“حق الشعب في أن يأمن على أشخاصه وبيوته وأوراقه وممتلكاته ضد أي نوع من التحقيقات والمصادرات غير المبررة غير قابل للخرق” التعديل الرابع على الدستور الأمريكي والبند الرابع في وثيقة الحقوق.
في السابع عشر من يوليو الماضي وقف “إيرك جارنر” المواطن الأمريكي الأسود على جانب الطريق في مدينة نيويورك، اقترب ضابط شرطة منه مشتبهًا في بيعه للسجائر غير مدفوعة الضرائب، أبدى جارنر استياءه من مضايقات الشرطة المستمرة له؛ وأخبرهم أنه لم يكن يبيع السجائر، قام الضابط “دانيل بانتيلو” بإحاطة رقبة جارنر بذراعه محاولاً إجباره على الاستلقاء على الأرض لإلقاء القبض عليه، كانت هذه الطريقة تحديدًا ممنوعة الاستخدام وفقًا لتعليمات إدارة شرطة نيويورك، بعد لحظات كان وجه جارنر مضغوطًا على الرصيف وذراع الضابط ماتزال ملفوفة حول عنقه، صرخ جارنر عدة مرات قائلاً: “لا أستطيع التنفس” ثم صمت .. مات جارنر في المشفى بعد الحادث بحوالي ساعة.
Chokehold protests spread across the U.S., from Oakland to Chicago to Boston https://t.co/sW9hfUzDL0 #ACAB pic.twitter.com/eNPyiAt87M
— Hossam عمو حسام (@3arabawy) December 5, 2014
#EricGarner protest has literally shut down NYC, Manhattan Brooklyn Bridge Westside Highway and Ferry CLOSED pic.twitter.com/u48r0Jhs5f
— Luke Rudkowski (@Lukewearechange) December 5, 2014
أصدرت لجنة محلفي محكمة نيويورك العليا أمس قرارها بأن الضابط غير مذنب بقتل جارنر، متعللة أن استخدام الضابط للقوة كان مبررًا، يأتي هذا بعد أيام من قرار مشابه للجنة محلفي فيرجسون بعدم إدانة الضابط “دارين ويلسون” بالقتل بعد إطلاقه النار على الشاب الأعزل “مايكل براون” متسببًا في موته، وتعللت اللجنة بأن استخدام القوة المفرطة كان مبررًا أيضًا.
انطلق المتظاهرون بالآلاف في المدن الأمريكية الكبرى نيويورك وشيكاجو وبوسطن وواشنطن، وقامت الشرطة باعتقال المئات في أنحاء البلد، كان هتاف المتظاهرين الرئيسي هو “إذا رأيت الأيدي مرفوعة؛ لا تطلق الرصاص” المستقى من أحداث فيرجسون المستمرة لما يزيد عن 6 أشهر منذ مقتل مايكل براون.
I liked a @YouTube video https://t.co/8evowaHZVW Protests erupt around the U.S. after grand jury decision in Eric Garner chokehold
— Hossam عمو حسام (@3arabawy) December 4, 2014
Die-in for #EricGarner now in the middle of Market Street in SF. Street has been shut down for 1 hour. pic.twitter.com/qbluV7hyBy
— kate conger (@kateconger) December 4, 2014
يثير التصاعد الشديد لمستوى الأحداث أخيرًا مجموعة من التساؤلات حول أداء المنظومات الأمنية والقضائية في الولايات المتحدة، وما يرتبط بهذا الأداء من هيكل قيمي ومبادئ أرسيت عليها قواعد الفيدرالية الأمريكية عند تأسيسها، فالنظام السياسي الداخلي والقانوني للولايات المتحدة نظام فريد وشديد التعقيد ولا مثيل له في أي دولة أخرى، إذ يعتمد بالأساس على افتراض بأن الولايات المتحدة هي مجموعة من الدول الصغيرة (الولايات) تربطها علاقة من الندية والمساواة، لكل ولاية الحق المطلق في ضبط النظام القانوني والمالي داخلها وفقًا لمجالسها المنتخبة.
ويربط كل هذه الولايات من أعلى اتحاد فيدرالي يتكون من حكومة مقرها واشنطون تعني بالأساس بضبط إيقاع العلاقة بين هذه الولايات، وقيادة الجيش الذي تتشاركه كل الولايات ومنظومة التعليم والسياسة الخارجية للدولة كذلك، تلتزم كل الولايات بالدستور المكون من مجموعة قصيرة من المبادئ العامة ووثيقة الحقوق الملحقة به، وبذلك يصبح لكل ولاية الحق في تحديد نظامها القانوني والقضائي بشكل كامل طالما التزمت بمجموعة المبادئ السابق ذكرها، وتعنى محكمة دستورية عليا مقرها في واشنطون بالبت في التزام الولايات بالدستور.
“إن كنت أسود … ربما من الأفضل لك ألا تظهر بالشارع من الأساس إلا إذا كنت تود جلب المشاكل لنفسك” بوب ديلان – أغنية Hurricane عن الملاكم الأسود روبين كارتر الذي سجن مرتين بتهمة لم يرتكبها.
يُعرف دستور الولايات المتحدة الأمريكية بأنه أقصر دساتير العالم على الإطلاق، إذ يتكون من سبع مواد وسبعة وعشرين تعديل فحسب، تمتاز هذه المواد والتعديلات بأنها مجموعة من المبادئ شديدة العمومية التي تحدد شكل كيان الدولة وأجهزتها ومبادئ الفيدرالية بشكل شديد الوضوح وتحدد مجموعة من الحقوق السامية لمواطنيها، تعتبر التعديلات العشرة الأولى المعروفة بوثيقة الحقوق هي العامل المميز تمامًا لما تدعيه الولايات المتحدة بأنها الحارس الأكبر للحريات في العالم؛ إذ تنص بعض موادها على حرية التعبير والحق في حمل السلاح والدفاع عن النفس والممتلكات، وتحد بوضوح من قدرة تدخل السلطات في الحياة الشخصية للمواطنين.
إلا أن الولايات المتحدة بهذا النظام شديد التعقيد وأفضل مشرعي ومحامي العالم قد فشلت في تقديم حل منهجي لعدد من مشاكلها، وخصيصًا مشكلة المواطنيين من أصول غير أوروبية، فقد اضطرت الولايات المتحدة أن تخوض حربًا أهلية نتج عنها قرابة النصف مليون قتيلاً لمجرد الوصول لحل لمشكلة العبودية، ولم تنته أغلب النظم القانونية الظالمة ضد “الملونين” بشكل رسمي قبل نهاية سبعينات القرن الماضي مع حركة الحقوق المدنية الشهيرة، ففي بلد وضعت حق الدفاع عن النفس وحمل السلاح في دستورها؛ يصبح من الغريب أن الدولة في حد ذاتها ممثلة في أجهزة الأمن تتحول إلى الخطر الذي لا يستطيع مواطنوها الدفاع عن أنفسهم ضده.
#LIVESTREAM: "#EricGarner, #MichaelBrown! Shut it down! #ShutItDown!" https://t.co/fmF7Bud4fA
— AJ+ (@ajplus) December 4, 2014
Protests erupt in New York after cop not indicted in chokehold death. @FrankPallotta took these images. pic.twitter.com/BpQLNNynhD
— CNN Breaking News (@cnnbrk) December 4, 2014
Wow, look at all the people in Times Square protesting re #EricGarner! Thank you New Yorkers! pic.twitter.com/kBGWcjVHAA
— Medea Benjamin (@medeabenjamin) December 4, 2014
من الممكن فهم قلق أجهزة الأمن الواضح من المواطنين من أصل أفريقي من خلال عدة تفسيرات؛ فأجهزة الدولة الأمريكية ودستورها قد تم وضعهم بالأساس من قبل مجموعة من الأمريكيين من أصل أوروبي بشكل حصري، وقد كان هذا بالضرورة مرتبطًا بنظرة هؤلاء الرجال للمواطنين من أًصل غير أوروبي كمواطنين من الدرجة الثانية، وهذه النظرة لم تنته حتى يومنا هذا بالمناسبة، كما أن الوضع التاريخي للمواطنين من أصل أفريقي يعني بالضرورة انعدام الفرص أمامهم في ترقي السلم الاجتماعي والعلمي، ويعني أنهم مازالوا مرتبطين بمساحة معينة من التعليم والأعمال لا يستطيعون تجاوزها لأسباب تاريخية واقتصادية، وبالتالي تصبح دائرة لجوء عدد أكبر من المواطنين من أصل أمريكي للأنشطة غير القانونية مفرغة؛ إذ تؤدي معاملة الدولة السلبية لهم لزيادة معدلات الجريمة التي تؤدي بدورها إلى معاملة وتنميط أكثر سلبية.
في المجتمع الأمريكي اليوم، تنحصر معدلات الزيادة السكانية المرتفعة في الأمريكيين من أصول غير أوروبية، وبينما تتفاقم حدة الصراع بين هؤلاء المواطنين والدولة في بحثهم عن عدالة اجتماعية ومساواة أفضل على مستوى الطبقات والأعراق؛ سيتزايد عدد هؤلاء المواطنين بشكل صارخ؛ وسيصبح المستقبل الأمريكي لهم، ومستقبل لا يدرك المسؤولون عنه أبعاد سياساتهم الاجتماعية في تشكيله؛ لهو شيء مخيف.