ترجمة وتحرير: نون بوست
توقّعت الأمم المتحدة وصول تعداد سكان العالم في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر إلى ثمانية مليارات نسمة. وفي تحليلها لهذا المؤشر، تقدم الأمم المتحدة ملاحظتين رئيسيتين: الأولى أن عدد سكان العالم يزداد بأبطأ وتيرة له منذ سنة 1950 مع انخفاض معدل النمو إلى أقل من 1 بالمئة في سنة 2020 – وهو اتجاه من المرجح أن يستمر. والثانية أن النمو السكاني يعزى إلى الزيادة التدريجية في أمل الحياة بفضل التطورات في مجال الصحة العامة والتغذية والنظافة الشخصية والطب، فضلا عن مستويات الخصوبة العالية والمستمرة في بعض البلدان.
وفقًا للأمم المتحدة، من المتوقع أن تكون ثماني دول فقط وراء 50 بالمئة من النمو السكاني على مدى الثلاثين سنة القادمة خمسٌ منها في أفريقيا: جمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا ونيجيريا وتنزانيا. وقد حاول علماء الديموغرافيا أكاني أكينيمي وجاك إمينا وإستر دونغومارو تفكيك هذه الديناميكيات.
المولود رقم 8 مليارات، ما أهمية ذلك؟
إن التوقعات مثيرة للقلق إذ يقدر العلماء أن طاقة الاستيعاب القصوى لكوكب الأرض تتراوح بين تسعة وعشرة مليارات نسمة. ويتطلب تقييم هذه الأرقام فهم التوزّع الديموغرافي للسكان وهيكله. أين يتركّز السكان عبر المناطق والبلدان والجغرافيا الريفية والحضرية؟
هناك جانب إيجابي محتمل للنمو السكاني يُعرف بـ “العائد الديمغرافي“. قد يكون النمو السكاني نعمةً، ذلك أنه يحفز النمو الاقتصادي بفضل التحولات التي سيشهدها الهيكل العمري للسكان. وهذا احتمال مشرق إذا كان الأشخاص في سن العمل يتمتعون بصحة جيدة وتعليم جيد وعمل لائق ونسبة أقل من المُعالين الشباب.
لكن تحقيق هذا العائد يعتمد على مجموعة من العوامل تشمل هيكل المجتمع السكاني حسب العمر، ومستوى التعليم والمهارات وظروف المعيشة فضلاً عن توزيع الموارد المتاحة. ولا شك أن للنمو السكاني تداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية وبيئية، قد يكون بعضها سلبيًا. ويعتمد تحديد مظاهرها على خصائص السكان وتوزيعهم.
ما سبب ارتفاع معدلات المواليد في خمس دول أفريقية؟
تشمل العوامل الرئيسية التي تدفع النمو السكاني في هذه البلدان انخفاض استخدام موانع الحمل وارتفاع معدلات خصوبة المراهقين وانتشار ظاهرة تعدد الزوجات، ناهيك عن تدني المستوى التعليمي للنساء والاستثمار المنخفض إلى السيئ في تعليم الأطفال والكثير من العوامل المتعلقة بالدين والمعتقدات.
معدل استخدام موانع الحمل الحديثة منخفضٌ بشكل عام عبر أفريقيا جنوب الصحراء، إذ لا يتجاوز 22 بالمئة. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، تبلغ نسبة استخدام موانع الحمل قصيرة المفعول 8.1 في المئة، مقابل 10.5 بالمئة في نيجيريا، و25 بالمئة في إثيوبيا، و27.1 بالمئة في تنزانيا و43 بالمئة في مصر.
أما فيما يتعلق بأساليب الحد من النسل طويلة المدى، باستثناء مصر التي تتجاوز نسبتها 20 بالمئة، سجلت البلدان الأربعة الأخرى التي تقود النمو السكاني في المنطقة نسبة إقبال ضعيفة على هذه الموانع. ومن المنطقي أن يؤدي ذلك إلى انفجار سكاني.
وتتمثل بعض العوامل المرتبطة بارتفاع استخدام وسائل منع الحمل في أفريقيا في تعليم المرأة والتعرض للأخبار ووسائل الإعلام والوضع الاقتصادي الجيد والإقامة في المدن.
لا يزال معدل خصوبة المراهقات في أفريقيا جنوب الصحراء مرتفعا نسبيًا رغم أنه يظهر اتجاها نحو الانخفاض. يعتمد معدل خصوبة المراهقات على عدد المواليد لكل 1000 فتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و19. وفي أفريقيا جنوب الصحراء، يبلغ متوسط المواليد 98 لكل ألف فتاة.
هناك تباين كبير في المعدل المواليد عبر الدول الخمس: 52 في مصر و62 في إثيوبيا إلى 102 في نيجيريا و114 في تنزانيا و119 في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وخارج القارة، يبلغ معدل خصوبة المراهقات 21 بالمئة في آسيا والمحيط الهادئ، و26 بالمئة في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، مقابل 15 في الولايات المتحدة، و5 بالمئة في فرنسا و42 بالمئة عالميًا.
لمعدل خصوبة المراهقات آثار هائلة على النمو السكاني بسبب عدد السنوات بين بداية الإنجاب ونهاية المرحلة الإنجابية للمرأة. كما يؤثر ارتفاع معدل الخصوبة لدى هذه الفئة العمرية سلبيا على الإمكانات الصحية والاقتصادية والتعليمية للنساء وأطفالهن.
هناك عامل آخر يدفع النمو السكاني في هذه البلدان الأفريقية الخمسة وهو تعدد الزوجات. من المرجح أن تتمتع النساء في إطار تعدد الزوجات خاصة في المناطق الريفية ذات الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض بمعدلات خصوبة أعلى من النساء في المناطق الأخرى.
وعلى الرغم من أن تعدد الزوجات غير قانوني في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلا أنه يظل ظاهرة شائعة للغاية. وحوالي 36 بالمئة من النساء المتزوجات في نيجيريا، وربع النساء متزوجات في المناطق الريفية في تنزانيا و11 بالمئة من النساء المتزوجات في إثيوبيا، يعشنّ في كنف أسر تتعدد فيها الزوجات.
وأخيرًا، يلعب المستوى التعليمي للمرأة دورا كبيرا في معدلات الخصوبة. فعلى سبيل المثال، في تنزانيا، تنجب النساء غير الحاصلات على تعليم رسمي ما يصل إلى 3.3 أطفال أكثر من النساء الحاصلات على تعليم ثانوي أو جامعي.
هل يشكل تزايد عدد السكان مصدر قلق كبير في هذه البلدان؟
مما لاشك فيه أن تزايد عدد السكان هو مسألة مثيرة للقلق لأنه سيؤثر على معدلات التنمية في هذه البلدان.
يصنف البنك الدولي جمهورية الكونغو الديمقراطية من بين أفقر خمس دول في العالم، حيث يعيش ما يقارب 64 بالمئة من السكان على أقل من 2.15 دولار أمريكي في اليوم. وواحد من كل ستة أشخاص من أفقر سكان إفريقيا جنوب الصحراء يوجد في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
في نيجيريا، يعيش حوالي 40 بالمئة من السكان تحت خط الفقر. وتواجه الدولة الواقعة في غرب إفريقيا قضايا انعدام الأمن وضعف البنية التحتية وارتفاع معدلات البطالة. سيؤدي النمو السكاني المطرد في هذه البلدان الخمسة إلى مزيد من الضغط على البنية التحتية والخدمات المتدهورة بالفعل.
علاوة على ذلك، تعكس التركيبة الهيكلية العمرية لسكان هذه البلدان الخمسة مستويات عالية من التبعية. يعد عدد الشباب الذين ليسوا في القوى العاملة وكبار السن أعلى بكثير من أولئك الذين هم في أوج أعمارهم (18 إلى 64) ويتقاضون أجرًا.
وتشهده هذه المناطق تراجعا في معدلات الأشخاص في سن العمل ذوي المهارات العالية مقارنةً بأولئك الذين يعتمدون على هذه الفئة للبقاء على قيد الحياة في هذه البلدان الخمسة. ويرجع ذلك لأن هيكل سكان هذه البلدان فتيُّ للغاية. ويتراوح متوسط العمر من 17 في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى 17.7 في تنزانيا و18.8 في نيجيريا. ومن المحتمل أن يعيش العديد من الشباب في ظروف اجتماعية واقتصادية غير مواتية وفي ظل الفقر.
يسير النمو السكاني بوتيرة بطيئة في معظم البلدان منذ سنة 1950، لماذا؟
أكملت معظم البلدان، ولا سيما في أمريكا وآسيا وأوروبا وأوقيانوسيا وشمال إفريقيا، التحول إلى مستويات الخصوبة المنخفضة. وبعبارة أخرى، تعاني هذه الدول من مستويات خصوبة دون مستوى الإحلال – الذي يقضي بولادة أقل من طفلين لكل امرأة. وتشمل الدوافع الرئيسية لانخفاض الخصوبة زيادة استخدام وسائل منع الحمل الحديثة، وتأخر سن الزواج، ناهيك عن زيادة أعداد النساء المتعلمات.
ما هي الخطوات التالية التي ينبغي أن تتخذها البلدان الأفريقية ذات معدلات الخصوبة المرتفعة؟
يجب أن تأخذ السياسات والبرامج الحكومية بعين الاعتبار النمو السكاني ومواءمة التدخلات مع الاستخدام المستدام والوصول إلى الموارد. وتحتاج الحكومات على المستويات الإقليمية والوطنية والمحلية إلى الاستثمار في البنية التحتية والتعليم، ناهيك عن خلق فرص عمل إذا أرادوا الاستفادة من تزايد عدد السكان ومواصلة الاستثمار في استراتيجيات تحديد النسل.
يعد الهيكل العمري للسكان من المسائل المثيرة القلق. من المرجح أن يؤدي النمو المتوقع في أعداد السكان إلى زيادة أعداد الشباب وأولئك في سن الرشد. وفي ظل محدودية الفرص الاجتماعية والاقتصادية للشباب، من المرجح أن تخضع البلدان لقوى الهجرة الدولية.
ومن المرجح أن تزداد نسبة كبار السن في البلدان الخمسة موضع الاهتمام. وهذا يزيد من الحاجة إلى الاستثمار في الضمان الاجتماعي والبنية التحتية ودعم البرامج الابتكارية المعنية بالأشخاص المتقدمين في السن. للأسف، لا تتبوأ القضايا المتعلقة بكبار السن مكانة بارزة على الصعيد القاري.
المصدر: ذا كونفرسيشن