدولية في جيبوتي خلال أكتوبر/تشرين الأول 2022، خوض 648 مهاجرًا رحلة العودة الخطرة على متن قوارب من اليمن.
ومن المقرر أن تبدأ منظمة الهجرة الدولية، في أوائل الثلث الأخير من الشهر الحاليّ، عملية تسيير رحلات العودة الطوعية لمئات المهاجرين الإثيوبيين غير الشرعيين من محافظة مأرب إلى بلادهم.
وقال مكتب المنظمة في مأرب، إن 1500 مهاجر إثيوبي غير شرعي أكدوا رغبتهم بالعودة الطوعية من أصل 1800 مهاجر سجلوا أسماءهم ويجري التواصل معهم للتأكد من رغبتهم الطوعية بالعودة النهائية إلى بلادهم، و”من المتوقع بحسب البرنامج أن تبدأ عملية تسيير رحلات العودة في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ”.
وخلال السنوات الماضية تمكنت منظمة الهجرة الدولية من إعادة آلاف المهاجرين إلى بلدانهم، ضمن العودة الطوعية للمهاجرين.
ومما يفاقم معاناة المهاجرين ارتكابهم بعض التجاوزات والجرائم، ما يزيد من العنصرية ضدهم في مختلف مناطق اليمن.
ففي الأسبوع الماضي اعتدى مهاجر إثيوبي بالطعن على عائلة كان يعمل في مزرعتها بمديرية مرخة السفلى بمحافظة شبوة جنوب شرقي اليمن بعد خلاف مع صاحب المزرعة قبل يومين من الحادثة، وقالت مصادر محلية إن الاعتداء أودى بحياة سيدتين وإصابة رجل وامرأة بجروح خطيرة، ولاحق أهالي المنطقة الجاني، وقبضت عليه مديرية مرخة العليا المجاورة وتم إعدامه على الفور.
وبدأت نداءات الأهالي تحذر من عدم التعامل برحمة مع أي مهاجر إفريقي.