ترجمة وتحرير: نون بوست
على بعد كيلومترات قليلة من الساحل التركي، تزداد المحاولات العسكرية للحد من وصول المهاجرين وطالبي اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي عبر سلسلة من الجزر اليونانية التي تقع على خط المواجهة. ووسط تجاهل المعاملة التي يتلقاها في الخفاء أولئك الذين يبحثون عن مأوى، سواء أُعيدوا إلى تركيا أو سُجنوا في مخيمات منعزلة لمعالجتهم، تزيد المعاناة وتُنتهك قواعد الحماية المنصوص عليها ظاهريًا بموجب قانون اللاجئين.
“عمليات الترحيل الفوري” في أوروبا
يتلقى الأفراد والعائلات الذين يصلون إلى اليابسة في ساموس وليسفوس، والذين غالبا ما يختبئون من السلطات، الإسعافات الأولية الطبية والعلاجات النفسية الطارئة من قبل الفرق التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود. وتعكس المستويات المرتفعة من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة مدى قساوة التجربة التي دفعت بهم إلى رحلة عالية المخاطر نحو أوروبا، ومحنة الرحلة نفسها. ويبلّغ الناجون بانتظام عن إعادتهم قسرًا إلى المياه التركية، حيث العنف شائع في مثل هذه العمليات. وبالحديث عن الخوف من إعادتهم مرة أخرى، قال مريض سابق: “تشعر وكأنك تحتضر”.
وصف مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين مصطلح “الترحيل الفوري” بأنه تدابير تؤدي إلى “إجبار المهاجرين بما في ذلك طالبي اللجوء على العودة بشكل قسري” دون تقييم احتياجاتهم للحماية إلى نقطة عبورهم سواء كانت برية أو بحرية. يشمل هذا بشكل أساسي الترحيل ورفض الدخول، إلا أنه لا ينبغي الخلط بينه وبين مفهوم الإعادة القسرية، الذي يشير إلى طرد فرد إلى بلد تكون فيه حياته أو حريته مهددة. ومع أن الإعادة القسرية غير قانونية بموجب القانون العرفي والقانون الدولي، إلا أن عمليات الترحيل الفوري تقع ضمن نطاق منطقة رمادية قضائية.
لم تعد حقيقة حدوث عمليات الترحيل الفوري على حدود أوروبا موضع تساؤل؛ فقد نشرت وسائل الإعلام الألمانية مؤخرًا تقريرًا منقحًا ومفصلًا بما فيه الكفاية من قبل مكتب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتيال يوضح تواطؤ وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتكس) في عمليات الترحيل الفوري للمهاجرين من اليونان إلى تركيا. وتعمل فرونتكس تحت قيادة السلطات اليونانية، ويُعتقد أنها قامت بالتستر على عمليات الترحيل الفوري التي قامت بها البحرية اليونانية إما عن طريق تجنب المنطقة التي كانت تحدث فيها أو ببساطة عدم التحقيق فيها.
28 ألف شخص جرفهم بحر إيجه
حقيقة أن هذه الإجراءات تمثل خطرا شديدا لأولئك اليائسين بما يكفي للمخاطرة بالعبور إلى اليونان لم تعد محل خلاف. وقد اُستخدم مصطلح الانجراف للخلف أيضًا لوصف طريقة الردع العنيفة التي تجبر المهاجرين وطالبي اللجوء بشكل أساسي على ركوب قوارب بدون محركات للانجراف ضد التيارات عائدين إلى الساحل التركي.
وتقدر فورينسك أركيتكتشر أن حوالي 28 ألف شخص جرفهم بحر إيجه في فترة سنة منذ أن تم توثيق الحالة الأولى في شباط/ فبراير 2020. وقد كانت الحكومة اليونانية انتهازية بشكل مثير للسخرية، حيث قدمت انخفاض عدد الوافدين على أنه نجاح حتى مع زيادة معدل الوفيات بشكل متناسب.
بالنظر إلى بعض الأساليب الأكثر فظاعة المتعلقة بالتلاعب بتدفقات المهاجرين، واليأس البشري الذي يحركهم، لا يُعد ارتفاع عمليات الترحيل الفوري الأسلوب الوحيد لهذه الممارسات المشبوهة؛ حيث تشمل الأمثلة الحديثة الأخرى قيام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بتسهيل وصول طالبي اللجوء من الشرق الأوسط كرد انتقامي على عقوبات الاتحاد الأوروبي؛ ومعاقبة المغرب لإسبانيا لتقديمها الرعاية الطبية لزعيم حركة التحرير الصحراوية من خلال “تشكيل“ موجة من المهاجرين في جيب سبتة. وقد كان الدكتاتور الليبي معمر القذافي بارعا في تأمين التنازلات السياسية والاقتصادية من خلال اللعب على مخاوف الأوروبيين من المهاجرين.
الاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الحدود في كل من تركيا وليبيا
في السنوات التي تلت وصول 1.3 مليون طالب لجوء في سنة 2015، أدت هذه المخاوف نفسها إلى اتباع الاتحاد الأوروبي نهجه المفضل المتمثل في الاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الحدود، بما في ذلك طلبات اللجوء عندما يكون ذلك ممكنًا.
ورغم هذه الإجراءات والمليارات التي تم دفعها لتركيا، لا يزال الناس يخاطرون بحياتهم. وقد بدأت الدول الأوروبية في سنة 2017 تمويل خفر السواحل الليبي، حتى مع وجود مخاوف موثقة جيدا بشأن المعاملة التي يتلقاها المهاجرون أثناء عمليات الاعتراض في البحر الأبيض المتوسط والظروف في ليبيا نفسها.
وتعد الخطة المتعثرة لإرسال طالبي اللجوء من المملكة المتحدة إلى رواندا مثالا صارخا على محاولة البلدان الغنية التهرب من المسؤولية المشتركة للاجئين. ببساطة، يمثل منع المهاجرين من عبور بلد حدودي إلى اليونان لدفعهم بشكل نشط إلى الخلف خطوة أخرى نحو عسكرة ما هو في الأساس قضية إنسانية.
كانت عمليات الترحيل الفوري مصحوبة بإجراءات أخرى قاسية؛ فبالنسبة لأولئك الذين تمكنوا من الوصول إلى جزيرة ساموس، تنتظرهم عمليات النقل والاحتجاز في مركز الوصول الخاضع للمراقبة المغلقة. وغالبا ما تؤدي التدابير الأمنية العسكرية المصحوبة بإجراءات قانونية مطولة إلى رفض طلبات اللجوء وتجريد المتقدمين من تجربة إنسانية. ووفقا لكريستينا بسارا، المديرة العامة لمنظمة أطباء بلا حدود في اليونان، فقد أصبحت العملية نفسها – مثل عمليات الصد في البحر – “أرض اختبار لأوروبا”.
مناخ سياسي عدواني بشكل متزايد
من المؤسف أن سياسات الردع والاحتواء تندرج ضمن الأمور العادية ولا تولد سوى القليل من الجدل في بيئة سياسية شديدة الاستقطاب. وفي الوقت الحالي، تُتهم عمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط التي تم الإشادة بها سابقا بالتواطؤ مع مهربي البشر، وتُغلق الموانئ بانتظام أمام القوارب المثقلة بالأعباء التي تحمل مهاجرين تم إنقاذهم، ويقع تجريم أعمال التضامن.
وتتجاهل الرواية الشعبوية عن “أوروبا تحت التهديد” بشكل ملائم أولئك الذين يموتون بشكل غير مرئي في مناطق شبه عسكرية يتعذر على الصحفيين وعمال الإغاثة الوصول إليها، أو يقبعون في معسكرات الاعتقال، سواء بمصادر خارجية أو غيرها.
من الصعب الكشف عما إذا كان منح اللجوء السياسي يتم على أساس تمييزي، ولكن تفضيل المنشقين السياسيين من الدول المعادية على أولئك الفارين من الصراع في جنوب الكرة الأرضية هو مثال واضح على ذلك. في الآونة الأخيرة، لا تضاهي المعايير المزدوجة التي ظهرت في استقبال اللاجئين الأوكرانيين، والتي يُشار إليها بالتضامن الانتقائي، تجربة أولئك الذين يصلون إلى اليونان وأماكن أخرى في أوروبا.
على نطاق أوسع، يعد التخفيف من قانون اللاجئين في أوروبا جزءًا من اتجاه مقلق يتم فيه تجاهل الالتزامات الإنسانية الدولية حسب الرغبة، حيث يتم تعريض حياة طالبي اللجوء واللاجئين للخطر بشكل منهجي وواع مع الاعتماد على “المخاطر” المفترضة التي يشكلها المهاجرون لأسباب اقتصادية وهو ما يتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية.
نظرا للخسائر في الأرواح، تعد إدانة الممارسات الإجرامية مثل عمليات الترحيل الفوري أمرا مباشرا نسبيا، وقد فعل الاتحاد الأوروبي ذلك من خلال مكتب مكافحة الاحتيال الخاص به وفي تقرير صادر عن مجلس أوروبا مؤخرًا. وتتمثل المهمة الأكبر في إصلاح نظام معيب أنفق ملايين اليوروهات على تعزيز استجابة الاتحاد الأوروبي للهجرة بينما يدفع للدول الفقيرة لإدارة المشكلة – وهو أمر مقيت بشكل خاص بالنظر إلى النسبة الصغيرة من اللاجئين العالميين المقيمين بالفعل في أوروبا.
ويعد الوصول بشكل يحفظ الكرامة إلى إجراءات الاستقبال والحماية واللجوء الآمنة الحد الأدنى المطلوب بموجب القانون الدولي. وقد سبق وأن أثبتت أوروبا هذه القدرة في الماضي. ولكن، لسوء الحظ، يبدو أن الإرادة السياسية قد نسيت ذلك.
المصدر: الكونفرزيشن