رغم أن حزب العمال الكردستاني (PKK) والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” (PYD)، مظلوم عبدي، قد نفيا صلتهم بالتفجير الإرهابي، إلا أن أنقرة ووزير داخليتها سليمان صويلو مصرَّان على أن الأدلة التي بين أيديهما والمعلومات الاستخباراتية التي جمعاها كلها تشير إلى أن الكردستاني هو من يقف وراء هذا التفجير.
وإيذانًا منها بأن ساعة الحساب قد دقّت للقصاص من مخطّطي ومنفّذي التفجير الإرهابي، الذي وقع الأسبوع الماضي في شارع استقلال بحيّ تقسيم في إسطنبول، وخلّف 6 قتلى وأكثر من 80 جريحًا، أعلنت وزارة الدفاع التركية فجر الأحد الماضي إطلاق عملية “المخلب-السيف” الجوية، لدكّ أوكار تنظيم حزب العمال في العراق وامتداده “قسد” ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا (YPG) شمالي سوريا.
ومع بدء العملية العسكرية التي نفّذها سلاح الجو التركي ونتج عنها، وفقًا لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار، تحييد 254 إرهابيًّا وقصف 471 موقعًا، منها ملاجئ ومخابئ وكهوف وأنفاق ومستودعات تابعة للإرهابيين في جبل قنديل وأسوس وهاكورك في شمال العراق، وعين العرب وتل رفعت والجزيرة وديريك في شمال سوريا، بدأت الأنظار بالتوجه صوب أنقرة لاستطلاع ما إذا كانت العملية ستتوسّع على المحور البري أيضًا.
خاصة أن ميليشيات “قسد” ردّت على العملية التركية بقصف صاروخي على مدرسة ابتدائية ومبانٍ سكنية في منطقة قارقامش التابعة لولاية غازي عنتاب جنوب تركيا، ظهر الاثنين الماضي، ما أودى بحياة 3 مدنيين بينهم طفل، وأصيب 6 آخرين حالة بعضهم خطرة، وفقًا لما جاء على لسان صويلو.
في هذا التقرير نحاول البحث عن إجابات لتساؤلات مثل ما إذا كانت العملية ستتوسع على المحور البرّي؟ وعمّا إذا كانت هناك تفاهمات مسبقة بين تركيا وروسيا والولايات المتحدة لعملية عسكرية واسعة في الشمال السوري؟ كما نستعرض انخفاض حدّة الانتقادات الروسية الأمريكية، والسويدية أيضًا، وتحولها من نبرة التهديد إلى النصح، وذلك تزامنًا مع الدور المحوري الذي تلعبه تركيا منذ اشتعال فتيل الحرب الأوكرانية أواخر فبراير/ شباط الماضي.
هل تتوسع إلى عملية برّية؟
خلال كلمة ألقاها في حفل افتتاح سدّ ومحطة توليد كهرومائية شمال شرق تركيا، الثلاثاء الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “قمنا بالرد على الهجوم الإرهابي الدنيء الذي أودى بحياة 6 أبرياء من خلال تدمير الأهداف الإرهابية شمالي سوريا والعراق”، وأضاف: “حانت نهاية الطريق لأولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم تشتيت انتباه تركيا عن طريق التلاعب بالحروف وتغيير اسم التنظيم الإرهابي”.
وعن احتمالات توسُّع العملية الجوّية إلى برّية شمالي سوريا لوقف الاعتداءات الإرهابية تجاه الأراضي التركية، قال أردوغان: “لا أحد يستطيع منعنا من سحب الخط الأمني إلى حيث يجب أن يكون، في الأماكن التي تتواصل فيها الهجمات على حدودنا ومواطنينا”.
وشدد على إنزال القوات المسلحة التركية ضرباتها على الإرهابيين بالطائرات والمدفعية والمسيّرات، قائلًا: “سنقتلع جذورهم جميعًا بأقرب وقت إن شاء الله باستخدام دباباتنا وجنودنا”، وفقًا لما نقلته “الأناضول”.
وفيما يخص القصف الذي نفّذته “قسد” على قضاء قارقامش، والهجمات التي تلته على الأراضي التركية في الجنوب، والتي رفضت الولايات المتحدة التنديد بها مكتفية بالإعراب “عن خالص تعازيها للمدنيين الذين فقدوا أرواحهم في تركيا وسوريا”، ذكر أردوغان أن صبر تركيا ليس نتيجة عجز أو عدم كفاءة، بل نابع عن حساسيتها بوصفها دولة قانون تجاه الالتزامات والاتفاقيات الدبلوماسية والوعود، مؤكدًا على أن دماء ضحايا هذا القصف لن تذهب هدرًا.
وانطلاقًا من تصريحات أردوغان، توقّع الصحفي التركي مراد يتكين أن تتوسع العملية الجوية إلى برية أيضًا في وقت قريب، لاستكمال أهداف عملية “نبع السلام” العسكرية التي بدأتها أنقرة عام 2019 لإنشاء منطقة آمنة على طول الحدود التركية بعمق 30 كيلومترًا.
إذ توقفت العملية بفعل الضغوط والوعود الأمريكية-الروسية بإبعاد قوات “قسد” إلى ما وراء الحد الذي رسمته تركيا، وهو ما لم يجرِ بالشكل المتفق عليه، لهذا توقع يتكين أن تتركز العملية العسكرية في المناطق التي يتسرب الإرهاب منها، مثل تل رفعت وكوباني وعين العرب.
من التهديد إلى النصح
على عكس المعهود في كل العمليات العسكرية السابقة شمالي سوريا، سمعنا خلال الأيام الماضية لهجة أقل حدّة تجاه أنقرة من موسكو وواشنطن، وحتى السويد التي كانت في السابق إلى جانب كونها مزودًا رئيسيًّا للأسلحة التي يستخدمها أفراد التنظيم، بوقًا أوروبيًّا ينادي بوقف أي عملية مع اللحظات الأولى لانطلاقها، كيف لا وهي الآن تستجدي موافقة تركيا للمصادقة على انضمامها إلى حلف الناتو.
وبينما أكّد متحدث الرئاسة الروسية، ديميتري بيسكوف، أن العمليات العسكرية التركية شمالي سوريا حق مشروع لها، وأن موسكو تحترم وتتفهّم مخاوف أنقرة الأمنية، قال في الوقت ذاته أن موسكو تأمل في عدم توسع العملية إلى أبعد من ذلك.
ومن واشنطن، أكّد منسق الشؤون الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، أن تركيا تعاني من تهديد إرهابي لا سيما على حدودها الجنوبية، ولديها الحق في الدفاع عن نفسها، لكنه في الوقت ذاته شدّد على أن موقف الولايات المتحدة ثابت بشأن العمليات العسكرية التركية العابرة للحدود، كونها قد تؤدي إلى تقويض الجهود الأمريكية عبر حليفتها “قسد” في قتال “داعش”.
أكثر التصريحات الغربية حدّة جاءت من ألمانيا على لسان وزيرة داخليتها، نانسي فيسر، في مؤتمر جمعها بنظيرها التركي سليمان صويلو بالعاصمة أنقرة، حيث أشارت إلى أنه يتوجّب على تركيا عدم استخدام “قوة غير متكافئة” في عمليتها ضد الكردستاني وامتداداته في سوريا، ليردَّ عليها الوزير التركي بقسوة قائلًا: “لم يستخدم أحد القوة المتكافئة لقتل أناس أبرياء في شارع الاستقلال”.
ويرى يتكين أن التصريحات التي خرجت من الدول الغربية حتى اللحظة، تزامنًا مع العملية العسكرية التركية في سوريا والعراق، تشير إلى أن أجهزة استخباراتها الفاعلة على الأراضي السورية والعراقية شبه متأكدة بأن من يقف وراء التفجير هو الكردستاني، وإلا لما كانت تصريحاتها بهذا الشكل الهادئ التي تقترب إلى النصح منه إلى التهديد والوعيد كما كان الحال في العمليات السابقة.
الاستعدادات على قدم وساق
التصريحات والتنبيهات التي تخرج من العاصمة التركية أنقرة على لسان الرئيس ووزير دفاعه تشير إلى أن العملية البرية قادمة لا محالة، خصوصًا أن أردوغان أعلن قائلًا إنه “اعتبارًا من هذه اللحظة نعلن أن لدينا معيارًا واحدًا وهدفًا واحدًا، وهو تحقيق أمن مواطنينا ودولتنا، إنه حق شرعي لنا أن نذهب للنقطة والمنطقة التي يبدأ أمننا منها”.
وبعد أن شرعن حق بلاده في القيام بأي عملية عسكرية تراها مناسبة لحماية أمنها، مستشهدًا بأولئك الذين يأتون من على بُعد آلاف الكيلومترات ويستخدمون القوة بتهور من أجل أمنهم، أعلن أردوغان في خطابه أمام كتلة حزبة البرلمانية، الأربعاء الماضي، أنهم ماضون لاقتلاع الإرهاب كله في أقرب وقت ممكن، “مع دبابتنا وأصدقائنا الذين يسيرون على الطريق معنا”، لتأمين حدودهم الجنوبية بشريط أمني من هاتاي إلى هكاري.
ومع تواصُل القصف المدفعي الذي ينفّذه الجيش التركي جوًّا وبرًّا على مواقع الوحدات الكردية و”قسد” في الشمال السوري، بالتزامن مع غارات جوية على مواقع لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، أفاد مراسل “الأناضول” أن الجيش الوطني السوري قد أجرى، الثلاثاء، مناورات عسكرية بالذخيرة الحية في مدينة عفرين، التي تمَّ تحريرها من الإرهاب ضمن عملية “غصن الزيتون” عام 2018 بمشاركة نحو 1000 عنصر من فصيل “سليمان شاه”، ما يراكم الأدلة على اقتراب شن العملية البرية.