احتفظت الشركات العربية بنصيبها من تلويث المناخ والإضرار بالبيئة، فمن بين الشركات المئة المسؤولة عن 70% من الانبعاثات في العالم، تقبع بعض المؤسسات العربية في مراتب متقدمة من تلك القائمة، على رأسها شركة أرامكو السعودية، ومؤسسة سوناطراك الجزائرية للنفط، وشركة الكويت للبترول، والمؤسسة الإماراتية للبترول.
وتُتهم تلك الشركات بجانب غيرها من الشركات الأخرى بالضلوع في الوصول إلى مستويات عالية من التلوث في المنطقة العربية وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، وهو التلوث الذي يكبّد بلدان المنطقة خسائر جمّة في الأرواح والممتلكات، تبلغ قرابة 141 مليار دولار سنويًّا بما يعادل 2% تقريبًا من الناتج الإجمالي لتلك الدول، بجانب 270 ألف حالة وفاة سنويًّا بحسب إحصاءات البنك الدولي.
ونتاجًا لأنشطة تلك الشركات الملوِّثة مناخيًّا، تأتي مدن الشرق الأوسط والشمال الأفريقي في المرتبة الثانية كأعلى المناطق تلوثًا، بعد جنوب آسيا، حيث تتجاوز نِسَب التلوث فيها 10 أضعاف المستوى الآمن، بحسب منظمة الصحة العالمية.
ورغم الوعود التي قطعتها تلك الشركات المملوكة في معظمها لحكومات بلدانها، إلا أن ما تحقّق لا يتناسب مطلقًا مع الأضرار الناجمة عن تلك الكيانات التي يمثل بعضها عصب الاقتصاد الوحيد لبعض الدول، كما هو حال العملاق السعودي أرامكو.
أرامكو السعودية.. الملوِّث الأكبر للشرق الأوسط
تعدّ شركة أرامكو السعودية أكبر شركة في العالم تعمل في مجال إنتاج الطاقة والكيميائيات، فهي الإمبراطورية الأكثر شمولية التي تستحوذ على النصيب الأكبر لدى قطاعات التكرير والمعالجة والتسويق وتطوير التقنيات المتصلة بالقطاع، وتدير قرابة خُمس احتياطي النفط في العالم، إذ تنتج برميلًا من بين كل 8 براميل نفط يوميًّا يتم إنتاجها حول العالم.
وقفزت الشركة التي تأسّست عام 1933، عندما أُبرمت اتفاقية الامتياز بين المملكة العربية السعودية وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، قفزات سريعة نحو بلوغ العالمية لتصبح الأكبر على الإطلاق، ويعمل بها ما يزيد عن 70 ألف شخص من مختلف الجنسيات.
ويبلغ إنتاج النفط اليومي للشركة السعودية 10 ملايين برميل في المتوسط، فيما يبلغ احتياطيها 261 مليار برميل نفط احتياطي مؤكّد، و403.1 مليارات برميل نفط احتياطي محتمل، و238.8 تريليون قدم مكعب احتياطي الغاز، و35.97 مليار برميل احتياطي سوائل الغاز، بجانب 4.5 مليارات برميل احتياطي المكثفات، أما قيمتها السوقية فتتجاوز 7.06 تريليونات ريال سعودي.
بدأت أعمال الحفر في الشركة عام 1935، وبعد ذلك بـ 3 أعوام بدأ أول إنتاج من بئر الدمام المعروف حاليًّا باسم “بئر الخير”، وفي عام 1939 تمَّ تصدير أول حمولة من النفط، لتبدأ موجة الاكتشافات النفطية المتلاحقة، البداية كانت مع حقل بقيق ثم رأس تنورة وغير ذلك من عشرات الآبار التي أغرقت المملكة ببراميل النفط.
في عام 1949 تمَّ تحويل اسم الشركة إلى شركة الزيت العربية الأمريكية، واختصارها “أرامكو”، وفي العام التالي مباشرة تمَّ إكمال العمل في خط التابلاين الذي يربط بين المنطقة الشرقية في السعودية والبحر الأبيض المتوسط بطول 1212 كيلومترًا، وهو أطول خط أنابيب في العالم حينها.
وصل الإنتاج التراكمي إلى 5 مليارات برميل عام 1932، ومنذ العام 1973 بدأ استحواذ الحكومة السعودية على الشركة بشراء حصة قدرها 25%، وفي أقل من عام واحد فقط وصل نصيب الحكومة 60%، لتصبح أرامكو عام 1976 أول شركة في العالم يتعدّى إنتاجها 3 مليارات من براميل النفط سنويًّا.
وحقّق العملاق السعودي توسّعات أفقية غير مسبوقة خلال العقود الثلاثة الماضية، البداية كانت عام 1991 حين اشترت الشركة حصة 35% من شركة “سانغ يونغ أويل ريفايننغ” الكورية الجنوبية، والتي تغير اسمها لاحقًا إلى إس-أويل عام 2000، وبعدها بـ 3 أعوام اشترت حصة 40% من شركة “بترون كوربريشن” الفلبينية، ثم حصة 50% من شركة التكرير اليونانية الخاصة “موتور أويل هيلاس كوينث ريفاينريز إس إيه”، وشركة “أفينويل إنداستريال كوميرشل آند ماريتايم أويل كومباني إس إيه” التابعة لها عام 1996.
كما استحوذت على شركة “ستار إنتربرايزز” بالكامل عام 2017، وفي العالم التالي على شركة “أرلانكسيو”، أما في عام 2020 فاستحوذت على الجزء الأكبر من الشركة السعودية للصناعات الأساسية سابك بما يساوي 70% منها.
أصدرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية تحليلًا في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، يتّهم شركة أرامكو السعودية ومعها سوناطراك الجزائرية ومعهما 28 شركة أخرى بالتسبُّب في زيادة انبعاثات الميثان من قطاع الطاقة عالميًّا.
دخلت الشركة مجال الكيميائيات عام 1998، حيث اهتمت بهذا القطاع بصورة كبيرة، فتوسّعت النشاطات وامتدت الشراكات الذكية واشتملت خارطة الإنتاج على العديد من الصناعات، على رأسها المواد العطرية، الأوليفينات، البولي أوليفينات، مركبات البوليول والمطاط الصناعي.
وقد ساهم هذا النشاط الهائل للشركة المتشعّبة المكاتب والأفرع في آسيا وأوروبا والأمريكيتَين، في زيادة معدلات الانبعاثات بشكل كبير، حتى أنها صُنّفت ضمن الكبار الأكثر تلويثًا للبيئة، فيما طالب البعض باتخاذ إجراءات صارمة بحقها رغم التعهُّدات والجهود التي تبذلها لتقليل حجم الانبعاثات.
وفي دراسة أعدّتها الهيئة العليا لتطوير الرياض، حول تلوث العاصمة السعودية وأسبابه، ذكرت أن مصفاة شركة أرامكو التي تقع في جنوب الرياض، والتي تقوم بتكرير نحو 150 ألف برميل من الزيت الخفيف يوميًّا، سبب رئيسي في تلويث المدينة بشكل كبير.
حول التلوث في مدينة الرياض، ذكرت أن عددًا من المصانع التي تقوم بعدة أنشطة صناعية ثابتة ساهمت في تلويث أجواء العاصمة، مثل مصفاة أرامكو السعودية التي تقع جنوب منطقة الرياض، والتي تقوم بتكرير نحو 150 ألف برميل من الزيت الخفيف يوميًّا، وتفرز عديدًا من الملوثات التي تنبعث في الهواء.
صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير لها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وصفت العملاق السعودي بأنه “أكبر ملوث للمناخ“، منتقدة الاكتتاب الذي كانت قد أعلنت عنه الشركة، حيث علقت عليه حينها بأن الشركة تستعدّ لأكبر طرح للأسهم بالعالم سيفضي في نهاية المطاف إلى “الزواج بين الكربون ورأس المال”.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021 كشفت صحيفة “فوربس” الاقتصادية الأمريكية أن أرامكو السعودية مسؤولة عن 4.38% من الانبعاثات العالمية، ما يجعلها أكثر الشركات تلويثًا على وجه الأرض، فيما شكّكت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في مصداقية تعهُّدات ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، في خطابه عن المبادرة الخضراء.
وقبيل انعقاد قمة المناخ الحالية (كوب 27) في شرم الشيخ المصرية، أصدرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية تحليلًا في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، يتّهم شركة أرامكو السعودية ومعها سوناطراك الجزائرية ومعهما 28 شركة أخرى بالتسبُّب في زيادة انبعاثات الميثان من قطاع الطاقة عالميًّا.
“سوناطراك”.. سبب التلوث الأكبر في الجزائر
تأتي خلف أرامكو السعودية في قائمة الشركات الأكثر تلويثًا للبيئة عربيًّا، الشركة العامة لأبحاث وإنتاج ونقل وتحويل وتجارة الهيدروكربونات الجزائرية المعروفة باسم “سوناطراك”، والتي تحتل المركز الثاني عشر في ترتيب أفضل 100 شركة نفط في العالم لعام 2004.
تأسّست “سوناطراك” عام 1963 تماشيًا مع رغبة الدولة الملحة بعد الاستقلال، باستغلال مواردها النفطية والسيطرة على الثروة البترولية، بما يساعد في إنعاش اقتصاد البلد الذي ما زال ينزف جرّاء الاستعمار الفرنسي، كخطوة أولى نحو تأميم القطاع النفطي بصفة عامة الذي كان يهيمن عليه الفرنسيون.
واستطاعت الشركة الجزائرية فرض قبضتها على سوق النفط في البلاد، فيما نجحت في توسيع دائرة أنشطتها لتشمل معظم مناطق الجزائر مع إبرام بعض الاتفاقيات الأجنبية مع عدد من الدول، وهو ما دفع الشركة لتكون على قائمة الشركات ذات الشهرة العالمية المرموقة، كما أنها أصبحت في السنوات الأخيرة قبلة للكثير من القوى للتعاون معها كالولايات المتحدة ودول أوروبا.
تحتل الجزائر المرتبة 115 عالميًّا من أصل 176 دولة في مقياس نِسَب الانبعاثات الغازية الدفيئة لعام 2015.
وفي الجهة الأخرى، قابل هذا النشاط الملحوظ لـ “سوناطراك” في زيادة تلويث البيئة في البلد العربي، فبحسب مؤسسة أبحاث الطاقة “غلوبال إينرجي مونيتور” تقدّر انبعاثات غاز الميثان من النفط والغاز الصادرة عن الشركة الجزائرية بنحو 2.2 مليون طن في العام الواحد.
فيما واجهت اتهامات وانتقادات لاذعة كونها المسؤول الأكبر عن تفاقم التغيرات المناخية في البلاد بسبب أنشطتها الصناعية الضارّة، كإنتاج وحرق الوقود الأحفوري الذي يؤدي إلى ترسُّبات كبيرة للغازات الدفيئة (مثل الميثان) التي تتسبّب في الاحتباس الحراري، وهو السبب الأبرز للكثير من الكوارث البيئية أهمها الجفاف وندرة المياه والتصحر.
وتتكبّد الجزائر خسائر فادحة جرّاء التلوث الناجم عن الشركة النفطية وغيرها من الشركات، تلك الخسائر -بحسب تقرير البنك الدولي- تشكّل ما يعادل 1.2% من إجمالي الناتج المحلي، وتقسم على النحو التالي: 52 مليون دولار جرّاء المخلفات والنفايات، و541 مليون دولار من تدهور الأراضي، و446 مليون دولار نتيجة تلوث الهواء، و367 مليون دولار نتيجة تلوث المياه.
ومن الخسائر كذلك التراجع بخطوات ملموسة عن الاقتراب من منطقة الاقتصاد الأخضر، ما يعني ضياع أكثر من 1.4 مليون وظيفة بحلول عام 2025 في قطاعات الطاقات المتجددة ومعالجة النفايات وتدويرها والخدمات المرتبطة بالبيئة، بحسب دراسة الوكالة الوطنية للتعاون من أجل التنمية، وبحسب إحصاءات البنك الدولي تحتل الجزائر المرتبة 115 عالميًّا من أصل 176 دولة في مقياس نِسَب الانبعاثات الغازية الدفيئة لعام 2015.
“إينوك” الإماراتية و”نفط الكويت”.. ضلع أساسي في التلوث الشرق أوسطي
تمثل شركة بترول الإمارات الوطنية المعروفة بـ”إينوك” (ENOC)، والتي تأسّست عام 1993، وتتخذ من جبل علي بدبي مقرًّا لها، عصب صناعة النفط في دولة الإمارات الخليجية، وهي واحدة من الشركات التابعة لمؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، ويتبعها أكثر من 30 شركة متخصصة في مجالات التكرير ومزج زيوت التشحيم والتخزين والطيران والبيع بالتجزئة.
كانت بدايتها الأولى عام 1999 حين افتتحت أول مصفاة لها وأنتجت 120 ألف برميل يوميًّا من النفط بتكلفة بلغت حينها 1.5 مليار درهم، ثم تطورت فيما بعد حتى وصلت إلى واحدة من أكبر عمالقة النفط في دول مجلس التعاون الخليجي، ويعمل بها أكثر من 9 آلاف موظف في أكثر من 60 سوقًا.
وتواجه الشركة انتقادات كثيرة بشأن أنشطتها وتأثيراتها البيئية، خاصة أثناء عملية نقل النفط عبر موانئ جزيرة داس وجزيرة زركوه وأم النار والفجيرة وجبل علي، ومنها إلى أسواق التصدير في اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند، حيث التسرّبات النفطية والانبعاثات الناتجة عن توليد الطاقة، ما جعلها واحدة ضمن نادي المئة الأكثر تلويثًا للبيئة وعنصرًا أساسيًّا في تلوث منطقة الشرق الأوسط، رغم الجهود التي تبذلها الشركة لتقليل حجم الانبعاثات والبرامج المعلنة للالتزام بالضوابط البيئية الدولية.
وتنضم إلى القائمة شركة “نفط الكويت” التي تأسّست عام 1934 وتتخذ من الأحمدي بالعاصمة مقرًّا لها، وهي شركة قابضة تابعة لمؤسسة البترول الكويتية الحكومية وتعدّ رابع أكبر مصدر للنفط في العالم، وتشمل أنشطتها عمليات التنقيب، والمسوحات البرّية والبحرية، وحفر الآبار التجريبية، وتطوير الآبار المنتجة، بالإضافة إلى التنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعي.
ليس من المنطقي أو المقبول أن تصعد حفنة قليلة من المهووسين بجنون العظمة والريادة على حساب المليارات من سكان الأرض.
أصبحت الشركة ملكية حكومية خالصة عام 1975، لكنها انضويت بعد ذلك تحت عباءة مؤسسة البترول الكويتية التي تأسّست عام 1980 وانضم إليها جميع شركات النفط المملوكة للدولة، وفي عام 1990 تدمّرت معظم مرافق الشركة بسبب الحرب العراقية الكويتية، لكن سرعان ما عادت للإنتاج مرة أخرى في فبراير/ شباط 1991.
تمتلك الشركة قرابة 29 قطعة بحرية بين قاطرات وزوارق وقوارب متخصّصة، تتولى عمليات إرساء وتحريك وشحن وإخلاء ناقلات النفط من وإلى مرافئ مؤسسة البترول الكويتية، وإعداد الإحصاءات الشهرية والسنوية عن عائدات الموانئ، هذا بجانب مراقبة الملاحة وتحركات السفن والأنشطة البحرية ضمن منطقة عمليات ميناء الأحمدي البحرية، وكان ذلك أحد المسبّبات الرئيسية للانتقادات التي تواجهها الشركة بسبب التسربات النفطية والانبعاثات الكربونية.
في ورقة بحثية للأكاديمي سالم بن قديم، الأستاذ بكلية الهندسة والبترول في جامعة حضرموت باليمن، وليبيا باحويرث، الأستاذ المشارك بالجامعة ذاتها، والتي جاءت تحت عنوان “دور شركات نقل النفط في تلوث البيئة في دول مجلس التعاون الخليجي.. السعودية والكويت نموذجًا”، اُستعرض بالأرقام والأدلة دور شركة نفط الكويت في الإضرار بالمناخ والبيئة سواء في الخليج أو منطقة الشرق الأوسط برمتها، مناشدَين في نهاية البحث بضرورة التحرك العاجل لإنقاذ المنطقة من تلك المخاطر التي تهدد حياة ومستقبل الملايين من أبناء العرب.
وفي النهاية، إن التغيرات المناخية التي يدفع العالم ثمنها اليوم ويبذلون لأجل تحسينها مئات المليارات، هي بمثابة الحصاد المرّ لطموح القوى الاقتصادية والشركات العملاقة التي تستهدف تعاظم نفوذها وتوسعة حضورها العالمي دون أي اعتبارات إنسانية أو بيئية أو أخلاقية، وهو ما يتطلب التحرك العاجل لوقف هذا النزيف المستمر قبل فوات الأوان، ولا بدَّ من تدشين أرضية تشريعية لاجمة لهذا العبث، فليس من المنطقي أو المقبول أن تصعد حفنة قليلة من المهووسين بجنون العظمة والريادة على حساب المليارات من سكان الأرض.