كشف رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي، في مؤتمر صحفي مشترك عقده في السراي الحكومي وسط العاصمة بيروت مع مدير برنامج الأغذية العالمي في لبنان عبد الله الوردات، أن البرنامج وافق على تخصيص مبلغ 5 مليارات و400 مليون دولار أمريكي كمساعدات للبنان للأعوام 2023 و2024 و2025، على أن يستفيد منها اللاجئون السوريون بنسبة 50% واللبنانيون بنسبة 50%، بعدما كانت النسبة سابقًا 70% لصالح اللاجئين السوريين و30% لصالح اللبنانيين.
كما أشار ميقاتي إلى أن المبلغ الذي كان يُصرف سنويًا في الفترة السابقة كان يصل إلى قرابة 700 مليون دولار، مؤكدًا أن السوق اللبنانية ستستفيد من هذه المبالغ، فعمليات شراء المواد الغذائية ستكون عبر هذه السوق، بما يوفر سيولة نقدية بالعملة الصعبة للأسواق اللبنانية من ناحية، وبما يزيد من حجم الأراضي الزراعية المخصصة لمادة القمح من ناحية أخرى، ما بدوره يمكن أن يخفف أعباء الأزمة الاقتصادية الضاغطة على لبنان.
وعن أعداد الذين يمكن أن يستفيدوا من هذا البرنامج خلال السنوات المقبلة، أوضح ميقاتي أن قرابة مليون لاجئ سوري من المسجلين لدى مفوضية اللاجئين ولدى الأمن العام اللبناني ومليون لبناني سيستفيدون من هذا البرنامج على مدى السنوات الثلاثة المقبلة.
حلول مؤقتة
بخصوص كيفية توزيع هذه المساعدات على اللبنانين أو عن الآلية التي سيعتمدها البرنامج، أوضح ميقاتي أنها ستكون عبر وزارات الشؤون الاجتماعية والتربية والصحة والزراعة، لكنه لم يكشف الكيفية التي سيتم بها توزيع النسب على هذه الوزارات، ولا عن طريقة اختيار المستفيدين من هذه المساعدة، إذ غالبًا ما تخضع في لبنان لمنطق المحاصصة الطائفية والمذهبية والمناطقية والسياسية.
من جهته أشار مدير برنامج الغذاء العالمي في لبنان عبد الله الوردات إلى أن البرنامج سيستمر في تقديم المساعدات لطلاب المدارس المستفيدين من برنامج التغذية المدرسية وعددهم الحاليّ نحو 73 ألف طالب، وأضاف الوردات أن المشروع الجديد يهدف للوصول إلى نحو 150 ألف طالب.
تجدر الإشارة إلى أن البرنامج بدأ تقديم مساعدات للبنان منذ عام 2012 عقب اللجوء السوري، وكانت المساعدات الغذائية مخصصة ابتداءً للاجئين السوريين، ثم صرف البرنامج لاحقًا مساعدات بنسبة 70% للسوريين و30% للبنانيين بإجمالي 700 مليون دولار في السنة تقريبًا بعد استفحال الأزمة الاقتصادية في لبنان.
كما تجدر الإشارة إلى أن لبنان يقع تحت ضغط أزمة اقتصادية يعتبرها البنك الدولي واحدةً من أسوأ الأزمات نتيجة عقود من الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية التي بلغت ذروتها في الانهيار المالي عام 2019 وجعلت أكثر من 80% من اللبنانيين يعيشون حالة فقر، كما أفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام العملات الأجنبية، وجعلت القدرة الشرائية للمواطن اللبناني تتراجع بشكل كبير جدًا، حيث فقد قرابة 90% من قيمة دخله السنوي بالليرة، كما أن معدل البطالة ارتفع ودفع إلى هجرة غير شرعية وهجرة أدمغة من لبنان.
تخصيص لبنان بهذا المبلغ لا يشكل حلًا للأزمة الاقتصادية، إذ يحتاج لبنان إلى أكثر من هذا المبلغ بكثير من أجل البدء بعملية التعافي
ويعول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على هذا المبلغ لتخفيف أعباء الأزمة الاقتصادية أو الحد على أقل تقدير، من تأثيرها خلال السنوات الثلاثة المقبلة، خاصة أن الاتفاق جرى على صرف هذا المبلغ في السوق اللبنانية في مقابل شراء المواد الغذائية من هذه السوق، في وقت كانت حكومة ميقاتي والحكومات التي سبقتها تعول على تأمين ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لضخها في الدورة الاقتصادية اللبنانية لإنعاش هذه الدورة، وقد دخلت في مفاوضات معقدة مع الصندوق للحصول على المبلغ دون جدوى حتى الآن بالنظر إلى أن الصندوق يشترط جملة من الإصلاحات قبل منح لبنان أي قرض أو مساعدة على أي هيئة.
في مقابل هذا التعويل يرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد موسى أن لا ترابط بين الحصول على 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وبين 5.4 مليار دولار وهي مخصصة للغذاء من برنامج الغذاء العالمي وبالأصل كانت للاجئين السوريين منذ العام 2012، لكن بسبب سوء الوضع الاقتصادي وارتفاع نسبة الفقر في لبنان، وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية والحاجة إلى القمح ولبنان يعتمد بشكل أساسي على هاتين الدولتين في تأمين القمح، جرى رفع المبلغ المخصص للغذاء إلى 5.4 مليار دولار على أن يكون بنسبة 50% لكل من اللاجئين السوريين واللبنانيين، وأضاف موسى أن تخصيص لبنان بهذا المبلغ لا يشكل حلًا للأزمة الاقتصادية، إذ يحتاج لبنان إلى أكثر من هذا المبلغ بكثير من أجل البدء بعملية التعافي.
في سياق آخر علق بعض الناشطين الحقوقيين على منصات التواصل الاجتماعي، فرأوا أن موافقة برنامج الغذاء العالمي على تخصيص لبنان في هذه المرحلة بمبلغ 5.4 مليار دولار على ثلاث سنوات أكثر من نصفها كان مخصصًا للاجئين السوريين يضع حدًا لكل التأويلات والشائعات التي كانت تحمّل اللاجئين السوريين عبء مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، بل أكثر من ذلك فإن اللجوء السوري إلى لبنان سيساعد البلاد في ضخ عملة صعبة في هذه المرحلة التي هي أحوج ما تكون فيها إليها.
يبقى أن المبلغ الذي خصصه برنامج الغذاء العالمي للبنان خلال السنوات المقبلة لن يحل أزمة الغذاء للاجئين السوريين، ولا أزمة لبنان الاقتصادية، لكنه قد يخفف من أعبائها بانتظار الحلول الكاملة التي تمنح الشعوب حقوقها بالغذاء والدواء والكرامة والحرية ومن دون منة أو صدقة من أحد.