ترجمة وتحرير: نون بوست
تصدرت الطائرات المسيّرة عناوين الأخبار مرة أخرى، لكن هذه المرة ليس كما عهدناها. ففي آب/ أغسطس، أعلنت بريطانيا أنها سترسل 850 طائرة من طراز “بلاك هورنت نانو” إلى كييف لاستخدامها في القتال عن قرب.
كانت الغاية من استخدام هذه الطائرات (قبل التراجع الروسي المذهل في الأسابيع الأخيرة) هي أن تمنح القوات الأوكرانية ميزة حاسمة في القتال المدني الضاري الذي كان متوقعًا أثناء سعيهم لتحرير بلداتهم ومدنهم.
هذه الآلات بعيدة كل البعد عن الطائرات المسيّرة الكبيرة غير المأهولة المرتبطة بالحرب على الإرهاب، وطائرات “بريداتور” و”ريبر” المسيّرة القاتلة المنتشرة في كل مكان.
تعتبر طائرات “بلاك هورنت نانو” في الواقع أشبه بلعبة صغيرة، حيث يبلغ قياسها ما يزيد قليلاً عن ست بوصات ووزنها أقل قليلاً من ثمرة الخوخ، وهي قادرة حرفيًا على الالتفاف حول الزوايا والتسلل عبر النوافذ.
نظرًا لعدم إصدارها ضجيجا كبيرا، يمكن لهذا النوع من الطائرات التسلل مباشرة إلى العدو، ودخول المركبات والمواقع الدفاعية الروسية (أي ما تبقى) وإرسال لقطات عالية الدقة وصور ثابتة عبر ثلاث كاميرات مثبتة في المقدمة.
يقود جندي في الخطوط الأمامية طائرات “بلاك هورنت نانو” باستخدام شاشة صغيرة على غرار جهاز “آيباد” وجهاز تحكم يدوي قديم على وحدة تحكم ألعاب من التسعينات بسعر 10 آلاف جنيه إسترليني، ولكن على الرغم من أن سعرها زهيد، إلا أنها توفر ما كان الجنود يتوقون إليه منذ معركة ترموبيل: الوعي الظرفي والقدرة على “رؤية ما فوق التل” – دون الحاجة إلى إرسال بعض المستكشفين الضعفاء إلى قمته.
من جانب، يُدرك محرر شؤون الدفاع والأمن بصحيفة التلغراف البريطانية، دومينيك نيكولز، جيدًا فقط قيمة جهاز المراقبة عن بعد. يُذكر أنه تم استخدم طائرات مسيّرة، كبيرة وصغيرة، في العديد من العمليات، بما في ذلك في العراق وأفغانستان.
وأوضح قائلا “سمحت لنا الطائرات المسيّرة التي عملت معها باتخاذ قرارات بناءً على أفضل المعلومات المتاحة في الوقت الفعلي. وربما يشمل ذلك اختيار أفضل نقاط إنزال طائرات الهليكوبتر للجنود الذين يهاجمون أحد الموقع، أو التحدث عن الأصول الأخرى للتهديدات المحتملة”.
وكما هو الحال في الحياة المدنية بالضبط، سوف نبدأ قريبا في استخدام طائرات مسيّرة صغيرة لتوصيل طرودنا، وتستخدمها الجيوش حاليا بطرق كان من الممكن اعتبارها مجرد خيال علمي قبل بضعة عقود قصيرة. وتقدم أوكرانيا على وجه الخصوص عرضًا عامًا للغاية لتعدد استخداماتها – ولمحة عن المستقبل.
أول حرب كبرى يتم خوضها في الوقت الفعلي على منصات التواصل الاجتماعي، فقد أثار الصراع ثورة صغيرة في ابتكار الطائرات المسيّرة، حيث تم اختراق النماذج التجارية والمحلية – تبرع الغرب بالعديد منها – وتعديلها لتحويلها إلى سلاح قاتل.
أصبحت لقطات الطائرات المسيّرة المعدلة شائعة حاليا على “تويتر”، والتي ربما تكون قد صورت حفل زفافك السنة الماضية، أو ألقت قنبلة يدوية على مأوى من المشاة الروس النائمين، أو من خلال فتحة دبابة. وتشير المعلومات الاستخباراتية إلى أن هذا كان سيئًا إلى حد ما بالنسبة للمعنويات. بعبارة أخرى، يشعر الغزاة بأنهم مطاردون، ويقضون الكثير من الوقت في النظر إلى الأعلى من أجل المضي قدما.
باختصار، تخوض الطائرات المسيّرة حربًا جيدة للغاية. ومن الواضح أنها المستقبل. ولكن إذا كانت الآلات قادرة على مساعدة الدول المتقدمة تقنيًا مثل الغرب وحلفائه في كسب المعارك بينما تحافظ على قواتها، فما العيب في ذلك؟
“يتم تجاوز الخط الأخلاقي”
حسنًا، إذا كانت هناك حركة متنامية لعلماء بارزين حقًا، فهناك شيء يجب أن يتطرقوا إليه، بل الكثير. ويتساءلون عما إذا أصبحت الآلات فعالة للغاية؟
بالنسبة للمثال الإيجابي الواضح لأوكرانيا، فقد يتعارض ذلك بالكامل مع مثالي ليبيا وغزة. وهذا لأن هذه هي المواقع التي يشتبه مؤخرًا – وسط كل الأهوال المعتادة – في أن الطائرات المسيّرة الصغيرة قتلت أشخاصًا، وقامت بذلك بشكل مستقل عن السيطرة البشرية.
يمكنك المجادلة بأنها تظهر في شكل ومضات على الرادار. ولكن يتم تجاوز الخط الأخلاقي في جميع أنحاء العالم. نحن ندخل العصر الذي تم التنبؤ به كثيرًا للروبوت القاتل – مسيرة وضعت على المحك من خلال توافر آلات طيران مسيّرة غير مأهولة فعالة ورخيصة بشكل متزايد والذكاء الاصطناعي المدفوع بمتطلبات الهاتف الذكي.
والسؤال المطروح هو ما إذا كنا ندرك حقيقة الشيء الذي أطلقنا العنان له؟ وبحلول الوقت الذي ننتهي فيه من حل المشكلة، هل سيكون الأوان قد فات؟
ومن أجل توضيح هذه النقطة، يجدر بنا أن نفهم ما الذي لا تستطيع أنظمة مثل طائرات “بلاك هونت” القيام به.
عندما تم الإعلان عن حزمة مساعدات المملكة المتحدة، وصفها وزير الدفاع، بن والاس، بأنها حزمة “متطورة”. ولكن حتى طالب الدراسات العليا في علوم الكمبيوتر المتواضع سوف يلفت نظره إلى ذلك. لماذا؟
لأنه يتجاهل حقيقة أن استخدام طائرات “بلاك هورنت” لا يزال يتطلب اقتراب الجندي من العدو وتعريض نفسه للخطر (الاقتراب قل من 2 كم) لقيادته إلى موقعه، وأنه بمجرد الوصول إلى هناك، لا يمكن للطائرة المسيرة إلا أن تتصرف بشكل سلبي، باعتبارها أداة استطلاع، ولا يمكنها التحكم بنفسها ولا يمكنها القتل.
لكن هذا يتغير بسرعة. ففي سنة 2017، عُرض فيلم قصير لأول مرة في مؤتمر دبلوماسي للأمم المتحدة في جنيف، والذي أزعج البعض. صوّر فيلم “الروبوتات القاتلة” – وهو فيلم قصير حائز على جائزة من معهد “مستقبل الحياة” – عرضًا تقنيًا خياليًا على غرار ستيف جوبز يقدم طائرة مسيّرة صغيرة بحجم راحة اليد.
تعالت ضحكات الجمهور وصفق بينما كانت الآلة تتهرب بشكل مضحك من محاولات المقدم لإمساكها. وحتى عندما لم يحاول الإمساك بها، بدت الطائرة وكأنها ترقص في الهواء، وتعرض على ما يبدو ميزة “الحركة العشوائية” المضادة للقنص.
هل تتساءلون عن الجزء الأفضل؟ قال مقدم العرض بتواضع في الفيلم “كل شيء ذكاء اصطناعي. يمكن لمعالجها أن يتفاعل أسرع 100 مرة من الإنسان”. بعبارة أخرى، تتحكم هذه الطائرة في نفسها. وتابع حديثه قائلاً “تمامًا مثل أي جهاز محمول هذه الأيام، تحتوي هذه الطائرة كاميرات وأجهزة استشعار، تمامًا مثل الهواتف وتطبيقات التواصل الاجتماعية الخاصة بك، فهي تقوم بالتعرف على الوجه”.
ثم كشف أن الطائرة الصغيرة ذات الأربع دوارات، والتي هبطت بلطف فوق يده، تحتوي على ثلاثة غرامات من المتفجرات “المشكّلة”. ثم يلقي بها في الهواء، وعندها تستعيد توازنها بسرعة وتطلق كالصاعقة متفجرات نحو دمية عرض قريبة، مما يؤدي إلى إحداث ثقب صغير في جبهتها. وقيل لنا “هذا الانفجار الصغير يكفي لاختراق الجمجمة وتدمير الدماغ”.
كان الأمر مرعبا للغاية: طائرة مسيّرة صغيرة وغير مكلفة تستخدم تقنية التعرف على الوجه لتحديد وقتل الهدف، وهي غير خاضعة لأي سيطرة بشرية مباشرة.
بطبيعة الحال، لا يعتبر فيلم “الروبوتات القاتلة فيلمًا وثائقيًا. لكن ما مدى قربنا من الواقع؟
كان ستيوارت راسل، وهو أستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة كاليفورنيا، راعيًا لفيلم 2017، والذي حصد حاليا أكثر من 75 مليون مشاهدة. وربما تكون لهجته البريطانية المحسوبة، أو صندوق “بي جي تيبس” المرئي في مكتبه في بيركلي بينما كنا نتحدث عبر اجتماع “زوم”، لكنه لا يصادف أنه تاجر شائع أو متشائم في الحديقة.
في الواقع، إنه أحد العقول الرائدة في العالم في هذا المجال وقد ألقى محاضرات ريث السنة الماضية حول موضوع العيش مع الذكاء الاصطناعي. وتكمن النقطة الأساسية، على حد تعبيره، في أن التقنيات المطلوبة لطائرة مسيّرة صغيرة قاتلة من النوع الذي تم تصويره في الفيلم موجودة بالفعل. إنها تحتاج فقط إلى بعض التحسينات في بعض المجالات، وتصغيرها ودمجها.
وأوضح أن “هناك بعض المشاكل الفنية في التصغير والتي تتعلق بالبطاريات والمدى ومقدار الطاقة التي تحتاجها الطائرة لدعم معالجة الحاسوب التي تحتاجها للحصول على نظام مستقل تمامًا. ولكن هذه مهمة هندسية بالفعل. لا توجد أشياء من الخيال العلمي يجب أن تحدث. ولكننا حقققنا بعضها بالفعل”.
من أجل صنع طائرات صغيرة عالية الأداء حقًا، سوف تحتاج على الأرجح إلى تصميم شريحة كمبيوتر أخف وزنا وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، تُعرف باسم دارة متكاملة خاصة بالتطبيق، بدلاً من استخدام شريحة للأغراض العامة. لكن هذا ممكن تمامًا.
قال مقدم فيلم “الروبوتات القاتلة” الخيالي بنفسه “إن جزء كبير من التكنولوجيا التي من شأنها أن تمكّن هذه الطائرات الصغيرة من العثور عليك ثم تقرر ما إذا كانت ستقتلك أم لا – باستخدام الكاميرات، وتقنية التعرف على الوجه، وتحديد الموقع الجغرافي – موجودة بالفعل في هاتفك الذكي.
لو كانت تلك نهاية الفيلم لكان الأمر مقلقًا بدرجة كافية. لكنه يُظهر الأجهزة التي تعمل كجزء من حزمة، أو “سرب”، وتطارد مجموعة من الأشرار المفترضين. وهذا حقًا هو الهدف الأساسي من مفهوم الطائرات الصغيرة المسلحة. وفي حد ذاتها، يمكن للطائرة الواحدة أن تكون سيئة للغاية، لكن كجزء من مجموعة منسقة، يمكن أن تمثل كابوسًا مروعا.
يمكن “تدريب” أنظمة الكمبيوتر التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على تشغيل عدة طائرات مسيّرة كسرب واحد، وتخترق المباني والقطارات والسيارات، وهي محصنة إلى حد كبير من الرصاص وأقل عرضة للتشويش الإلكتروني لأنه لا يتم التحكم فيها عن بُعد.
“لا يوجد تدبير أمني”
ما عليك سوى تخيل ذلك: طائرتان من السرب متمركزتان في مجرى الهواء على جانب المبنى، وتفجران أنفسهما، ثم يتدفق باقي السرب من خلال نظام التصفية، وربما تكون مبرمة باستخدام تقنية التعرف على الوجه أو القزحية أو حتى المشية.
يتخيل دومينيك نيكولز استخدامها في الحرب. ويوضح قائلا “بمجرد إطلاق هذه الطائرات عبر خطوط العدو للبحث عن أهداف محددة، لن يشعر أي قائد بارز، بغض النظر عن مدى قربه من الحدث، بأي قدر من الأمان في ساحة المعركة”.
ومرة أخرى، لم نصل إلى تلك النقطة بعد، ولكن إذا كان هذا السيناريو مستقبليًا، فهو المستقبل القريب.
منذ سنوات، تعمل الطائرات المسيّرة بشكل مستقل في فرق للقيام بمهام مثل البحث والإنقاذ وتنظيف الانسكابات النفطية. وقد بدأت الإشارات الأولى لاستخدامها كسلاح قاتل في الظهور.
في عام 2020؛ تضمنت مناوشة في ليبيا الاستخدام المحتمل لطائرة قاتلة بدون طيار تركية الصنع تسمى كارجو – 2. ووفقًا لتقرير للأمم المتحدة؛ تم استخدام هذه الطائرة لمطاردة ومناوشة قافلة لوجستية تابعة لأمير الحرب خليفة حفتر، مما يمثل أول ظهور معروف في ساحة المعركة لتلك الفئة من الأسلحة.
وفي الوقت نفسه؛ أفيد في العام الماضي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي نشر سربًا من الطائرات بدون طيار لتحديد موقع مقاتلي حماس والتعرف عليهم ومهاجمتهم، ويعتقد أنها المرة الأولى التي يتم فيها استخدام سرب من هذه الطائرات في القتال.
لم يكن أيٌّ من هذه الطائرات من الميكرودرونات بالمعنى الدقيق للكلمة، لكن الدليل على ذلك المفهوم واضح بما فيه الكفاية، لا سيما في حالة حادثة غزة، وهو ما يدفع للتساؤل: “وماذا في ذلك؟”، فبعد كل شيء يتم تحديد تاريخ الحرب – في أحد معانيه – من خلال إدخال أسلحة جديدة وغير سارة تجعل من السهل قتل العدو؛ أو ليست الميكرودرونات من أحدث هذه الأسلحة بكل بساطة؟
الإجابة: نعم ولا؛ فالعامل الحاسم – وفقا للبروفيسور راسل – هو “القابلية التوسع”، وهي ليست كلمة مثيرة بشكل خاص، ولكنها كلمة لها آثار محددة يحتمل أن تعطي شكلا للعصر الحالي.
دعونا نعود إلى فيلم “المسيرات القاتلة” – الفيلم القصير الذي دعمه راسل والذي اكتسب مثل شهرة في “نظام الأسلحة الفتاكة المستقلة (LAWS)” – ففي الفصل الثاني نترك مسرح العرض الفني المتخيَّل (مع الدمية المقتولة)، وننتقل بدلًا من ذلك إلى طائرة شحن عسكرية كبيرة أثناء الطيران؛ حيث يقول التعليق الصوتي: “نحن نفكر بشكل كبير؛ فيمكن تقديم طلب بقيمة 25 مليون دولار ليشتري هذه الآن بما يكفي لقتل نصف مدينة؛ أي النصف السيئ”، وأثناء الحديث يُفتح الباب الخلفي للطائرة وتخرج الآلاف من ميكرودرونات منه، ويتم تفعيلها في الهواء وتبدأ الأز نحو الأرض مثل الدبابير الحاقدة. هذا سرب؛ ولكن على نطاق مختلف، فلقد أصبحت الميكرودرونات فعليًّا سلاح دمار شامل.
إذا كان هذا يبدو مبالغًا فيه؛ فتذكر في أنه قبل بضع سنوات فقط كان “الدبور الأسود” يكلف حوالي 80000 دولار للوحدة؛ الآن هم بثُمن هذا السعر.
يتكلف بناء سلاحك النووي الخاص – أو حتى شراء سلاح نووي إذا رفض المجتمع الدولي ذلك – أرقامًا فلكي؛ فقط اسأل إيران. ولكن مع انتشار تكنولوجيا الطائرات بدون طيار المستقلة باعتبارها جانبًا سائدًا بشكل متزايد في الحياة التجارية والترفيهية؛ فإن هذه التكلفة لن تنطبق على صناعة الأسراب منها؛ فما هي الصعوبة الحقيقية التي قد تواجهها دولة “سيئة” في إنشاء مصنع كبير ليضخ مئات الميكرودرونات في الأسبوع، أو الصعوبة التي قد تواجهها مجموعة إرهابية مثل تنظيم الدولة أو القاعدة في مجرد شراء الآلات من السوق المفتوحة؟.
يعتقد معظم المراقبين – وإن كان ذلك مجرد أمل – أن فلاديمير بوتين لن يلجأ إلى هجوم نووي خوفًا من الرد الدولي، ولكن هل سيتردد الرجل الذي لا يظهر أي ندم في قصف المناطق المدنية بالمدفعية في استخدام سرب ضخم من الميكرودرونات القاتلة لإعادة أخذ خاركيف أو إيزيوم؟.
وتعتبر برمجة الطائرات بدون طيار لمهاجمة البشر الذين يحملون السلاح بالزي العسكري هي بمثابة لعبة أطفال من الناحية التكنولوجية، ولكن لماذا تتوقف عند هذا الحد؟ لماذا لا تقوم بتتبع تلقائي استخدام الهاتف المحمول وقتل المدنيين الذين وضعوا محتوىً مواليًا على تويتر أو إنستغرام؟
هذا النوع من القدرة المتكاملة قد لا يزال على بعد سنوات؛ فالمشتريات العسكرية (المقاتلة إف-35، على سبيل المثال) تقاس عادة بالعقود. وبالمثل؛ يمكن أن يكون أقرب بكثير.
“أسهل من مشروع مانهاتن”
يقول البروفيسور راسل إن هناك أوجه تشابه واضحة مع صنع القنبلة الذرية؛ فبحلول نهاية عقد 1930، كان الكثير من الجزء النظري لصنع القنبلة النووية قد تم تجهيزه بشكل صحيح، وذلك مثل تحديد نظائر اليورانيوم والبلوتونيوم الذي يجب تخصيبها، ولكن كان هناك حاجة إلى دفعة كبيرة لتحويل ذلك إلى واقع عملي. وفي عام 1943، فتحت حكومة الولايات المتحدة دفتر شيكاتها، وجمعت أفضل العلماء في البلاد في لوس ألاموس بنيو مكسيكو، وحولت واحدًا في المائة من إمدادات الكهرباء في البلاد بالكامل من أجل تحقيق مسعاهم، وبعد عامين كان لديهم قنبلتهم.
يقول راسل: “إنها مسألة إرادة؛ إذا أردنا صنع هذا النوع من الأسلحة، فأعتقد أنه يمكننا القيام بذلك في غضون 18 شهرًا؛ إنها أسهل من مشروع مانهاتن”.
لا تقتصر هذه المخاوف على العلماء الجامعيين؛ فهناك كريس كول وهو شاب لطيف الكلام ومثقف، ويدير موقعًا على شبكة الإنترنت يسمى “حرب الدرونات البريطانية Drone Wars UK” من منزله في أكسفورد، والذي يهدف إلى توثيق والتحذير من استخدام الطائرات المسلحة بدون طيار، ولا سيما من قبل بريطانيا.
ويقول كريس: “هناك مشكلة أخلاقية عندما تقرر الآلات من تقتل؛ وهذا الخط يتآكل طوال الوقت، فنحن نصل إلى المرحلة التي يتخذ فيها البشر قرارات ختم المطاط بواسطة الآلات”.
ويقضي كريس كول وفريقه معظم وقتهم في تنظيم الاجتماعات العامة وحملات كتابة الرسائل الجماعية، بالإضافة إلى اللجوء أحيانا إلى القانون للطعن في السرية الحكومية المزعومة حول هذا الموضوع.
وإذا كان هذا يبدو مألوفا، فربما يرجع ذلك إلى أن منظمته لها صلات قوية بحملة نزع السلاح النووي ومختلف هيئات مكافحة تجارة الأسلحة، لكن هذا في حد ذاته يكشف أنه لا تزال احتمالات حدوث معركة “نهاية العالم” النووية قائمة، لكن يبدو أن خصومها القدامى ينظرون الآن إلى صعود الروبوتات البلاستيكية الصغيرة على أنه تهديد مماثل.
هل يمكن أن نكون قد دخلنا إلى سباق تسلح جديد مماثل لذلك الذي جرى بين عامي 1940 و1950؟
الغرب في مأزق؛ حيث تنظر قواته العسكرية الرائدة بوضوح إلى الأسلحة المستقلة على أنها مستقبل الحرب، لكنهم حساسون بشكل مفهوم بشأن رد فعل الجمهور على فكرة الروبوتات القاتلة المستقلة تماما، فبعد كل شيء نشأ الكثير منا على أفلام “ذا تيرميناتور”.
تعمل وزارة الدفاع الأمريكية منذ عام 2012 بموجب التوجيه الذاتي 3000.09، وهو توجيه غامض قد يفهم البعض أنه يعني أن الإنسان يجب أن يكون حاضرًا في “حلقة” صنع القرار عند الدرونات، على الرغم من أن البعض الآخر يختلف أو يقول إن هذا الشرط يمكن تجاوزه بسهولة على أي حال.
إذا دققت في الأمر بعناية فسيتضح لك الأمر؛ حيث قال مسؤول في وكالة مشاريع البحوث المتقدمة الدفاعية، عن تحديث لبرنامج “كود CODE” والذي يعني “العمليات التعاونية في البيئات المحظورة”: “مثلما تصطاد الذئاب في مجموعات منسقة مع الحد الأدنى من الاتصالات، فإن العديد من الطائرات بدون طيار التي تعتمد على برنامج “كود” ستتعاون للعثور على الأهداف وتتبعها وتحديدها والتعامل معها، وكل ذلك تحت قيادة مشرف واحد من البشر”.
وتعتمد الطبيعة الأساسية للمعركة في الجزء الأوسط من هذا القرن وما بعده على ما يستلزمه هذا الإشراف بالضبط؛ حيث ترى بعض الدول ما هو قادم وتريده أن يتوقف؛ فمنذ عام 2014، أشار العشرات إلى دعمهم لمعاهدة تحظر استخدام الروبوتات القاتلة المستقلة، فيما يريد آخرون المضي قدما، وهؤلاء لاعبون كبار، فلا الولايات المتحدة ولا الصين ولا الهند ولا روسيا قد أظهروا استعدادًت حقيقيًّا على الانضمام لتلك الدعوات؛ وتنضم إليهم بريطانيا، ففي هذا العام؛ أوقف سلاح الجو الملكي البريطاني مشروعه “البعوض” بدون طيار (سرب) – وهو المشروع الذي يقع تحت سيطرة السرب 216 – ولكن فقط من أجل المضي قدما في خطط لاستبدال أفضل لهذا البرنامج.
القدرة على رد الفعل تنتهي بسرعة
يقول البروفيسور راسل: “هذا هو أحد المجالات القليلة التي تتفق فيها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا: إنه يجب علينا إنشاء هذه الفئة الجديدة من الأسلحة”، يضحك البروفيسور راسل وهو يقول هذا بحزن (وغني عن القول إنه يدعم الحظر)، فإحباطه واضح، حيث يضيف: “أعتقد أن المملكة المتحدة يمكن أن يكون لها دور مهم تلعبه إذا كان لها أن تتعامل بجدية مع هذه القضية. فالقدرة على اتخاذ رد فعل تنتهي بسرعة”.
وقبل كتابة هذا المقال؛ نفت وزارة الدفاع أن المملكة المتحدة امتلاكها لأنظمة أسلحة مستقلة تمامًا – أي تلك التي لا يوجد فيها تدخل بشري “مناسب للسياق” – أو أنها تنوي استخدامها، وأوضحت أن إستراتيجيتها هي تعزيز التطوير العسكري “الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي بالتنسيق مع الحلفاء والضغط من أجل الامتثال للقانون الدولي الحالي”، الذي وصفته بأنه”فعال للغاية”.
ربما – كما هو الحال مع الطاقة النووية – لا يمكن وقف مسيرة التكنولوجيا. فهل أليس من الطبيعي – من الإنساني في الواقع – البحث عن سبل للحفاظ على الجنود الواقفين في خط النار؟.
شهد اللواء جوناثان شو التكلفة الدموية للصراع عن قرب، فقد كان أولا قائد فصيلة مع فوج المظلات في جزر فوكلاند، ثم قاد لاحقا فرقة متعددة الجنسيات في جنوب العراق؛ حيث يتساءل: “لماذا يهتم الناس المهتمين بما يطير في الهواء؟”، ويجيب: “هذا لأننا في الجيش نسأل أنفسنا دائما “ماذا فوق التل؟”، والميكرودرونات، كما يقول، “تسمح لك لخوض حرب دون تكاليف بشرية”.
وعلى الرغم من أنه لم يبدِ وجهة نظره حول مسألة الأتمتة، إلا أنه قال إنه باستخدام الطائرات بدون طيار: “أنت تقتل المزيد من العدو دون أي تكلفة إضافية على نفسك، وهذا هو الهدف دائمًا. كانت ستكون مفيدة حقا في جزر فوكلاند؛ فقد كان هناك العديد من الضحايا”.
هذا بيان بسيط للحقيقة، وهو ليس أكثر مما قصده الجنرال؛ فإنه من الصعب أن تجادل معه، لكن ربما يطرح هذا الرأي سؤالًا معينًا.
بعبارة أخرى؛ فإن الذكاء الاصطناعي – الروبوتات – أفضل بشكل واضح من البشر في مجموعة كبيرة ومتنامية من الأنشطة، بدءًا من لعب الشطرنج إلى قيادة الطائرات. لكن؛ إذا كنت تأخذ في الاعتبار العامل الأخلاقي الحاسم، فهل يمكن أن يكونوا أفضل في تحديد من يعيش ومن يجب أن يموت؟.
تذكر أن تقديم السيارات ذاتية القيادة للناس يواجه حاليًا هذه المعضلة فقط.
وعلى الرغم من كل عبثهم وخلافاتهم العديدة؛ فقد كانت ضربات الطائرات بدون طيار – البريداتور والريبر التي أصبحنا على دراية بها بعد أحداث 9/11 – على حد علمنا؛ خاضعة لسيطرة كاملة – وليس فقط “خاضعة للإشراف” – من قبل البشر.
يقول دومينيك نيكولز: “لا توجد نشوة بعد ضربة بطائرة بدون طيار؛ كنت أصف العاطفة الساحقة بأنها واحدة من الراحة. عليك أن تثق في المعلومات الاستخبارية التي أوصلتك إلى حد اتخاذ قرار باستخدام القوة المميتة ضد أي فرد، ولكن بمجرد اتخاذ هذا القرار، فأنت تريد أن يتم تنفيذ الفعل بأكبر قدر ممكن من الكفاءة”.
ويضيف: “لم أر أحدًا يلكم الهواء أو يسعد بأي شكل من الأشكال بالموت العنيف الذي أحدثناه للتو. فمعظم الناس إذا عبروا عن أي أفكار على الإطلاق؛ فهم يعبرون عن دقتهم واحترافيتهم وسعادتهم بكون كل العمليات في هذا النظام قد نجحت”.
هذا ليس مثاليًا، ولكنه أمر إنساني.
المصدر: صحيفة التليجراف