تنطلق صباح اليوم الثلاثاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ في مدينة بالي الإندونيسية، فعاليات قمة مجموعة العشرين بمشاركة 17 رئيس دولة، المقرر لها أن تستمر على مدار يومين كاملين، وسط حزمة من التحديات والمخاطر التي تحيط بالمنظومة العالمية برمتها خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.
القمة تأتي في وقت استثنائي حيث موجة الركود التي تجتاح العالم وأزمات الطاقة المشتعلة وارتفاع معدلات التضخم وحالة السيولة السياسية والأمنية التي تخيم على الأجواء منذ الحرب الروسية الأوكرانية فبراير/شباط الماضي، هذا بجانب التداعيات الكارثية للتغير المناخي الذي يضع مستقبل الأمن الغذائي العالمي على المحك.
وبعيدًا عن القمم السابقة، يدخل المشاركون قمة بالي الراهنة وسط انقسامات حادة بين الدول الأعضاء، حيث التصريحات الصادرة من بعض مسؤولي أوروبا بشأن محاصرة الوفد الروسي المشارك ومقاطعة اجتماعاته، بما فيها كلمة وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي قالت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية إنه تعرض لأزمة صحية انتقل على إثرها للمستشفى، فيما نفت الخارجية الروسية هذه المعلومة التي وصفتها بالـ”كاذبة”.
هذا الجمع الذي يضم أكبر 20 اقتصادًا في العالم يأتي بعد أقل من يومين من ختام قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في الـ13 من الشهر الحاليّ بالعاصمة الكمبودية بنوم بنه، وأربعة أشهر تقريبًا من اجتماعات وزراء خارجية دول المجموعة في إندونيسيا، فما أبرز التحديات التي تواجه قمة بالي؟ وهل يمكن التعويل عليها في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل تلك الأجواء الملبدة بغيوم التحديات والانقسامات الدولية؟
تلطيف الأجواء
استبقت واشنطن وبكين القمة بلقاء جمع بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، وهو اللقاء الأول للرئيس الأمريكي منذ وصوله للبيت الأبيض، فقد كان آخر لقاء بينهما عام 2017، وسادت أجواء الترحيب بين الزعيمين حين خاطب بايدن نظيره الصيني “من الجيد رؤيتك”.
بايدن حرص خلال كلمته على تأكيد أهمية المحادثات المباشرة بين البلدين كخيار لا بديل عنه لمواجهة التحديات الدولية الراهنة، منوهًا أن الولايات المتحدة والصين تستطيعان إدارة خلافاتهما وقادرتان على منع تحول المنافسة بينهما إلى صراع، ومشددًا في الوقت ذاته على أن العالم يتوقع من القوتين الكبيرتين أن تضطلعا بدور مهم لمعالجة قضيتي التغير المناخي والأمن الغذائي.
من جانبه، أكد الرئيس الصيني على أهمية علاقات بلاده مع أمريكا، وضرورة رسم مسار صحيح لها، وفق تعبيره، مضيفًا أنه يتعين العمل مع كل الدول كي يكون هناك أمل في السلام والاستقرار ولتخطي الأزمات، معربًا عن استعداده لتبادل الرؤى بشكل صريح وعميق بشأن القضايا الإستراتيجية مع بايدن بهدف تعزيز العلاقات الثنائية.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، قالت في مؤتمر صحفي: “نأمل أن تعمل الولايات المتحدة مع الصين للسيطرة على الخلافات وتعزيز التعاون المفيد للطرفين، وتجنب سوء التفاهم وسوء التقدير لدفع العلاقات الأمريكية الصينية إلى مسارها الصحيح ومن أجل التنمية الصحيحة والمستقرة”.
اللقاء بمثابة محاولة من الطرفين لتلطيف الأجواء قبيل انعقاد القمة، حيث تعرضت العلاقات بينهما إلى توترات شديدة في الآونة الأخيرة بسبب التصعيد الاقتصادي بين البلدين من جانب، وتباين وجهات النظر إزاء الملف التايواني من جانب آخر، وصلت إلى حد السجال العسكري، لذا جاءت أهمية هذا اللقاء الذي استمر ساعتين تقريبًا لمحاولة تبريد الأجواء والوقوف على أرضية ثابتة من التحديات المشتركة التي من الممكن أن تكون نقطة انطلاق لتنحي الخلافات مؤقتًا من أجل تحريك المياه الراكدة في الملفات الحساسة ذات التأثير السريع والخطير.
يحاول الرئيس الأمريكي قدر الإمكان سد ذرائع التوتر مع الكيانات الاقتصادية الدولية خلال المرحلة المقبلة، وتصفير الأزمات مع التنين الصيني تحديدًا تجنبًا لأي هزات اقتصادية من الممكن أن تفاقم الوضع الداخلي بما ينعكس على مستقبله وحزبه السياسي خاصة بعد النجاح النسبي في الانتخابات النصفية الأخيرة رغم سيطرة الجمهوريين على النواب، الأمر ذاته على الجانب الآخر إذ تخشى بكين دفع فاتورة الانخراط في المستنقع الروسي واستعداء التكتل الغربي بشكل قد يهدد أسواقها ومصالحها الخارجية، لذا فهي تحاول مسك العصا من المنتصف وعدم استفزاز واشنطن وحلفائها، وهو ما يمكن قراءته بصورة أو بأخرى في رفع الحكومة الصينية غطاءها إلى حد ما عن موسكو في حربها الأخيرة ضد كييف رغم الدعم المطلق بداية العمليات العسكرية.
وفي سياق التلطيف السياسي كذلك من المتوقع أن يلتقي الرئيس الصيني برئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز على هامش القمة، حسبما أعلن الأخير، وهو اللقاء الذي إن تم سيكون الأول على مستوى القادة بين البلدين بعد فتور في العلاقات دام لعدة سنوات.
أبرز التحديات
تنطلق القمة وسط حزمة من التحديات الصعبة، أبرزها وأولها حالة الانقسام التي تخيم على المشهد، إذ ينقسم المشاركون في هذا الجمع إلى 3 معسكرات: الأول هو المعسكر الشرقي الذي تمثله روسيا والصين، أما المعسكر الثاني فهو المعسكر الموالي للولايات المتحدة وأوروبا، ثم يأتي المعسكر الوسط الذي لا يميل إلى هذا أو ذاك، على الأقل بشكل رسمي، ويتعاطى مع الأجواء وفق مصالحه الخاصة.
البعض وصف القمة بأنها “قمة التربص”، فهناك حالة من الاستهداف الممنهج من المعسكرين، الشرقي والغربي، البداية كانت عبر ترديد أخبار زائفة عن مشاركة أسماء بعينها وإصابة شخصيات أخرى بوعكات صحية كما حدث مع لافروف، أجواء تتشابه مع تلك التي تسبق المعارك فيما يطلق عليها علماء الاجتماع السياسي “الحرب المضللة” أو “الحرب النفسية والإعلامية”.
وبعيدًا عن هذا التحدي، هناك 3 تحديات أخرى من المرجح أن تكون حاضرة بقوة على طاولة الاجتماعات، على رأسها أزمة الطاقة التي يعاني منها العالم خلال الآونة الأخيرة، حيث القفزات الجنونية التي شهدتها أسعار النفط منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ لامس سعر برميل النفط حاجز المئة دولار، يتأرجح زيادة وتراجعًا حول هذا الرقم، بسبب العجز الناجم عن وقف الإمدادات الروسية التي كانت تشكل ضلعًا أساسيًا في سوق الطاقة خاصة الغاز الطبيعي الذي يلبي 40% من احتياجات أوروبا.
وعلى عكس المشهد الذي كان في القمة الـ12 لمجموعة العشرين التي عقدت في الفترة بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني – 1 ديسمبر/كانون الأول 2018 في العاصمة الأرجنتينية، بوينس آيرس، حين تجنب المشاركون مصافحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بسبب تورطه في جريمة مقتل جمال خاشقجي بإسطنبول في أكتوبر/تشرين من ذلك العام، فإن الوضع اليوم يتوقع أن يكون مختلفًا، فسيحل الأمير السعودي ضيفًا مرحبًا به من الجميع نظرًا لسلاح النفط الذي يهيمن عليه من خلال منظمة أوبك التي تتزعمها بلاده كونها المنتج الأول للنفط في العالم.
ومن النفط إلى حركة السلع والتجارة، حيث الركود والتضخم الذي يخيم على الاقتصاد العالمي، منذ جائحة كورونا (كوفيد 19) وحتى اليوم (زاد التضخم من 4.7% خلال 2021 إلى 8.8% عام 2022) وهو ما انعكس بطبيعة الحال على معدلات النمو الاقتصادي المتراجعة بصورة لافتة، إذ أعلن صندوق النقد الدولي أن المعدل في عام 2021 كان بحدود 6%، وسط توقعات بتراجعه بقرابة النصف عند 3.2% عام 2022، ثم مزيد من التراجع عام 2023 عند 2.7%، وهو ما يتطلب تضافر الجهود لوقف هذا النزيف.
وأخيرًا تأتي التغيرات المناخية وتداعياتها القاسية على الجميع دون استثناء كأحد التحديات التي تواجه القمة والدول المشاركة بها، وتتزامن تلك القمة مع مؤتمر المناخ (كوب27) الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ المصرية خلال الفترة من 6 – 18 فبراير/شباط 2022، فالخسائر التي يتكبدها العالم – في الأرواح والممتلكات – جراء تلك التغيرات الناجمة في معظمها عن الأنشطة الاقتصادية للقوى العملاقة وشركاتها متعددة الجنسيات، تدفع نحو اتخاذ موقف موحد لمواجهة تلك المخاطر التي إن استمرت على منوالها هذا ستضع الأمن الغذائي وأرواح الملايين في مهب الريح، هذا بخلاف النزوح الجماعي المتوقع لعشرات الملايين أو كما يطلقون عليه “اللجوء المناخي”.
الملف الأبرز على طاولة القمة
رغم غياب الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن القمة، فإن الحرب المشتعلة بين البلدين ستكون حاضرة وبقوة، كونها أحد الأسباب الرئيسية وراء الأزمة التي يحياها العالم على مستوى الغذاء والطاقة، كما أنها كانت المحور الأبرز في اللقاء الذي جمع بين الرئيسيين الأمريكي والصيني قبيل انعقاد القمة.
يحيا العالم منذ فبراير/شباط الماضي حالة من الاستقطاب لم تشهدها الخريطة الدولية منذ الحرب العالمية الأولى، فالعناد الروسي وجنون العظمة الذي يخيم على بوتين، ومساعيه لإحياء أمجاد السوفيت القديمة، في مواجهة الصلف الغربي الساعي لتقليم أظافر الدب الروسي الذي تعاظم دوره في الشرق الأوسط خلال الأعوام السبع الأخيرة، وتحول إلى ند في مواجهة الغرب، يشيران إلى إطالة أمد الحرب التي يدفع الجميع ثمنها، إذ لا رابح فيها ولا منهزم، فالكل خاسر بالورقة والقلم.
وأمام سياسة “شد الحبل” التي يتبناها بوتين وبايدن، تحاول بعض العواصم الغربية بجانب أنقرة والدوحة وأخيرًا القاهرة في لعب دور الوسيط لتخفيف حدة التوتر ومحاولة تبريد الأجواء الساخنة، على أمل التوصل إلى أرضية مشتركة من الحوار البناء لنزع فتيل الأزمة قبل تجاوز خطوطها الحمراء.
غير أن التعامل مع تلك الحرب كورقة سياسية دعائية لدى اشنطن وموسكو على حد سواء، يجهض بالطبع كل الجهود الدبلوماسية المبذولة لاحتوائها، وهو ما بدأ يستقر في يقين القوى والأطراف الأخرى التي ترى نفسها ضحية هذا الصراع الثنائي، وبدأت تؤمن أنها في تلك المنطقة الرمادية شديدة الخطورة، فلا هي طرف أصيل في الحرب حتى تتحمل تبعاتها بهذا الشكل الذي يهدد أقوى اقتصادات العالم بالركود والتضخم، فضلًا عن الثمن الباهظ – مقارنة بطرفي الحرب الأصليين – جراء أزمة الطاقة وانتظار شتاء ربما يكون الأقسى على الأوروبيين.
بالورقة والقلم، فإن التحديات الراهنة كفيلة أن تدفع الجميع نحو بلورة موقف موحد لمجابهة الأزمة الاقتصادية الراهنة، ومحاولة طي الخلافات البينية جانبًا لأجل المصلحة الأعم والأشمل، غير أن حالة التربص التي تخيم على القمة ربما يكون لها انعكاسات أخرى، وهو ما يعني مزيدًا من الشخصنة والشقاق والانقسام، والسعي لتحقيق انتصارات زائفة على حساب المعسكر المضاد، فإلى أي السيناريوهين ينتصر المشاركون؟