ترجمة وتحرير: نون بوست
صعد علاء عبد الفتاح، الناشط والكاتب المصري البريطاني والمؤيد للديمقراطية، إضرابه عن الطعام، والذي بدأه منذ سبعة أشهر، في اليوم الأول من مؤتمر المناخ “كوب 27” الذي يقام في مصر منذ الأحد الماضي، حيث أعلن امتناعه عن تناول الماء وجميع السوائل، وذلك لإجبار السلطات المصرية على السماح للقنصلية البريطانية بالوصول إليه في السجن.
وكان علاء – الذي قضى معظم السنوات التسع الماضية في السجن – يمثل صوتًا شعبيًا ومستقًلا خلال ثورة 2011، كما كان معروفًا بالتزامه القوي بحقوق الإنسان، وقبل ذلك السلامة الجسدية، حيث يصر على أن التحرر من التهديد الجسدي والعنف وعدم الاستقرار يجب أن يكون حقًا للجميع، سواء كانوا مجموعة مهمشة أو خصومًا سياسيين أو سجنًاء، وإلا فإن الجميع سيكونون في خطر.
واستطاع علاء فرض نفسه، من داخل زنزانته، على المحادثات العالمية من خلال وضع جسده الهش المسجون، وذلك بعد رفضه حتى شرب الماء خلال قمة المناخ، وهو حدث خاص يدفعنا للتفكير فيما يحدث على كوكبنا ومستقبله؛ حيث يناقش نشطاء البيئة – منذ فترة طويلة – الطريقة التي نتعامل بها مع أجساد الآخرين، وما إذا كنا قادرين على العيش والتفكير والتحدث بأمان وحرية.
وكانت منى سيف، شقيقة علاء، قد زارته في السجن، قبل بضعة أسابيع، خلال زيارته الشهرية، والتي لم تتعدى مدتها الـ 20 دقيقة وتمت داخل حاجز زجاجي بينهما، قال خلالها علاء: “سأموت هنا”، مضيفًا:” “عليكِ أن تتغلبي على فكرة أنكِ ستنقذيني، ويجب التركيز على تحقيق أعلى سعر سياسي لموتي”.
وتشير كلمات علاء إلى قلق أكبر على الديمقراطية؛ يتمثل في أن الديمقراطيات الليبرالية “المتبجحة” تعطي الأولوية للحفاظ على العلاقات مع الديكتاتوريات لحماية المصالح الإستراتيجية على حياة مواطنيها – المشهورين منهم أو العاديين – المسجونين والمدفوعين إلى حافة الموت من قبل شرطة الدول الاستبدادية، وفي مواجهة هذه السياسات قصيرة النظر؛ يدرك علاء أن أزماتنا ومصائرنا مترابطة.
أنا متزوجة من ابن عمه، ولا تزال عائلته تحاول إنقاذه وتتأكد من أن قضيته لها أكبر تأثير ممكن، حيث وصلت أخته الصغرى، سناء سيف، الناشطة ومحررة الأفلام البالغة من العمر 28 عاما، يوم الأحد الماضي، من لندن إلى شرم الشيخ، مقر القمة، وذلك بعد أن أمضت أسبوعين من المبيت في خيمة خارج وزارة الخارجية البريطانية داعية الحكومة البريطانية إلى بذل المزيد من الجهد من أجل أخيها. وعندما وصلت، وجدت أن علاء سيكمل 14 ساعة من امتناعه عن الماء.
وكانت سناء قد سُجِنَت هي الأخرى ثلاث مرات بتهم تتعلق بجهودها لتحرير شقيقها، حيث كرست حياتها، بعد إطلاق سراحها الأخير من السجن ، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لمحاولة إخراج شقيقها، ومقابلة مسؤولين حكوميين بريطانيين وغيرهم من الجماعات الحقوقية، بالإضافة إلى القيام بجولة في الولايات المتحدة للترويج لكتابه، الذي نشر هذا العام.
وحصل علاء على الجنسية البريطانية، على الرغم من أنه ولد ونشأ في مصر، وذلك لأن والدته، ليلى سويف، أستاذة الرياضيات والناشطة الحقوقية، وُلِدَت في لندن، الأمر الذي استدعته أسرة علاء كمَخْرَج له، بعد أن أدركوا – بعد الحكم الأخير بحبسه – أن فرصه في أن يتمكن من العيش بحرية في مصر أصبحت مستحيلة، مستندين على مرسوم رئاسي يسمح بإعادة الأجانب المسجونين إلى وطنهم إذا تخلوا عن جنسيتهم المصرية.
وفي مواجهة الأزمات الاقتصادية الخطيرة والتغطية الصحفية السيئة لانتهاكات وقمع حقوق وحريات المصريين؛ استضاف الرئيس عبد الفتاح السيسي قمة المناخ كفرصة لإعادة صياغة سمعة مصر كمركز للدبلوماسية الدولية، في حين أن إضراب علاء عن الطعام أثبت أن سجل مصر في مجال حقوق الإنسان هو محور القمة، التي تُختتم في الـ 18من تشرين الثاني/نوفمبر.
أصبح علاء، بسبب نشاطه وكتاباته الغزيرة والمدة التي قضاها في السجن، رمزًا لثورة 2011، التي حاول السيسي، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب عام 2013 ، جاهدًا محوها ومنع تكرارها.
وخلال المؤتمر الصحفي الأول لسناء في شرم الشيخ، يوم الثلاثاء، واجهها عضو في البرلمان من حزب مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالرئيس السيسي، حيث اتهمها بـ”تحريض الحكومات الأجنبية” على الضغط على مصر، نافيًا أن يكون شقيقها سجينًا سياسيًا، كما أحبط محاولتها ترجمة تصريحاته، مما اضطر الأمن الدولي إلى إخراجه، وبعد ذلك خرجت سناء من قاعة المؤتمرات لتجد، ما وصفه صحفي في صحيفة واشنطن بوست بأنه، “أكبر زمرة صحفية رأيتها حتى الآن في كوب 27”.
وحتى قبل القمة؛ أثار القمع المصري الموثق تساؤلات حول الغسيل الأخضر (وهو مصطلح يعني استخدام قضايا البيئة شعارات للتغطية على أزمات ومشاكل سياسية واقتصادية) بين النشطاء، حيث رفضت غريتا ثونبرج الحضور، إلا أن شخصيات رئيسية في المجتمع المدني المصري أصرت على ضرورة حضور مجموعات العدالة المناخية والناشطين، لأنها قد تكون فرصة لهم ولأصوات مهمشة أخرى لإعادة الظهور على السطح.
وكانت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش قد نظمتا مؤتمرًا، يوم الثلاثاء، تحدث فيه حسام بهجت، المدير التنفيذي لمنظمة حقوقية مصرية رائدة، عن كيف أصبح عمل العدالة المناخية شبه مستحيل، مبينًا أن المجتمعات الأكثر عرضة للتجريد من الملكية بسبب الأضرار البيئية في مصر غير قادرة على تنظيم نفسها وتخشى التحدث علنًا، لأن العمل الحقوقي مُجرَّم. وقد مُنِعَ السيد بهجت من السفر الدولي لما يقرب من سبع سنوات، بالإضافة إلى اعتقال قوات الأمن ثلاثة من كبار موظفي منظمته، قبل عامين.
كان من المستحيل أن ينعقد هذا الأحدث في القاهرة وأن يرى السيسي الأشخاص الذين كانوا يقومون بعمل حاسم في مجال حقوق الإنسان والعمل السياسي في ظروف مرهقة يتحدثون عنه شخصيًا وعلنًا كجزء من محادثة عالمية.
بعد أشهر من إنكار أنه كان مضربًا عن الطعام، أخبرت السلطات المصرية الأسرة أنه يتلقى تدخلًا طبيًّا لمنعه من الموت في السجن
ويحفز قرار علاء الراديكالي بالتوقف عن شرب الماء مع وصول الدبلوماسيين والصحفيين والسياسيين والعلماء والناشطين إلى شرم الشيخ كل هذا؛ حيث تحدث العديد الحضور من الحكومات الدولية والشعبية نيابة عنه في قمة المناخ، كما تدفق التضامن من كل مكان، فأصبح الناس في مصر ونيويورك وفلسطين وحول العالم يكتبون ويحتجون ويقرأون أعماله ويضربون عن الطعام تضامنًا معه.
أصبح علاء، بسبب نشاطه وكتاباته الغزيرة والمدة التي قضاها في السجن، رمزًا لثورة 2011، التي حاول السيسي، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب عام 2013 ، جاهدًا محوها ومنع تكرارها.
ومع ذلك؛ يبدو أن السيسي ودولته الأمنية لا يمكنهما منع الناس من تبني روح التضامن المتجددة والدعوات إلى العدالة، التي يتردد صداها طوال قمة المناخ، ففي الوقت الذي دخل علاء في يومه السادس من الامتناع عن الماء، وبعد أكثر من سبعة أشهر بدون طعام، طلبت الحكومة المصرية من الناس عدم تشتيت انتباههم، والتركيز على قضايا المناخ، وذلك ردًا على الضغوط حول قضيته.
وبعد أشهر من إنكار أنه كان مضربًا عن الطعام، أخبرت السلطات المصرية الأسرة أنه يتلقى تدخلًا طبيًّا لمنعه من الموت في السجن، إلا أن علاء ليس مضربًا لأنه يريد أن يموت؛ ولكنه مضربًا لأنه يريد أن يعيش حقا، وأي تدخل جسدي غير مرغوب فيه لن يصبح سوى جبهة جديدة في معركته من أجل حياته.
وقال رؤساء الحكومات الألمانية والبريطانية والفرنسية، في شرم الشيخ، إنهم أثاروا قضية علاء في اجتماعاتهم مع السيسي هذا الأسبوع.
لقد كشف إضراب علاء عن الطعام عن القيود المفروضة على عمل الدبلوماسية كالمعتاد، ونَشط قدراتنا على إحداث التغيير، وهو ما ينطبق علينا جميعا: أحباؤه وأنصاره، والحكومات التي من المفترض أن تمثله وتحميه.
المصدر: نيويورك تايمز