أكد ضلوع “أحلام البشير” – التي تعمل ضمن تنظيم “وحدات حماية الشعب الكردية” في مدينة عين العرب/كوباني شمال سوريا، وكانت تخطط للهروب إلى اليونان، حسبما أشارت المواقف الرسمية التركية – بالتفجير الذي استهدف شارع تقسيم في إسطنبول مطلع الأسبوع الحاليّ، حجم التحدي الأمني الذي تواجهه تركيا من “حزب العمال الكردستاني”، خصوصًا أنها تلقت تدريبات مكثفة على يد عناصر العمليات الخاصة في الحزب، للقيام بعمليات التفجير وزرع العبوات الناسفة، بعد دخولها إلى تركيا عبر المنطقة الممتدة بين عفرين وإدلب بطريقة غير شرعية.
وكرد تركي محتمل على هذه العملية، تداولت وسائل إعلام تركية أخبارًا مستندةً إلى قادة عسكريين بالجيش التركي، تؤكد نية تركيا تنفيذ عمليتين عسكريتين ضد عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وسوريا، لإنهاء حالة اللاأمن التي تعاني منها بعض مناطق تركيا المتاخمة لكلا البلدين وتشهد انتشارًا كثيفًا للخلايا النائمة التابعة للحزب.
شهدت الأعوام الماضية العديد من العمليات العسكرية التي نفذتها تركيا في شمال سوريا، وتحديدًا منذ أغسطس/آب 2016، عندما نفذت عملية “درع الفرات”، وكان آخر هذه العمليات عملية “نبع السلام” في أكتوبر/تشرين الأول 2019 التي استهدفت عزل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مناطق شمال شرق سوريا، وإنهاء وجودها في مناطق غرب نهر الفرات.
وعلى الرغم من توقف العمليات العسكرية التركية بعد انخراط تركيا في محادثات أستانة وانشغالها بتصفية وجود حزب العمال الكردستاني على الحدود مع العراق، فإن التلويح التركي الأخير باحتمالية إجراء عملية عسكرية في شمال العراق وسوريا، قد يدفعها لمزيد من الانغماس الأمني في هذه المناطق.
ورغم تركز حدود وتأثير هذه العملية العسكرية التركية المرتقبة على الحدود مع سوريا، التي تشهد توترًا أمنيًا تعاني منه تركيا، خصوصًا أنها الممر الذي عبرت منه منفذة التفجير الأخير، فإن هذا لا يمنع من القول بأن هناك تحولات خطيرة يمكن أن يشهدها الواقع الأمني في سنجار، خصوصًا أن حزب العمال الكردستاني وبالتعاون مع الفصائل الإيزيدية المتحالفة معه، يسيطرون على طول الممر الجغرافي الذي يربط سنجار بمناطق الإدارة الذاتية في سوريا التي تخضع لسيطرة “قسد”، ما يعني أن هناك تداعيات غير مباشرة قد تشهدها سنجار، حال نجحت تركيا في خلق منطقة آمنة في الشمال السوري، وانتقلت لإكمال هذه المنطقة على الحدود مع سنجار، كونها المعقل الرئيسي للتهديدات التي يمثلها حزب العمال الكردستاني على الداخل التركي.
الأهداف والدوافع التركية
حققت العمليات العسكرية التركية السابقة في شمال العراق وسوريا، أهدافًا مهمةً تمثلت بالتمركز في عدة نقاط عسكرية داخل الحدود العراقية والسورية، كان آخرها السيطرة على عدد من النقاط الأمنية عبر عملية “قفل المخلب” التي انطلقت في أغسطس/آب 2022، وشملت مناطق متينا وزاب وباسيان، وعلى الجانب السوري سيطرتها على جميع المدن والأرياف في غرب نهر الفرات.
فضلًا عن التمركز في العديد من المواقع العسكرية التي كانت تستخدمها قوات “قسد” في فترات سابقة، وتنظر أنقرة إلى الأهداف المتحققة من هذه العمليات، باعتبارها جزءًا من إستراتيجية بعيدة المدى، تشمل العراق وسوريا، ذات جوانب سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية.
تتمثل العقدة الإستراتيجية التركية اليوم، في المنطقة الممتدة وتحديدًا في مدينتي تل رفعت ومنبج، بعمق 30 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، حيث تشكل العملية العسكرية التركية المرتقبة الصفحة الرابعة لسلسلة العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا.
وفي هذا الإطار، تسعى تركيا وعبر العملية العسكرية المرتقبة إلى تحقيق جملة من الأهداف العملياتية، وهي: إنهاء وجود قوات “قسد” في شمال سوريا وتدمير مراكز قيادتها وسيطرتها وإقامة قواعد مؤقتة في جميع المناطق الشمالية السورية حتى بداية الحدود العراقية وتأمين الحدود السورية العراقية التركية بالكامل وإكمال مشروع المنطقة الآمنة الذي أقامته تركيا في شمال سوريا منذ بداية عام 2016.
وتطمح تركيا أن تبدأ من مدينة ديريك السورية حتى سنجار، على امتداد الحدود العراقية السورية الشمالية، ما يجعلها متحكمة بالعديد من الممرات الإستراتيجية في ربط هذه المنطقة الآمنة بمنطقة هاكورك على الحدود الإيرانية في جنوب شرق تركيا، بهدف السيطرة على كامل الشريط الحدودي الشمالي الرابط مع العراق وسوريا.
تركيا وسنجار وشمال سوريا
إن الهدف الإستراتيجي الذي تطمح تركيا لتحقيقه في الوقت الحاضر، إلى جانب شمال سوريا، هو خلق منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا داخل الأراضي العراقية، تبدأ من منطقة هافتانين الحدودية وحتى معسكر بعشيقة في سهل نينوى، الذي توجد فيه القوات التركية، وهو ما يجعلها متحكمة بالعديد من الممرات الإستراتيجية التي تربط هذه المنطقة الآمنة بمدن سنجار وقنديل والزاب وأفشين وباسيان، فضلًا عن ربط هذه المنطقة الآمنة بمنطقة هاكروك على الحدود الإيرانية في جنوب شرق تركيا، والهدف من ذلك كله السيطرة على الشريط الحدودي الشمالي مع سوريا.
ويعطي الوضع الحاليّ في سنجار صورةً عن الوضع الراهن، فلإيران مصلحة كبيرة في الحرص على عدم خضوع الحدود بين العراق وسوريا لسيطرة تركيا وحدها، ويخدم الوجود المستمر لحزب العمال الكردستاني في سنجار هذا الهدف، فعندما خسر الحزب الديمقراطي الكردستاني سنجار لصالح تنظيم “داعش” في عام 2014، فتح حزب العمال الكردستاني ممرًا آمنًا من أجل فرار سكان المدينة ذوي الأغلبية الإيزيدية.
ويزداد التعقيد اليوم أكثر، إذ تسعى تركيا لشن عملية عسكرية مرتقبة في شمال سوريا، ورغم عدم الاتفاق حتى اللحظة على شمولية ومحدودية هذه العملية، فإنها بالتأكيد تشكل تهديدًا حقيقيًا للوضع الأمني في سنجار، وتحديدًا لحزب العمال الكردستاني.
تنظر تركيا إلى الشريط الحدودي الرابط بينها وبين العراق وسوريا، باعتباره أحد أبرز مهددات الأمن القومي التركي
إن نظرة بسيطة لطبيعة العمليات العسكرية السابقة التي قامت بها تركيا في شمال العراق وسوريا، تعطي تصورًا واضحًا بأن أي عملية عسكرية قادمة ستستهدف تدمير الجيوب الجبلية التي يستغلها عناصر الحزب للعبور إلى الداخل التركي عبر قنديل، وتحديدًا في مناطق الزاب وأفشين وباسيان على الجانب العراقي، في حين تأتي تل رفعت ومنبج في مقدمة المناطق التي يمكن أن تستهدفها العملية التركية المرتقبة في شمال سوريا، فضلًا عن عدة مدن وبلدات على الشريط الحدودي شرق الفرات مثل عين العرب/كوباني وعين عيسى وغيرها.
وقد لا تنتظر تركيا هذه المرة حدوث تفاهمات مسبقة مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، بل وحتى روسيا وإيران، كما جرت العادة، بل قد تمضي بها بصورة أحادية كما حدث مع عملية “نبع السلام” فيما سبق.
ورغم أن تركيا لوحت مسبقًا بإمكانية قيامها بعملية عسكرية في شمال سوريا، فإن التفاهمات التي جرت مع روسيا وإيران في قمة طهران في أغسطس/آب الماضي، جعلتها تؤجل العملية مؤقتًا، فقد أجرت تركيا استعدادات عسكرية على مستوى المناورات العسكرية مع الجيش السوري الحر على الحدود مع سوريا، ودفعت بمدرعات وأسلحة ثقيلة، إلى جانب تحرك أسراب كبيرة من الطائرات المسيرة وأعداد كبيرة من المستشارين وضباط الاستخبارات، وقد تستثمر تركيا هذه التحضيرات المسبقة في تهيئة الأرضية للعملية العسكرية المرتقبة على الجانبين العراقي والسوري.
إجمالًا، تنظر تركيا إلى الشريط الحدودي الرابط بينها وبين العراق وسوريا، أي مناطق تمركز الأكراد وانتشارهم، باعتباره أحد أبرز مهددات الأمن القومي التركي، ومن ثم فهي ترى أنه لا بد من خلق حالة جغرافية جديدة تخدم الدور الإقليمي التركي خلال الفترة المقبلة، بعيدًا عن التركيز على ملفات داخلية أو خارجية تعرقل هذا الدور، وهو ما يجري تأكيده في العملية العسكرية التركية المرتقبة، كرد فعل عملي على أي عملية إرهابية ينفذها حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي.