ترجمة وتحرير: نون بوست
تستخدم الإمارات العربية المتحدة دورها كمضيف لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ السنة المقبلة لتبييض سمعتها الدولية، وذلك قبل وقت طويل من بدء مؤتمر هذه السنة الذي عُقد في شرم الشيخ.
استأجرت الإمارات، التي من المقرر أن تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ القادم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وكالات العلاقات العامة والضغط على وجه التحديد للترويج لدورها كمضيف مستقبلي قبل بدء مؤتمر هذه السنة؛ وهي خطوة استثنائية تجاوزت الجهود الترويجية للدول المضيفة السابقة وتشير إلى تنامي دور الإمارات في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ لهذه السنة.
عملت شركة العلاقات العامة الأمريكية “فليشمان هيلارد” على تأليف سلسلة من الرسائل لاقتراح حضور الوزراء الإماراتيين المؤتمرات أو الفعاليات في تموز/ يوليو الماضي، وتتضمن معظم الرسائل عبارة “الإمارات العربية المتحدة تستضيف الدورة 28 لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ السنة المقبلة وستشارك في الدورة 27 لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ في شرم الشيخ”.
وفي سياق متصل، تواصلت شركة “أكين غامب شتراوس هوير أند فيلد” مع السياسيين الجمهوريين والديمقراطيين الأمريكيين الذين كانوا إما يدفعون بالسياسات البيئية أو يؤيدون الوقود الأحفوري، لتُحيطهم علمًا بأن الإمارات العربية المتحدة ستستضيف الدورة 28 لمؤتمر المناخ السنة المقبلة، وذلك بعد أيام فقط من إعلان القرار.
في الحقيقة، إن حرص الإمارات على إظهار مشاركتها في الدورة الـ 27 لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ واستضافتها لدورته الـ 28 قبل بدء أي منهما يعكس مدى تأثيرها السياسي الضخم على مصر ورغبتها في تصوير نفسها كشريك عالمي رائد في القضايا البيئية، وذلك رغم كونها دولة نفطية.
أرسلت الإمارات ألف مندوب إلى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ ليمثل أكبر وفد دولي حتى الآن – وهو ضعف عدد المندوبين الذين أرسلتهم البرازيل – وكان بينهم عدة ممثلين من شركات العلاقات العامة والذكاء الاصطناعي والعقارات.
ووفقًا لبيانات جمعتها منظمات مساءلة الشركات و”غلوبال ويتنس” ومرصد أوروبا للشركات، يرتبط 70 ممثلا من الوفد الإماراتي بشركات النفط والغاز، ولا سيما سلطان أحمد الجابر الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية والمبعوث الخاص لدولة الإمارات العربية المتحدة للتغير المناخي.
ألقى رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، كلمةً خلال الجلسة العامة لقادة العالم في شرم الشيخ استهلّها بمناقشة إمدادات النفط والغاز من بلاده بقوله: “إن دولة الإمارات مورّد مسؤول للطاقة، وسوف نستمر في لعب هذا الدور بينما نواصل الانتقال إلى موارد وتقنيات بديلة. وبحكم الجيولوجيا، فإن النفط والغاز في دولة الإمارات من الأنواع الأقل كثافة كربونية في العالم. ومع ذلك، سنواصل العمل من أجل الحد من انبعاثات الكربون في هذا القطاع”.
أعلنت الإمارات عزمها تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول سنة 2050، على الرغم من أن الدولة الخليجية الصغيرة تستمد ما لا يقل عن 30 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي مباشرةً من عائدات النفط والغاز، بينما تأتي البقية من الصناعات المرتبطة بشدة باستهلاك الوقود الأحفوري مثل شركات الطيران أو قطاع السياحة أو البناء. ويقول مراقبو السياسات الإماراتية منذ فترة طويلة إن احتمال الانتقال السلس بعيدًا عن الوقود الأحفوري يبدو غير مرجح في ظل الظروف الحالية.
قال ماثيو هيدجز، محلل شؤون الإمارات العربية المتحدة ومؤلف كتاب عن حوكمة الخليج الذي سُجن لمدة ستة أشهر في الإمارات أثناء بحث الدكتوراه، إن ضغط الإمارات حول تقنيات المناخ، ومشاركتها في مؤتمر المناخ الـ 27 واستضافة مؤتمر المناخ الـ 28 “يحوّل النقاش بعيدًا عن المخرجات العملية ليجعله مجرد عملية تواصل ببساطة”.
باعتباره رئيسًا لشركة “أدنوك” والمبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، صرح الجابر مؤخرًا بأن “السياسات التي تهدف إلى تصفية الاستثمارات من الهيدروكربونات في وقت قريب جدًا، دون بدائل مناسبة قابلة للتطبيق، تؤدي إلى نتائج عكسية”. كما أدلى الجابر بتصريحات عامة أخرى حول أزمة المناخ تهدف إلى تقديم نظرة أكثر إيجابية. وقال في مؤتمر انعقد مؤخرًا: “نحن بحاجة إلى مزيد من الواقعية بشأن حجم التحدي والتحلي بالمزيد من التفاؤل بشأن قدرتنا على مواجهته”، مضيفًا أن الإمارات العربية المتحدة تعتبر نفسها “منشئ توافق في الآراء” لمؤتمر المناخ في دورته الـ 28.
ينعكس سجل الإمارات العربية المتحدة في التصريحات العامة المختلطة حول كيفية الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري في جهود الضغط التي تستهدف السياسيين والتي بدأت بعد ثلاثة أيام فقط من الإعلان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 عن استضافة الإمارات للدورة الـ 28 لمؤتمر المناخ.
تتمتع الإمارات بعلاقات سياسية ومالية عميقة مع مصر بعد ما يقارب عقدًا من الدعم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي تولى السلطة بعد انقلاب عسكري سنة 2013
تُظهر التسجيلات لدى وزارة العدل الأمريكية أن الإمارات تواصلت مع المنظمات الإعلامية من أجل تعزيز تصور عملها بشأن قضايا المناخ، مع التركيز أيضًا على أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء الكونغرس الذين لديهم سجلات تصويت مختلفة إلى حد كبير بشأن التشريعات المتعلقة بأزمة المناخ والوقود الأحفوري.
تلقت شركة “أكين غامب شتراوس هوير أند فيلد” 2.85 مليون دولار من سفارة الإمارات في واشنطن العاصمة لتواصلها مع السياسيين في كلا الجانبين لإبلاغهم باستضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر المناخ في دورته الـ 28 في الأسابيع التي تلت الإعلان. وشمل ذلك أعضاء مجلس الشيوخ الذين لديهم سجل تشريعي للسياسات التي تهدف إلى الحد من حرائق الغابات والأضرار البيئية التي تسببها أزمة المناخ، مثل سيناتور ولاية أوريغون جيف ميركلي والعديد من الديمقراطيين الآخرين.
استهدفت جماعات الضغط أيضًا سياسيين آخرين لديهم سجل من السياسات التي تهدف إلى تعويم قِطاعات الوقود الأحفوري من بينهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي قال إن أزمة المناخ “ليست سببًا لتدمير قِطاع الوقود الأحفوري“، والسيناتور جيمس إنهوف الذي يعتقد أن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان هو “أكبر خدعة” انطلت على الأمريكيين على الإطلاق واصفًا وكالة حماية البيئة الأمريكية بأنها “منظمة يديرها نشطاء” أثقلت دون داع كاهل المزارعين ومنتجي الوقود الأحفوري.
إن جهود الإمارات لممارسة الضغط على قمة المناخ بالإضافة إلى ما لا يقل عن 10 ملايين دولار تم استثمارها في حشد التأييد والعلاقات العامة الحالية الإضافية مع شركات مقرها الولايات المتحدة، تهدف إلى تحسين التصورات عن الإمارات العربية المتحدة أو علاقاتها السياسية أو الاقتصادية التي كانت نشطة في ذلك الوقت.
تشارك فيكي هولوب، الرئيسة التنفيذية لشركة “أوكسيدنتال بتروليوم”، ضمن وفد الإمارات في قمة المناخ في مصر. وفي اجتماع في قمة المناخ يوم الجمعة، قالت إن الأشخاص الذين يدعون إلى التوقف عن العمل في مجال النفط والغاز “ليس لديهم أدنى فكرة عما سيعنيه ذلك”، وأضافت أن الكوارث المناخية المتزايدة هو خطأ العالم وليس فقط قِطاع النفط والغاز.
رفض مايكل هارت من شركة “فليشمان هيلارد” الاقتراحات القائلة إن جهود الضغط التي تبذلها الإمارات والتي تشير إلى مشاركتها في قمة المناخ الحالية والقادمة غير مألوفة، موضحًا: “لم يكن المقصود بكلمة “متدخّل” سوى أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستحضر قمة المناخ الحالية كمشارك، كما فعلت في القمم السابقة، إلى جانب الوفود الحكومية الأخرى والهيئات الدولية والمنظمات الأخرى من جميع أنحاء العالم الملتزمة بإحراز تقدم في مجال تغير المناخ”.
يعتقد هيدجز أن الإمارات أقل اهتمامًا بالانسحاب من قِطاع الصناعات النفطية وإيجاد موارد طاقة بديلة مما قد توحي به رسائلها
تتمتع الإمارات بعلاقات سياسية ومالية عميقة مع مصر بعد ما يقارب عقدًا من الدعم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي تولى السلطة بعد انقلاب عسكري سنة 2013. كما تدخلت أبو ظبي لمساعدة السيسي ماليًا عن طريق ضخ سيولة كخطوة أولى بعد الانقلاب، ومؤخرًا بشراء ملياري دولار من حصص مملوكة للدولة في شركات مصرية بهدف مساعدة الدولة الواقعة في شمال إفريقيا على تجنب أزمة مالية.
تجاهل مسؤول حكومي إماراتي استخدام فليشمان هيلارد لكلمة “متدخّل” في اتصالاته نيابة عن الإمارات، نافيًا أن يكون هذا قد أدى إلى أي نوع من الدعم المالي أو التنظيمي لقمة المناخ. وعندما سُئل عن جهود الضغط، قال: “عقدت الإمارات سلسلة من الاجتماعات مع نظرائها داخل وحول الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة العمل المناخي ومشاركة الإمارات في مؤتمر المناخ …يعتبر [هذا] عملا شائعا وليس ضغطًا.. سنشارك في الدورة الـ 27 لمؤتمر المناخ بنفس الطريقة التي تشارك بها الدول الأخرى”.
مع ذلك، تُظهر وثائق وزارة العدل الأمريكية أنه منذ أيلول/ سبتمبر من السنة الماضية، وقبل وقت قصير من إعلان الإمارات استضافة مؤتمر المناخ لسنة 2023، زادت الإمارات من جهود ضغط علاقاتها العامة حول قضايا المناخ. وشمل ذلك استثمار ما لا يقل عن 126.500 دولار في اتفاقيات مع شركة “فليشمان هيلارد” تهدف إلى تحقيق “تأثير إيجابي عام على سمعة دولة الإمارات العربية المتحدة”، مثل ادعاءات دعائية عن شركة حكومية إماراتية تنتج الألومنيوم باستخدام الطاقة الشمسية.
في أيلول/ سبتمبر من هذه السنة، أظهرت الوثائق أن شركة “مصدر”، وهي شركة مطورة لمشاريع الطاقة المتجددة مقرها في أبو ظبي والتي يرأسها جابر أيضًا، قد عينت ثلاثة خبراء استراتيجيين للعلاقات العامة مقابل مبلغ لم يكشف عنه “لدعم دولة الإمارات العربية المتحدة في دورها كدولة مضيفة لمؤتمر المناخ 2023”.
يعتقد هيدجز أن الإمارات أقل اهتمامًا بالانسحاب من قِطاع الصناعات النفطية وإيجاد موارد طاقة بديلة مما قد توحي به رسائلها. وقال: “لا يستطيعون تحمل تكاليف ذلك، والرسالة هي: توقع المنافسة على نفس مستوى الاقتصادات المتقدمة أمر غير ممكن من دون النفط”. وأوضح أنه يجب أن تكون هناك سياسات نشطة، لكن التحول بعيدًا عن النفط ليس واضحًا بأي شكل من الأشكال، ولا توجد نية جادة للمضي قدمًا. وأضاف: “لا يمكن لمصر أن تبذل الكثير من الجهود بدون مساعدة الإمارات. إنها ببساطة طريقة أخرى لمحاولة المساعدة للحفاظ على الشرعية الدولية لكلا البلدين ومنبر آخر يمكن استخدامه للقول: “انظروا إلى نتيجة كل الخير الذي نقوم به، ليس فقط ما نقوم به بأنفسنا، ولكن كيف نساعد حلفائنا في المنطقة”.
المصدر: الغارديان