ترجمة وتحرير: نون بوست
أخذتنا رحلة البحث على بعض الإجابات إلى مكان هادئ في الضواحي على أطراف دندي، حيث تصطف الأكواخ بترتيب مع حوائط مبلطة بالحصى وحدائق تمت رعايتها جيدًا. يفتح لنا بوب فالنتين الباب الأمامي، ويعتذر عن وجود صندوق يحتوي على آلة جز عشب جديدة يسد الطريق، ويدعو فريق “ذا أثليتيك” إلى غرفة أمامية حيث وُضعت لوحة موقعة من بيليه في خزانة عرض لتذكارات كرة القدم.
لقد مرت أكثر من 30 سنة منذ استحضر فالنتين تلك الذكريات من مسيرته التحكيمية، لكن لن تحتاج الكثير من الوقت في صحبته لتدرك أن ما حدث يوم 25 حزيران/ يونيو سنة 1982 محفور في ذهنه. فهذه القصة راسخة في عقله وما حدث في ملعب إل مولينون في خيخون سيُلازمه دائمًا.
حيال هذا الشأن، قال فالنتين “لقد غيرت هذه القصة كرة القدم إلى الأبد، ما حدث في ذلك اليوم أحرج منظمي كأس العالم بشدة لدرجة أنهم غيروا القواعد للتأكد من عدم تكرر ذلك على الإطلاق، إذ لا يمكنهم المخاطرة بسمعة لعبة أخرى”.
لقد سمع كل متتبع لفضائح كأس العالم عن المباراة التي سجلها التاريخ على أنها وصمة عار لخيخون. لقد كانت عملية سرقة مدبّرة تورطت فيها ألمانيا الغربية والنمسا، وخدعةً لا تزال قادرة على إثارة مشاعر الغضب والعار لدى أي شخص أراد أن يؤمن بما يسمى باللعبة الجميلة. لكن الأمر الذي ليس معروفًا جيدًا هو أن الحَكم في ذلك اليوم كان اسكتلنديًا يتولى مسؤولية أول مباراة له في كأس العالم.
يذكر فالنتين: “قضينا حوالي 20 دقيقة قبل أن يخالجني شعور سيء، ثم قلت في نفسي أنه “لا تحدث الكثير من التدخلات هنا!”، ثم تجاوز أحد اللاعبين خط المنتصف وتوقف بالكرة وأرسلها إلى حارسه بدلاً من وضعها في مربع الخصم، أي أنه لعبها بشكل عكسي، وكانت تلك هي اللحظة التي أدركت فيها أن هناك خطأ ما”.
في تلك الأيام لم يكن من الضروري لعب مباريات دور المجموعات النهائية لبطولات كرة القدم في وقت واحد، وكانت هذه المباراة الأخيرة، وهذا يعني أنهم يعرفون مختلف المعايير التي تمكنهم من التأهل، وقد توصل الفريقان إلى أن فوز ألمانيا الغربية بنتيجة 1-0 سيكون كافيا لكليهما للتقدم على حساب الجزائر.
افتتح هورست هروبيش التسجيل لألمانيا الغربية بعد 11 دقيقة، وفي تلك المرحلة كان هناك على الأقل ما يشبه المنافسة والدراما، لكن سرعان ما اتضح أن كل هذا كان خداعًا.
ما تبقى من المباراة كان عبارة عن حركات بطيئة ركيكة أصبحت معروفة باسم “ميثاق خيخون غير العدواني”، لقد كانت عملية مدبرة بينما يسميها آخرون ببساطة التلاعب بنتائج المباريات في أكثر صورها عارًا.
يوضح فالنتين: “بمجرد دخول الهدف، كان من الواضح أنه لن يكون هناك منافسة، لقد كان هناك خطأ غريب، غريب جدًا، لأن اللاعبين في الغالب كانوا يحتفظون بالكرة لبضع تمريرات، ثم يحصل الفريق الآخر على الكرة لبعض الوقت”. ويُضيف “لم يكن أحد يركض، وبالكاد كان هناك تدخل. قضيت المباراة بأكملها حول الدائرة المركزية ولم تدخل الكرة منطقة الجزاء أبدًا. يمكنك أن تجد المباراة على الإنترنت، ويمكنك أن ترى سبب إطلاق صيحات الاستهجان عليهم عند صافرة النهاية”. إن اللقطات صادمة بالفعل.
لقد نُفّذت هذه الخدعة أمام أنظار 41000 متفرج أصبحوا غاضبين بشكل متزايد من المشاهد الهزلية؛ حيث ملأت الصافرات الصاخبة والساخطة الأجواء، وكان الجمهور يهتف “فويرا، فويرا” (“أخرج، أخرج”)، كما أحرق مشجع ألماني علمه. وعندما تحولت كاميرات التلفزيون إلى الجمهور، كانوا يلوحون بالمناديل البيضاء احتجاجًا.
بدا أن إيبرهارد ستانجيك يوشك على البكاء أثناء تعليقه على التلفزيون الألماني، فيما أخبر أحد المعلقين النمساويين المشاهدين بإطفاء التلفزيون ورفض التحدث لمدة 30 دقيقة. في غضون ذلك ، بدا هيو جونز على قناة “آي تي في” وكأنه رأى للتو سيدة مسنة تُسرق منها حقيبة يدها قائلًا: “بريتنر إلى بريجل إلى ستيليك – وهي أسماء يترك ذكرها على لساني في الوقت الحالي طعمًا سيئًا..”.
أضاف جونز “جميعهم لاعبون ممتازون يجب معاقبتهم بإدراج أسمائهم جميعًا في كتاب الحكم بوب فالنتين لإفساد سمعة اللعبة، هذه واحدة من أكثر المباريات الدولية المخزية التي رأيتها على الإطلاق… هذا الجمهور يشعر بالاشمئزاز من أن ألمانيا الغربية يمكن أن تأتي إلى هنا وتفوز بلطف وسهولة وراحة بفضل فريق النمسا الذي لم يبذل أي مجهود على الإطلاق، ناهيك عن بذله جهده الأقصى”.
هل كان على حق؟ هل كان يجب على فالنتين الوصول إلى دفتر ملاحظاته والبدء في تدوين أسماء اللاعبين الذين دبروا لعب المباراة بوتيرة مشي كبار السن؟ هل كان يجب على الحكم أن يرفض سير المباراة بوتيرة الحلزون؟
وصف بن علي سقال، رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، الأمر بأنه “فاضح وغير أخلاقي” وقال إنه قدم شكوى إلى الفيفا بشأن فالنتين وكذلك الفريقين. وبعد مرور أربعين سنةً، يبدو فالنتين مرتبكًا في قوله “كان هناك أشخاص يقولون إنه يجب إيقاف كلا الفريقين، ويجب إيقاف الحكم، أو المجموعة بأكملها، لكن لم يكن من واجبي أن أخبر اللاعبين بما يجب عليهم فعله”.
ويضيف فالنتين: “لا يمكنك إخبار لاعب كرة القدم: بأنه ‘عليك أن تلعب بجدية أكثر، عليك أن تهاجم، عليك أن تبذل جهدا أكبر لصنع هدف’. ولا يمكنك إيقاف نزال ملاكمة وقول: ‘عليكما أن تضربا بعضكما بشكل أقوى قليلا’. ومع الإحراج الذي شعرت به المنظمة، استمرت المباراة. سأكون صادقا معك: كان همي الوحيد أن تنتهي المباراة دون أي حادث كبير وأن أخرج من هناك بأمان”.
وحسب فالنتين “كان ثمانية آلاف مشجع جزائري يحملون تذاكرهم لأنهم أرادوا التواجد هناك في الليلة التي تأهلت فيها بلادهم للدور التالي. وقد كانوا يعرفون ما يجري. وكانوا يمسكون الأوراق النقدية ويدفعونها عبر الفجوات الموجودة في السياج محاولين تجاوزه والوصول إلى أرض الملعب. ولكن الشرطة كانت تحاول إبعادهم. لقد كنت قلقا من أنه إذا ما تجاوزوا الشرطة، فقد يتم إلغاء المباراة. حسب رأيي، إن المباراة التي انتهت بشكل سيء أفضل من مباراة لا تنتهي على الإطلاق”.
من منا لا يشعر بالأسف تجاه الجزائر؟ لقد فازوا في مباراتين من مجموع ثلاث، وكانت هزيمتهم لألمانيا الغربية بنتيجة 2-1 بمثابة صدمة البطولة. لقد تم إعداد كل شيء للمباراة النهائية، حيث أن التعادل أو الفوز للنمسا كان سيعني خروج ألمانيا الغربية وبقاء الجزائر.
لكن اللاعبين عرفوا كيفية تسيير الأمور، وكذلك مدرب ألمانيا الغربية يوب ديروال، ومديرو منتخب النمسا جورج شميدت وفيليكس لاتسكي، على الأرجح. كما كتب بيتر سيدون في أغرب لحظات كأس العالم: “لم تخدع هذه المعضلة يوب وجورج؛ فقد تم بيع البيرة الألمانية والأبفلسترودال النمساوي بشكل جيد في تلك الليلة”.
يقول فالنتين: “إن المدربين هم المسؤولون؛ لقد كانوا على الهامش وكان عليهم أن يشجعوا لاعبيهم. ولم يبدُ الإحراج على اللاعبين بل شرعوا في القيام بذلك بكل بساطة. وهو ما كان واضحا للجميع”.
وصف لاعب ألمانيا الغربية السابق ويلي شولز المتعاونين الألمان النمساويين بأنهم “رجال عصابات”. وقد نشرت صحيفة “الكوميرسيو” في خيخون تقريرا عن المباراة في قسم الجرائم. وقد نشرت الصحيفة الألمانية الأكثر مبيعا “بيلد” مقالا رئيسيا بعنوان “عار عليكم!”.
لكن “أفراد العصابات” لم يعتذروا. وعندما تجمع المشجعون خارج فندق الألمان لرشق اللاعبين بالبيض وشتمهم ردوا بإلقاء أكياس مملوءة بالماء من شرفاتهم. وعندما سُئل هارالد شوماخر، حارسهم سيئ السمعة، عن الأمر بعد بضع سنوات أجاب بسخرية كبيرة: “لقد أنقذت كل ما كان عليّ إنقاذه. لقد كانت هناك كرتان؛ تمريرة متبادلة ورمية تماس. ماذا كان يجب أن أفعل؟ أركض في المقدمة وألقي بنفسي على الكرة؟”.
من جهته، لم يبد رئيس الوفد النمساوي هانز تشاك نادمًا أيضًا إذ قال: “تم لعب مباراة اليوم بشكل تكتيكي. ولكن إذا ما أراد 10 آلاف “من أبناء الصحراء” إثارة فضيحة في الملعب بسبب هذا الأمر، فسيظهرون فقط أنهم لا يعلمون الكثير. وعندما يُسمح لبعض المشايخ بالخروج من الواحة، ويسمح لهم باستنشاق هواء كأس العالم بعد 300 سنة سيعتقدون أن لهم الحق في إبداء آرائهم”. إنه أمر غريب بالفعل.
يكتفي فالنتين البالغ من العمر، 83 سنة، هذه الأيام بلعب البولينغ لكبار فيرفيلد في بطولة أنجوس. وتقع منازل دندي ودندي يونايتد على بعد بضع دقائق فقط سيرا على الأقدام ويتذكر عندما كان من المقبول بالنسبة له أن يدير أندية محلية، حتى أنه كان مسؤولا عن نهائي كأس الدوري الاسكتلندي لسنة 1980 بين الفريقين في دينس بارك.
ويضيف “لقد وصلت إلى النهائي ثم عدت. وكبرت وأنا أشاهد فريقا يوم السبت، وفريقا آخر في الأسبوع التالي. في ذلك الوقت، كان الأمر مختلفا. وستجد في الوقت الحاضر، إذا ما مشيت 100 متر على الطريق، أربع ملاعب يمكنك أن تسمع فيها الإساءات التي يتعرض لها الحكام. لقد كانت هناك حالات قام فيها لاعبون بخدش سيارات الحكام بالمفاتيح أو ثقب إطاراتها”.
إنه يعلم أن هناك بعض الأشخاص الذين ينتقدونه بسبب فضيحة خيخون، ولكنه لا يهتم بذلك. وأشار إلى أنه تم تعيينه لإدارة المباراة بين بولندا والاتحاد السوفيتي في برشلونة بعد تسعة أيام من تلك الواقعة، وهو ما اعتبره تأكيدا على أن الفيفا لم تحمّله المسؤولية.
بعد ذلك، في نصف نهائي ألمانيا الغربية ضد فرنسا، ركض فالنتين على خط المواجهة لمباراة ستبقى دائما في الذاكرة بالنسبة لشوماخر الذي كاد أن يفصل رأس باتريك باتيستون عن كتفيه (لاحظ شوماخر لاحقا، عندما اكتشف أن خصمه فقد أسنانه: “ليس هناك تعاطف بين المحترفين.. أخبره أنني سأدفع ثمن التقويم”).
تعليقا على ذلك، أورد فالنتين: “رغم كل ما قمت به في تلك البطولة، إلا أنه كان هناك بعض الحوادث. وإلى حد الآن، يأتي إليّ أشخاص يتساءلون عن اللعبة في خيخون. أقول لهم إنه أمر مخز ولم يكن بإمكاني فعل أي شيء حيال ذلك. لقد كانت وظيفتي تطبيق القواعد، وكل ما حدث في الميدان كان صحيحا. لقد كان أمرا مخزيا، ولكنه كان صحيحا حسب القواعد”.
المصدر: أثليتيك