ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما عاد الرئيس السابق دونالد ترامب الأسبوع الماضي لفترة وجيزة إلى مكتبه في برج ترامب في مدينة نيويورك، انضم إليه ابنه إريك ترامب والرئيس التنفيذي لشركة عقارات سعودية من أجل توقيع صفقة تثير أسئلة جديدة حول تضارب المصالح لحملته الرئاسية التي بدأت للتو.
اُبرِمت هذه الصفقة مع شركة عقارية سعودية تسعى إلى بناء فندق وفيلات وملعب غولف يحمل علامة ترامب التجارية كجزء من مشروع عقاري بقيمة 4 مليارات دولار في عُمان. يُمثل الاتفاق استمرارًا لممارسة كانت شائعة لدى شركة عائلة ترامب إلى حين انتخابه رئيسًا، وهي بيع حقوق العلامة التجارية لمشروع خارجي مقابل رسوم ترخيص سخيّة.
ولكن ما يجعل هذا المشروع غير عادي – ويكثّف الأسئلة حول هذه الصفقة الجديدة – هو أن ترامب من خلال التعاون مع الشركة السعودية، أصبح أيضًا جزءًا من مشروع تدعمه حكومة عمان.
تربط هذه الصفقة ترامب، باعتباره رئيسًا سابقًا ومرشحًا يأمل في الفوز برئاسة البيت الأبيض مرة أخرى، بشريك حكومي أجنبي لديه علاقات معقدة مع الولايات المتحدة بما في ذلك دورها في محاولة إنهاء الحرب في اليمن وغيرها من البنود المهمة الأخرى على جدول أعمال السياسة الخارجية لواشنطن.
وقّع ترامب الصفقة مع الشركة العقارية السعودية “دار الأركان”، التي تقود المشروع بالتعاون مع حكومة سلطنة عمان المالكة للأرض، وهي الصفقة الثانية التي تم توقيعها مؤخرًا بين ترامب وعائلته ولها علاقات مالية مباشرة مع إحدى حكومات الشرق الأوسط.
استضافت مجموعة ترامب أيضًا بطولات دوري ليف غولف المدعومة من قبل الحكومة السعودية في نوادي الغولف التي تملكها العائلة في نيوجيرسي وفلوريدا. موّل صندوق الاستثمارات العامة للحكومة السعودية الذي تبلغ قيمته 620 مليار دولار أنشطة ليف غولف، وتكفّل بعد ذلك بنفقات نادي ترامب ناشيونال دورال للغولف في ميامي ونادي ترامب ناشيونال بادمينستر للغولف في نيوجيرسي لاستضافة بطولتين من بطولاتها هذا العام.
حظيت إدارة ترامب، بما في ذلك صهر ترامب جاريد كوشنر، بعلاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية خلال فترة رئاسة ترامب، كما تلقى كوشنر دعمًا ماليًا من الحكومة السعودية في شكل استثمار بقيمة ملياري دولار في شركة الأسهم الخاصة التي أنشأها حديثًا “أفينيتي بارتنرز”.
قبل انتخابه رئيسًا، وقّع ترامب وعائلته صفقات لترخيص استخدام اسم ترامب في مناطق تشمل إندونيسيا وتركيا والفلبين ودبي والهند وبنما وكندا، كما يملكون منتجعات غولف في اسكتلندا وأيرلندا. وتضمّنت إحدى صفقات بناء ناطحة سحاب في دبي تم الإعلان عنها في سنة 2005 شركة النخيل، وهي شركة عقارية تابعة لحكومة دبي، لكن تم التخلي عن هذا المشروع في النهاية.
قبل ثمانية أشهر من دخول ترامب السباق الرئاسي في سنة 2015، أعلنت الشركة العائلية عن خطط لترخيص منح اسمها لفندق من 33 طابقًا في باكو، في أذربيجان، في شراكة مع نجل أحد وزراء الحكومة، لكن تم التخلي عن هذا المشروع في نهاية المطاف أيضًا.
وفقًا لتقييم المعاملات الذي أجرته صحيفة “نيويورك تايمز”، لم تتضمن الصفقات الخارجية لمجموعة ترامب، في دول أخرى، تدخلا ماليًا مباشرًا من قبل حكومة أجنبية أو على الأقل أي إقرار عام بتمويل حكومي أجنبي مباشر أو مساهمة بقطعة أرض كبيرة.
خلال فترة رئاسة ترامب، مثّل فندق ترامب الدولي في واشنطن في كثير من الأحيان وجهة للمسؤولين الحكوميين الأجانب، بما في ذلك وفود تأتي لعقد اجتماعات مخططة مع ترامب. وقد أنفقت حكومات ماليزيا والسعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وتركيا والصين أموالا في الفندق، وذلك وفقًا لوثائق سلمتها شركته المحاسبية السابقة إلى الكونغرس. وقدر محققو مجلس النواب أن الفندق تلقى أكثر من 3.75 مليون دولار من حكومات أجنبية ما بين 2017 و2020.
أكدت مجموعة ترامب أنها دفعت مبالغ مقابل جميع الأرباح المتأتية من هذه الإقامات الفندقية إلى وزارة الخزانة من خلال المدفوعات الطوعية السنوية. لكن هذه الصفقة الجديدة – التي تستفيد فيها من الأراضي أو رأس المال الذي توفره الحكومات الأجنبية – تزيد فقط من احتمال ظهور تضارب في المصالح، مع مواصلة ترامب لعب أدوار مزدوجة كمرشح للرئاسة ومدير تنفيذي للشركات التجارية، وذلك حسب المحامين المعنيين بالأخلاقيات.
تقول كاثلين كلارك، أستاذة القانون في جامعة واشنطن في سانت لويس: “هذا مثال آخر على استفادة ترامب ماليا وعلى المستوى الشخصي من المكانة السياسية التي كان يحظى بها في السابق أو من المحتمل أن يصل إليها في المستقبل. ربما يعتقد السعوديون وحكومة عمان أن منح ترامب صفقة الترخيص سيفيدهم مستقبلًا إذا أصبح ترامب رئيسًا مرة أخرى. قد تكون هذه الصفقة وسيلة للتأكد من الانتفاع من فوز ترامب”.
من المقرر بناء مشروع عايدة في عمان، الواقع على بعد 20 دقيقة خارج العاصمة مسقط، على سلسلة من التلال المطلة على بحر العرب على أرض تسيطر عليها الشركة العمانية للتنمية والسياحة، وهي وكالة سياحة مملوكة للحكومة العمانية. وسيشمل المشروع بناء 3500 فيلا فاخرة، وفندقين يضمان 450 غرفة إجمالا وملعب غولف، بالإضافة إلى العديد من المطاعم والمتاجر.
يعد المشروع جزءًا مما تطلق عليه الحكومة رؤية عمان 2040 لمحاولة تنويع اقتصاد الدولة الصغيرة من خلال بناء فنادق وملاعب غولف جديدة ومناطق جذب سياحي أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن مسؤولين في عمان لم يردوا يوم الأحد على طلب للتعليق على المشروع، وكذلك ممثلون عن دار الأركان، إحدى أكبر الشركات العقارية في المملكة العربية السعودية.
خلال فترة رئاسة ترامب، لم تكن العلاقات بين الولايات المتحدة وسلطنة عمان وطيدة بقدر ما كانت عليه مع المملكة العربية السعودية. رفضت عمان التوقيع على ما يسمى باتفاقيات إبراهيم، التي تنص على تطبيع دول الشرق الأوسط الأخرى العلاقات مع “إسرائيل”.
أرسل المسؤولون التنفيذيون في دار الأركان التي تتخذ من الرياض مقرا لها بيانًا صحفيًا يوم الأحد أكدوا فيه الصفقة مع مجموعة ترامب للمشروع الجديد في عمان، بينما وزعوا صور ترامب وابنه إريك في برج ترامب في نيويورك رفقة المديرين التنفيذيين من دار الأركان.
تعد هذه الصفقة من المرات القليلة التي أعلن فيها عن إبرامه صفقة عقارية عائلية جديدة، منذ انتخاب ترامب رئيسًا. توقفت عائلة ترامب عن توقيع صفقات دولية جديدة بعد انتخاب ترامب. وتعتبر الصفقة العقارية مع الشريك السعودي في عمان هي الأولى منذ خروجه من البيت الأبيض.
كان زياد الشعار، الرئيس التنفيذي لدار الأركان العالمية الذي حضر حفل توقيع الصفقة، يعمل في داماك العقارية – شريكة عائلة ترامب في دبي – حيث استخدمت العائلة اسمها لما يعرف باسم نادي ترامب الدولي للغولف في دبي وترامب إستيت في داماك هيلز، وهو عبارة عن مجمع ضخم.
قال الشعار في بيان صدر يوم الأحد: “نحن على ثقة من أن العلاقة مع ترامب ستعزز جاذبية مشروع عايدة وتجذب المستثمرين من جميع أنحاء العالم الذين يتطلعون إلى أن يكونوا جزءًا من مشروع استثنائي”.
في حال أدينت الشركة ستواجه غرامات وردود فعل محتملة من المقرضين والشركاء التجاريين الذين قد يخجلون من التعامل مع مجرم
ذكر إريك ترامب في بيان أن الشركة العائلية لا تعتقد أن الصفقة الجديدة تشكل أي مشكلة، ومنذ أن كان والده رئيسا عملت الشركة على تجنب أي تضارب في المصالح. وأوضح في تصريح له يوم الأحد “نحن متحمسون لتوسيع محفظتنا الخاصة بنوادي الغولف والفنادق في هذا الموقع المذهل”؛ مؤكدا أنه سيكون مشروعًا “استثنائيًا”.
رد ستيفن تشيونغ، المتحدث باسم حملة الرئيس السابق ترامب، على أسئلة حول صفقة عمان، أو ما إذا كان ترامب سيكون أكثر انخراطًا في أعماله الآن، ببيان يهاجم إدارة بايدن.
تم الإعلان عن صفقة عمان في الوقت الذي كان ترامب يستهل حملته الثالثة للبيت الأبيض، بينما كانت عائلة ترامب، وترامب نفسه، هدفًا لمجموعة من التحقيقات المدنية والجنائية بما في ذلك تهم الاحتيال الضريبي ضد مجموعة ترامب ورئيسها المالي منذ فترة طويلة، ألين إتش فايسلبيرغ.
في حال أدينت الشركة ستواجه غرامات وردود فعل محتملة من المقرضين والشركاء التجاريين الذين قد يخجلون من التعامل مع مجرم؛ ناهيك عن أن الإدانة يمكن أن تمثل تحديات سياسية جديدة لترامب. لكن أقصى غرامة ممكنة في قضية الاحتيال الضريبي هي 1.62 مليون دولار فقط، وهو مبلغ ضئيل بالنسبة للشركة. وفي أحدث تقرير إفصاح مالي له تم تقديمه في أوائل سنة 2021 عندما غادر ترامب البيت الأبيض، أبلغ ترامب عن أصول لا تقل قيمتها عن 1.3 مليار دولار.
المصدر: نيويورك تايمز