الليثيوم.. بطل معركة الطاقة النظيفة بين قوى العالم

لم يكن اللثيوم حتى وقت قريب ذلك المعدن المهم لدى المهتمين بقطاع التعدين في ظل وجود الذهب والفضة والبلاتين والنحاس وغيرها من المعادن النفيسة غالية الثمن، لكن سرعان ما تغير الأمر خلال السنوات الماضية، حين اكتشف العالم أن البطاريات المُصنعة من الليثيوم يمكنها تخزين الطاقة بكثافة عالية، وهو الاكتشاف الذي قلب خريطة المعادن الإستراتيجية رأسًا على عقب.
تخزين الطاقة المتولدة من الموارد المتجددة بكثافة كبيرة داخل البطاريات المصنعة من الليثيوم يعني باختصار الجسر الأكبر نحو التحول الطاقوي العالمي والذهاب بخطوات متسارعة للطاقة النظيفة، بعيدًا عن الوقود الأحفوري الملوث للمناخ الذي تسبب في إحداث تغيرات كارثية كفيلة بأن تضع مستقبل البشرية على المحك.
هذا الاكتشاف أحدث طفرة هائلة في الطلب على الليثيوم، المسمى بـ”الذهب الأبيض” الذي زاد أكثر من 30 مرة بين 2000 وحتى 2015، فيما تشير التوقعات إلى ارتفاع هذا الطلب من 500 ألف طن متري تقريبًا في عام 2021 إلى 3 إلى 4 ملايين طن متري في عام 2030، لتلبية الاحتياجات الخاصة بالصناعات التي تعتمد عليه.
هذا التطور الكبير انعكس بطبيعة الحال على مبيعات السيارات الكهربائية والإلكترونيات التي زادت بنسبة نحو 50% خلال 2020 وبنسبة 100% خلال 2021 رغم جائحة كورونا (كوفيد 19)، ونظرًا لأن الليثيوم العنصر الأبرز في صناعة بطاريات السيارات والأجهزة، ومع محدودية الإنتاج وعدم قدرته على تلبية الاحتياجات، يتوقع زيادة الإقبال على هذا المعدن خلال المرحلة المقبلة في ظل الحرب الاقتصادية بين القوى الكبرى.
ما هو الليثيوم؟
ينتمي الليثيوم إلى الفلزات القلوية ورمزه “Li” وعدده في الجدول الذري 3، وهو عبارة عن فلز ذي لون أبيض فضي، وهو في طبيعته لين وخفيف، لكنه قد يتحول إلى الصورة الصلبة في الظروف القاسية من الضغط ودرجة الحرارة، وفي الغالب يوجد في الطبيعة ضمن وسط من زيت معدني.
يرجع اكتشاف الليثيوم إلى عام 1800 حين عثر العالم البرازيلي خوسيه بونيفاسيو دي أندرادا على معدن البيتاليت في أحد مناجم جزيرة “أوتو” السويدية، لكنه كان عنصرًا غامضًا غير معروف بذاته، ولم يكتشف كعنصر مستقل إلا عام 1817 على يد الكيميائي يوهان أوگوست أرفويدسون في أثناء إجراء تجاربه عليه في مختبر برزليوس، ويتشابه هذا المعدن بشكل كبير مع الصوديوم والبوتاسيوم.
وفي عام 1921 تم عزل عنصر الليثيوم النقي من أملاحه التي كانت تعطي لونًا أحمر زاهيًا وذلك عن طريق العالم كريستيان گميلين وبمساعدة أرفويدسون، لتبدأ مرحلة جديدة من الاستخدامات المتشعبة لهذا المعدن النفيس، فالبداية كانت في إنتاج صابون الليثيوم المستخدم في تشحيم محركات الطائرات خلال الحرب العالمية الثانية.
وفي أثناء الحرب الباردة زادت استخداماته بعد دخول السباق النووي، حيث يُستخدم نظيرا الليثيوم ليثيوم-6 وليثيوم-7 في إنتاج التريتيوم، وكانت الولايات المتحدة أول من استخدمته في تلك الأغرض بين أواخر الخمسينات وحتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين، كما استخدم قبل ذلك في تخفيض درجة انصهار الزجاج ولتحسين سلوك الانصهار لأكسيد الألومنيوم في عملية هول-هيرو (العملية الكيميائية الأساسية في إنتاج الألومنيوم، وهي تنسب إلى مكتشفيها تشارلز مارتن هول Charles Martin Hall وبول هيرو Paul Héroult اللذين اكتشفاها بشكل منفصل سنة 1886).
ومنذ عام 2007 بدأ استخدام الليثيوم في صناعة البطاريات، وهو التطور الذي أحدث ثورة هائلة في صناعة الإلكترونيات والسيارات الكهربائية فيما بعد، ليبدأ المعدن الذي كان في السابق مهملًا مرحلة جديدة من الأهمية الإستراتيجية كونه ضلعًا أساسيًا في صناعات المستقبل الدقيقة.
من القاع للصدارة
أثبت الليثيوم نفسه كمعدن له حضوره عام 1864 حين اكتشف ينبوع حار على عمق 450 مترًا تحت سطح الأرض في منجم “ويل كليفورد” للنحاس على مشارف بلدة ريدروث بمقاطعة كورنوال في إنجلترا، وبتحليل مياه هذا الينبوع تبين أنها تحتوي على نسبة كبيرة من الليثيوم، تزداد 9 أضعاف تقريبًا عما تم اكتشافه قبل ذلك، وهو حدا بالعلماء لتوقع مستقبل اقتصادي قيّم لهذا المعدن.
لكنه ظل معدنًا غير مستغلّ لمدة تزيد عن 150 عامًا، منذ القرن التاسع عشر وحتى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ومع بدايات 2020 بدأت الاكتشافات تتوالى بشأن معدلات تركيز ونسب أعلى للمعدن، ومن هنا بدأت ثورة الليثيوم كأحد المعادن الحيوية الداخلة في الصناعات الدقيقة المستقبلية، فبات المادة الأبرز في صناعة بطاريات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، ثم تحول بعد ذلك إلى أحد الركائز الأساسية في عملية التحول إلى الطاقة النظيفة من خلال استخدامه في تصنيع البطاريات التي تشغل السيارات الكهربائية وتختزن الطاقة الكهربائية المتولدة من مصادر متجددة.
وفي أقل من عامين ارتفع الطلب على الليثيوم بصورة غير مسبوقة، وذلك بالتوازي مع إعلان بعض الدول الأوروبية عزمها زيادة إنتاجها من السيارات الكهربائية بعد التوجه العام بمنع بيع المركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي التي تلوث البيئة، فيما أشار البنك الدولي في تقرير له إلى ضرورة مضاعفة إنتاج الليثيوم بنحو خمس مرات لتحقيق أهداف القضاء على الانبعاثات العالمية بحلول 2050.
غير أن إنتاج الليثيوم بصورته التقليدية يواجه العديد من العراقيل، حيث يُستخرج في الوقت الحاليّ من مناجم تحت الأرض، أو من خزانات مياه مالحة جوفية تحت طبقات البحيرات الجافة، وهو ما يترتب عليه تدمير البيئة وإتلاف مساحات كبيرة من الأراضي، بجانب استهلاك كميات كبيرة من المياه وإطلاق الكثير من الملوثات، فاستخراج طن واحد من الليثيوم يخرج 15 طنًا من ثاني أكسيد الكربون.
وعليه يرى مدير المركبات النظيفة بمؤسسة “النقل والبيئة” البريطانية أليكس كيينز، أن الطلب على الليثيوم الذي يستخرج بطرق أقل إيذاءً للبيئة، قد تزايد في الآونة الأخيرة، لافتًا أن شركات مثل “مرسيدس بنز” و”فولكسفاغن”، أصبحت أكثر اهتمامًا بالعواقب البيئية والاجتماعية لسلسلة توريد سياراتها الكهربائية، مضيفًا “نحن بحاجة لاستخراج كميات أكبر من الليثيوم لتلبية الطلب الذي من المرجح أن يشهد ارتفاعًا هائلًا في السنوات المقبلة، وتعد المياه المالحة في محطات الطاقة الحرارية الأرضية مصدرًا واعدًا لاستخراج الليثيوم”.
خريطة الإنتاج.. احتكار رباعي
ارتفع حجم إنتاج الليثيوم خلال عام 2021 ليصل إلى 106 آلاف طن متري مقارنة بـ84 ألف طن عام 2020 بزيادة قدرها 26.5% وسط توقعات بزيادة معدلات الإنتاج خلال السنوات المقبلة في ظل تصاعد الطلب على هذا المعدن الذي بات محوريًا في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
وتحتكر 4 دول فقط أكثر من 95% من حجم إنتاج هذا المعدن، تتصدرها أستراليا بـ40 ألف طن بنسبة 52.3%، ثم تشيلي بـ18 ألف طن متري بما نسبته 24.5% من الإنتاج، ثم الصين 14 ألف طن متري إنتاج بنسبة 13.2%، فيما تأتي الأرجنتين رابعة بمعدل إنتاج بلغ 6200 طن متري بما يشكل 5.6% من الإنتاج العالمي.
أما على مستوى الاحتياطي فيبلغ قرابة 16 مليون طن متري إلا أن بعض التقديرات الأخرى تذهب إلى 65 مليون طن متري في ظل صعوبة تحديد حجم الاحتياطي بشكل دقيق بسبب طرق تصنيف الليثيوم التي في الغالب تقيسه في حالته الخام الصلبة رغم وجوده بشكل كبير في صورة المحلول الملحي، إذ تشير إحدى الدراسات إلى أن 83% من الموارد الجيولوجية لليثيوم تقع في ست ودائع من المحلول الملحي، اثنين من ودائع الپگماتيت، واثنين الودائع الرسوبية.
وتتصدر تشيلي قائمة الدول الأكثر امتلاكًا لاحتياطي الليثيوم بنحو 9.2 مليون طن متري، تليها أستراليا بـ4.7 مليون طن متري، ثم الأرجنتين في المرتبة الثالثة، بإجمالي 1.9 مليون طن متري، وتأتي الصين رابعًا بكمية احتياطي تبلغ 1.5 مليون طن متري، ثم الولايات المتحدة في المرتبة الخامسة بإجمالي 750 ألف طن متري، وزيمبابوي بـ220 ألف طن متري في المركز السادس عالميًا.
بعض التقديرات تشير إلى أن العالم سيحتاج إلى إنتاج 2700 غيغاواط/ساعة من بطاريات الليثيوم أيون سنويًا، لمواكبة الطلب من صناعة السيارات الكهربائية، بما يعادل 13 مرة من السعة المنتجة حاليًّا، وفق ما ذهب بنك “يو بي إس”، فيما أشار تقرير وكالة الطاقة الدولية – الصادر في مايو/أيار 2021 – إلى أن الطلب على هذا المعدن قد يزيد 40 مرة في الـ20 عامًا المقبلة، خاصة مع تحول المعدن إلى بؤرة اهتمام الحكومات، فقد أضافته المفوضية الأوروبية إلى قائمتها للمواد الخام المهمة لأول مرة في عام 2020.
التصنيف كمعدن سام.. مأزق أوروبي
في الوقت الذي تشير فيه التقديرات إلى زيادة الطلب على الليثيوم بعدما بات معدنًا إستراتيجيًا في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، إذ بأوروبا تواجه العديد من المخاطر المحتملة إزاء مستقبل هذا المعدن، وذلك بعد إمكانية تصنيفه كمادة سامة وهو ما يعني فرض المزيد من العقبات أمام إنتاجه واستخراجه.
في يونيو/حزيران الماضي كشفت شركة أبحاث الطاقة “ريستاد إنرجي”، في تقرير لها أن تصنيف الليثيوم على أنه مادة سامة سيقوض أمن الطاقة والأهداف المناخية للاتحاد الأوروبي، منوهة أن المفوضية الأوروبية لو صنفت هذا المعدن على أنه مادة سامة من الفئة الأولى 1 إيه (1A) خلال الربع الأول من العام المقبل فإن ذلك سيؤدي إلى تقويض محاولة الاتحاد الأوروبي لإنشاء سلسلة توريد مواد البطاريات محليًا ودعمها.
وكانت لجنة تقييم المخاطر التابعة للوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية (ECHA) قد نشرت رؤيتها نهاية العام الماضي (2021)، التي كان من ضمنها الموافقة على المقترحات الفرنسية لتصنيف أملاح الليثيوم في أوروبا الـ3 (كربونات وهيدروكسيد وكلوريد الليثيوم) على أنها مواد سامة ذات أضرار.
تصنيف الليثيوم كمادة سامة لا يعني وقف استخدامه في أوروبا، لكن ذلك سيؤثر سلبًا في 4 مراحل على الأقل في سلسلة التوريد لبطاريات الليثيوم في الاتحاد الأوروبي: تعدين الليثيوم والمعالجة وإنتاج الكاثود وإعادة التدوير، وهو ما يتعارض بطبيعة الحال مع مخطط أوروبا للتوسع في إنتاج كربونات الليثيوم لفئة البطاريات من صفر حاليًّا إلى 8.3% من إجمالي الإمدادات العالمية بحلول 2025، ما يضعف من قدرتها على سد فجوة العجز المقدرة بنسبة 218% في معالجة هيدروكسيد الليثيوم بحلول نهاية عام 2030، حتى دون التصنيف المحتمل لهذا المعدن من المفوضية الأوروبية.
وبلا شك سيؤثر هذا الملف على مستقبل صناعة السيارات الكهربائية في القارة العجوز، فبحسب دراسة أعدها المجلس الدولي للنقل النظيف، فإن أوروبا أنتجت 25% أو 2.6 مليون مركبة من السيارات الكهربائية العالمية بين عامي 2010 و2020، فيما شهدت مبيعات تلك المركبات قفزة كبيرة، إذ ارتفعت بنحو 65% على أساس سنوي خلال العام الماضي، لتصل إلى 2.3 مليون مركبة، بحسب وكالة الطاقة الدولية، وعليه فإنه في حال تصنيف الليثيوم كمعدن سام فإن هذا السوق سيتأثر بشكل كبير وهو ما يناقض توجه التحول الطاقوي الذي تنشده الدول الأوروبية.
اضطراب السوق العالمي
يعاني سوق الليثيوم العالمي من حالة اضطراب وسيولة كبيرة، تؤثر بشكل أو بآخر على خطوط الإنتاج والإمداد، فبعدما كانت الكلمة العليا للشركات متعددة الجنسيات التي كانت تهيمن على المشهد أصبح الوضع اليوم مختلفًا بعدما سعت الكثير من الدول لتأميم إنتاج هذا المعدن بعدما زادت قيمته وأصبح موردًا اقتصاديًا مهمًا.
ففي بوليفيا على سبيل المثال وهي واحدة من الدول التي تمتلك احتياطيًا كبيرًا من الليثيوم، تبنت الحكومة هناك توجهًا لتأميم المصانع والشركات التي تستخرج هذا المعدن، وهو ما دفع الشركات متعددة الجنسيات التي كانت تحتكر السوق لرفع دعاوى قضائية على الحكومة، بل إن البعض يربط بين الانقلاب الذي قادته واشنطن ضد الزعيم البوليفي إيفو موراليس عام 2019 ومستقبل الليثيوم في البلاد، بعدما أزيحت الشركات الأمريكية عن المشهد، لكن سرعان ما تدارك البوليفون الأمر وأطاحوا بالحلم الأمريكي.
الأمر كذلك في المكسيك حيث أعلن الرئيس أندريس مانويز أوبرادور، أنه سيؤسس شركة مملوكة للدولة لتعدين الليثيوم، بعدما زادت قيمته وأهميته، وتحول إلى “معدن إستراتيجي”، ومنع بعض الشركات الأجنبية من العمل في هذا المجال، منها إحدى الشركات الصينية في ولاية سونورا الشمالية، حيث أصدر قرارًا بعدم السماح لها بتعدين الليثيوم وحوّل العمل إلى الحكومة، فيما يبدو أنه توجه نحو تأميم مادة الليثيوم.
ومن المكسيك إلى تشيلي، أكبر منتج للمعدن في العالم بعد أستراليا، حيث كشف الرئيس غابرييل بوريك، نيته في إنشاء شركة ليثيوم حكومية، للحفاظ على موارد الدولة من هذا المعدن، وذلك بعد الاحتجاجات التي قام بها تشيليون تحت شعار “لاستعادة مواردنا” وذلك اعتراضًا على خطة حكومية لبيع عقود استخراج الليثيوم لشركات أجنبية.
بطل معركة الطاقة النظيفة
القيود التي فرضتها بعض الدول المنتجة لليثيوم على عملية الإنتاج دفعت بالأنظار للتوجه إلى ساحات أخرى لتلبية الاحتياجات المتزايدة لهذا العنصر الحيوي، ومن بين تلك الساحات، أفغانستان، تلك الدولة التي ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن كميات الليثيوم بها يمكن أن تنافس تلك الموجودة في دول مثلث الليثيوم (أستراليا وتشيلي والصين).
الصحيفة أشارت إلى أن هذا الاحتياطي الكبير دفع الكثير من شركات التعدين في الصين إلى أفغانستان من أجل الحصول على حقوق التنقيب هناك، استغلالًا للوضع الاقتصادي المتدني الذي تحياه البلاد الذي قد يكون دافعًا لمنح الشركات الأجنبية حقوق الاستغلال نظير مبالغ مالية مغرية.
وكان علماء الجيولوجيا العاملون في الجيش الأمريكي في دراسة استقصائية أجريت عام 2010 قد قدروا قيمة الليثيوم الموجود في أفغانستان، المنتشر في مناطق “غزني” و”هيرات” و”نمروز” بمبلغ مذهل قدره 3 تريليونات دولار، فيما ذكر مركز أبحاث “بلومبرج لتمويل الطاقة الجديدة” (BNEF)، أن سيطرة بكين على حقوق التعدين في هذا البلد من شأنه أن يمنحها ميزة إضافية في منافستها على الموارد مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وتدخل الهند هي الأخرى على خط الاستفادة من هذا الكنز الإستراتيجي الأفغاني، حيث أنفقت ما قيمته 3 مليارات دولار على شكل مساعدات في أفغانستان لإظهار حسن النية، في محاولة للحصول على فرص استثمارية في هذا البلد، ورغم الخلاف الذي كان بين نيودلهي وحركة طالبان قديمًا، فإنه وبعد سيطرتها على المشهد، فتحت الحكومة الهندية قنوات تواصل معها وأرسلت مساعدات إنسانية لها خلال الآونة الأخيرة.
وكان رئيس الوزراء الهندي، ناريندار مودي، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي الأخير قد أعلن أن بلاده تستهدف نحو 450 غيغاواط (GW) من الطاقة المتجددة المركبة بحلول عام 2030، مؤكدًا أنها ستصل إلى نسبة “صفر انبعاثات” بحلول عام 2070، وهذا لن يتم إلا بتوفير الكميات المطلوبة من الليثيوم لصناعة البطاريات التي تشغل السيارات الكهربائية بجانب تعزيز الصناعات الإلكترونية الصديقة للبيئة في إطار التحول الطاقوي.
وفي السياق ذاته تسارع الصين الخطى للهيمنة على احتياطي الليثيوم في أستراليا، أكبر دولة منتجة للمعدن في العالم، حيث تملك بكين 51% من أكبر حقل الليثيوم في أستراليا، وفق الاتفاق الذي وقعته شركة Yibin Tianyi الصينية مع شركة Pilbara Minerals الأسترالية، لشراء 40 ألف طن من الليثيوم، وهي الصفقة التي تأتي بعد توتر العلاقات بين البلدين عام 2020 كخطوة أولى نحو انفراجة في العلاقات التي كادت أن تصل إلى مرحلة الحرب التجارية بينهما.
كما تسيطر الصين على كميات كبيرة من مناجم الليثيوم في أمريكا الجنوبية، وبلغت استثمارتها هناك قرابة 4.5 مليار دولار خلال السنوات الثلاثة الماضية، وهو ما أزعج الولايات المتحدة بشكل كبير، ما دفعها للقول: “بلدٌ واحد – في إشارة إلى الصين – يتحكّم في أكثر من 80% من سلسلة التوريد العالمية للمعادن النادرة والمهمة لصناعة السيارات الكهربائية ومكونات توربينات الرياح”.
وردًا على التمدد الصيني، بدأت الولايات المتحدة في طرق أبواب بوليفيا، صاحبة الاحتياطي العالمي الكبير من الليثيوم، ففي في أواخر شهر أغسطس/آب 2021، سافر فريق شركة “إنرجي إكس” الأمريكية من مدينة أوستن بولاية تكساس الأمريكية إلى بوليفيا للقاء المسؤولين هناك والتمهيد لاستثمارات خاصة بالتعدين والتنقيب عن الليثيوم في ظل توجه كل من الدولتين نحو الطاقة النظيفة.
وتشير بعض التقديرات إلى أن ربع الليثيوم المعروف عالميًا – معظمه في صورته السائلة – موجود في مناجم الدولة البوليفية التي لا يتجاوز عدد سكانها 12 مليون نسمة، وعليه فتحت أبوابها للاستثمارات الأجنبية، فهناك أكثر من 10 شركات أجنبية تتسابق على التنقيب عن المعادن هناك، منها 4 شركات صينية وواحدة روسية.
وفي الأخير.. وبعد تصاعد أهمية الليثيوم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية تحديدًا، والصناعات الإلكترونية بوجه عام، فإن هذا المعدن الإستراتيجي مرشح بقوة لأن يكون محفزًا قويًا لحرب تكسير عظام جديدة بين القوى الاقتصادية العظمى الساعية إلى تعزيز منظومة التحول الطاقوي والطاقة الخضراء وهي المنظومة التي لا يمكن تدشينها دون الليثيوم.