ترجمة وتحرير: نون بوست
في جولته حول العالم خلال الأسابيع الأخيرة، زار سعد الكعبي، وزير الطاقة القطري والرئيس التنفيذي لمجموعتها الوطنية للنفط والغاز، ناميبيا وغويانا وسورينام والولايات المتحدة ومصر.
أدت أزمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي القطري المسال، وزيادة عائدات الدولة وتعزيز مكانة شركة قطر للطاقة كواحدة من أهم شركات الموارد في العالم. وحسب وسائل إعلام حكومية، ارتفعت عائدات قطر من النفط والغاز بمقدار الثلثين في النصف الأول من السنة ووصلت إلى 32 مليار دولار، وهي مكاسب غير متوقعة تؤكد ثروات الدولة الخليجية الصغيرة في الوقت الذي تستعد فيه لاستضافة كأس العالم لكرة القدم
ومنذ أن حظيت الدولة التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة بشرف استضافة البطولة في سنة 2010، ضخّت ما لا يقل عن 200 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية الجديدة بما في ذلك 6.5 مليار دولار على ملاعب كرة القدم والمرافق التي مولتها إلى حد كبير عائدات صادرات الغاز الطبيعي المسال لشركة قطر للطاقة.
وإذا اعتبرنا أن المراحل الأولى والثانية من نمو الشركة قد ركزت على تطوير ثم تحقيق أقصى قدر من إنتاج الغاز المحلي الموجّه للتصدير، فإن “المرحلة الثالثة” ستكون التوسع الدولي لشركة قطر للطاقة، وذلك حسب ما صرَّح به الكعبي لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، موضحًا: “ربما نكون أحد أكبر أصحاب الحيازات اليوم في مجال الاستكشاف، وسترون أننا سنفعل المزيد، سنشارك كثيرًا في جميع الأعمال التجارية التي كنا دائمًا طرفًا فيها، ولكن ضمن دور وحجم أكبر بكثير”.
أنشأت شركة قطر للطاقة محفظة مشاريع تنقيب مترامية الأطراف على مدار العقد الماضي شملت حصصًا في مشاريع في البرازيل وكندا وخليج المكسيك الأمريكي وغويانا وسورينام وناميبيا ومصر وأنغولا وجنوب إفريقيا.
تهدف الشركة إلى زيادة إنتاجها خارج قطر من 45 ألف برميل من المكافئ النفطي يوميًا إلى 500 ألف برميل في اليوم بحلول سنة 2030. وتنتج قطر على الصعيد المحلي أكثر من 5 ملايين برميل نفطي مكافئ يوميًا، وكمية هائلة من الغاز الطبيعي المسال.
يُعتبر التوسع الدولي أمرًا غير اعتيادي بالنسبة لشركة نفط وغاز مملوكة للدولة في الخليج العربي. وفي حين أن شركة أرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية قد استثمرتا في مشاريع قطاع الطاقة في الخارج، إلا أن أي منهما لم تسعى وراء فرص الاستكشاف الدولية مع التركيز بدلاً من ذلك على زيادة الإنتاج المحلي.
وفي حين أن تعزيز الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي المسال لا يزال يمثل أولويةً، قال الكعبي إن الخام الناتج عن اكتشافات جديدة في دول مثل ناميبيا يمكن أن يوفر “التنوع” ومصدرًا للإنتاج خارج قطر التي تركز على الغاز. وأضاف: “نطمح لحيازة القليل من مزيج النفط والغاز في محفظتنا الاستثمارية”.
يقول المحللون إن مثل هذا الحديث هو أحد الأسباب التي جعلت شركة قطر للطاقة لا تبدو وكأنها مُنتج غاز مملوك للدولة بل تبدو وكأنها أحد شركائها الرئيسيين الدوليين.
يرى فرانك هاريس من شركة “وود ماكينزي” لاستشارات الطاقة: “سيبقى تحقيق الدخل من الغاز القطري الأولوية المطلقة، وفي مجال الغاز الطبيعي المسال، بدأوا يشبهون شركات مثل “شل” أو “توتال” أكثر من كونهم شركة نفط وطنية”.
تأسست الشركة في سنة 1974 باسم قطر للبترول، وقد أثبتت شركة الغاز العملاقة المملوكة للدولة في كثير من الأحيان رغبتها في تحمل المخاطر. كانت قطر مثقلة بالديون وتتجه نحو الإفلاس في أوائل التسعينيات عندما راهن قادتها على تطوير الغاز الطبيعي المسال للتصدير من حقل غاز الشمال القطري، أكبر احتياطي غاز في العالم.
كانت الحكومات الخليجية في ذلك الوقت تولي اهتمامًا تقليديًا أقل للغاز لصالح النفط، واعتُبرت خطط قطر بأنها مقامرة. انسحبت شركة “بريتيش بتروليوم”من المشروع في سنة 1992 قائلة إنها لا تعتقد أنها ستحقق عائدات كافية.
بعد خمس سنوات، افتتحت قطر أول منشأة لتصدير الغاز الطبيعي المسال بالشراكة مع شركة “إكسون موبيل” و”توتال إنيرجيز” و”مجموعة ميتسوي” و”ماروبيني”؛ وفي سنة 2006 أصبحت أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم متجاوزةً إندونيسيا.
قررت قطر إيقاف عمليات التطوير الجديدة في حقل الشمال بحلول العقد المقبل في حين تابعت استكمالها لمشاريع قائمة. وفي الوقت نفسه، ركزت على أن تصبح أحد أكثر مزودي الطاقة موثوقية في العالم ولم تتخلف عن أي شحنة من الغاز الطبيعي المسال إلى أي عميل تقريبًا.
ويقول ليو كابوش، وهو محلل الغاز الطبيعي المسال في شركة “إنرجي أسبكتس” الاستشارية: “لقد كانوا على كفاءة عالية جداً”.
ثم دخلت الدوحة في رهان كبير آخر في سنة 2017، حين رفعت الحظر وأعلنت عن خطط توسع ضخمة بنفس الطريقة التي كان بعض قادة العالم يتحدثون بها عن كيفية ترك الوقود الأحفوري وراءهم. كانت هذه الخطوة بمثابة منافسة لأكبر شركات النفط العالمية على مدى سنوات متعددة على الشراكة في التوسع المنشود. وكجزء من هذه العملية، قامت شركات الطاقة الكبرى بما في ذلك “شل” و”توتال” بدعوة شركة قطر للطاقة للانضمام إلى مشاريعها في أجزاء أخرى من العالم مما يساعد الشركة على التوسع دوليًا.
قال الكعبي: “في البداية، وعندما أراد الجميع عرض ما يمكنهم مساعدتنا به، قلنا لهم في الواقع إننا سنقيم العروض بناء على مدى دعمها لشركة قطر للطاقة في هذا المجال”. وأضاف الكعبي أنه بمرور الوقت أصبحت شركة قطر للطاقة شريكًا مفيدًا لتلك الشركات الأجنبية لأسباب ليس أقلها التأثير الدبلوماسي المتزايد للدولة الخليجية في جميع أنحاء العالم. وتابع قائلاً: “من وجهة نظري، لقد منحنا الكثير من هذه الشركات دفعة كبيرة من خلال وجودنا هناك بسبب علاقاتنا مع الحكومات”.
يبدو أن هذا النموذج قد نجح مع جميع الأطراف، حيث قامت شركة قطر للطاقة ببناء محفظة عالمية من شراكات الاستكشاف، ووقّعت شركات “شل” و”إكسون” و”كونوكو فيليبس” و”توتال” و”إيني” صفقات جديدة في حقل الشمال من شأنها أن تساعد في تعزيز الطاقة الإنتاجية المحلية للغاز الطبيعي المسال في قطر من 77 مليون طن سنويًا إلى 126 مليون طن بحلول سنة 2027.
ستوفر شراكة “إكسون” مع شركة “غولدن باس” في الولايات المتحدة 16 مليون طن إضافي من الغاز الطبيعي المسال سنويًا اعتبارًا من سنة 2025.
تقوم الشركة بالتنويع من خلال الاستثمار في إنتاج البتروكيماويات والطاقة الشمسية في قطر. وعلى عكس شركائها المدرجين في القائمة العامة، لم تحدد شركة قطر للطاقة أهدافًا صافية للانبعاثات الصفرية لعملياتها.
يجادل الكعبي، الذي أكد إنه لا توجد خطة لإدراج شركة قطر للطاقة “في المستقبل المنظور”، بأن الغاز الطبيعي الذي تنبعث منه كميات كبيرة من الكربون عند الاحتراق لكنها تظل أقل من النفط والفحم، يجب أن يكون محوريًا في تحول الطاقة في العالم”.
ويضيف قائلاً: “أوافق على التحول إلى الطاقة الصديقة للبيئة، لكنني دائمًا أقول إن الغاز ليس وقودًا انتقاليًا، بل إنه وقود مستهدف. وإذا نظرت إلى الطاقة الأساسية للكهرباء في العالم، فستكون إما الغاز أو الطاقة النووية بالنسبة لأولئك الذين يقبلون امتلاك الطاقة النووية ويمكنهم تحمل تكاليفها. أما البقية فستكون بعض زيوت الوقود والكثير من مصادر الطاقة المتجددة “.
ومن بين أكثر الفرص الدولية المحتملة أمام شركة قطر للطاقة كتلتان تقعان قبالة سواحل ناميبيا، حيث عثر الشريكان المعنيان، “شل” و”توتال”، على النفط خلال الاثني عشر شهرًا الماضية.
وبالنسبة لشركة مثل “شل” المدرجة في لندن، وتحت الضغط من النشطاء وبعض المستثمرين لخفض إنتاج النفط، فإن تطوير مشروع في بلد ليس له تاريخ في إنتاج النفط سيكون موضع نزاع. لكن الكعبي أكد أن شركة قطر للطاقة ستواصل العمل بغض النظر عن ذلك. وتابع قائلاً: “إذا كان المشروع تجاريًا ونحن نؤمن بهذا وكانوا لا يريدون تطويره، فسنبحث عن شركاء آخرين لتطويره”.
تميل شركة قطر للطاقة حتى الآن إلى الاعتماد على الشركاء لتشغيل مشاريعها الدولية. وقد يصبح ذلك أكثر صعوبة مع تكثيف الضغط على شركات النفط والغاز المدرجة لوقف نشاطها داخل حدود جديدة على وجه الخصوص. وحيال هذا الشأن، يقول الكعبي: “لا أعتقد أننا سنفقد الشركات التي سترغب في أن تكون المشغل، لكن في نهاية المطاف، وفي مرحلة ما أعتقد أننا بحاجة إلى أن نكون نحن المشغل”.
المصدر: فاينانشال تايمز