ترجمة: حفصة جودة
رغم مرور أكثر من 6 سنوات، فإن سعاد عبد العزيز ما زالت لا تصدق ما حدث مع ابن عمها، ففي يونيو/حزيران 2016، وجدت محكمة أمريكية أن مهند بدوي – 25 عامًا – مذنب للمساعدة في محاولة تقديم الدعم المادي للدولة الإسلامية “داعش” والتحريض على ذلك.
وفقًا للمدعي العام فإن ابن عمها اشترى تذكرة ذهاب فقط لصديقه نادر الحزيل للسفر إلى سوريا والانضمام إلى داعش، قالت وزارة العدل إن كلا الرجلين جذبا انتباه السلطات القانونية إليهما بعد أن نشرا عدة رسائل لدعم داعش على وسائل التواصل الاجتماعي.
كانا خاضعين للمراقبة المستمرة وعندما اشترى الحزيل تذكرة ذهاب لتركيا فقط من خلال “إسرائيل”، اعتُقل كلاهما ووُجهت إليهما التهم، لكن عبد العزيز – 28 عامًا – قالت إن هذه القضية مُلفقة.
تقول عبد العزيز إن بدوي أقرض بطاقته الائتمانية لصديقه، لكنه لم يكن يعلم أن الحزيل يزعم انضمامه إلى داعش، وتضيف “أقول يزعم لأن الدولة لم تثبت حتى انضمامه إلى داعش”.
وهكذا، بدلًا من ذلك، استخدم المدعون تعليقات الرجلين على وسائل التواصل الاجتماعي لإثبات نواياهما المعادية لأمريكا والاعتماد على هيئة محلفين معادية للمسلمين لاستنتاج أنهما إرهابيان.
قدم كلا الرجلين التماسًا بعد إذنابهما في التهم الموجهة إليهما، لكنهما أُدينا وحُكم عليهما بالسجن 30 عامًا لكل منهما، وقد استمرت المحاكمة أسبوعين.
تقول عبد العزيز التي تنهي عامها الثالث في كلية الحقوق ومتدربة في منظمة “Palestine Legal” للحريات المدنية في أمريكا: “لم تكن المحكمة بحاجة إلى أدلة على نية محددة تؤكد دعمهما أو ارتكابهما للعنف، كانت بحاجة فقط إلى إثبات معرفة الشخص بتلك المنظمات لتعتبره إرهابيًا”.
تعد قصة بدوي مجرد واحدة من مئات القصص المتعلقة بمسلمي أمريكا الذين تعرضوا لاستهداف السلطات وسُجنوا بسبب تهم غامضة وزائفة تحت شعار “الحرب على الإرهاب”.
في مؤتمر نظمه تحالف الحريات المدنية “CCF” في العاصمة واشنطن نهاية الأسبوع، تجمع عشرات المسلمين الأمريكيين مثل عبد العزيز لمناقشة مصير أحبابهم الذين يواجهون المراقبة أو السجن أو المضايقات المستمرة من السلطات.
قال النشطاء والعائلات في المؤتمر إن المعتقلين منسيون ومُهملون من المجتمع الأمريكي المسلم خوفًا من التعرض للاتهام بالإرهاب أيضًا، وليس من الصعب أن نرى سبب ذلك.
وكجزء من الحرب على الإرهاب، تستهدف الحكومة الأمريكية المساجد والقادة السياسيين المحليين، وتدمج المؤسسات الإسلامية في شبكتها الواسعة لسياسات مواجهة الإرهاب التي أعيت المجتمع المسلم.
المنسيون
أعلنت الولايات المتحدة حربها العالمية على الإرهاب ردًا على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن، وتبعتها بغزو العراق وأفغانستان، ما تسبب فيما يقارب من مليون قتيل عالميًا.
في الولايات المتحدة، قدمت إدارة جورج دبليو بوش قانون “الوطنية” الذي يمنح قوات تنفيذ القانون حرية شبه كاملة لاستهداف أي شخص قد يمثل تهديدًا للولايات المتحدة، تعرض آلاف المسلمين الأمريكيين إلى المراقبة واستُهدفوا للإيقاع بهم ومحاكمتهم لمساعدة الإرهاب والتحريض عليه.
“الإرهاب أحد المحرمات التي يُمنع الحديث عنها، وهو مُصمم بتلك الطريقة لتخويفنا من الحديث إلى بعضنا البعض لخلق ثقافة من الخوف داخل مجتمعاتنا” سعاد عبد العزيز
قالت ندى ديباس منسقة دعم العائلات والأسرى في مؤسسة “CCF” إن أحد أهداف المؤتمر – في عامه الـ11 الآن – تمكين العائلات من الأدوات اللازمة لمشاركة قصصهم وتغيير السردية، وأضافت “العائلات بحاجة ماسة للمساعدة، ونحن نود مساعدتهم ليصبحوا مدافعين عن أنفسهم”.
تقول ديباس: “كل ما اخترناه كان يتماشي مع مقولة “المساعدة لن تأتي” وأننا ببساطة المسؤولون عن ذلك وإن لم نفعله فلن يفعله أحد غيرنا، لذا كان هذا المؤتمر عن التمكين، لا يمكننا أن نجلس هكذا ونتوقع أن تتغير الأشياء، من واجبنا أن نطالب بما نريده”.
في يوم الجمعة، تجمعت العائلات على بُعد مسافة قصيرة من وزارة الأمن الوطني ووكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، وقد أُسس كلاهما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، ويُستخدمان لاستهداف المجتمع المسلم في أمريكا.
تنوعت الجلسات في الحدث ما بين معالجة الحزن والتركيز على صياغة السردية، وكانت بقيادة المخرج ديفيد ريكر الحاصل على جوائز والكاتب المشارك في الفيلم الوثائقي “حروب قذرة”.
تقول عبد العزيز: “الإرهاب أحد المحرمات التي يُمنع الحديث عنها، وهو مُصمم بتلك الطريقة لتخويفنا من الحديث إلى بعضنا البعض لخلق ثقافة من الخوف داخل مجتمعاتنا، وتجمعات مثل تلك فعل ثوري في حد ذاتها”.
وصف هشام المليجي – الذي دافع عن المعتقلين السياسيين لأكثر من عقدين – هذا الاجتماع بأنه “علاجي”، وقال: “كان هذا علاجيًا بطريقة إنسانية، لأنه من الصعب للغاية والبائس أن تشعر بكامل ثقل الحكومة الفيدرالية وكل قوتها على ظهرك دون أن تتمكن من الحديث بحرية عن ذلك”.
بالمثل، قال أحمد حسن – المعتقل السابق – إن المؤتمر من بين المناسبات النادرة التي يمكن أن يلتقي فيها بأشخاص يفهمون فيها العزلة التي يسببها الاتهام بالإرهاب.
قضى حسن – 22 عامًا – 5 سنوات في السجن بعد أن حكمت المحكمة بأن حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي يرقى إلى تزويد داعش بالدعم المادي، وقد قال إن عائلته تعرضت لإهمال ونبذ المجتمع عقب اعتقاله منذ 7 سنوات.
بناءً على نصحية محاميه، أقرّ حسن بذنبه وحُكم عليه بالسجن 11 عامًا و3 أشهر، وفي 2019 خففت وزارة العدل الحكم إلى 5 سنوات، ومع ذلك فإن قضيته ما زالت مغلقة، ويواجه حسن قيودًا على استخدام الإنترنت.
يقول حسن: “هذه التجربة الفريدة بالاتهام بمعاداة الدولة فريدة ومخصصه لعزلك، لكننا نتحدث هنا عن تجاربنا”.
في يوم الإثنين، التقت العائلات ومنظمو “CCF” بممثلين في الكونغرس للضغط على المشرعين لتقديم قانون “Entrapment and Governmental Overreach Relief Act” أو قانون “EGO Relief Act”.
يهدف مشروع القانون إلى منع الحكومة الأمريكية من تأسيس قضايا جنائية كاملة بالاستناد إلى المخبرين وتطبيق الأثر الرجعي على القضايا السابقة، قال المليجي إنه يأمل أن تؤدي جهوده إلى دفع أعضاء الكونغرس إلى تصحيح أخطاء الماضي، ويضيف “فرص حدوث ذلك أو حدوثه سريعًا صفر، لكننا يجب أن نبدأ من مكان ما”.
تقول عبد العزيز إن عائلاتها لا تملك أي خيار إلا التمسك بالأمل، وتضيف “يعترف الكثير من الناس أننا بحاجة إلى إعادة صياغة مصطلح الإرهاب، هناك مزيد من الوعي بالعنف الذي ترعاه الدولة، وإطلاق كلمة إرهابي على أحدهم من عدمه يرجع إلى السلطة”.
“أعتقد أنني شعرت باليأس لفترة، وقد منحني المؤتمر بعض الأمل بأن وجود أشخاص يتحدثون عن قصصهم بما فيه الكفاية، والمزيد من الناس لدعمهم والتضامن مع المعتقلين سيحقق التغيير في النهاية”.
المصدر: ميدل إيست آي