مع إعلان ترامب ترشحه للسباق الرئاسي للعام 2024، اندلع سباق محموم في البيت الجمهوري لترتيب الأوراق وحسم المرشح النهائي قبل الجولة الانتخابية، والذي يبدأ إعلاميًّا عادة قبل عام من الانتخابات نفسها، فهل الطريق مفتوح أمام ترامب أم سيكون للحزب رأي آخر؟
دي سانتيس.. الإصدار الثاني من ترامب
للحصول على تأييد الحزب، يجب على ترامب تخطي اثنين من المرشحين الحاليين، الأول رون دي سانتيس والثانية فرجينيا جلين يونغين، وربما تكون فرجينيا الأقل حظًا في المنافسة، لكن على العكس تمامًا فيما يخصّ دي سانتيس، إذ لا يزال دي سانتيس وافدًا جديدًا نسبيًّا على السياسة الأمريكية، بعد أن تمَّ انتخابه لأول مرة لمجلس النواب عام 2012، ثم حاكمًا في عام 2018.
ولد حاكم فلوريدا في جاكسونفيل بولاية فلوريدا عام 1978، ودرس التاريخ في جامعة ييل -حيث كان قائد فريق البيسبول-، وبعد فترة وجيزة التحق بكلية الحقوق في جامعة هارفارد، وخلال سنته الدراسية الثانية، تمَّ تكليفه كضابط في البحرية الأمريكية في ذراعها القانونية، عمل خلالها مع المعتقلين المحتجزين في خليج غوانتانامو، بالإضافة إلى تعيينه كمستشار قانوني لنخبة قوات البحرية الأمريكية المنتشرة في العراق.
تمَّ تسريحه من الخدمة العسكرية عام 2010، رغم استمراره في الخدمة في احتياطي البحرية الأمريكية، في هذا الوقت أيضًا التقى بزوجته، كيسي، مراسلة إخبارية تلفزيونية محلية وناجية من السرطان، ساعدت في جمع التبرعات في أعقاب إعصار إيان عام 2022.
في عام 2018، بعد 5 سنوات في الكابيتول هيل -حيث ساعد في تأسيس “كتلة الحرية” للمحافظين اليمينيين المتشددين-، أعلن دي سانتيس عن نيته الترشح لمنصب الحاكم، بتأييد كامل من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
تأثير واضح على حملته
في إحدى الحملات الإعلانية، شوهد دي سانتيس وهو يطلب من أحد أطفاله “بناء جدار” أثناء اللعب بالمكعبات، في إشارة إلى الجدار الحدودي مع المكسيك الذي بناه ترامب وأنفق على تأسيسه نحو 25 مليار دولار.
وفي مشهد آخر، يظهر دي سانتيس وهو يعلّم طفلته الصغيرة تهجئة عبارة “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” التي اشتهر بها ترامب خلال سنوات حكمه. وفي مشهد ثالث، يظهر دي سانتيس وهو يقرأ كتابًا لترامب، ويقول: “ثم قال السيد ترامب: “أنت مطرود“”، وهي إحدى العبارات التي عُرف بها ترامب أيضًا.
نقلت صحيفة “نيويوركر” لاحقًا عن كيفن كيت، المستشار الإعلامي لخصم دي سانتيس في حملة انتخابات فلوريدا، قوله إن هذا الإعلان التجاري كان “الأكثر غباء والأكثر فاعلية في تاريخ فلوريدا”، ففي يناير/ كانون الثاني 2019 أدّى دي سانتيس اليمين الدستورية كحاكم لفلوريدا.
منذ ذلك الحين، تحول دي سانتيس إلى إحدى أكثر الشخصيات الجمهورية شهرة في البلاد، ففي مارس/ آذار 2022، على سبيل المثال، وقّع على مشروع قانون -أطلق عليه النشطاء لقب “لا تقل مثلي”- يحظر المناقشات حول التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية في المدارس الابتدائية. كما أنشأ “مكتب جرائم الانتخابات والأمن” عام 2022 للنظر في جرائم التصويت المزعومة. وبعد أن ألغت المحكمة العليا الأمريكية الحق الدستوري في الإجهاض، أعلن دي سانتيس أن “صلوات الملايين” قد تمَّ الردّ عليها، ثم وقّع قانونًا يحظر الإجهاض.
البيت الجمهوري
إذن، من سيختار الحزب كمرشح؟ هذه هي المشكلة! منذ مدة ليست بالبعيدة، لم يعد الحزبان الأمريكيان هما من يختاران المرشح، فالمرشح هو من يشق طريقه لنيل ثقة ناخبي الحزب في الانتخابات التمهيدية، فمع مرور السنين، أدّى اشتداد المنافسة إلى زيادة الأعباء الانتخابية، وبالتالي أصبح المرشح الذي يملك تمويلًا أكثر، هو المرشح الأكثر حظًا في الفوز ونيل بطاقة تمثيل الحزب.
خلال الانتخابات التمهيدية، قد يجد المرشحان نفسيهما على أساس مالي مماثل، حيث جمع دي سانتيس 200 مليون دولار في دورة الحملة من خلال لجنتَين سياسيتَين، وأنفق ما يزيد قليلاً عن النصف، تاركًا حوالي 90 مليون دولار من الأموال الأولية المحتملة لـ Super PAC، وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول تحصّل ترامب على 117 مليون دولار بين 3 سيارات نشطة لجمع التبرعات، وفقًا لبيانات الانتخابات الفيدرالية.
وذكرت شبكة “سي إن إن” هذا الأسبوع أن سفر ترامب قبل الانتخابات مدفوع على الأقل جزئيًّا برغبته في إطلاق حملة ثالثة للبيت الأبيض، إذ تحدّث ترامب للناخبين في أول ولاية في التجمع الحزبي في البلاد عن “الاستعداد” لعودته كمرشح رئاسي، لكن التخطيط لمسيرة في فلوريدا كان ينظَر إليه بشكل واسع على أنه رصاصة يطلقها ترامب نحو دي سانتيس، ضمن سلسلة من المعارك المتوقعة بين الرجلَين في الإعلام.
بالنسبة إلى الحزب الجمهوري، يشعر أنصار الحزب بالتفاؤل الكبير في اكتساح الولاية بوجود ثقل المرشحين فيها، فهذا الاكتساح الأحمر لم يحصل على الديمقراطيين منذ عقدَين، والجمهوريون اختطفوا الولاية في انتخابات التجديد النصفي التي كان بطلها دي سانتيس بلا منازع.
أما بالنسبة إلى السياسات الحزبية، فكلا الرجلَين يتبنّيان نفس سياسات الحزب العامة في عدة جوانب، مثل موضوع الأسلحة، واستخدام الوقود الأحفوري، والسياسات المناهضة للإجهاض والمثلية والمعادية للهجرة، إضافة إلى الملفات الاقتصادية مثل الضرائب ودعم الطبقات الفقيرة، فضلًا عن السياسات الخارجية المتعلقة بالحرب الأوكرانية وبيع الأسلحة والتحالف مع الاتحاد الأوروبي ودور الجيش الأمريكي في الناتو.
سيكون الصدام بين الرجلَين قويًّا، والغلبة فيه ستكون لمن يستطيع الحصول على تمويل ومساحة أكبر في وسائل الإعلام.. أمران أظهر فيهما الرجلان براعة كبيرة حتى الآن، فمن سيقود الموج الأحمر في الانتخابات المقبلة؟