ترجمة وتحرير: نون بوست
على جانب طريق غير ممهد؛ يناشد محمد رضا باقري الناس السماح له بتلميع أحذيتهم، قائلًا: “من فضلك، من فضلك، سأكون سريعًا! دعني أنظف حذائك!”، فيما تغطي وجهه – المصاب بحروق الشمس – لحية رقيقة غير مكتملة؛ حيث يجلس ويمسح يده، وينظر إلى أولئك الذين يسارعون في طريقهم.
إلا أن باقري، البالغ من العمر 19 عامًا، ليس ملمع حذاء وليس متسولًا، فهو لا يطلب حتى المال، ولكنه زائر ينتظر حلول ذكرى الأربعين، حيث يجلس بجانب الطريق الذي يربط مدينة عيلام الإيرانية بالنجف، على بعد حوالي 400 كيلومتر عبر الحدود في العراق.
وتمثل ذكرى الأربعين نهاية فترة الحداد، التي استمرت 40 يوما على وفاة الحسين بن علي، حفيد النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- والإمام الشيعي الثالث، الذي عاش منذ أكثر من 1300 عام.
ويعتبر الأربعين احتفالًا مشهودًا بالنسبة للشيعة، الذين يشكلون ما يقدر بنحو 95 في المائة من سكان إيران، حيث يضعونه بمنزلة “حج إسلامي”، والذي ينافس بأعداد كبيرة أولئك الذين يمارسون أنواع الحج الثلاثة المختلفة في مكة المكرمة والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.
وعلى مدى السنوات؛ استغلت المصالح السياسية الشيعية في جميع أنحاء المنطقة – ولا سيما إيران – المناسبة لتعبئة قواتها، وتأمين أجندتها السياسية وإظهار القوة للمنافسين، وما زاد الأمر أهمية في السنوات الأخيرة تدخلات طهران المتزايدة في العراق والملاحظات حول تورط فيلق الحرس الثوري الإسلامي في بعض الحوادث على الأراضي العراقية.
إلا أن باقري لم يتمكن من إنهاء زيارته هذا العام؛ حيث أوقفه حرس الحدود الإيراني لمحاولته عبور الحدود دون وثائق، وقال وهو يمسح زوجًا من الأحذية: “لم أكن أستحق أن أكون زائرًا لضريح الإمام الحسين، لذلك قررت البقاء على الحدود وتنظيف أحذية زائري الإمام قبل أن تطأ أقدامهم في كربلاء”.
الوجهة: مدينة كربلاء المقدسة
وتوجه ما يقرب من خمسة ملايين زائر إلى العراق خلال شهر الأربعين هذا العام، وذلك وفقًا للسلطات الإيرانية، وهو ما يشير إلى عودة الأرقام إلى مستويات ما قبل الوباء، حيث كان الرقم الرسمي لعام 2021 يقدر بنحو 80.000 فقط.
ويعتبر الحسين بن علي أحد أكثر الشخصيات احترامًا في الإسلام الشيعي، خاصة بين الشيعة الإثنا عشرية، ففي عام 680 بعد الميلاد، انتفض هو وأتباعه ضد يزيد، الخليفة آنذاك، الذي تولى السلطة بعد وفاة والده معاوية؛ حيث وقعت المعركة الأخيرة، بعد صراع طويل، في كربلاء في العام التالي، والتي قُتل خلالها الحسين وجيشه الصغير، ولذلك يتم إحياء ذكرى الأربعين في اليوم 40 بعد وفاة الحسين بن علي (المعروف باسم عاشوراء)، والذي صادف هذا العام في 17 سبتمبر/ أيلول.
ويبدأ الزوار في التدفق إلى العراق قبل ذلك؛ حيث يدخل الآلاف إلى العراق في يوم وفاة الحسين، ويسير بعضهم من مشهد – ثاني أكبر مدينة في إيران- التي تقع على بُعد حوالي 2000 كيلومتر من النجف، ثم يتوجهون سيرًا على الأقدام لمسافة 80 كيلومترًا أخرى من النجف إلى مدينة كربلاء المقدسة؛ حيث يقع قبر الحسين.
لطالما كانت زيارة ضريح الحسين بن علي طقسًا دينيًا مهمًا بالنسبة للإيرانيين الشيعة – حتى قبل ثورة 1979 – فهي أقل تكلفة وتحديًا، على الرغم من أنها تنطوي على الكثير من المشي. ومثلما يشير مصطلح الحج إلى الحاج الذي شرع في الحج، فإن الكلمة الفارسية كربلائي تعني شخصًا زار الضريح في كربلاء.
وزارت شاهين دخت موتيفالي، المبالغة من العمر 77 عاما، كربلاء قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية، إلا أن جدتها، التي قد زارت الضريح من قبل، علمتها كيف تصلي ولقنتها تعليمًا دينيًا، لتتبع موتيفالي خطاها، بعدما أصبحت كبيرة بما يكفي.
وقالت موتيفالي، عبر الهاتف: “كانت جدتي تتذكر دائمًا كيف ذهبت إلى كربلاء بمفردها على ظهر حصان، على الرغم من رفض جدي”.
وأضافت: “القصص التي روتها عن هذه الزيارة بدت قوية وساحرة بالنسبة لي، فقد كانت تُعرف في عائلتنا بأنها امرأة قوية ومتدينة؛ وكانت بالنسبة لي نموذجًا يحتذى به، دينيًا وشخصيًا”.
ولم تذهب موتيفالي مرة أخرى إلى زيارة الأربعين، بعد الثورة وتأسيس الجمهورية الإسلامية.
وكانت الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) السبب الرئيسي في توقف الزيارات للمزار الشيعي البارز، خلال هذه السنوات الثماني، وذلك عندما رفعت السلطات الإيرانية شعار “إن الطريق إلى القدس يمر عبر كربلاء”.
وواصلت موتيفالي حديثها قائلة: “قررت أنه لا يجب أن أعود إلى هذا الضريح، وواصلت الصلاة وأداء واجباتي الدينية من منزلي، بدلا من ذلك، فالإمام الحسين لا يحتاج إلى الذهاب إلى هناك، إذا سعينا إلى أهداف أخرى غير احترام استشهاده”.
ومن جانبه؛ وصف رسول، وهو زائر للأربعين، الطريق إلى كربلاء بأنه “كان مزدحمًا جدًا”، حيث واجه صعوبة في العثور على مكان للنوم.
وتعتبر زيارة الأربعين الآن أكثر شعبية من أي وقت مضى؛ حيث انتظر رسول، وهو مزارع أرز في أوائل الأربعينيات من عمره من مدينة بهشهر الشمالية، في طابور طويل عند معبر مهران الحدودي المزدحم والفوضوي، وقال: “بمجرد وصولك إلى النجف، سيكون كل شيء حرًا”.
وكانت أول زيارة لرسول لمدينة كربلاء في عام 2019؛ حيث شارك 3.5 مليون إيراني في ذلك العام، مسجلين رقمًا قياسيًا في ذلك الوقت، وقال: “أردت أن أشارك في المسيرة وأن أكون في كربلاء في يوم الأربعين بالضبط، ولكن كل مكان كان مليئا بالمشيعين، ولم أتمكن من دخول ضريح الإمام الحسين”، مضيفًا: “كان الطريق إلى كربلاء مزدحمًا للغاية، لذلك واجهت صعوبة في العثور على مكان للنوم، إلا أنها كانت تجربة رائعة”.
وذكر أنه نام على أرضية أسمنتية، في إحدى الليالي، لمبنى غير مكتمل في النجف، إلا أنه كان قادرًا على النوم، وهو في طريقه إلى كربلاء؛ وذلك في “مواكب” مختلفة، وهي أماكن مجانية للراحة مجانية؛ حيث يمكن للزوّار البقاء فيها بين طوال الليل وتناول الطعام والشراب بدون مقابل.
وبمجرد وصول رسول إلى كربلاء، كان أفضل ما يمكن أن يجده هو الفناء الخلفي لأحد المساكن، الذي ترك بابه مفتوحًا للزوار؛ حيث قال: “ترى سيلًا من الناس جميعهم باللون الأسود، يجمعهم شيء واحد مشترك، وهو حبهم للإمام الحسين، الأمر الذي كان، بالنسبة لي، تذكيرًا بعدد الأشخاص في العالم الذين يتشاركون مع نفس الشعور”.
وصف الباحث أراش عزيزي، مؤلف كتاب “قائد الظل: سليماني والولايات المتحدة وطموحات إيران العالمية”، الاحتفال بأنه “جهد حقيقي من قبل الشيعة المتدينين للمشاركة في تجربة الزيارة” وهو أقرب إلى كرنفال شعبي اجتماعي، يُستمد من جميع مناحي الحياة.
وقال: “إنها أيضا فرصة للاستمتاع برحلة دولية ممتعة وغالبًا ما تكون مليئة بالمغامرات بتكلفة رخيصة نسبيًا، لذلك تعتبر خيارا جذابا للملايين، كما أنه يساعد على بناء الشرعية الوطنية الدينية في الداخل ويفيد بعض شرائح المجتمع في مجموعة متنوعة من المجالات الاقتصادية والروحية والاجتماعية”.
تعزيز العلاقات الإيرانية العراقية
وأفاد عزيزي بأن المؤسسة الحاكمة في إيران واجهت ضغوطًا كبيرة، خلال العقد الماضي، وذلك بسبب العقوبات الغربية والمنافسات والصراعات الإقليمية، مبينًا أنه كلما زادت القضايا التي تواجهها السلطات، مثل اندلاع الاحتجاجات مؤخرًا، أصبحت الأربعين أكثر أهمية لإيران كدولة ثيوقراطية، فهي بالنسبة للسلطات الإيرانية “أداة مهمة لتعزيز الشرعية الأيديولوجية والقومية الدينية”.
وأضاف أن الاحتفال يبني المزيد من الروابط المادية مع العراق؛ حيث تحاول طهران تعزيز مجال نفوذها في جميع أنحاء المنطقة بين البلدان، التي تضم عددًا كبيرًا من السكان الشيعة، بما في ذلك سوريا ولبنان والبحرين.
وظهرت السياسة الإيرانية بشأن هذه البلدان، من خلال دعم طهران لحركة حزب الله، الذي ظهر وتحصل على قوة كبيرة في لبنان خلال أوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضي؛ حيث قدمت إيران تدريبًا لحزب الله على يد الحرس الثوري الإيراني.
وفي العراق؛ قدم الإستراتيجيون السياسيون في طهران مبادرات تجاه الحركات السياسية المعارضة لصدام حسين، وذلك عقب انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في عام 1988.
وبعد عام 2003؛ عندما أطاح التحالف الدولي – الذي قادته الولايات المتحدة – بصدام من السلطة؛ فتحت القوى الغربية المحتلة الباب أمام إيران لزيادة نفوذها في البلاد، لتبدأ، بعد ذلك، الزيارات الدينية المنظمة لكربلاء على نطاق صغير، ثم تزايدت أهمية الأربعين، منذ ذلك الحين، بالنسبة للسياسيين في طهران كتعبير عن القوة الإيرانية.
وذكر عزيزي إن وجود السلطات الإيرانية في العراق واجه العديد من المشاكل، خاصة منذ حركة الاحتجاج التي ظهرت في جميع أنحاء العراق في عام 2019، مضيفًا: “لكن المناسبات مثل الأربعين ساعدت في توسيع وجودها المادي هناك، ولن يتم التراجع عن ذلك بسهولة”.
لقد دمرت العقوبات الأمريكية الاقتصاد الإيراني؛ ففي أواخر أكتوبر كان الدولار الواحد يساوي 338.000 ريال، مقارنة بـ 32.000 ريال عندما تم التوصل إلى الاتفاق النووي الأمريكي في عام 2015؛ حيث ارتفع سعر الدولار مع انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات، إلا أن الحكومة مستعدة دائما لإنفاق الأموال في احتفالات الأربعين؛ حيث تدعم طهران أسعار تذاكر الطائرة والقطار والحافلات بين البلدين، وتوفر خدمة الإنترنت المجانية للزوّار في العراق، فضلا عن السماح لأولئك الذين يقضون خدمتهم العسكرية الإلزامية أو عقوبات خفيفة في السجن بطلب إذن للمشاركة، بينما تنشر المنظمات غير الحكومية، مثل الهلال الأحمر الإيراني، جميع موظفيها ومتطوعيها على الحدود الإيرانية العراقية وعبر الطريق حيث يسير الزوّار بين النجف وكربلاء.
من الصعب تحديد المبلغ الذي تنفقه الحكومة الإيرانية ووكالاتها؛ حيث يأتي الدعم الأكثر أهمية في شكل قروض غير قابلة للاسترداد لأولئك الذين يؤسسون مواكب على طول الطريق، وأظهرت بيانات رسمية أن ما لا يقل عن 2507 موكبًا تم تمويلهم هذا العام، داخل إيران وحدها، هذا إلى جانب تمويل المزيد في العراق، بينما خصصت بلدية طهران أكثر من 7.1 ملايين دولار للغذاء والماء للزائرين، في حين أنفقت مقاطعة عيلام أكثر من 190 مليون دولار؛ وهي مبالغ ضخمة في بلد في وضع اقتصادي محفوف بالمخاطر، ولكن تعتقد المؤسسة أنه من الضروري ضمان الدعم خاصة للشرائح الأكثر فقرًا وتدينًا في المجتمع.
وبينما تطبق السلطات الإيرانية قواعد صارمة على مواطنيها المسافرين إلى الخارج، فإن معظم اللوائح خلال احتفالات الأربعين تصبح أكثر مرونة، فعلى سبيل المثال؛ سمحت الحكومة – هذا العام – للمواطنين الذين يحملون جوازات سفر منتهية الصلاحية بمغادرة البلاد.
وفي حافلة صغيرة بين معبر مهران الحدودي والنجف، يُظهر رجل، في منتصف الـ 30 من عمره، بسعادة صورة جواز سفر لزملائه الركاب، ويسأل عما إذا كانت تشبهه.
ووصف الأمر بحماس، قائلًا: “قام الضباط بفحص جواز السفر عدة مرات، لكنني أجبتهم جميعًا بثقة كبيرة”، وأضاف حديثه، الذي تخللته الشتائم واللهجة العامية الطهرانية: “إنها معجزة أنني تجاوزت الحدود، لقد أخبرت الضباط أنني كبرت، ولذلك أبدو مختلفًا عن صورتي”.
محطة توقف في النجف الأشرف
النجف هي مدينة مقدسة أخرى ومركز مهم للسلطة السياسية الشيعية في العراق؛ حيث يقيم مئات الآلاف من الزوار طوال الليل؛ حيث يقع مرقد الإمام علي، أول إمام شيعي ووالد الإمام الحسين، في قلب المدينة القديمة، ويبيت مئات الآلاف من الزوّار الليلة التي تسبق بدء المرحلة الأخيرة من الزيارة والتوجه إلى كربلاء.
في النجف؛ تبيع المتاجر التي بجوار ضريح الإمام علي الهدايا التذكارية الدينية مثل المسابح وخواتم العقيق و”تربة” الصلاة (وهي قطعة صغيرة من الصخر يضعها الشيعة تحت رؤوسهم عندما يسجدون في الصلاة)، ويتحدث معظم أصحاب المتاجر بالفارسية للمساومة مع ملايين العملاء الإيرانيين كل سنة، كما تطوق الضريح العشرات من المباني تحت الإنشاء، وتُبنى الفنادق والنزل لزوّار المستقبل.
كما تم توسيع المنطقة الرئيسية للضريح وإعادة بنائها من قبل “ستاد-ا بازسازی عتبات الیت”، وهو مكتب حكومي إيراني مسؤول عن إعادة بناء وترميم الأضرحة المقدسة الشيعية في العراق.
الالتزام ضروري: يلاحظ المراقبون أنه بالنسبة لطهران، فإن النجف لا تقل أهمية عن كربلاء مع دورها كقاعدة قوة لمقتدى الصدر – رجل الدين الشيعي المؤثر الذي له أتباع سياسيون نافذون، والذي فازت حركته بأكبر عدد من المقاعد في آخر انتخابات برلمانية عراقية – كان الصدر وعائلته من كبار رجال الدين على مدى عقود ومن أقرب حلفاء إيران في العراق، لكن الصدر يتصرف بشكل متزايد بشكل مستقل عن إيران، وفي نهاية المطاف عقد صفقة تحالفية مع معارضي طهران ووصف نفسه بأنه قومي عراقي يعارض التدخل الأجنبي.
قال علي، وهو عالم سياسي إيراني يستخدم اسمًا مستعارًا حفاظًا على سلامته، لموقع ميدل إيست آي: “بعد مناورات الصدر السياسية الأخيرة والصراعات المسلحة بين مؤيديه والجيش العراقي ، فإن النخبة السياسية الإيرانية حذرة للغاية بشأن الخطوة التالية للصدر”.
في 3 أيلول/ سبتمبر الماضي، وفي خطوة نادرة؛ نشر الصدر رسالة فارسية على تويتر حث فيها الزوّار الإيرانيين على دخول العراق بشكل قانوني واحترام القانون أثناء الزيارة، وبالنسبة للحكومة الإيرانية كان ذلك بمثابة تحذير من حليف سابق.
قال علي: “إن طهران تعلم أن الصدر لا يمكن التنبؤ به، وتحديداً بعد اعتزاله المزعوم من السلطة مؤخرًا، والتي تلتها مواجهة قاتلة بين جماعته المسلحة والجيش العراقي. لذا، تعتقد إيران أنها بحاجة إلى تلقينه درساً، ولا شيء يمكن أن يخدمهم أفضل من تعبئة ضخمة خلال الأربعينية”.
وأوضح علي أن “هناك عدة تقارير عن نشر الحرس الثوري لقواته في العراق تحت غطاء زيارة الأربعين. وحتى الآن، لا نعرف ما إذا كان هذا ادعاءً دقيقًا أم أنه مجرد دعاية. لكن في كلتا الحالتين، فإن إيران ترد على تحركات الصدر السياسية باستخدام الأربعينية”.
ولم يؤكد المسؤولون الإيرانيون قط انتشار قوات الحرس الثوري الإيراني خلال مسيرة الأربعين لأي أسباب عسكرية. لكن وسائل الإعلام الحكومية قالت إن سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني أرسل “أطنانًا من الطعام والماء إلى العراق” لتوزيعها على زوّار الأربعين. كما نشرت وزارة الدفاع، بقيادة قائد في الحرس الثوري الإيراني، قواتها على الحدود الإيرانية العراقية لمساعدة الزوار. وذكرت وكالة تسنيم للأنباء التابعة للحرس الثوري الإيراني أن إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، شارك في مسيرة الأربعين.
إحياء ذكرى سليماني
لا يوجد في العراق مسيرة أكبر من المسيرة الإيرانية التي تمتد على طريق يبلغ طوله 80 كيلومترًا ويربط بين مرقد الإمام علي في النجف ونجله الإمام الحسين بن علي في كربلاء.
هذه الرحلة هي أكثر من مجرد طقوس دينية؛ ففي شباط/فبراير 2014، اعتبر قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أن مشاركة ملايين الزوار في المسيرة بين المدينتين كانت أشبه بتدريبات عسكرية، وقال: “هذه هي قوتنا؛ هذا المظهر الديني لـ20 مليون شيعي، استعراض القوة هذا أقوى بكثير من العروض العسكرية التي تعرض الطائرات والدبابات والمدافع”.
واغتالت الولايات المتحدة سليماني سنة 2020 بهجوم بطائرة مسيرة على مطار بغداد الدولي، لكن السلطات الإيرانية لا تزال ملتزمة ببيانه حول مسيرة الأربعين وتشجع أعدادًا متزايدة للمشاركة كل سنة.
وقال عراد، وهو عقيد مشاة في الحرس الثوري الإيراني، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث علنا: “نحن في حالة حرب مع الدول المعادية لنا في الغرب، وبالنسبة لهذه الحرب يجب أن نبقي قواتنا مدربة وجاهزة”. (عراد اسم مستعار).
وقال إن المئات من عناصر “الباسيج” يقومون بالمشي كل سنة كتمرين لإبقائهم جاهزين جسديًا وذهنيًا للمعركة. وتتألف قوة الباسيج من مجموعات شبه عسكرية، يقودها الحرس الثوري الإيراني ويتم نشرهم لقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران.
وقال: “لقد قطع جميع حراس الحرم المسافة بين الحرمين المقدسين مرة واحدة على الأقل”، وحراس الحرم هو المصطلح الرسمي الذي تستخدمه السلطات في طهران لقوات الحرس الثوري الإيراني التي تقاتل في سوريا والعراق.
ووفقًا لعراد، تراقب الولايات المتحدة وقوات التحالف في الشرق الأوسط عن كثب المسيرة والزيارة السنوية، مما يوفر لإيران فرصة لإظهار قوتها العسكرية.
ويقول: “إنهم يراقبوننا ونحن نراقبهم؛ إذا ضربونا فسوف نرد عليهم. إنهم يظهرون لنا قوتهم من خلال مهاجمة قادتنا وقواتنا في سوريا والعراق، ونظهر لهم قوتنا من خلال عدد الأشخاص الذين يمكننا حشدهم إذا بدأوا حربًا شاملة”.
وأضاف: “عند الضرورة نظهر لهم قوتنا من خلال مهاجمة قواعدهم في العراق كما فعلنا في عين الأسد”، في إشارة إلى القاعدة الأمريكية التي تعرضت لعدة صواريخ في يناير/ كانون الثاني 2020 رداً على اغتيال قاسم سليماني.
ليس من المفاجئ رؤية ملصقات ولوحات إعلانية كبيرة مغطاة بصور سليماني في جميع أنحاء إيران؛ حيث يتم إحياء ذكراه كـ”شهيد” للجمهورية الإسلامية لكن صورًا مماثلة تتجلى أيضًا خارج المراكز الحدودية في العراق، وغالبًا ما تظهره الملصقات إلى جانب أبو مهدي المهندس، نائب رئيس قوات الحشد الشعبي العراقية شبه العسكرية المدعومة من إيران والذي اغتيل في نفس الهجوم، ويزداد عدد هذه اللوحات الإعلانية مع اقتراب الحجاج من النجف.
وانطلاقًا من مدينة النجف، من السهل على الزوار أن يجدوا طريقهم إلى كربلاء: حتى لو تجاهلوا جميع اللافتات والإشارات المكتوبة بالفارسية؛ فإنهم يحتاجون فقط إلى اتباع عندما رفاقهم الزوار عندما يغادرون ضريح الإمام علي، ثم هناك 1452 عمود، وهي سلسلة من الأعمدة التي يبلغ ارتفاعها 50 مترًا والتي تصطف على طول الطريق السريع بين المدينتين، ويعرض بعضها صوراً لمقاتلين قوات الحشد الشعبي أو إعلانات دينية.
في أحد المواكب – عند عمود 157 – تأخذ جولبهار، وهي امرأة أفغانية عجوز تحمل علم أفغانستان الأسود والأخضر والأحمر، استراحة من مشيتها، وتقول: “لقد تغير كل شيء في السنوات الماضية”؛ ففي سنة 2007، ذهبت إلى كربلاء لأول مرة، وهي لاجئة في إيران انضمت إلى زملائها الأفغان الشيعة؛ حيث تتذكر قائلة: “في تلك السنة، لم يذهب إلى كربلاء الكثير من الأفغان، ربما 200 أو 300، والآن هناك آلاف الأفغان هنا”.
معظم الزوار الأفغان هم من اللاجئين: فعلى الرغم من الإجراءات التقييدية المعتادة التي تفرضها طهران على حركتهم، فإن زيارة الأربعين تسمح لهم بالسفر عبر البلاد وحتى المغادرة. في السنوات السابقة، ساعدت طهران الزوار الأفغان الشيعة على مغادرة أفغانستان، على الرغم من انخفاض هذا العدد منذ صيف 2021 بسبب حكم طالبان
وتضيف جولبهار: “بالنسبة لأقاربنا في أفغانستان، فإن القدوم إلى كربلاء معقد، لكن الحكومة [الإيرانية] تساعد اللاجئين أصحاب الوثائق على الانضمام إلى الزوار الإيرانيين.. إنه جيد، كما تعلمون! إنها المرة الوحيدة التي يمكننا فيها السفر، ويمكننا أيضًا زيارة مرقد الإمام الحسين والإمام علي”.
هل يجب أن تدفع الدولة تكاليف زيارة الأربعين؟
خلال الأيام الأخيرة من زيارة الأربعين، أغلقت الشوارع والطرق السريعة في كربلاء أمام السيارات، وحل محلها أنهار من الناس الذين يرتدون ملابس سوداء تتدفق نحو ضريح الحسين بن علي.
لكن من المستحيل على الآلاف، وخاصة كبار السن والأطفال، الاقتراب من الضريح بسبب الأعداد الهائلة. وبينما تمتلئ كربلاء بالشيعة من جميع الجنسيات، فإن الإيرانيين هم من يملئون كل المواكب في كربلاء، ولا يتركون أي مكان بالقرب من مركز الضريح.
وفي كربلاء أيضًا تُظهر الميليشيات الشيعية العراقية والفصائل السياسية المدعومة من إيران قوتها كعلامة على نفوذ طهران.
الحاج جعفر يقف عند مدخل موكب – باسم فاطمة الزهراء ابنة النبي محمد – بلحية بيضاء طويلة، مرتديًا ملابس سوداء وترحب بالزوّار الباحثين عن مكان للراحة، ويحثهم على عدم البقاء أكثر من 48 ساعة، لإفساح المجال للآلاف من خلفهم يتدفقون إلى المدينة، وهذه هي السنة الثانية عشرة التي يدير فيها جعفر، وهو في منتصف الستينيات من عمره، هذا الموكب: كل ليلة ينام حوالي 100 شخص. ومع ذلك، فإن فريقه المكون من 17 شخصًا، يطبخ ثلاثة وجبات من الطعام لـ 200 شخص، فقط لتلبية احتياجات أولئك الذين يبقون لوقت أقصر. ووفقًا لبيانات الحكومة الإيرانية؛ طهت أجهزة الموكب الإيرانية ووزعت 12 مليون حصة من الطعام المجاني يوميًا خلال الربع الأخير من الأربعينية هذا السنة.
ويقول الحاج جعفر: “نحن نفعل ذلك من أجل حبنا للإمام الحسين وإرضاء الله”، ويرحب بالوافدين الجدد ويشاركهم ذكرياتهم عن سنوات الخدمة السابقة في كربلاء، ولكن عندما سئل عن المساعدة الحكومية الإيرانية التي ربما تكون قد تلقاها، قال فقط: “الجزء الأكبر من الأموال التي نتلقاها هو من التبرعات التي يقدمها الناس العاديون. بالطبع، الحكومة تساعد أيضًا، لكن هذا ليس كافيًا”.
كان منظمو المواكب الآخرين الذين تحدث معهم موقع ميدل إيست آي أكثر حذرًا بشأن الأموال المحتملة من الحكومة الإيرانية، كما لو أن هناك تخمينًا غير معلن عن وجود اتفاق غير مكتوب على عدم مناقشة القضية، فالأموال التي تُنفق على الأربعين هي مشكلة بالنسبة لكثير من الإيرانيين، ليس أقلها على خلفية الأزمة الاقتصادية.
في سنة 2015، كان هاشم البالغ من العمر 34 سنة، وهو أخصائي اجتماعي من ساربول الذهب، في غرب إيران، سعيدًا بتلقيه قرضًا حكوميًا للمشاركة في الزيارة مع والديه، لكن الحياة تغيرت بالنسبة له ولآلاف آخرين في تشرين الثاني / نوفمبر 2017، عندما تسبب زلزال بقوة 7.3 درجات في مقتل 620 شخصًا وتشريد أكثر من 60 ألفًا في محافظة كرمانشاه، فقد دمرت عشرات القرى بالكامل، وبعضها لم يتم إعادة بنائه بعد، وتم وضع أنقاضها على جانبي الطريق الذي يربط المعبر الحدودي الإيراني العراقي في خسراوي مع العراق بالعاصمة الإقليمية كرمانشاه.
يقول: “قبل الزلزال، كنت أقدّر دائمًا الأموال التي قدمتها لنا الحكومة للزيارة وكان من السهل جدًا الحصول على قرض زيارة الأربعين، ولكن لإصلاح منزلنا بعد الزلزال واجهت آلاف المشكلات، فقد كان الأمر أشبه بالوقوع في متاهة من العقبات. وفي النهاية اضطرت عائلتي إلى اقتراض المال من الأصدقاء وأقاربهم لإصلاح المبنى”. ويعتقد الآن أن الأموال المخصصة لزيارة الأربعين يجب أن توجه لدعم فقراء إيران بدلًا من ذلك.
وأضاف هاشم: “لم أعد أصدق ما تقوله الحكومة؛ فإذا كانوا يريدون فعل الخير للناس، فلماذا يأخذون الأموال التي نحتاجها منا، وينفقونها في العراق؟ أعتقد أنهم لا يؤمنون حتى بالإمام حسين، الشيء الوحيد الذي يعرفونه ويعملون جيدًا هو عرشهم”.
المصدر: ميدل إيست آي