ترجمة وتحرير: نون بوست
في الساعة 1:13 صباحًا يوم الخميس، غرد إيلون ماسك: “نظرًا لأن تويتر يتكون من مليارات التفاعلات ثنائية الاتجاه يوميًا، يمكن اعتباره بمثابة ذكاء جماعي، إلكتروني، فائق”.
وقد كان تفكيره جامحًا، نظرًا لكل الفوضى التي كان ماسك على وشك إحداثها وكان يتوقع أن تغرق الشركة. إلا أنها كشفت أيضًا عن شيء مهم في عملية تفكيره. فلطالما كان ماسك قلقًا، بشكل علني، بشأن المخاطر التي قد تشكلها الذكاءات الإلكترونية الفائقة على البشرية. لذلك قد تعتقد أنه إذا كان تويتر أحد تلك الذكاءات، لكان ذلك سببًا وجيهًا لعدم إنفاق 44 مليار دولار لشراء الشركة، لكن ربما لم يدرك هذا التحذير بالذات إلا عندما كان هو المشتري، أو ربما لم يكن الثمن الذي دفعه مقابل تويتر هو الشيء الوحيد الذي كان مرتفعًا.
في كلتا الحالتين، عثر ماسك على وضعه المثالي؛ حيث إن ما يمكن أن نسميه مجتمعين “الكتل الجماعية”، مثل أسراب الطيور والأسماك، وقطعان الماشية، وأدبار النحل، وحتى الأورام، والأدمغة، وأحيانًا الطائرات المسيرة ووكلاء البرمجيات؛ تقوم بأمور ذكية بشكل خارق للطبيعة عندما تعمل في انسجام تام.
لذلك كان ماسك أمام صفقة عظيمة؛ حيث يعتقد علماء الأحياء وعلماء الأنثروبولوجيا ومنظرو المعلومات أن الشبكات الاجتماعية – مثل تطبيق ماسك المغرد – تظهر بعض العلامات على كونها أسراب. فعلى الشبكة الاجتماعية؛ تقوم كل الإعجابات والمفضلات، والمتابعون المتبادلون وإعادة التغريد والمشاركات؛ بتحويلنا – نحن المستخدمين الأفراد – إلى شيء أكبر وأكثر ذكاءً وغرابة. ويأمل العلماء أن تساعد آليات معرفة كيفية عمل ذلك يومًا ما في ترويض الجوانب السيئة لوسائل التواصل الاجتماعي؛ أي الاستقطاب والمعلومات المضللة والمضايقات والنازيين، ففهم تويتر ككتلة جماعية يمكن أن يجعل وسائل التواصل الاجتماعي أقل استقطابًا وأكثر فائدة.
لكن الأمر هو أنني لا أعتقد أن هذا ما قصده ماسك، فمنذ أن طرح فكرة تويتر كذكاء جماعي، استمر في فهم كل ما ينطوي عليه هذا الفكر الأكبر بشكل خاطئ. على المستوى الأساسي، هو ببساطة لا يفهم ما اشتراه، أو كيف يعمل، وسواء تمكن ماسك من ابقائه متماسكًا أو قام بتحويله إلى شظايا، فإن سوء فهمه الأعمق يجب أن يجعلنا جميعًا أكثر قلقًا بشأن مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي مما نحن عليه بالفعل، فإذا كان تويتر دماغًا خارقًا جماعيًا، فقد يكون هذا الدماغ الخارق معتلًا اجتماعيًا.
المقاومة لا طائل من ورائها
إليكم جملة تقشعر لها الأبدان: كان إيلون ماسك محقًا؛ حيث يتحول حشد من الأفراد ممن يتصرفون بشكل يبدو عشوائي إلى كتلة جماعية عندما يتبعون بعضًا من القواعد البسيطة، مثل “استدر يمينًا عندما يستدير الرجل بقربك إلى اليمين” أو “أصدِر أصوات منذرة عندما تسمع أصوات منذرة مشابهة”. من مجموعات التعليمات الصغيرة تلك؛ تنشأ جميع أنواع الإجراءات التعاونية المعقدة (الصيد الجماعي، والهجرات) بشكل عفوي، مثل النسَّاج الذي يخلق نمطًا معقدًا من القماش المضلع بمجرد تكرار بضع نقرات بسيطة على النول، ويطلق العلماء على تلك السلوكيات السلوكيات الطارئة.
لكي تطرأ السلوكيات، يجب على الحيوانات التواصل؛ حيث تستخدم الأسماك والطيور إشارات بصرية حول ما يفعله جيرانها – الانعطاف يسارًا، الغوص بسرعة، أيًا كان – لخلق دمدمة متدفقة رائعة لطيور الزرزور أو تموجات سريعة جماعية لأسراب الأنشوجة، وتستخدم قطعان الضباع النداءات المسموعة، فيما يشكل النمل مسارات بإطلاق مادة الفيرومون. والناس؟ لدينا اللغة، وهذه هي الطريقة التي نتبادل بها المعلومات.
ومن هذا المنطلق؛ فإن الشبكات الاجتماعية هي بالتأكيد كتل جماعية، فما هو المكان الآخر الذي يتواصل فيه الكثير من البشر مع العديد من البشر الآخرين غير تويتر والفيسبوك والتيك توك؟ إنها كتل جماعية، وأشياء مثل الرسوم الساخرة” الميمات” ذات الانتشار الواسع أو الربيع العربي هي ما يبزغ منها؛ حيث يقول جو باك كولمان، الباحث في مركز كريج نيومارك لأخلاقيات الصحافة والأمن بجامعة كولومبيا الذي يدرس هذه الأشياء: “يحدث السلوك الجماعي أينما وجدت قواعد للتفاعل بين الأفراد. وبذلك تحصل على خصائص طارئة”. ويضيف: “لكن هذا يختلف تمامًا في تلك المسألة، وعلى هذا المقياس الكبير جدًا، هل نعالج المعلومات ونتخذ قرارات سليمة؟”.
اكتشف ماسك ما هو تويتر. لكنه فشل في فهم كيفية عمله أو الغرض منه.
وجذبت تغريدة ماسك انتباه باك كولمان لأنه كان يعمل منذ سنوات على فكرة أن فهم الطبيعة الجماعية للشبكات الاجتماعية قد يجعلها أفضل. نعم، يتواصل الناس على الشبكات الاجتماعية. لكن الاختلاف، كما يحذر باك كولمان، هو أن “الشبكات الاجتماعية تغير كيفية انتشار هذه المعلومات”. كلماتنا تذهب أبعد وأسرع. ولا تصل لأدمغتنا أي من إشارات المصداقية التي تطورت أدمغتنا للبحث عنها. فإذا قال الطائر الأقرب إليك “انعطف يمينًا”، فربما يحاول فقط خداعك للتصويت لدونالد ترامب. وبما أننا جميعًا من المرجح أكثر أن ننشر الإشارات الجديدة أو المفاجئة أو المشحونة عاطفياً، فإن المعلومات المضللة والاهتياج يتحركان بشكل أسرع عبر الإنترنت من الحقيقة أو الجمال.
لكن هناك جانب إيجابي، كما أشار باك كولمان ومجموعة من زملائه السنة الماضية في ورقة بحثية بعنوان “إدارة السلوك الجماعي العالمي“، فإن كل تلك الأفكار المتداولة على نطاق واسع وسريع تعني أن تعديلًا بسيطًا واحدًا يمكن أن يجعل الشبكة الاجتماعية أكثر متعة. كل ما هو مطلوب هو الضغط على الفرامل – لإضافة المزيد من الاحتكاك إلى النظام، مما يجعل من الصعب بشكل جزئي على أي تعبير فردي أن ينتشر بسرعة.
في معظم الشبكات عالية الأداء، تبدأ الإشارات في الانحسار بعد ثلاث أو أربع درجات فقط من التشعب. يمكن لأمراء وأساتذة تويتر أو فسبوك تعيين أنظمتهم بحيث عندما تهدد فكرة ما بإصابة الإنترنت، يتم تنشيط محولات الدوائر. ويمكن التفكير في الأمر على أنه مثل ارتداء الأقنعة والتهوية، ولكن للميمات. قد تستغرق الأفكار الجديدة وقتًا أطول قليلاً للانتشار. لكن الجراثيم سيتم تصفيتها.
قد تكون الرغبة في نظام تصفية أفضل هي السبب في أن العديد من مستخدمي تويتر يفرون إلى شبكة ماستودون الاجتماعية الجديدة كالفارين من الجحيم. فالعديد من خوادم ماستودون “أو “حالاته””، لكل منها قواعد السلوك الخاصة بها، والتي تجعل الاتصال على نطاق واسع أقل سهولة قليلاً مما هو عليه على تويتر. هذا يصل بها إلى نوع من “مكافحة الانتشار السريع“، كما قال الكاتب التكنولوجي كلايف طومسون. تحبط الشبكة السرعة والبعد، مما يجعل التجربة الإجمالية أكثر متعة.
لكن ماسك لا يقوم بأيٍ من ذلك. نعم، لقد اكتشف ما هو تويتر. لكنه فشل في فهم كيفية عمله أو الغرض منه.
القواعد ليست بتلك البساطة
وهو ما يقودنا إلى جملة مألوفة أكثر: كان إيلون ماسك مخطئًا؛ حيث تظهر الكتل الجماعية فقط عندما تتبع القواعد البسيطة التي وضعتها الفيزياء وعلم الأحياء – عندما تقرر المجموعة نفسها مسار العمل. لكن الشبكات الاجتماعية مبنية على سكك حديدية تحكمها خوارزميات تتعارض مع التنظيم الذاتي. لا يبدو أن ماسك يفهم أن تويتر لا يمكن أن يتحول إلى ذكاء إلكتروني جماعي إذا لم يسمح له، المالك، بأن يكون له عقل خاص به.
قال باك كولمان: “تغريدة إيلون تتبنى بشكل أساسي اليد الخفية للسلوك الاجتماعي”. وأضاف: “نحن فقط نصل الجميع واليد غير المرئية للذكاء الجمعي ستساعد على إنشاء مدينة فاضلة تتمتع بحرية التعبير وبدون عنف. ربما يكون ذلك جيدًا في بودكاست جو روجان بالنسبة مستمع منتشي، لكن الأمر لا يختلف عن الادعاء بأن الاقتصاد سيصلح نفسه”.
تمامًا مثل أي اقتصاد، فإن أي شبكة اجتماعية لديها قواعد وأنظمة. والقواعد الحالية لتويتر ومعظم الشبكات الاجتماعية المهيمنة الأخرى مصممة لتعزيز الصراع بمكر. تم ضبط منظم الحرارة على ارتفاع طفيف؛ فالكراسي مكتظة قليلاً. لماذا؟ لأن كل تلك الخيارات الخوارزمية تجعلنا نضغط. يقول باك كولمان: “إنهم يرفعون مستوى التفاعل ويوجهون انتباهنا لغمرنا بالإعلانات التي نتفاعل معها ونشتريها وتدر أرباحًا على الموقع”.
لا يمكن لأي مجموعة تطوير الإدراك الجمعي إذا كان جميع أعضائها يتصيدون بعضهم البعض، فقد قال إيان كوزين، وهو خبير في السلوك الجمعي ويعمل كمدير لمعهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان في جامعة كونستانز: “إن الدماغ الذي يكون في حالة صراع داخلي وغير قادر على التوصل إلى إجماع لن يكون قادرًا على العمل”. وأضاف: “ليس لدينا اختيار طبيعي يعمل على تويتر، لذلك أخفق التشبيه. فيسبوك و وتويتر وجميع الشبكات الاجتماعية البشرية لا تملك هذه الخاصية.”
في هذا الصياغة، ربما أصبحت الشبكة الاجتماعية بمثابة ذكاء جمعي خارق، هل تركها الرأسماليون لاجهزتها أم لأجهزتنا الخاصة؟ لكن الخوارزميات والإعلانات التي تجعلها مربحة تستبعد إمكانية ظهور الإدراك الجمعي، فهي تقتل الذكاء الفائق في مهده، ونحصل بدلًا منه على آلة غبية مُحسَّنة لجني الأرباح من اهتماماتنا.
التفكير السليم
ربما تكون الحقيقة في مكان ما بالوسط. فربما كان ماسك على حق، لكنه كان مخطئًا في الطريقة التي كان محقّاً بها، ويمكن أن تكون أي شبكة اجتماعية على مسار الخوارزمية عبارة عن عقل كبير صاعد وبنفس الوقت يمكن أن تكون عقل فظيع وذات ذكاء خارق عبر الإنترنت سيكون قاسٍ للغاية في السعي لجني الأرباح.
لا تزال طبيعة الذكاء الفائق في تويتر، مثل ماسك، مسألة إيمان.
يشير علم الجمعية إلى أن الشبكات الاجتماعية لديها نوعان: لطيفة ومهذبة، أو مربحة. فكر في جميع الأساليب المختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي: مقاطع فيديو قصيرة ومشاركات مدونات طويلة ونصوص قصيرة وصور ثابتة خاضعة وغير خاضعة للإشراف وغير معروفة وما إلى ذلك. حتى الآن، انتهى المطاف بكل الشركات التي تسعى للربح إلى الشر الفوضوي. ولكن حتى أبرز الخبراء في هذا المجال سيكونون أول من يعترف بأنهم لا يعرفون حقًا سبب ذلك أو كيفية إصلاحه.
قال دنكان واتس، عالم الاجتماع الحاسوبي في جامعة بنسلفانيا الذي عمل كباحث في ياهو ومايكروسوفت: “ليس لدينا أي فكرة عما ينتجه الذكاء الجمعي بين البشر، خاصة على المستويات الكبيرة”. إن العثور على بعض العلوم لترويض الشبكات الاجتماعية سيكون أمرًا رائعًا بالطبع – “مسألة مهمة للغاية لكل من العلم والمجتمع”، على حد تعبيره. وأضاف: “لكن الأمر بعيد جدًا عما أسسته معظم العلوم الاجتماعية، فأنا لست متأكدًا من أننا نعرف أي شيء ذو فائدة على الإطلاق”.
وتعتبر دراسة الجماعات صعبة، فكيف يتم تشغيل شبكات يبلغ عدد مستخدميها 100 مليون بواسطة شركات عامة؟ انسوا أمره.؛ حيث يقر باك كولمان قائلاً: “ليس لدينا أي فكرة. حسنًا، ربما لدينا القليل. ولكن إذا قرر إيلون ماسك أن نظام الاقتراحات الحالي سيئ واستبدله بنظام جديد تمامًا وشارك الرموز والبيانات مع العلماء وأعطانا عامًا ونصف، مع ذلك، ما زلنا غير قادرين على إخباركم بما يمكن أن يفعله ذلك بالديمقراطية”.
يوافق كوزين على الشيء نفسه، ويقول: “سيكون من المفيد لو كان هناك انفتاح حول هذه الخوارزميات”، وأضاف: “هناك جانب أخلاقي مثير للاهتمام للتحكم وللأوجه الدقيقة التي يجب أن يتحكموا بها في بنية المعلومات”.
إذن ماذا فعل ماسك في اللحظة التي استولى فيها على تويتر؟ طرد الفريق الذي يدرس هذه الأشياء ويشارك البيانات مع باحثين خارجين، لذا فإن طبيعة الذكاء الفائق في تويتر، مثل طبيعة ماسك، تبقى مسألة إيمان، وهذه مسؤليتنا جميعاً للأسف.
إن الدليل الوحيد الأكثر تشويقاً الذي يدعم الافتراض القائل بأن تويتر هو ذكاء فائق إيجابي سامٍ وصاعد قادم، ويا للمفارقة، يبدو أنه مشهده الأخير: حقيقة أن الكثير من الناس يتركونه.
أحد الأشياء الأساسية التي تقوم بها المجموعة هو التحرك، سواء كانت بكتيريا تهاجم عضوًا جديدًا في الجسم أو فيلة تمشي بحثاً عن الماء. لذا، يبدو أن الطريقة التي يعبر بها كل شخص في تويتر عبر المرج الرقمي نحو تطبيق ماستودون، كما يقول كوزين: “هي هجرة جماعية تشارك العديد من السمات المميزة التي نراها في الشبكات لدى الحيوانات”.
ولكن ليس فقط أي شبكة حيوانية. على وجه التحديد، نحن جميعًا نتصرف مثل نحل العسل في بحثنا عن عش جديد. عندما تتحطم خلية ما، يرسل سرب النحل كشافة بمواصفات عش مثالي مشفر في أدمغتهم؛ مثل حجم المدخل والموقع والمساحة المربعة وما إلى ذلك. الكشافة هم الوسطاء في عالم النحل. يجدون المواقع المطلوبة ثم يعودون إلى مجموعة النحل بحثًا عن منزل جديد، حيث يتناقشون في قضيتهم عن طريق الرقص.
ويشفر كل تصميم رقصة خاصة بالنحلة الكشافة الاتجاه والمسافة إلى الموقع الذي تروج له. وكلما كان الموقع أفضل، كلما زادت رقصة الكشافة ونشاطها، ويتم تعيين الكشافة الآخرين والنحل غير الاستطلاعي حسب تحركاته، يتحول المشهد في النهاية إلى رقصة خلية كاملة مثل فيلم “ذا سوارم” حتى يتبقى فريق واحد فقط، فيصطف كل النحل في رقم ضخم لمنحل ضخم ويعلم الجميع أيضًا إحداثيات العش الجديد، ثم ينطلقون جميعًا.
إذن: هل تصبح نحلة أم لا؟ دخل تويتر مرحلة الرقص تحت إدارة ماسك، وربما أقضي الكثير من الوقت هناك، لكن تجربتي في الأسبوعين الماضيين كانت تجربة نحلة تراقب عودة الكشافة. بعضهم يتجه نحو “مستودون” وينزل الآخرون إلى “كوهوست”. حتى أنني قمت ببعض حركات الرقص الجديدة. سأكون حزينًا إذا بدأ الذكاء الفائق في تويتر في غناء أغنية فيلم “دايزي” للمخرج ستانلي كوبريك وانفجر إلى كومة من الرقائق المنعزلة الذائبة. لكنني أتطلع إلى أن أكون جزءًا من مجموعة جديدة، في مكان نقرر تحديد موقع عقلنا الجمعي التالي.
التشبيه ليس مثاليًا بالطبع. وكما يشير العلماء بسرعة، لا يمكنك مساواة البشر بالحشرات. يقول كوزين: “البشر أذكى بكثير من النحل”.
آه، هاه. بالتأكيد نحن كذلك.
المصدر: موقع إنسايدر