ترجمة وتحرير: نون بوست
لا ترفع آمالك حول إمكانية تحقيق انجاز بين الرئيس جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ في اجتماعهما التاريخي في بالي بإندونيسيا؛ فبعد أشهر من التنابز والتهديدات الصريحة من كلا الجانبين، لم يعد هناك سوى مساحة محدودة للتفاهم.
وقال بايدن إنه يخطط للضغط على شي بشأن تايوان والتجارة والمخزون النووي المتنامي للصين عندما يجتمعان على هامش قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا، وأكد أنه “ليس على استعداد لتقديم أي تنازلات جوهرية”. في المقابل؛ كانت الحكومة الصينية عنيدة بنفس القدر؛ حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، يوم الجمعة: “سندافع بحزم عن سيادتنا وأمننا ومصالحنا التنموية”.
وفي الواقع، قلل مسؤولو البيت الأبيض من شأن التوقعات الخاصة بالاجتماع، الذي لا يُتوقع أن يسفر عن العديد من الإنجازات. ووفقًا للمسؤولين، لا توجد خطط لظهور الزعيمين في مؤتمر صحفي عادي بعد القمة أو حتى تقديم بيان مشترك بعد الاجتماع.
أعلنت الإدارة أن الهدف من الاجتماع هو “بناء أرضية للعلاقة”، وفي ذلك اعتراف صريح بمدى خطورة تلك العلاقة؛ حيث قال تشارلز فريمان، نائب رئيس البعثة السابق في سفارة الولايات المتحدة في بكين: “إن الحكومتين متضررتان على قدم المساواة من بعضهما البعض وتتنافسان لمعرفة أيهما الأكثر ثقة بالنفس”.
ومع دعم كل من بايدن وشي مؤخرًا في بلدانهم؛ بايدن من خلال نتائج الانتخابات النصفية، وشي من خلال فوزه الشهر الماضي بفترة ولاية ثالثة ليكون القائد الرئيسي للصين، لم يكن لدى القائدين أي سبب يدفعهما للتنحي.
مع ذلك؛ تقول الإدارة إن لديها سلاحًا سريًا لنزع فتيل التوترات الثنائية: وهو العلاقة الشخصية التي عززها بايدن مع شي عندما كان نائب الرئيس، وتفاخر بايدن الأسبوع الماضي بأنه قضى ما يزيد عن 78 ساعة مع شي وكرر تأكيده الذي دحضه الكثيرون بأن الرئيسين قد سافرا ما مجموعه “17000 ميل” معًا.
وتضع الإدارة ثقة كبيرة في ذلك التاريخ الشخصي، كما أصر بايدن على أن الاجتماع وجهًا لوجه مع شي، في أول اجتماع له كرئيس، يمكن أن يساعدهم في معالجة قضايا “الخطوط الحمراء”.
وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس، بينما كان على متن الطائرة الرئاسية يوم السبت في طريقه إلى قمة الدول الآسيوية في كمبوديا التي كانت محطة بايدن قبل مجموعة العشرين: “لا يوجد بديل للتفاعل بين قائد وقائد… وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بجمهورية الصين الشعبية، لأنه لا يوجد شخص آخر في نظامهم قادر على التواصل بشكل رسمي بخلاف شي جين بينغ”.
وأضاف سوليفان: “إن وجود رئيسين قادرين على التقابل وجها لوجه، وليس عبر شاشة تفصل بينهما، يأخذ المحادثة إلى مستوى إستراتيجي مختلف ويسمح للقادة بالتعمق في استكشاف ما يراه كل منهما في الآخر من حيث النوايا والأولويات”.
في هذه المرحلة؛ يتم الترويج لعقد الاجتماع على أنه مكسب، لكن المواجهة وجهًا لوجه من المرجح أن تسلط الضوء على الهوة المتنامية بين بلدين كانا يعتقدان أنهما قادران على التعاون على الأقل في الأزمات العالمية والتجارة. وعلى الرغم من إجراء أربع مكالمات هاتفية واجتماع افتراضي واحد على مدار العامين الماضيين، يبدو أن بايدن وشي يبتعدان أكثر من أي وقت مضى.
إذا تحركت الصين في تايوان، فإن العالم سوف يلتف حولها داعمًا كما فعل مع كييف
ففي الأشهر الأخيرة؛ هددت الصين بأن دعم الولايات المتحدة لتايوان قد يؤدي إلى حرب، وحذرت الولايات المتحدة من فرض ضوابط التصدير والعقوبات المعوقة في حال قدمت بكين دعمًا ماديًا لحرب روسيا على أوكرانيا. ويتهم مسؤولو وزارة الخارجية الصينية بانتظام الولايات المتحدة بشن حملة تشهير واسعة النطاق لإعلانها أن الصين ترتكب إبادة جماعية ضد مسلمي الأويغور في سنجان.
وقال داني راسل، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ: “علاقتهما … هي واحدة من الأشياء القليلة التي تبقيها الولايات المتحدة والصين سرية لأنه لا يوجد الكثير مما يمكنك الإشارة إليه لتوليد التفاؤل”. في المقابل؛ جادل راسل بأن عقد لقاء متسرع بين اجتماعات أخرى على هامش مجموعة العشرين لا يمكن أن يسفر عن حوار هادف، لأنهم “بحاجة إلى الوقت والبيئة التي تسمح بالحوار دون نقاش”.
ومن المحتمل أن يكون هناك جدال، أو سرد عن ظهر قلب للمواقف الحالية، في ضوء موقف تايوان على رأس جدول أعمال الاجتماع؛ حيث دخل الجانبان في حالة من الاتهامات الغاضبة المتبادلة منذ زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي للجزيرة ذات الحكم المستقل في آب/أغسطس الماضي، وردت الصين بتعليق التعاون في مجالات المناخ ومكافحة المخدرات، كما حذرت من أن الصدع قد يؤدي إلى إشعال فتيل الصراع. فيما يبدو أن شي وضع أرضية لمحادثاته مع بايدن من خلال حث جيش التحرير الشعبي الأسبوع الماضي على “تعزيز التدريب العسكري استعدادًا للحرب”.
وقد ظهرت هذه الديناميكيات المتوترة في المفاوضات المضنية لجعل الاجتماع يحدث في الأساس؛ ففي منتصف تشرين الأول/أكتوبر، بدا أن الصينيين قد يتراجعون عن الاجتماع مع رفضهم تأكيد جدول الأعمال، لكن البيت الأبيض بالرغم من ذلك أعرب عن ثقته الهادئة في أن حدوث الاجتماع -معتقدًا أن بكين تريده بقدر ما تريده واشنطن-.
ودفع خطاب بكين بايدن إلى التهديد بالتدخل العسكري الأمريكي في حالة وقوع هجوم صيني على تايوان، كما حث الكونغرس على تقديم تشريع من الحزبين لتعزيز القدرة الدفاعية للجزيرة.
ويثير هذا الخطاب التوترات التي يمكن أن تشعل مواجهة عسكرية محتملة بين القوات البحرية الأمريكية والصينية في المحيطين الهندي والهادئ، والتي قد يكون لها عواقب وخيمة. كما قال مساعدو البيت الأبيض إن بايدن سوف يتحدث مع شي بشأن أوكرانيا، وذلك أولاً للضغط على بكين لعزل آلة الحرب الروسية المتعثرة بشكل أكبر، ولكن أيضًا كتحذير ضمني من أنه إذا تحركت الصين في تايوان، فإن العالم سوف يلتف حولها داعمًا كما فعل مع كييف.
وقد جادل ونستون لورد، المساعد السابق لوزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، بأنه يجب على بايدن وشي استخدام اجتماعهما “لمحاولة ضخ بعض الاستقرار في العلاقة.. حتى لا نواجه حوادث قد تؤدي إلى الصراع”.
كما سيدفع بايدن شي للمساعدة في إبقاء كوريا الشمالية تحت السيطرة؛ حيث يطلب من قادة اليابان وكوريا الجنوبية -الذي يلتقي بهما الأحد- إحضار بنود جدول الأعمال إليه ليطرحها على شي؛ حيث قال سوليفان: “أحد الأشياء التي يريد الرئيس بالتأكيد أن يفعلها مع أقرب حلفائنا هو معاينة ما ينوي فعله وكذلك سؤال قادة كوريا واليابان: ما الذي تريدون أن أثيره؟ وماذا الذي تريدون مني أن أتطرق إليه معه؟ هذا هو الأسلوب الذي يتبعه في تعامله مع الصين”.
قد تكون أكثر النتائج المحتملة قيمة للاجتماع هي الاعتراف المتبادل بأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين متوترة الآن لدرجة أنه لا يلزم أقل من قمة رسمية ليوم كامل لوقف الانحدار في العلاقات
لكن مناقشة بايدن وشي للنزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين من المرجح أيضًا أن تصل إلى طريق مسدود؛ فقد أبقت إدارة بايدن على تعريفات جمركية التي فُرضت عهد ترامب على ما يزيد عن 350 مليار دولار من البضائع الصينية بسبب الممارسات التجارية غير العادلة المزعومة. كما فرض بايدن في الشهر الماضي قيودًا على الصادرات لخنق إمدادات بكين من الرقائق الدقيقة المستخدمة في الحوسبة المتقدمة والتطبيقات العسكرية.
ورد وزير الخارجية الصيني وانغ يي باتهام الولايات المتحدة باتباع سياسة “الاحتواء والقمع ضد الصين“، وقال فريمان، الدبلوماسي السابق المقيم في بكين، إن بكين تنظر الآن إلى الولايات المتحدة على أنها تشن “شبه حرب لمنع الصين من التقدم اقتصاديًا وتكنولوجيًا”.
ويشير التاريخ الحديث أيضًا إلى أن بايدن لن يحالفه الحظ في إقناع شي بإبطاء التوسع السريع للترسانة النووية الصينية، فقد اتفق الزعيمان في العام الماضي على إجراء محادثات ثنائية حول الأسلحة النووية الصينية، لكن تشين جانج – سفير الصين لدى الولايات المتحدة – أصر لاحقًا خلال إفادة إعلامية على أن الولايات المتحدة هي التي يجب عليها “نزع ترسانتها النووية”.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه النتائج الحقيقية لذلك الاجتماع بالقرب من شواطئ بالي الجميلة، فإن كلا الزعيمين لهما مصلحة في إبراز صورة من المشاركة الإيجابية، والتي تسمح لهم بإرسال رسالة إلى الحلفاء الدبلوماسيين الذين يشعرون بالقلق من العلاقات الأمريكية الصينية السائدة بأنهم ما زالوا منفتحين على تحسين العلاقة؛ حيث قال سكوت مارسيل، النائب المساعد الأول السابق لوزير شؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ في وزارة الخارجية، والذي يتحدث بانتظام إلى المسؤولين الإقليميين: “إن دول جنوب شرق آسيا ستعتبرها علامة جيدة حقًا على أنه على الرغم من بعض التوترات بشأن تايوان وبعض الخطابات القاسية من كلا العاصمتين، فإن القادة عازمون على الحفاظ على الحوار”.
وقد تكون أكثر النتائج المحتملة قيمة للاجتماع هي الاعتراف المتبادل بأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين متوترة الآن لدرجة أنه لا يلزم أقل من قمة رسمية ليوم كامل لوقف الانحدار في العلاقات والتعامل مع التسويات المحتملة؛ حيث ألمح سوليفان يوم السبت إلى أن اجتماع بايدن شي لن يكون الأخير.
وقال راسل، الذي يعمل أيضًا كنائب رئيس مجتمع آسيا للسياسات في معهد الأمن الدولي والدبلوماسية: “قد يكون هذا بمثابة نقطة انطلاق للرئيسين ليقررا أنهما بحاجة فعلاً للجلوس، والتشمير عن سواعدهما، وتجنيب الملف بكل نقاط الحديث فيه، وإجراء نوع من المحادثات الجادة التي قد تؤدي إلى إعادة صياغة علاقتهما”.
المصدر: صحيفة بوليتيكو