خفّف رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، من وقع هجومه على ائتلاف الحرية والتغيير الذي كان يتقاسم معه السلطة قبيل أن يبعده عنها نهائيًّا في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بالتزامن مع تفاهم الطرفَين على إجراء عملية سياسية تيسّرها آلية ثلاثية يتوقع أن تنتهي بابتعاد الجيش عن الحكم، لكن هذه العملية تجد اعتراضات من أنصار النظام السابق وتحالفًا يدعم الحكم العسكري والحزب الشيوعي ومنظمي الاحتجاجات.
وُضع الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب، وهو تنظيم يضمّ العشرات من لجان المقاومة في العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى، يُشارك مع لجان نظيرة في تنظيم الاحتجاجات ضد الحكم العسكري شروطًا صعبة للتحاور مع الآلية الثلاثية، ليس من بينها الحديث عن العملية السياسية التي تيسّرها بدعم دولي كبير، تنفيذًا لشعار “لا تفاوض ولا شرعية ولا حوار” مع قادة الجيش، وهو أمر ربما يدفع الميسّرين إلى معاودة الاتصال بهم مرة أخرى.
الدستور الانتقالي يحصل على رضا الأطراف
صحيح أن الآلية المؤلَّفة من بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيقاد”، تسعى منذ أشهر لاستعادة الانتقال المدني في السودان، لكن جهودها ظلت متعثرة حتى وافق الجيش وقوى سياسية على أن يكون الدستور الانتقالي الذي أعدّه محامون ديمقراطيون أساسًا لنقل السلطة إلى المدنيين.
وعلى أساس هذه الموافقة، كثّفت الآلية من لقائها مع الفرقاء السودانيين، ويبدو أنها مُدركة بمطالب جميع الأطراف، إذ قال قادتها في مقال مشترك إن المدنيين يسعون إلى حكومة مدنية بصلاحيات تنفيذية كاملة خلال فترة الانتقال، إضافة إلى ضمانات شخصية ومؤسسية، بينما لا يريد الجيش أن يتدخل مدنيون غير منتخَبين في شؤونه.
هذا علاوة على أن الشعب، بشكل عام، يطالب بحكومة توفر له الخدمات وتعالج الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتحمي حقوق الإنسان وتنفّذ اتفاقيات السلام، حيث أضاف قادة الآلية: “من الممكن تحقيق هذه المطالب كلها”.
عملية مهددة بالفشل
وثمة أمر لم يبتعد عن تفكير قادة الآلية هو العدالة، فقد قالوا في مقالهم المشترك: “ما زال هناك حاجة لحلّ بعض القضايا الرئيسية، بما في ذلك الأسئلة المتعلقة بالعدالة الانتقالية”، إذ يطالب منظمو الاحتجاجات ضمن أشياء أخرى بالعدالة لرفاقهم الذين قضوا خلال مشاركتهم في المواكب الرافضة لاستيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والذي تصنّفه الأمم المتحدة على أنه انقلاب عسكري.
ويغرّد آلاف الشباب السودانيين المشاركين في الاحتجاجات والمؤيدين للديمقراطية يوميًّا على وسوم (هاشتاغات) مختلفة، لن يكون آخرها “لا للإفلات من العقاب”، وبعضهم يعقد مقارنة بين العملية السياسية الجارية الآن وتقاسُم السلطة الذي حدث بين قادة الجيش والحرية والتغيير منذ أغسطس/ آب 2019 إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
وحدث ذلك بعد أن عزل الأوائل الرئيس عمر البشير عن السلطة في 11 أبريل/ نيسان 2019، تحت وقع احتجاجات رفضت استمرار حكمه الذي دام 3 عقود متواصلة.
في هذه الفترة، حاولت الحكومة المدنية تحقيق العدالة لضحايا النظام السابق، لكن خطواتها كانت بطيئة ما جلب لها انتقادات من جهات عديدة من بينهم أهالي الضحايا، ما أدّى إلى مخاوف من أن تماطل حكومة الانتقال المقرر تشكيلها فور انتهاء العملية السياسية في تحقيق العدالة، وزاد من هذه المخاوف تسريبات تتحدث عن موافقة الحرية والتغيير على إفلات قادة الجيش من العقاب، لكنها نفت هذا الأمر.
ويحمّل منظمو الاحتجاجات قادة الجيش مسؤولية قتل 119 متظاهرًا في غضون سنة، إضافة إلى واقعة فضّ الاعتصام أمام مقرّ الجيش التي جرت في 3 يونيو/ حزيران 2019، عندما فرّقت قوات عسكرية تجمعًا سلميًّا قاد إلى مقتل 382 شخصًا وفقًا لرئيس لجنة تابعة للنيابة العامة تحقق في اختفاء الأشخاص، الذي صرّح بذلك لصحيفة محلية في 21 أبريل/ نيسان هذا العام.
ويتحدث ناشطون عن وقوع جرائم تزامنت مع الفضّ تشمل الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وتوثيق القتلى بالحجارة ورميهم في نهر النيل القريب جدًّا من مكان التجمع، إضافة إلى مئات الإصابات، حيث جرى الفضّ بقسوة بالغة وفقًا لفيديوهات بثّها المعتصمون على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي وحشية لم يتجاوزها السودانيون حتى الآن.
يتوقع أن يتوصّل قادة الجيش والحرية والتغيير والقوى الأخرى إلى اتفاق بنهاية هذا العام أو في بداية العام المقبل على أسوأ تقدير، في ظل ضغوط المجتمع الدولي على جميع الأطراف.
يقول ائتلاف الحرية والتغيير إنه وقوى سياسية أخرى سيوقّعون على اتفاق إطاري خلال أيام من الآن، لإقامة سلطة مدنية ديمقراطية مع قادة الجيش في المرحلة الأولى للعملية السياسية، على أن يطوَّر إلى اتفاق نهائي بمشاركة جماهيرية واسعة من أصحاب المصلحة ومؤيدي الديمقراطية في 4 قضايا رئيسية.
تأتي في مقدمة هذه القضايا قضية العدالة التي أُشير إلى أنها تحتاج إلى مشاركة أسر الضحايا، على أن تشمل جميع المتضررين من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989، وهو العام الذي وصل فيه الرئيس عمر البشير إلى سُدّة الحكم عبر انقلاب عسكري، وهو يحاكَم الآن ومعه آخرون بتهم تقويض النظام الدستوري.
تمضي لجان المقاومة، وهي كيانات شبابية ذات قيادة أفقية تأسّست في الأحياء السكنية خلال الاحتجاجات ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، في خطط تنظيم المواكب التي عادةً ما تعلن أن وجهتها النهائية القصر الرئاسي، وغالبًا ما تفرّقها قوات الأمن بعنف مفرط على مشارفه.
وتقول إنها تسعى عبر الفعاليات السلمية إلى إسقاط الحكم العسكري وتأسيس سلطة مدنية، وهي مواكب تنظَّم بصورة شبة أسبوعية إضافة إلى فعاليات أخرى مقاومة، من قبيل تأبين قتلى الاحتجاجات وتنظيم الوقفات الاحتجاجية وكشف الانتهاكات التي يتعرّض لها المحتجّون.
يتوقع أن يتوصّل قادة الجيش والحرية والتغيير والقوى الأخرى إلى اتفاق بنهاية هذا العام أو في بداية العام المقبل على أسوأ تقدير، في ظل ضغوط المجتمع الدولي على جميع الأطراف، لكن يظل السؤال: هل سيرضى منظمو الاحتجاجات بهذا الاتفاق وهم يرفعون شعارًا يتحدث عن عدم الاعتراف والتفاوض، ومنح الشرعية للذين استولوا على السلطة؟ وما خياراتهم المتاحة لمناهضة الاتفاق إن تمَّ؟ وما تأثير ذلك على أي حكومة تتمخّض عن اتفاق “التسوية السياسية” كما يدعوه معارضو الاتفاق؟ هذا ما تكشف عنه الأسابيع الآتية.