ترجمة وتحرير: نون بوست
تعتبر المركبات الجوية غير المأهولة، المعروفة بالطائرات المسيّرة، من السمات المميزة لصراعات القرن الحادي والعشرين وباتت رؤيتها في السماء أمرًا شائعًا خلال العقدين الماضيين، سواء داخل مناطق النزاع أو خارجها. وسواءً كانت مسلحة أم لا، فإن لهذه الطائرات المسيّرة بَصْمتها في النزاعات المعاصرة وتزوّد كلا من الجهات الفاعلة الحكومية وغير النظامية بأساليب جديدة لاستخدام القوة الغاشمة.
بالنسبة للأطراف المتحاربة، تمثّل الطائرات المسيّرة “أعينًا في السماء” ومصدر معلومات استخباراتية على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع حول مواقع العدو وتحركاته، كما أنه من السهل عليها التحليق فوق مناطق الصراع وجمع المعلومات في ساحة المعركة من خلال تنفيذ عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستحواذ والاستطلاع بمساعدة مجموعة واسعة من أنظمة الاستشعار والكاميرات المثبّتة على متنها. وتعزز هذه الوظائف دور الطائرات المسيّرة من خلال ربطها إما بأنظمة أسلحة أرضيّة أو جويّة أخرى واستخدام بيانات جهاز الاستشعار للاستهداف، أو عن طريق الاشتباك المباشر مع الأهداف بالصواريخ أو القنابل التي تحملها. ومن شأن استخدامها في الحرب أن يمنح الجيوش مزايا متعددة مثل تحسين إدراك الوضعيات التي تواجههم وإزالة المخاطر بالنسبة للطيارين فضلا عن كونها غير مكلفةٍ نسبيًا.
في البداية، هيمنت الولايات المتحدة على إنتاج ونشر الطائرات المسيّرة المسلحة وغير المسلحة، ثم تلتها إسرائيل والصين. وبينما كانت الولايات المتحدة تستخدم الطائرات المسيّرة فوق أفغانستان لتعقب أعضاء تنظيم القاعدة بعد وقت قصير من هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 الإرهابية، سرعان ما شعرت بأنها في حاجة إلى إضافة صواريخ إلى طائراتها المسيّرة من طراز “بريداتور”، التي كانت غير مسلحة حتى ذلك الحين. وقد مثّلت الطائرات المسيّرة سمة مميزة لبرنامج القتل المستهدف السري في الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما.
كانت إسرائيل تستخدم بالفعل طائرات مسيّرة مسلحة في برنامج القتل المستهدف قبل سنة 2011، لكنها لم تعترف بذلك علنًا حتى صيف 2022. وخلال السنوات الخمس الماضية، لعبت دول أخرى مثل تركيا دورًا رائدًا باستخدامها المكثف للطائرات المسيّرة في العمليات العسكرية في ليبيا وشمال سوريا وجنوب تركيا والعراق. كما أصبحت الطائرات المسيّرة الأسلحة المفضلة في عمليات مكافحة التمرد والتدخلات العسكرية، وذلك ما اتضح من الحرب في ليبيا التي غالبًا ما يطلق عليها “أكبر ساحة حرب للطائرات المسيّرة في العالم”، حيث يمكن للمرء أن يلاحظ الانتشار والاكتساح الواسع لأنواع مختلفة من الطائرات المسيرة العسكرية.
كان لدى 95 دولة برنامج نشط للطائرات المسيرة العسكريّة في سنة 2019 مقارنة بـ 60 دولة في سنة 2010 – وهي زيادة بنسبة 58 بالمئة
انضمت دول مثل تركيا وإيران والصين إلى قائمة الدول المنتجة والمصدّرة للطائرات المسيرة، وهي حريصة على لعب دور هام في هذه السوق. صدّرت قوى الإنتاج الجديدة طائرات “بيرقدار تي بي 2″ و”مهاجر-6 وأورلان-10” إلى مجموعة من الدول غير الغربية التي لم يسبق لها استخدام الطائرات المسيرة مثل إثيوبيا ونيجيريا وليبيا وأذربيجان، وإلى الجماعات المسلحة غير النظامية مثل حزب الله وأنصار الله المعروفين بالحوثيين في اليمن.
وفقًا لمركز دراسات الطائرة المسيّرة، كان لدى 95 دولة برنامج نشط للطائرات المسيرة العسكريّة في سنة 2019 مقارنة بـ 60 دولة في سنة 2010 – وهي زيادة بنسبة 58 بالمئة. تمتلك هذه الدول مجتمعةً ما يقارب 30 ألف طائرة مسيّرة، بوجود توسع وتنوع واضح في عدد وأنواع الطائرات المسيّرة المسلحة التي تمتلكها هذه الدول. لم تعد الجيوش المتقدمة تقنيًا تحتكر استخدام وتصدير الطائرات المسيّرة، بل انضمت إليهما عشرات الدول الأخرى التي وسّعت قدراتها في إنتاج المركبات غير المأهولة. وحسب دان غيتنجر، خبير الطائرات المسيّرة، فإن هذا التطور سيؤثر حتمًا على مستقبل النزاعات المسلح.
إلى جانب التغيير الذي شهده استخدام الجهات الحكومية للطائرات المسيّرة المسلحة، سُجّلت أيضًا زيادةٌ في امتلاك ونشر الجماعات المسلحة غير النظاميّة للطائرات المسيّرة. استلمت هذه الجماعات تكنولوجيا الطائرات المسيّرة وتلقت التدريب من حلفائها: تلقى الحوثيون في اليمن – مثلا – مكونات الطائرات المسيّرة من إيران. وقد تمكنت الجماعات المسلحة غير النظامية من الحصول على طائرات مسيّرة تجارية وتعديلها لتحويلها إلى أسلحة جاهزة للمعركة.
قامت جماعات مسلحة مثل تنظيم الدولة وحزب الله بإضفاء الطابع المهني والصناعي على عمليّة تصنيع طائرات مسيّرة مدنية قادرة على شن الهجمات، مما أحدث ثورة في قدرات الطائرات المسيّرة التابعة للجماعات المسلحة غير النظاميّة. نقلت هذه الجماعات معرفتها حول تصنيع واستخدام الطائرات المسيّرة إلى غيرها من الجماعات المسلحة غير النظامية، مما يوسع نطاق المجالات التي تنتشر فيها الطائرات المسيّرة العسكرية.
توضح هذه الطائرات المسيّرة التجارية المتاحة في السوق مدى صعوبة التمييز بين الطائرات المسيّرة العسكرية والمدنية: إذ يمكن شراء طائرة مسيّرة عبر الإنترنت مقابل بضع مئات أو حتى عشرات اليوروهات ثم يمكن تحويلها بسهولة إلى سلاح بمجرد تثبيت الذخيرة عليها. استخدام التكنولوجيا الاستهلاكية من قبل الجماعات المسلحة غير النظاميّة يترافق مع الطفرة في شركات تصنيع الطائرات المسيرة التجارية، مما يجعل التكنولوجيا غير المكلفة متاحة لمجموعة متنوعة من الجهات الحكومية وغير الحكومية. وتطوير طائرات مسيّرة تجاريّة مسلحة متوفرة في السوق من قبل الجماعات المسلحة غير النظامية إلى جانب توسّع قائمة الدول التي تنتج وتصدر وتستخدم هذه التقنية يثير أسئلةً قانونية وأخلاقية وسياسية مهمة حول لوائح مراقبة الصادرات وحماية المدنيين وتخفيض عتبة الاستخدام المحتمل للقوة.
لسوء الحظ، لم تواكب القواعد واللوائح الدولية النمو الدولي الهائل الذي شهده إنتاج وتصدير ونشر المسيرات. وعلى الرغم من أنه يُعتقد أن 63 من بين 95 دولة لديها برنامج نشط للطائرات المسيّرة العسكرية تمتلك في الأساس طائرات مسيرة أجنبية الصنع، إلا أنه لا توجد آلية متعددة الأطراف لتنظيم شامل للتصدير والاستخدام اللاحق للمركبات الجوية غير المأهولة والتكنولوجيا الخاصة بها.
تتوفر بعض الإرشادات في العديد من الأنظمة الحالية للحد من الأسلحة، مثل نظام التحكم في تكنولوجيا القذائف واتفاقية واسينار والموقف الموحد للاتحاد الأوروبي بشأن صادرات الأسلحة والمعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة. مع ذلك، فشلت جميع هذه الاتفاقيات في تنظيم صادرات المركبات الجوية غير المأهولة بشكل فعّال، إما بسبب المشاركة المحدودة لمنتجي الطائرات المسيّرة أو مستخدميها، أو التركيز الضيق على أنواع معينة من الطائرات المسيّرة، أو غياب قواعد صارمة وملزمة قانونًا.
تبلورت المحاولة الأولى لتوجيه نشر وتصدير الطائرات المسيّرة من خلال السياسة الأمريكية لسنة 2015، التي أدت إلى إعلان مشترك بشأن تصدير واستخدام الطائرات المسيّرة المسلحة وقّعته 54 دولة صدر سنة 2016. مع ذلك، تعرّض الإعلان للانتقاد من قبل الدول والخبراء ومنظمات المجتمع المدني باعتباره غير شامل نظرا لأن الولايات المتحدة اضطلعت بصياغته مع مساهمة قليلة أو معدومة من الدول أو الخبراء الآخرين. كما يُعتقد أن هذا الإعلان محدود النطاق، وذو صياغة غامضة، وليس له معنى في العالم الحقيقي بسبب الطبيعة الطوعية للإعلان. وبناءً على هذا الإعلان المشترك، تعمل الولايات المتحدة على تطوير “المعايير الدولية للتصدير والاستخدام اللاحق للمركبات الجوية المسلحة غير المأهولة” بالتعاون مع مجموعة صغيرة من الدول، ولكن لم تصدر وثيقة كاملة بعد.
كيف قادت الطائرات المسيّرة الحرب في سوريا
يبحث هذا التقرير في ديناميكيات حرب الطائرات المسيّرة في سياق الحرب في سوريا. منذ بداية الثورة السلمية في سنة 2011، التي تطورت إلى نزاع مسلح بشكل كامل، ازداد استخدام الطائرات المسيرة المسلحة وغير المسلحة من قبل جميع أطراف النزاع بشكل سريع. باتت سوريا أشبه بـ “مختبر” للطائرات المسيّرة، حيث اختبرت الدول والمجموعات المسلحة غير النظامية أنواعًا جديدة مختلفة من الطائرات المسيّرة واستكشفت كيف يمكن لاستخدامها أن يُحسّن من جودة التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية. وعلى مدى العقد الماضي، كشفت الطائرات المسيّرة المحسّنة المنتشرة في الأجواء السورية مرارًا وتكرارًا أن الجهات العسكرية قد تعلّمت وعززت معرفتها بتصميم وإنتاج واستخدام الطائرات المسيّرة.
يُظهر بحثنا أنه تم استخدام ما لا يقل عن 39 نوعًا مختلفًا من الطائرات المسيّرة العسكرية من ست دول مختلفة في الحرب السورية.
يُستهلّ التقرير بتقديم نظرة عامة على المنهجية المطبقة في البحث، ثم يوضح ويحلل طريقة نشر الجهات الحكومية ذات الصلة للطائرات المسيّرة. ويتبع ذلك تصويرٌ وتحليلٌ لاستخدام الطائرات المسيّرة من قبل المجموعات المسلحة غير النظامية. يركّز التقرير على الأنماط المرئية بين مختلف الجهات الفاعلة والتداعيات الأمنية المرتبطة بها. عمومًا، ستكشف دراسة الحالة السورية كيف أدى استخدام الطائرات المسيّرة في السياقات العسكرية إلى إعادة تشكيل طريقة خوض الحروب الحديثة. وهذا يحثنا على التفكير في التحديات المتعلقة بشفافية العمليات العسكرية، والانتشار واسع النطاق والاستخدام المزدوج للطائرات المسيّرة، وتوازنات القوى الإقليمية، والسهولة التي يمكن لأطراف النزاع، سواء الدولية أو غير الدولية، اللجوء إلى القوة المميتة.
المنهجية
تقوم المنهجية الأساسية المعتمدة في هذا البحث على جمع البيانات مفتوحة المصدر، التي تم تجميعها من مصادر إعلامية عادية وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي الموثوقة حول الأشكال المختلفة لاستخدام ومشاهدة الطائرات المسيرة من قبل الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية من أجل فهم ديناميكيات ونطاق وأنماط استخدام الطائرات المسيّرة في الحرب السورية. وقد وجُمعت إحصاءات إضافية من تحليل نشره خبراء مدنيون وعسكريون. وتم التحقيق مع الجهات الفاعلة الأكثر صلة. لكن بوجود العديد من الجماعات المسلحة في هذا النزاع وانعدام الرؤية (“ضبابية الحرب”)، لا يمكن لهذه الدراسة أن تكون شاملةً. مع ذلك، لا يزال بإمكان منهجية المصدر المفتوح تقديم إحصاءات قيّمة حول الطريقة التي انخرطت بها الجهات الفاعلة المختلفة في النزاع في حرب الطائرات المسيّرة. ويركّز التحقيق على الإطار الزمني الممتد من بداية الصراع السوري في سنة 2011 حتى آب/ أغسطس 2022.
يستخدم البحث التصنيف التالي للطائرات المسيّرة كما طورته منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو يقسّم الطائرات المسيّرة إلى ثلاثة فئات على أساس الوزن والقدرة على التحمل.
تصنيف الناتو للطائرات المسيّرة
الفئة |
الصنف |
الاستخدامات المعتادة |
موقع التشغيل المعتاد |
محيط المهمة الطبيعي |
القائد الأساسي المعتمد |
مثال المنصة |
---|---|---|---|---|---|---|
الفئة 3
(> 600 كغ) |
هجوم/ قتال |
استراتيجي/ قومي |
ما يصل إلى 65 ألف قدم فوق سطح البحر |
غير محدود (ما وراء خط البصر) |
الميدان |
ريبر |
عالية الارتفاع وطويلة المدى |
استراتيجي/ قومي |
ما يصل إلى 65 ألف قدم فوق سطح البحر |
غير محدود (ما وراء خط البصر) |
الميدان |
غلوبال هوك |
|
متوسطة الارتفاع وطويلة الأمد |
استراتيجي/ قومي |
ما يصل إلى 45 ألف قدم فوق سطح البحر |
غير محدود (ما وراء خط البصر) |
قوة المهام المشتركة |
هيرون |
|
الفئة 2 (150-600 كغ) |
تكتيكي |
تشكيل تكتيكي |
ما يصل إلى 18 ألف قدم فوق مستوى الأرض |
200 كلم (خط البصر) |
فرقة، لواء |
واتشكيبر |
الفئة 1
(<150 كغ) |
صغير (> 15 كغ) |
الوحدة التكتيكية |
ما يصل إلى 5000 قدم فوق مستوى الأرض |
80 كلم (خط البصر) |
كتيبة، فوج |
سكان إيغل |
صغير جدا (<15 كغ) |
الوحدة الفرعية التكتيكية (يدوي أو إطلاق يدوي) |
ما يصل إلى 3000 قدم فوق مستوى الأرض |
ما يصل إلى 25 كلم (خط البصر) |
سرية، فصيل، فريق |
سكايلارك |
|
متناهي الصغر (<66 ج) |
الوحدة الفرعية التكتيكية (يدوي أو إطلاق يدوي) |
ما يصل إلى 200 قدم فوق مستوى الأرض |
ما يصل إلى 5 كلم (خط البصر) |
فصيل، فريق |
بلاك ويدو |
الفئة الأولى: طائرات مسيّرة يبلغ وزنها الأقصى عند الإقلاع 150 كيلوغراما وقدرة قصوى على التحليق لثلاث ساعات بمدى 80 كيلومترًا. ويُذكر أن الطائرات المسيّرة من الفئة الأولى غير مسلّحة ويتم نشرها لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.
الفئة الثانية: يتراوح الوزن الأقصى للطائرة المسيّرة من الدرجة الثانية عند الإقلاع ما بين 150 و600 كيلوغرام، ويمكنها التحليق في السماء لمدة عشر ساعات تقريبًا والسفر لمدى من 100 إلى 200 كيلومتر. ويقال إن الطائرات المسيّرة من الفئة الثانية، التي يُشار إليها بالفئة التكتيكية من قبل الناتو، تكون في الغالب غير مسلحة لكنها قادرة على حمل صواريخ خفيفة الوزن.
الفئة الثالثة: تضم الفئة الأخيرة طائرات مسيّرة طويلة المدى تحلق على ارتفاعات متوسطة وعالية يمكن تسليحها بحمولة تصل إلى 600 كيلوغرام (تتكون من مجموعة متنوعة من الأسلحة وأجهزة الاستشعار أو خزانات الوقود)، وتصل سرعتها إلى 300 كيلومتر في الساعة، وهي قادرة على التحليق لأكثر من 24 ساعة متواصلة.
الجهات الفاعلة والطائرات المسيّرة ونوع الاستخدام
الدول الفاعلة
سوريا
لا ينتج النظام السوري طائراته المسيرة وإنما يتلقى دعمًا ماديًا من إيران وروسيا في قتاله ضد جماعات (المعارضة) المسلحة، وهي تُستخدم إما من قبل النظام السوري أو حزب الله الذي قاتل إلى جانب الجيش السوري. وتقدّم اللقطات الجوية لمواقع محددة داخل مناطق مثل حمص، التي كانت تسيطر عليها أحزاب المعارضة، مثالا على الدعم الذي تقدمه هذه الطائرات المسيّرة للجيش السوري مما سمح له بتتبع ومسح واستهداف جماعات المعارضة المسلحة بالإضافة إلى الهياكل الأساسية الأخرى.
نشر النظام السوري والميليشيات المرتبطة به طائرات مسيّرة (مسلحة) ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في سوريا. رُصدت طائرات استطلاع مسيّرة سورية غير مسلحة في سنة 2018 في إسرائيل أو بالقرب من مرتفعات الجولان المحتلة، دون تأكيد ما إذا تم نشرها هناك عمدا أو عن غير قصد أثناء محاولتها استهداف جماعات المعارضة المسلحة في جنوب سوريا. ويُذكر أنه تم إسقاط هذه الطائرات المسيّرة على الفور من قبل الجيش الإسرائيلي. وتفيد مصادر بأن مركز البحوث العلمية السوري يصنع طائرات مسيّرة محليًا، لكن جميع اللقطات على الإنترنت تُظهر أنها ربما تكون إيرانية أو صينية الصنع أو نسخًا تم تجميعها في سوريا.
حسب الوسائط الإعلامية المرئية التي جمعها مركز دراسة الطائرات المسيرة، تم الإبلاغ عن استخدام النظام السوري لستة أنواع من الطائرات المسيرة الإيرانية. وهذه الطائرات المسيّرة التي تديرها قوات الدفاع الجوي السورية هي في الأساس من الدرجة الثانية من طراز “مهاجر 4” و”أبابيل 3″، مع رصد طائرات “شاهد 123″ و”شاهد 129″ و”مول ياسر” و”عقاب 1″.
شوهدت هذه الطائرات المسيّرة في الغالب في سماء حمص وحماة ودمشق وحلب ودير الزور وإدلب وعند القواعد الجوية في دمشق وحماة والشعيرات. وقد حدد مركز دراسة الطائرات المسيّرة أن الفئة الأولى من طائرات “إنسباير” التابعة لشركة “دي جي آي” و”فانتوم كوادكوبتر” و”إف 550 فليم ويل” باعتبارها طائرات صينية مسيّرة أو طرازات مشابهة يُعتقد أن قوات النظام السوري تستخدمها. وتشمل الطائرات المسيّرة روسية الصنع التي ثبت أن النظام السوري أو يُعتقد أنه يستخدمها طائرة “إليرون 3 إس في” الصغيرة و”أورلان -10″ من الفئة الثانية.
روسيا
تعتبر روسيا من بين الجهات الفاعلة الرئيسية المشاركة في حرب الطائرات المسيّرة في الحرب السورية، وقد أثرت بشكل كبير على مسار الحرب من خلال دمج الطائرات المسيّرة في أنشطتها. روسيا حريصةٌ على إبقاء الأسد في السلطة وتنخرط في توفير معلومات محدثة عن مواقع جماعات مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة (التي تُعرف حاليًا بهيئة تحرير الشام) والجيش السوري الحر وقوتها وحالتها.
لذلك، عملت روسيا على تزويد نظام الأسد بطائرات مسيّرة لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع منذ بداية الصراع ونشرت نفس النوع من هذه الطائرات المسيّرة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة منذ بدء التدخل الروسي في سوريا سنة 2015. وفي أواخر سنة 2017، ادعى رئيس الأركان الروسية الجنرال فاليري جيراسيموف أن القوات الجوية الروسية تُشغّل من 60 إلى 70 طائرة مسيّرة في سوريا يوميًا. وأشار سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، في نفس الفترة إلى أن الطائرات الروسية المسيّرة تنفذ مهام المراقبة والاستطلاع على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع في سماء سوريا.
في سنة 2019، أصبحت الطائرات المسيّرة المقاتلة متاحة لسلاح القوات الجوية الروسية ورُصت وهي تحلق في سماء سوريا منذ ذلك الحين. ووفقًا للخبير الروسي صامويل بينديت، تضمنت مهام الطائرات المسيّرة الروسية في سوريا خلال سنة 2020 الاستطلاع الجوي وتحديد الأهداف والتحكم في الضربات الجوية وضبط المدفعية. وقد أثبتت الحرب السورية أنها “مختبر الطائرات المسيّرة” النهائي للقوات الجوية الروسية بتمكين روسيا من تقييم تقنيات الطائرات المسيّرة لشركائها وإيجاد حل لها.
منذ بداية التدخل الروسي في الحرب السورية، شرعت روسيا في تنفيذ برنامج الطائرات المسيّرة في سوريا باستخدام مجموعة من الطائرات المسيّرة: “إليرون 3 إس في” الصغيرة المسيّرة، وطائرات “أورلان 10” من الفئة الثانية متوسطة الارتفاع وطويلة المدى، و”فوربوست”، “سيرشر”، “بشيلا -1تي” وطائرات “بتيرو جي0” المسيّرة، وطائرة “ميل أوريون” من الفئة الثالثة، وذخائر “كا واي بي” و”زالا لنسيت-3″ الانتحارية، التي تتمتع بمواصفات الطائرات المسيّرة الصغيرة من الفئة الأولى مع قدرات الهجوم التي تتمتع بها الطائرات المسيّرة من الفئة الثانية/ الثالثة. وهناك مؤشرات على استخدام زالا لانسيت -1 القديمة، رغم الحاجة إلى مزيد من المعلومات لتأكيد هذه المزاعم. كما أبلغت وسائل الإعلام المحلية السورية والمصادر الروسية عن استخدام طائرات كورسار المسيرة الروسية ذات الأغراض التجارية وطائرات تاخيون المسيرة في سوريا. مع ذلك، لا يمكن التحقق من هذه المعلومات بشكل مستقل.
اختبرت القوات الجوفضائية الروسية أول طائرة مسيرة تعرف باسم “كرونشتات أوريون” للرحلات متوسطة الارتفاع وطويلة الأمد في سوريا في سنة 2019، وهو نوع مشابه لطائرة “إم كيو-1 بريداتور” المسيرة الأمريكية. واستنادًا إلى اللقطات التي نُشرت في شباط/ فبراير 2021، من المعروف أن طائرة أوريون المسيرة قد نفذت 20 مهمة استخبارات ومراقبة واستطلاع و17 مهمة قتالية منذ سنة 2018. لا تزال الأهداف التي تم مهاجمتها بالطائرة المسيرة غير مؤكدة.
وعلى الرغم من أن الحرب السورية مثلت نقطة تحول وتطور للقوات الجوفضائية الروسية، أدى عدم توفر أعداد كافية من الطائرات المسيرة المسلحة إلى خلق فجوة في قدرة القوات الجوفضائية الروسية مقارنة بالجهات الفاعلة الأخرى في سوريا التي تملك أنواعًا قتالية. خلال الصراع السوري، قدمت روسيا دعمًا أساسيًا بطائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المسيرة لمهام المدفعية والقوات الجوية الأخرى. وكانت سوريا أيضًا ساحة اختبار للطائرات الروسية الانتحارية، لا سيما الطائرات الصغيرة لانسيت 3 وطائرة كي يو بي المسيرة.
“فوربوست” هي الطائرة المسيرة الرئيسية الأكبر في روسيا التي كانت تستخدم بشكل متكرر في الحرب، ويعتمد تصميمها على طائرة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الإسرائيلية المسيرة. تسلمت روسيا طائرات الاستطلاع المسيرة الإسرائيلية وتلقت التدريب على كيفية تشغيلها من شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية بحلول سنة 2010؛ وقد طلبت ذلك خلال الحرب الروسية الجورجية في سنة 2008. حصلت روسيا أيضًا على ترخيص لإنتاج نسخ من طائرة الاستطلاع المسيرة محليًا، التي أطلقت عليها اسم “فوربوست” ونشرتها في سوريا. وتظهر الصور الفوتوغرافية وصور الأقمار الصناعية طائرات “فوربوست” في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وفي مطار حلب.
حسب وسائل إعلام محلية سورية، فإن الطائرات الروسية المسيرة التي شوهدت بشكل أساسي في الضواحي الشرقية للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب وحلب تُقلع من قواعد في الغضفة ومعر شورين، بينما تنطلق طائرات مسيرة أكبر تستهدف المناطق الساحلية من قاعدة حميميم الجوية بالقرب من اللاذقية، المركز الرئيسي للعمليات الروسية في سوريا. كما كانت الوحدات الروسية تشغل الطائرات المسيرة العسكرية من قاعدة التيفور بالقرب من تدمر، حيث تم اختبار طائرة أوريون المقاتلة المسيرة، على سبيل المثال، ولديها طائرات مسيرة متمركزة في قاعدة دير الزور الجوية في شرق سوريا.
إيران
بدأت إيران بتزويد القوات المسلحة السورية بالطائرات المسيرة منذ بداية الحرب السورية وحزب الله منذ سنة 2004. وخلال الحرب، بدأت إيران بتزويد العديد من الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا بالطائرات المسيرة، وبطائرات قتالية تجسسية، وخبرات لتصنيع نسخ محليًا، وتقديم برامج تدريب خاصة بالطائرات المسيرة. ويبدو أن إيران تزوّد وكلاءها بأشكال مختلفة من طائراتها المسيرة الحالية، مما يمنح طهران إمكانية “الإنكار المقبول”، مع أن هذه الحجة غير قابلة للتصديق على المستوى العملي. كما كانت إيران حريصةً على إنشاء واستخدام قواعد الطائرات المسيرة داخل سوريا، مثل قاعدة التيفور الجوية، التي تتشاركها مع روسيا وتُستخدم لتجميع وتشغيل وتخزين أنظمة الطائرات المسيرة العسكرية.
يمكن لإيران توفير الإمدادات لوكلائها عبر هذه القواعد، لكنها تمكنها أيضًا من استخدام سوريا كنقطة انطلاق لتحدي إسرائيل. وقد رُصدت طائرات إيرانية مسيرة، مثل “شاهد 129” في قاعدة التيفور الجوية. كما تستخدم إيران سوريا كنقطة عبور لطائراتها المسيرة ومعداتها الموجهة إلى حزب الله في لبنان.
تنشر الميليشيات المدعومة من قبل إيران طائراتها المسيرة في سوريا لمواجهة القوات الأمريكية والإسرائيلية وتنظيم الدولة والجماعات المسلحة الأخرى. ومثّل صعود تنظيم الدولة في سوريا السبب الرئيسي بالنسبة لإيران لنشر طائراتها المسيرة خارج حدودها، أو على الأقل الدافع الرئيسي للاعتراف بأنها كانت تستخدم طائرات مقاتلة مسيرة في بلد آخر.
في سنة 2018، زعم الحرس الثوري الإسلامي أنه نفّذ 700 غارة بواسطة طائرات مسيرة ضد تنظيم الدولة في سوريا، مع أنه لا يمكن التحقق من ذلك بشكل مستقل. وقد نُفّذ أول هجوم بطائرة مسيرة ضد القوات الأمريكية في سوريا في حزيران/ يونيو 2017، عندما هاجم وكلاء إيرانيون دورية للتحالف الأمريكي بواسطة طائرة “شاهد-129″، وذلك جزئيًا بهدف إظهار أن القوات الموالية للأسد على استعداد لاستهداف القوات الأمريكية مباشرة. في المقابل، أسقطت الولايات المتحدة مقاتلتين مسيرتين إيرانيتين وطائرة نفاثة تتولى مهام حماية المنطقة.
باتت العديد من هجمات الطائرات المسيرة الإيرانية والمدعومة من إيران ضد الأهداف العسكرية الأمريكية أكثر تواترًا. وفي سنة 2021، ادعى المسؤولون الأمريكيون أن إيران كانت وراء هجوم الطائرات المسيرة على الموقع العسكري الأمريكي في التنف في جنوب سوريا كردّ انتقامي على الضربات الجوية الإسرائيلية، وذلك من خلال تشجيع وتمكين ومساعدة جماعات الميليشيات الشيعية على تنفيذ الهجوم. وقد أعلن مسؤولون إيرانيون في بعض المناسبات مسؤوليتهم عن هجمات الميليشيات المدعومة من إيران، وذلك دائمًا بحجة ضرب أهداف إرهابية.
من المحتمل أن تكون الطائرات الاستطلاعية والمقاتلة المسيرة التي أطلقتها إيران أو القوات الإيرانية في سوريا هي الطائرات الصغيرة “عقاب 1″ وياسر و”مهاجر 4″ و”مهاجر 6″ و”أبابيل 3″ و”صاعقة” و”شاهد 123″ وطائرات من الدرجة الثالثة للرحلات متوسطة الارتفاع وطويلة المدى مثل شاهد- 129. وهناك تقارير عن مشاهدة طائرة مهاجر-2 في سوريا لكن الصور المتاحة غير دقيقة. ويُعتقد أيضًا أن إيران تنشر طائرات مسيرة انتحارية في سوريا من خلال وكلائها العراقيين.
ومن بين العديد من الطائرات المسيّرة الإيرانية التي رُصدت في سماء سوريا، غالبًا ما يكون من غير الواضح ما إذا كانت تتحكم فيها الحكومة السورية أو حزب الله أو الحرس الثوري الإيراني، لكن خضوعها للإشراف الإيراني أمر مرجح. والجهود التي تبذلها إيران لتعزيز برنامج الطائرات المسيرة تمثل تهديدًا لخصومها الإقليميين والولايات المتحدة. ورغم التطور المحدود للتكنولوجيا الخاصة بهم، يزعم بعض الخبراء أنهم يبرعون في تطوير الطائرات المسيرة غير المكلفة.
أتاحت الحرب السورية لإيران إمكانية إلقاء نظرة فاحصة على تصميم الطائرات المسيرة الأمريكية أو الإسرائيلية من خلال الوصول إلى حطامها، مما أثر في النهاية على تطوير طائراتها المسيرة. فعلى سبيل المثال، يبدو أن الطائرات الإيرانية من طراز صاعقة وشاهد 171، التي كانت بمحرك نفاث مدعم، تستند إلى تصميم الطائرة المسيرة الأمريكية آر كيو-170 سنتينال التي تم الاستيلاء عليها بعد أن تحطمت في الصحراء الإيرانية في سنة 2011.
لقد مكّنت الحرب السورية إيران من تطوير تكنولوجيا الطائرات المسيرة، وينطبق الأمر ذاته على روسيا. وحسب وسائل إعلام المعارضة، فإن الطائرات المسيرة التكتيكية الإيرانية تنطلق بشكل أساسي من مطار حماة، في حين تنطلق الطائرات المسيرة الانتحارية من معسكر جورين في منطقة سهل الغاب شمال غرب حماة. بالنظر إلى قدرة الطائرات المسيرة الانتحارية على التنقل وقصر مدى تحليقها، فمن المحتمل أن يتم نشرها من مواقع متعددة.
الولايات المتحدة
أرسلت الولايات المتحدة بعثات استطلاعية بواسطة طائرات مسيرة إلى مواقع تمركز تنظيم الدولة في سوريا في آب/ أغسطس 2014. في تلك المرحلة، لم يُؤذن بالتحرك عسكريًا لكن جمع المعلومات الاستخباراتية كان الخطوة الأولى نحو تدخل الولايات المتحدة عسكريًا في الصراع السوري، وتنفيذ مهمات المراقبة التي تدعم في نهاية المطاف الضربات الجوية. مثّل صعود تنظيم الدولة والهجمات المروعة اللاحقة على المجتمعات غير السنية، وتحديدا الإيزيديين والسيطرة على الموصل، إشارة بالنسبة للرئيس أوباما لتغيير سياسته من دعم جهود تغيير النظام في دمشق إلى دحر تنظيم الدولة. تشكّل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بقيادة الولايات المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2014 وبدأ حربه ضد التنظيم في العراق فيما يعرف بـ “عملية العزم الصلب”. وبعد فترة وجيزة، بدأ التحالف في شن غارات جوية ضد معاقل تنظيم الدولة في سوريا.
نُفّذت أول ضربة أمريكية بطائرة مسيرة ضد تنظيم الدولة في سوريا في آب/ أغسطس 2015 من قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، وقد تحالفت الولايات المتحدة وتركيا في القتال ضد تنظيم الدولة. انتهى الأمر بالولايات المتحدة إلى استخدام عمليات القتل المستهدف ضد أعضاء التنظيم والجماعات الجهادية الأخرى كوسيلة رئيسية لمكافحة الإرهاب في سوريا، لكنها كانت تميل إلى عدم إعلان مسؤوليتها عن مثل هذه الاغتيالات.
إلى جانب استراتيجيته المتمثلة في تنفيذ ضربات جوية مأهولة وغير مأهولة ضد تنظيم الدولة، تبنى التحالف أيضًا استراتيجية تقديم المشورة وتدريب وتجهيز الحلفاء المحليين ليتمكنوا من تخطيط وتنفيذ العمليات البرية ضد تنظيم الدولة بأنفسهم. في البداية، اعتمدت هذه الاستراتيجية مع الجيش السوري الحر في سنة 2012 ولكن سرعان ما تم التخلي عنها بسبب التعقيدات والفشل في إنشاء قوة قتالية متماسكة. ردًا على حصار كوباني في سنة 2014، وضعت الولايات المتحدة برامج “تدريب وتجهيز” لجماعات المعارضة التي تقاتل تنظيم الدولة، مثل قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها بشكل أساسي وحدات حماية الشعب – وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الذي يتحالف مع خصم تركيا حزب العمال الكردستاني. ومن بين عناصر هذه البرامج تدريبات الطائرات المسيرة. وقد أدت هذه الخطوة إلى ابتعاد تركيا عن الولايات المتحدة، ويُعزى ذلك إلى أن تركيا كانت في خضم القتال مع هذه الجماعات الكردية في الداخل وفي العراق وتصنّفها ضمن قائمة الإرهاب.
في النهاية، أدى ذلك إلى تصاعد التوترات والإحباط بين الدولتين وزيادة التورط العسكري التركي في الصراع السوري. وهناك مزاعم عن قيام وحدات حماية الشعب باستخدام طائرات مسيرة أمريكية الصنع مثل طائرة “بوما” المسيرة، لكن لم يتم تأكيد ذلك.
بدأت الولايات المتحدة في سنة 2017 مهاجمة أهداف في قوات النظام السوري، مثلا عندما قامت طائرة مسيرة من طراز “إم كيو-9 ريبر” بتدمير دبابة روسية تستخدمها قوات الأسد. كانت الطائرات المسيرة جزءًا من الاستخدام الأمريكي المكثف للقوة عندما شنت القوات السورية والمرتزقة الروس هجومًا على قاعدة أمريكية شرق سوريا سنة 2018، مما أسفر عن مقتل المئات من المهاجمين. تواصل الولايات المتحدة أيضًا استخدام طائرات مسيرة مسلحة في عمليات قتل تستهدف القوات العسكرية المشتبه أن تكون من تنظيم الدولة والقاعدة في شمال غرب سوريا. وقد شهدت هذه المنطقة أول استخدام لصاروخ “آر إكس-9 هيلفاير” المجهز بشفرات بدلا من المتفجرات لتقليل الأضرار الجانبية.
نشرت الولايات المتحدة الطائرات المسيرة في سوريا من الفئة الثالثة للارتفاعات المتوسطة طويلة المدى والمسلحة من طرازات “إم كيو-1 بريداتور” و”إم كيو-1 سي غراي إيغل” و”إم كيو-9 ريبر”، وكذلك الطائرات من الفئة الثانية من طراز “إيروسوند إم كيه-4” والطائرات التكتيكية من الفئة الأولى من طراز “آر كيو-20 بوما” لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في كل البيئات. بالإضافة إلى ذلك، نشرت القوات الخاصة الأمريكية الطائرات المسيرة الانتحارية من طراز “سويتشبليد” الصغيرة.
كانت الأهداف الرئيسية هي المتمردين والبنية التحتية الخاصة بهم والأهداف العسكرية في جانب النظام السوري وإيران والجماعات المسلحة. توجّه الولايات المتحدة طائراتها المسيرة الأكبر حجمًا من قواعد عسكرية خارج سوريا، وقد استخدمت في البداية قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا ولكنها سحبت قواتها لاحقًا.وتُظهر صور الأقمار الصناعية وجود طائرات مسيرة مسلحة من طراز “إم كيو-1 سي” و”إم كيو-9″ في القواعد الأمريكية في كل من الأردن والعراق والكويت وقطر.
تركيا
بدأت تركيا التدخل في الحرب السورية من خلال الدعوة إلى تغيير النظام في دمشق ودعم إنشاء الجيش السوري الحر. في سنة 2014، كانت تركيا من المؤيدين للدعوة الأمريكية لتشكيل ائتلاف أساسي لمحاربة تنظيم الدولة في العراق، وانضمت إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة. لكن لم تحبذ تركيا الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة للجماعات الكردية السورية في قتالها ضد تنظيم الدولة، وارتأت أن الأولوية الرئيسية يجب أن تكون الإطاحة بنظام الأسد.
واصلت القوات المسلحة التركية القتال ضد قوات سوريا الديمقراطية التي مثلتها وحدات حماية الشعب الكردية، أثناء محاربة تنظيم الدولة، وكانت أقل نشاطًا في القتال ضد تنظيم الدولة في سوريا. مع ذلك، وافقت تركيا على استخدام أراضيها من قبل التحالف بقيادة الولايات المتحدة لتنفيذ العمليات العسكرية في سوريا، لكن محاولة انقلاب سنة 2016 وانهيار العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة أدت إلى انسحاب الطائرات المسيرة الأمريكية من قاعدة إنجرليك. بدأ بعد ذلك التدخل العسكري التركي المباشر في الصراع بعملية درع الفرات، عندما كانت القوات التركية نشطة في شمال سوريا من 24 آب/ أغسطس 2016 حتى آذار/ مارس 2017.
كان هدف الحملة العسكرية مواجهة تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية، ما شكّل بداية الاحتلال التركي لشمال سوريا. وقد تمحور التدخل التركي في الحرب السورية في المقام الأول حول إضعاف الأكراد السوريين، ويُرى ذلك من خلال استعداد تركيا لإعادة التنظيم الاستراتيجي مع روسيا بدلاً من القتال من أجل الإطاحة بنظام الأسد ودحر تنظيم الدولة.
خلال عملية درع الفرات، تم الإبلاغ عن مشاهدة أول أنظمة تركية موجهة عن بعد في سماء سوريا. وعلى وجه التحديد، تم استخدام الطائرات المحلية من الفئة الثالثة للارتفاعات المتوسطة طويلة المدى من طرازي “بيرقدار تي بي-2″ و”أنكا-إس” لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. وبدأت طائرات “تي بي-2” كاملة التسليح بالذخيرة المحلية في القيام بدوريات في سماء تركيا وسوريا أثناء عملية درع الفرات. وقد مهدت فعاليتها الطريق لتوسيع نطاق استخدامها، وأصبحت طائرة تركيا المسيرة القتالية الأكثر شهرة ولعبت دورًا رئيسيًا في النزاعات في ليبيا و ناغورنو كاراباخ وإثيوبيا ومؤخرًا في أوكرانيا.
أثبتت طائرة تي بي-2 جدارتها في الحملة العسكرية التالية لتركيا، وهي عملية غصن الزيتون في شمال غرب سوريا. شرعت تركيا في حملة جوية عدوانية في كانون الثاني/ يناير 2018 لإخراج وحدات حماية الشعب الكردية من منطقة عفرين الواقعة على الحدود التركية، بالإضافة إلى ثني الولايات المتحدة عن التعاون مع الأكراد السوريين. وقد لعبت طائرة تي بي-2 دورًا هامًا في هذه العملية من حيث الضربات والمراقبة، وقد استُعرضت فعالية التغطية الجوية المستمرة للطائرات المسلحة المسيرة في المهام الاستخبارية والقدرات الهجومية المباشرة.
نشرت تركيا طائراتها المسيرة المقاتلة خلال الحملة التالية، عملية نبع السلام في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لتنفيذ ضربات ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، لتنجح في نهاية المطاف في السيطرة على شريط على طول الحدود من رأس العين إلى تل أبيض.
في كلتا العمليّتين، عملت تركيا على استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على طول الحدود التركية سعيًا لمنع وتقويض إنشاء منطقة حكم ذاتي خاضعة للأكراد. ساهمت عملية درع الربيع في شباط/ فبراير وآذار/ مارس من سنة 2020 في جذب انتباه الجمهور العام إلى طائرات تي بي-2، وذلك يرجع إلى الحملة الإعلامية المكثفة على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام باستخدام لقطات من طائرات مسيرة لإظهار تدمير القوات السورية في إدلب.
استخدمت تركيا الطائرات المسيرة من طراز تي بي-2 وأنكا-إس لاستهداف قوات النظام السوري في رد انتقامي على غارة جوية أسفرت عن مقتل 33 جنديًا تركيًا على الأقل في بليون، وفي هجوم مضاد ضد الجيش العربي السوري الذي استهدف القوات المسلحة التي تدعمها تركيا في إدلب. وقد أبلغت مراكز الفكر التي تراقب تأثيرات الحملة عن 405 حالات وفاة مرتبطة بالقتال بين صفوف المقاتلين التابعين للنظام السوري خلال عملية درع الربيع.
من بين الأساليب المركزية التي استخدمتها تركيا في محاولة إضعاف القدرة العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب في شمال شرق سوريا مشاركتها في عمليات القتل المستهدف. ويُزعم أن أول عملية قتل مستهدفة تركية حدثت في جنوب شرق تركيا، عندما أعلنت القوات المسلحة التركية عن تنفيذ ضربات بطائرات تي بي -2 في 10 أيلول/ سبتمبر 2016، مما أسفر عن مقتل خمسة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
ومن غير المعروف ما إذا كان هذا يتعلق بالعمليات الأولى التي يتم فيها استخدام طائرة مسيرة مسلحة في القتل في تركيا. وفي سوريا؛ تم نشر طائرات مسيّرة من طراز “تي بي – 2” بشكل متزايد من قبل تركيا بهدف قتل قادة محددين من قوات سوريا الديمقراطية وأعضاء من جماعات مسلحة أخرى مرتبطة، مثل المجلس العسكري السرياني وحزب الحياة الحرة الكردستاني ومقره إيران، بالإضافة إلى تقديم المساعدة الجوية للقوات المسلحة التركية والمشاركة في استهداف المواقع العسكرية والبنية التحتية المهمة لقوات سوريا الديمقراطية.
وتستهدف طائرات تركيا القتالية المسيرة مركبات يُفترض أنها تنقل قادة قوات سوريا الديمقراطية، أو مباني تابعة لقوات سوريا الديمقراطية، كما حدث يوم 19 آب/ أغسطس 2021 عندما استُهدف مقر لقوات سوريا الديمقراطية في بلدة تل تمر، ما أسفر عن مقتل سبعة من قادة قوات سوريا الديمقراطية. ومكّنت الطائرات المسيّرة الجيش التركي من جمع معلومات استخبارية حول أماكن وجود قادة قوات سوريا الديمقراطية وتحركاتهم وقتلهم. وفي وقت كتابة هذا التقرير، لوحظ تصاعد في معدل ضربات الطائرات التركية المسيّرة على المناطق المأهولة بالسكان في شمال سوريا.
ومنذ بداية سنة 2022 وحدها؛ تم الإبلاغ عن أكثر من 65 هجومًا بطائرات مسيّرة في شمال شرق سوريا، مما أسفر عن مقتل 35 شخصًا، معظمهم يُزعم أنهم من المسلحين أو من الشخصيات السياسية، بما في ذلك خمسة أطفال على الأقل وفقًا لتقارير محلية، في حين أنه المرجح أن يكون هذا العدد أعلى وقت نشر هذا التقرير.
واستخدمت تركيا طائراتها المسيّرة المسلحة ضد الميليشيات الإيرانية وتنظيم الدولة، كما استخدمت طائراتها المسيرة غير المسلحة لأغراض الدعاية والتعبئة، وألقت منشورات فوق مناطق في محافظة إدلب تدعو المدنيين إلى دعم القوات المسلحة التركية. ويُزعم أن تقارير وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر أن تركيا تستخدم أيضًا نظام الطائرات الانتحارية الصغيرة في سوريا من طراز “كارغو”. ووفقًا لوسائل الإعلام التركية؛ تقلع الطائرات المسيّرة من طراز “تي بي – 2″ و”أنكا – إس” بشكل أساسي من القواعد الجوية على الحدود مع سوريا، بينما تقلع بعضها من أماكن أبعد داخل تركيا، مثل مدينة باطمان. ومن المرجح أن تقوم القوات التركية بنشر طائرات “كارجو” المسيّرة على الحدود أو داخل سوريا.
“إسرائيل”
تم التأكد من وجود نوعين من الطائرات المسيّرة الإسرائيلية قد حلقت فوق سوريا، وهما “سكاي لارك” و”فوربوست”. ومع ذلك؛ فإن روسيا هي الطرف الوحيد الذي يطلق طيارات “فوربوست” فوق سوريا كما هو موضح سابقًا.
وطائرة “سكاي لارك” هي طائرة استطلاع صغيرة بدون طيار من الفئة الأولى أنتجتها شركة “إلبيت سيستمز”، وقد رُصدت هذه الطائرة – بحسب ما ورد – في القنيطرة والشدادي، وبسبب العلاقات العدائية بين إسرائيل من جهة وسوريا وإيران وحزب الله من جهة أخرى، كانت العديد من العمليات الإسرائيلية ضد سوريا منذ سنة 2013 موجهة ضد القوات الموالية للأسد وإيران وحزب الله أو كانت تهدف إلى تعزيز قبضتها على مرتفعات الجولان.
ومن المفارقات أن “فوربوست” التي صممتها إسرائيل تستخدمها روسيا لدعم نظام الأسد (وبالتالي إيران وحزب الله) وأسقطتها إسرائيل عدة مرات في سوريا، وهناك العديد من المزاعم حول ظهور طائرات مسيّرة إسرائيلية مسلحة وطائرات مسيّرة انتحارية في سوريا استهدفت القوات العسكرية الإيرانية أو الموالية للأسد أو حزب الله، لكن هذه المزاعم لم يتم دعمها بالأدلة حتى الآن.
المملكة المتحدة
كجزء من عملية العزم الصلب التي تقودها الولايات المتحدة، نشرت المملكة المتحدة أيضًا طائرات مسيّرة من طراز “إم كيو – 9 ربيبر” – المتمركزة في الكويت – فوق سوريا. وتم استخدام هذه الطائرات المسيّرة إلى حد كبير للدعم الجوي المباشر والضربات الجوية الأوسع نطاقًا ضد تنظيم الدولة. ومع ذلك؛ نفذت المملكة المتحدة عدة عمليات استهداف واغتيال، بما في ذلك ضد بعض مواطنيها الذين انضموا إلى تنظيم الدولة. كما تم نشر طائرات نفاثة بريطانية لإسقاط طائرات مسيّرة كانت تستهدف القواعد الأمريكية في سوريا، في حين تم الكشف مؤخرًا عن تشغيل طائرات مسيرة مسلحة بريطانية بواسطة طيارين من القوات الجوية الأسترالية.
الجهات الفاعلة غير الحكومية
تنظيم الدولة
يُعد استخدام الطائرات المسيّرة من قبل تنظيم الدولة أحد أكثر دراسات الحالة التي تم بحثها وتوثيقها على نطاق واسع لاستخدام الطائرات المسيّرة من قِبل جماعات مسلحة غير نظامية. فبعد فترة وجيزة من صعوده في سنة 2014؛ من المعروف أن تنظيم الدولة نشر طائرات مسيّرة مسلحة وغير مسلحة ضد أهداف عسكرية لنظام الأسد والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وروسيا ووحدات حماية الشعب الكردي وغيرها من الجماعات الثائرة وضد البنية التحتية للطاقة. وكانت الطائرات المسيّرة التي تم تحديدها والتي يستخدمها تنظيم الدولة داخل المدن وحولها مثل الرقة وكوباني ودير الزور وحلب تشمل الفئة الأولى من طرازات “فانتوم دي جي آي” و”سكاي هانتر إف ب في” و”سكاي ووكر إكس 8″ وإكس – يو أيه في تالون”، إلى جانب أنواع أخرى غير محددة من الطائرات المسيّرة المسلحة.
وتم استخدام هذه الطرازات من الطائرات المسيّرة بشكل أساسي من قبل تنظيم الدولة في الصراع السوري لأغراض استخباراتية وللمراقبة والاستحواذ والاستطلاع، وتم نشر أول فيديو للتنظيم وهو يستخدم طائرة من طراز “دي جي آي فانتوم” في آب/ أغسطس 2014. وكانت المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها باستخدام طائرات مسيّرة أساسية في توجيه هجمات تنظيم الدولة ضد مواقع القوات السورية. وبمرور السنين؛ أضاف التنظيم الجهادي مكونات تكنولوجية منخفضة التقنية ورخيصة إلى مخزونه من الطائرات العسكرية المسيّرة لتسليحها وجعلها أكثر تطورًا وتمكينها من توجيه ضربات غير مباشرة وإيصال عبوات ناسفة صغيرة.
بدأ تنظيم الدولة في تسليح طائراته المسيّرة في أواخر سنة 2016 في العراق ونشر طائراته المسلحة المسيّرة لأول مرة في شرق سوريا خلال سنة 2017. وبلغ برنامج تنظيم الدولة للطائرات المسيّرة ذروته في ربيع سنة 2017، عندما وقع ما بين 60 و100 هجوم بالقنابل شنته طائرات مسيّرة في سوريا والعراق بشكل شبه يومي، وبلغ إجمالها قرابة 9000 هجمة في هذه الفترة الزمنية. وأحد الأمثلة على استخدامها الفعال في هذه الفترة هو عندما أسقطت طائرة مسيّرة عبوتين ناسفتين على مستودع ذخيرة تابع للجيش العربي السوري في دير الزور ودمرته بالكامل.
التعديلات التي أدخلها تنظيم الدولة على طائراته العسكرية المسيّرة ليست صعبة بشكل خاص في حد ذاتها، ومع ذلك تتميز عملياته بطائرات مسيّرة بسبب حجمها، فتنظيم الدولة منظم جيدًا وقد استثمر موارد مالية كبيرة في برنامج الطائرات المسيّرة، مما أدى إلى الإنتاج الصناعي للذخيرة ومكونات قنابل الطائرات المسيّرة وطائرات مسيّرة هجومية في مواقع التطوير الصغيرة والكبيرة أو “مصانع الطائرات المسيّرة”. واستخدم تنظيم الدولة مجموعة واسعة من المواد وأنواع الرؤوس الحربية وذيول قنابل الطائرات المسيّرة.
ووفقًا للباحث في شركة بيلنجكات، نيك ووترز، فقد تحسن تصنيع الذخائر في ظل تنظيم الدولة بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة فعالية وتأثير طائراتهم المسيّرة. ومن المرجح أن يكون الارتقاء السريع في استخدام الطائرات المسلحة المسيّرة ونشرها من قبل تنظيم الدولة نتيجة للتخطيط الدقيق والمركزي والمدروس، فالطائرات المسيّرة التي يستخدمها التنظيم معروفة بدقتها وتستهدف في المقام الأول البنية التحتية الحيوية والمركبات ومواقع المشاة، وغالبًا ما توجِد تأثيرات إستراتيجية.
ووصف جنرال في قيادة العمليات الخاصة الأمريكية هذه الطائرات المسيّرة بأنها “التهديد الأكثر رعبًا” لسنة 2016 بسبب قدرتها على تحدي التفوق الجوي للولايات المتحدة، فقبل هذه المرحلة من الحصول على الطائرات المسلحة المسيّرة وتعديلها؛ يُزعم أن تنظيم الدولة ركز على مواجهة حرب الطائرات المسيّرة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها من خلال تطوير طائرات مسيّرة تعمل بمحركات نفاثة نبضية سنة 2015، وتشير التحقيقات التي أجراها مركز أبحاث تسليح النزاعات إلى أن هذه المشاريع على الأرجح قد فشلت وأن مثل هذا الطائرات التي تعمل بمحرك نفاث لم يستخدمها تنظيم الدولة في ساحة المعركة.
وما يجعل برنامج الطائرات المسيرة لتنظيم الدولة فريدًا مقارنة بالجهات الفاعلة الأخرى غير النظامية هو شبكة شراء أسلحته يدوية الصنع، فقد حددت العديد من التحقيقات كيف وجدت الأسلحة والمكونات المختلفة طريقها إلى سوريا، بحيث أصبح إضفاء الطابع التصنيعي لإنتاج الطائرات المسيّرة ممكنًا بسبب شراء المواد عن طريق سلاسل التوريد الدولية، وتم جمع الأجزاء والمكونات المستوردة بسرعة ونشرها في جميع أنحاء المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة بمجرد وصولها إلى سوريا أو العراق.
وتم شراء العديد من المستلزمات من قبل نفس الشركات (المملوكة لعوائل تنظيم الدولة) والأفراد، الذين كانوا متمركزين بشكل أساسي في تركيا بالقرب من الحدود السورية؛ حيث كان يتم تهريب البضائع إلى سوريا. وكان تنظيم الدولة يميل إلى استخدام نفس تجار التجزئة الدوليين لفترة أطول، مما أفضى إلى سلسلة توريد ثابتة، وكان لشقيقين من بنغلاديش نفوذ محدد حيث كانا يديران شركات سرية في المملكة المتحدة وإسبانيا وبنغلاديش والتي نقلوا من خلالها الأموال والمواد إلى تنظيم الدولة.
وكان الموزعون الآخرون الذين اشترت الأطراف الثالثة منهم طائرات مسيّرة تجارية لتنظيم الدولة موجودون في لبنان وتركيا وأوزبكستان والهند والكويت، وغالبًا ما كانت مكونات الطائرات المسيرة العسكرية والتجارية تأتي من أصل صيني. وقد اتسمت إجراءات برنامج الطائرات المسيرة الخاص بتنظيم الدولة، من الاستحواذ إلى تشغيل الطائرات، بطبيعة “متعددة الطبقات”، بمعنى أنه يمكن شراء طائرة مسيّرة تجارية في دولة ما، وتفعيلها في دولة أخرى واستخدامها في دولة ثالثة مثل سوريا، وبشكل عام كانت سلسلة توريد الطائرات المسيّرة التابعة لتنظيم الدولة معقدة للغاية وعالمية ومتعددة الطبقات ويشارك فيها مجموعة من الجهات الفاعلة.
وبالإضافة إلى نشر طائرات مسيرة لأغراض المراقبة والاستحواذ والاستطلاع وشن الغارات، كان تنظيم الدولة قويًا في استغلال القيمة الدعائية للصور من مقاطع فيديو الطائرات المسيرة، فبدلاً من استخدام الطائرات المسيرة في سرية، كما يفعل معظم مستخدمي الطائرات المسيرة التابعين للجهات الحكومية وغير الحكومية، سعى تنظيم الدولة إلى الدعاية لبرنامج الطائرات المسيرة الخاص به؛ حيث قام تنظيم الدولة بنشر العديد من الصور لأنشطة الطائرات المسيرة على تطبيق “تيليجرام”، والتي يمكن تقسيمها إلى فئات مختلفة: غارات الطائرات المسيرة (التي تصور إسقاط الذخائر)، وتصوير العمليات (العمليات الانتحارية بشكل أساسي)، والاستطلاع (الصور التي التقطتها طائرات مسيرة وهي تحلق فوق الأراضي)، والطائرات (صور للطائرات المسيرة على الأرض) والرسوم البيانية الخاصة بها، واستنادًا إلى أبحاثهم حول صور طائرات تنظيم الدولة المسيرة، خلص الأكاديميون إلى أن هذه الصور يمكن اعتبارها إثباتًا للقدرات الهجومية، أو بعبارة أخرى، للقوة والسيطرة على الأرض.
بشكل عام، أظهر تنظيم الدولة كيف يمكن لجماعة مسلحة استخدام طائرات مسيرة تجارية تم تسليحها بشكل يدوي لاستغلال الثغرات الأمنية في القوات النظامية للدول؛ حيث تبين أن استخدام التكنولوجيا الرخيصة فعال في الضغط على الجيوش المتطورة والمنظمة للغاية، مما يجبر الدول في نهاية المطاف على الاستثمار في تدابيرها الأمنية.
وقد مارس تنظيم الدولة هذا الضغط بضرب الأهداف العسكرية (أفراد وبنيات تحتية) والبنية التحتية للطاقة، فقد تمكن تنظيم الدولة من تسليح الطائرات المدنية المسيرة من خلال شبكات التوريد المعقدة، ولم يستخدم تنظيم الدولة سوى طائرات مسيرة من الدرجة الأولى في شن الغارات، وفي عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستحواذ والاستطلاع، ولأغراض دعائية (تتوسط كل ما سبق)؛ حيث زودت الطائرات المسيرة تنظيم الدولة بقدرات وإمكانيات غير مسبوقة لارتكاب العنف وممارسة القوة، الأمر الذي شكل بدوره تحديات جديدة للقوات المسلحة للدول.
وحدات حماية الشعب/ قوات سوريا الديمقراطية “قسد”
تخوض وحدات حماية الشعب الكردية، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، معركتين في الصراع السوري، ففي بداية الصراع قاتلت وحدات حماية الشعب بشكل أساسي ضد تنظيم الدولة والنصرة، قبل أن تصبح جزءًا من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، وهو تحالف من الجماعات المسلحة التي تقاتل تنظيم الدولة.
لكن بعد سنة 2017، عندما هُزِم تنظيم الدولة بشكل كبير وفقد السيطرة على الأرض، كان على وحدات حماية الشعب مواجهة تركيا، التي عارضت بشدة وجود وحدات حماية الشعب/ قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، ووفقًا لجرد أسلحتها فإن قوات سوريا الديمقراطية تبدو هي الأقل تجهيزًا بين جميع الأطراف الرئيسية في الحرب السورية من حيث قدرات الدفاع الجوي والمدرعات.
واعتمدت قوت سوريا الديمقراطية على الأسلحة والمعدات التي تم الاستيلاء عليها من تنظيم الدولة وروسيا وتركيا والجيش العربي السوري، والمدرعات التي تبرعت بها الولايات المتحدة أو التي تم تعديلها يدويًا، أما فيما يتعلق بالطائرات المسيرة، فقد لجأت وحدات حماية الشعب/قوات سوريا الديمقراطية إلى تعديل الطائرات مسيرة المتوفرة تجاريًّا من الفئة الأولى لأغراض الاستطلاع في القتال ضد تنظيم الدولة.
وقد انضم متطوعون دوليون إلى قتال وحدات حماية الشعب الكردية ضد تنظيم الدولة، بما في ذلك البريطاني ماكر جيفورد، الذي سافر إلى سوريا في سنة 2015 وأصبح يُعرف كمطور ومدرب للطائرات المسيرة في وحدات حماية الشعب؛ حيث ساهم في تطوير ترسانة طائرات مسيرة ذاتية الصنع لوحدات حماية الشعب/ قوات سوريا الديمقراطية، والتي يستخدمونها منذ سنة 2016.
وقد أفادت وسائل التواصل الاجتماعي أن بعض الطائرات بالمسيرة التي يُعتقد أنها تنتمي إلى وحدات حماية الشعب/ قوات سوريا الديمقراطية والمستخدمة حاليًا في القتال ضد الميليشيات المدعومة من تركيا مسلحة، بما في ذلك طائرة تالون؛ حيث تم استخدام معظم الطائرات المسيرة الخاصة بوحدات حماية الشعب/ قوات سوريا الديمقراطية (غالبًا دون جدوى) ضد أهداف عسكرية تركية في شمال سوريا، في مدن مثل كوباني وحلب وتل أبيض وعين عيسى ورأس العين وجنوب تركيا.
جبهة النصرة/ هيئة تحرير الشام
جبهة النصرة وخليفتها هيئة تحرير الشام، هي جماعة مسلحة في سوريا أصبحت لاعبًا رئيسياً في الصراع منذ سنة 2012 وتمكنت من السيطرة بشكل فعال على أجزاء من محافظة إدلب، وهيئة تحرير الشام هي جهة غير نظامية أخرى حصلت على تكنولوجيا طائرات مسيرة من الدرجة الأولى رخيصة نسبيًا ومتاحة بسهولة؛ ولم تستخدم المجموعة تكنولوجيا الطائرات المسيرة لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع فحسب، بل حاولت أيضًا إرساء الشرعية من خلال الاحتفال بقدرات الطائرات المسيرة في مقاطع الفيديو الدعائية.
,نشطت جبهة النصرة/ هيئة تحرير الشام بشكل أساسي في محافظة إدلب؛ حيث تستخدم طائرات مسيرة مدنية وتحولها إلى طائرات مسيرة قادرة على خدمة أهدافها العسكرية، كما تم الإبلاغ عن هجمات بطائرات مسيرة من قبل مسلحين في حماة وحلب، ومع تحسن قدرات الطائرات المسيرة للجماعة المتمردة على مر السنين، أصبحت طائراتهم المسيرة مسلحة بشكل متزايد؛ وكانت أهدافهم الرئيسية هي المطارات والقواعد الجوية ومنشآت النفط والمواقع الخاصة بالجيوش النظامية.
الجيش الوطني السوري
يقاتل الجيش الوطني السوري، وهو تحالف يضم 28 مجموعة مسلحة معارضة لنظام الأسد ويعد خليفة للجيش السوري الحر، قوات وحدات حماية الشعب/ قوات سوريا الديمقراطية والجيش العربي السوري وتنظيم الدولة، وقد تم تسهيل إنشائه وتمويله من قبل تركيا سنة 2017؛ حيث عمل الجيش الوطني السوري جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة التركية في عمليات درع الفرات وعملية غصن الزيتون وعملية نبع السلام والبعثات خارج سوريا.
وفي حين نفذ الجيش الوطني السوري هجمات برية في عدة عمليات، قامت القوات المسلحة التركية بتقديم الدعم عن طريق الضربات الجوية؛ حيث كانت تركيا مصدرًا للإمداد من حيث التمويل والمعدات والأسلحة والتدريب العسكري للجيش الوطني السوري، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت تركيا قد قدمت أيضًا تدريبات على الطائرات المسيرة أو مكوناتها للجماعة المتمردة.
ويُزعم أن مقاتلي الجيش الوطني السوري استخدموا كلاً من الطائرات المسيرة المسلحة وطائرات لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، ويعتقد أن طائرات استطلاع مسيرة تنتمي إلى الجيش الوطني السوري أُسقطت من قبل قوات أخرى أو تم استخدامها لتسجيل العمليات، كما كانت هناك تقارير عن غارات بطائرات مسيرة نفذها الجيش الوطني السوري ضد أهداف في الجيش الروسي أو القوات السورية على سبيل المثال، لكنها لا تزال غير مؤكدة.
وغالبًا ما تشمل الطائرات المسيرة التي يُفترض أنها تابعة للجيش الوطني السوري أنواعًا مختلفة من الطائرات المسيرة التجارية الجاهزة من الدرجة الأولى، كما أصبحت المجموعة المتمردة المدعومة من تركيا بارعة في إسقاط الطائرات المسيرة المعادية، مثل الطائرات الروسية والخاصة بوحدات حماية الشعب.
“حزب الله”
تألف دعم حزب الله اللبناني بالطائرات المسيرة للنظام السوري في المقام الأول من أنظمة الطائرات المسيرة الآتية من إيران، والتي تنتشر ضد الجماعات المسلحة مثل تنظيم الدولة والجيش السوري الحر وجبهة النصرة/هيئة تحرير الشام وضد أهداف إسرائيلية.
وانخرط حزب الله في تكديس الأسلحة والمقاتلين في سوريا بالتعاون مع إيران، حيث بدأ حزب الله حربه بطائرات مسيّرة في سوريا في عام 2014 بضربة جوية ضد مركز قيادة النصرة باستخدام طائرة مسيّرة عسكرية من طراز أبابيل -3 (خاصة أول هجوم مميت بطائرات مسيّرة من قبل جماعات مسلحة غير نظامية ضد جماعات مسلحة أخرى غير نظامية)، وتم تنفيذ الضربة من قاعدة جوية في سهل البقاع، وهي قاعدة مصممة لاستيعاب الطائرات الإيرانية المسيّرة، في شمال لبنان، وتقع على بعد عشرة أميال فقط من الحدود السورية. وعلاوة على ذلك؛ هناك مزاعم بأن الجماعة تقوم بمهام بطائرات مسيّرة من قواعد قريبة من الحدود السورية اللبنانية، مثل القاعدة القريبة من بعلبك، وجنوب دمشق، كما ادعى حزب الله أنه استولى على بعض القواعد الروسية في سوريا، عقب إعلان موسكو سحب قواتها من البلاد مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022.
ونشر حزب الله أنظمة شهيد إيرانية الصنع أو المصممة من الدرجة الثانية والثالثة، وأنظمة مهاجر وأبابيل من الدرجة الثانية، وطائرات ياسر التكتيكية الصغيرة وطائرات أيوب وكرار من الدرجة الثالثة. هذا إلى جانب، استخدامها أيضا طائرات مسيّرة مسلحة وغير مسلحة من الفئة الأولى في سوريا، والتي تم التصديق عليها منذ عام 2016، للقيام بمهام استطلاع ومراقبة وهجمات بالقنابل عن بعد باستخدام الذخيرة الصينية، بينما استخدمت في الهجمات السابقة طائرات مسيّرة محملة بالمتفجرات لتدمير الهدف.
ولدى حزب الله تاريخ طويل في تشغيل الطائرات المسيّرة العسكرية، حيث كانت أول طائرة مسيّرة ناجحة لها هي مرصاد 1 في عام 2004 في إسرائيل، كما تشير الأبحاث إلى أن الجماعة تدير أكثر من 2000 طائرة مسيّرة من طرازات مختلفة، وكان لديها بالفعل واحدة من أكثر قدرات الطائرات المسيرة تقدمًا بين المتمردين، بينما كانت تقاتل في الحرب السورية إلى جانب الحرس الثوري الإيراني والجيش السوري والقوات الروسية، وهو ما جعلها تزداد خبرة في كل من الاستخبارات وحرب الطائرات المسيرة؛ حيث صبت الحرب السورية في صالح حزب الله، فكانت بمثابة ميدان اختبار للطائرات المسيّرة العسكرية وكمرحلة أخرى لمواصلة صراعها مع إسرائيل، وكان حزب الله قد اعترف باستخدام الطائرات المسيّرة والمشاركة في ضربات نفذتها هذه الطائرات في سوريا بهدف الاستيلاء على الأراضي من تنظيم الدولة في القلمون.
المليشيات العراقية
بدأت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران السفر بهدوء إلى سوريا في عام 2012 لدعم نظام الأسد، لكن وجودها أصبح أكثر علنية على مر السنين؛ حيث سافر متطوعون عراقيون شيعة إلى مطار دمشق الدولي على متن رحلات إيرانية للانضمام إلى القتال، بينما دخل آخرون سوريا برًا من العراق، من خلال حافلات الحج أو الشاحنات التجارية، كما انتقلوا داخل سوريا وخارجها، أثناء النزاع، وعادوا بشكل متكرر إلى العراق، وهذه المليشيات مسلحة ومدربة على تشغيل طائرات مسيّرة إيرانية الصنع من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في إيران ولبنان والعراق، كما تقوم إيران بشحن مكونات الطائرات المسيّرة إلى العراق لمليشياتها لتجميع ونشر هذه الطائرات هناك؛ حيث قدم قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، طائرات استطلاع مسيّرة للميليشيات الشيعية العراقية، ردًا على صعود تنظيم الدولة؛ وذلك لمراقبة مواقع التنظيم في سوريا والعراق، إذ تشير التغطية الإعلامية إلى أن الميليشيات العراقية مثل منظمة بدر وحركة حزب الله النجباء كانت تستخدم الطائرات المسيّرة من الفئة الأولى عقاب-1 وياسر، كما تم تزويد ميليشيات حزب الله بطائرة مسيّرة من أبابيل -3 الفئة الثانية والتي أطلق عليها اسم البصير-1، ويُعتقد أن المليشيات قامت بتخزين طائراتها المسيرة في قاعدة سبايكر الجوية، وهي أكاديمية للقوات الجوية العراقية وقاعدة عسكرية أمريكية سابقة قريبة من تكريت في العراق، ولكن تهيمن عليها الآن مجموعات شيعية عراقية متعددة، وعندما انحسر تهديد تنظيم الدولة في عام 2017، حشدت إيران الميليشيات العراقية للمساعدة في تأمين بقاء نظام الأسد ومحاربة الوجود الأمريكي في سوريا؛ حيث أمر القائد العسكري سليماني المليشيات العراقية – في ربيع عام 2019 – بالاستعداد للحرب بالوكالة مع الولايات المتحدة، ليُقتل في غارة أمريكية جريئة بطائرة مسيّرة في مطار بغداد الدولي في كانوان الثاني /يناير 2020، وحتى كتابة هذا التقرير، لا تزال الميليشيات العراقية نشطة في سوريا ويلعبون دورًا مؤثرًا هناك، وهم متهمون باستخدام الطائرات المسيرة الانتحارية واستهداف القواعد الأمريكية في سوريا، مثل القاعدة الأمريكية في حقل عمر النفطي وقاعدة التنف.
الجهات الفاعلة المجهولة
ومنذ ليلة رأس السنة لعام 2017، تعرضت القاعدة الجوية الروسية في حميميم لضربات متكررة بطائرات مسيّرة، ففي 31 كانون الأول/ ديسمبر 2017، تسبب هجوم مشتبه به بطائرة مسيّرة في مقتل جنديين روسيين وزُعَِمَ أنه ألحق أضرارًا بطائرة روسية، وتلاه هجوم آخر أحبطته روسيا في 6 كانون الثاني/ يناير 2018.، كما ذكر الجيش الروسي أنه أسقط 58 طائرة مسيّرة، في أيلول/ سبتمبر 2019، من المتمردين الذين هاجموا قاعدة حميميم الجوية.
وبقي الذين نفذوا الضربات مجهولين، والتي ربما تكون من إدلب، حيث تُوجه الإتهامات إلى جماعة تحرير الشام بأنها مسؤولة عن هجمات بطائرات مسيّرة على القاعدة العسكرية، وهو ما تنفيه الجماعة، وعلى الرغم من الطابع البارز للهدف؛ قاعدة جوية أساسية في الجهود العسكرية الروسية في سوريا ومصدر أساسي لدعم النظام السوري. ولم تعلن أي مجموعة من الجماعات المسلحة غير النظامية مسؤوليتها عن الهجمات، مما يشير إلى فهم القيمة الإستراتيجية للسرية والانضباط، ولا يمكن حتى القول بيقين مطلق أن الهجمات الأولى في عامي 2017 و2018 شملت طائرات مسيّرة، ومع ذلك، تم اكتشاف طائرتين مسيّرتين تجاريتين من طراز أوتس بالقرب من القاعدة الجوية في 1 كانون الثاني/ يناير 2018، حيث أشار تحقيق أجراه موقع بيلنجكات – مفتوح المصدر- حول الأحداث إلى أن تورط الطائرات المسيّرة في ضرب القاعدة الروسية هو أمر مؤكد، وتعتبر الميزة الفريدة لهذا الهجوم المحدد بالطائرة المسيّرة هي التكتيك المستخدم؛ حيث إن الطائرات المسيّرة كانت على الأرجح تحلق بدون توجيه بشري مع وجود خطة طيران آلية توجه الطائرات لهدفها، وعند الوصول إلى الإحداثيات المطلوبة بحسب نظام تحديد المواقع العالمي؛ فمن المحتمل أنهم أسقطوا حمولتهم بشكل جماعي.
ولم يُعرف أن الجماعات المتمردة ولا حتى برنامج الطائرات المسيّرة في تنظيم الدولة قد قاموا بهجوم حاشد بالطائرات المسيّرة من قبل، وبالرغم من التصميم البسيط للطائرات المسيّرة، والذي تم استخدام شريط لاصق وأغطية بلاستيكية فيه، فقد تمكنوا من اختراق محيط قاعدة حميميم. وبمرور السنين، أصبحت تصاميم الطائرات التجارية المسيّرة المستخدمة لمهاجمة قاعدة حميميم أكثر تطورًا. وبشكل عام، تظهر الهجمات أن الجماعات المسلحة غير النظامية قد حاولت مهاجمة القواعد الجوية لجهة نظامية – في هذه الحالة روسيا – عن طريق طائرات مسيّرة تجارية مسلحة مرتجلة. وبغض النظر عن المسؤول عن الهجوم؛ فقد اقترب من توجيه ضربة فعالة للقوات الجوية الروسية في سوريا.
ومن الأهداف الأخرى المتكررة في سوريا لهجمات الطائرات المسيّرة التي تشنها الجماعات المسلحة غير النظامية؛ مرافق البنية التحتية للطاقة؛ حيث يبقى الفاعل وراء الهجوم مجهولًا في كثير من الأحيان. فعلى سبيل المثال؛ تعرضت منشآت النفط والغاز في حمص لهجمات متعددة بطائرات مسيّرة على مر السنين، ففي كانون الأول/ ديسمبر 2019، استهدفت الطائرات المسلحة المسيّرة مصفاة نفط حكومية ومنشأتين للغاز في محافظة حمص، ولا يزال المسؤولون عن الهجمات غير معلنين، لكن يعتقد أن خلايا تنظيم الدولة كانت مسؤولة عن هذا الهجوم، وخلال شباط/ فبراير 2020؛ شهدت مصفاة النفط والغاز في حمص هجمات متعددة بطائرات مسيّرة مسلحة من قبل مجموعات مسلحة غير معروفة. بشكل عام؛ أظهرت الحرب السورية أن الجماعات المسلحة غير النظامية مستعدة لاستخدام طائرات مسيّرة تجارية مسلحة لاستهداف مرافق البنية التحتية الرئيسية للطاقة التي تملكها و/ أو تستخدمها الجهات الحكومية بالإضافة إلى الأهداف العسكرية.
ديناميكيات استخدام الطائرات المسيّرة في الحرب السورية
أصبحت الأهمية المتزايدة للطائرات المسيّرة في ساحة المعركة أكثر وضوحًا في الحرب السورية، حيث تملأ الطائرات المسيّرة من جميع الأحجام والأنواع سماء سوريا، وقد أثبتت أنها أصول حاسمة لكل من الدول والجماعات المسلحة غير النظام على حد سواء، وكان الصراع السوري أرضًا خصبة لتطور قدرات هذه الطائرات المسيّرة.
في هذا التقرير؛ يُظهر تقييم الجهات الفاعلة التي تنشر طائرات عسكرية مسيّرة مجموعة واسعة من التطبيقات التي تتراوح بين الوظائف التقليدية كما هو موضح في غيرها من النزاعات المسلحة الأخرى وعمليات مكافحة الإرهاب، مثل الطائرات المسيّرة من الفئة الأولى غير المسلحة والتي يتم نشرها لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR) وعمليات الاغتيال، وبين التطبيقات الجديدة مثل الاستخدام الواسع للطائرات المسيّرة الانتحارية والطائرات المسيّرة كمكبر للتهديدات من قبل الجماعات المسلحة التي تستهدف الدول.
على وجه الخصوص؛ استُخدمت سوريا كنقطة انطلاق للجماعات المسلحة المدعومة من الدولة لشن هجمات، وأبرزها الميليشيات المرتبطة بإيران التي تستهدف القواعد الأمريكية في سوريا وتستهدف إسرائيل من سوريا بطائرات مسيّرة مفخخة طويلة المدى ذات الاستخدام الفردي. في الوقت نفسه؛ استخدم حزب الله المدعوم من إيران سوريا الحصول على المزيد من الطائرات المسيّرة في تحسين تجربته في ساحة المعركة من خلال نشر الطائرات المسيّرة ضد جماعات المعارضة المسلحة.
من الواضح أن الانتشار السريع لتكنولوجيا الطائرات المسيّرة العسكرية والتجارية يؤدي إلى تكتيكات وإستراتيجيات عسكرية جديدة، مع التأثير أيضا على الحسابات السياسية وعملية صنع القرار في السياسة الخارجية. ويتطلب التحول نحو محاربة النزاعات المعاصرة من مسافة بعيدة عن طريق الطائرات المسيّرة – من بين عدة أمور أخرى – إعادة التفكير في الآثار الأخلاقية والسياسية والأمنية لـ “الحرب عن بعد”. ومن أجل التصدي بشكل صحيح للتحديات الفريدة التي يفرضها انتشار تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، وكذلك انتشارها في الصراع، نحتاج إلى فهم أفضل لكيفية استخدامها. وقد أخذ هذا التقرير الحرب السورية كدراسة حالة يمكن من خلالها تمييز الأنماط التالية.
سوريا تحولت لمنطقة القتل خارج نطاق القضاء الجديدة
قلصت الولايات المتحدة من استخدام طائراتها المسيّرة في عمليات مكافحة الإرهاب في باكستان والصومال واليمن، على الرغم من أنها استمرت في تنفيذ أكثر من اثني عشر غارة بطائرات مسيّرة في شمال وغرب سوريا ضد مسلحي تنظيم الدولة والقاعدة المشتبه بهم في أعقاب هزيمة تنظيم الدولة في سنة 2017. للقيام بذلك، استخدمت الولايات المتحدة صاروخا غير حركي تم تطويره حديثا، وقد قدمت في معظم الحالات توضيحا عاما للغارات التي تم شنها. ومن جهتها، كثفت تركيا من عمليات القتل خارج نطاق القضاء للمسلحين المشتبه بهم في سوريا، واستولت على السلطة من الولايات المتحدة باعتبارها القوة الأكثر نشاطا للطائرات المسيّرة التي تستخدم هذه الأداة الفتاكة في الغارات عبر الحدود.
في الفترة ما بين كانون الثاني/ يناير إلى أيلول/ سبتمبر 2022 ، وقعت أكثر من 60 غارة تركية بطائرات مسيّرة في شمال سوريا، مما أسفر أيضا عن مقتل مدنيين من ضمنهم أطفال. إلى حد الآن، لم تعلن تركيا عن أي موقف قانوني يبرر استخدام القوة المميتة خارج نزاع مسلح، ولم تقدم تعويضات لعائلات المدنيين الذين قُتلوا أو جُرحوا. ويبدو أن هذا التطور المقلق يعتمد على عدم وجود رد فعل دولي قوي ضد حروب الطائرات الأمريكية المسيّرة، والتي تسببت في سقوط آلاف الضحايا المدنيين ولكنها تفتقر في نفس الوقت إلى الشفافية أو آليات المساءلة الواضحة وقد تم إجراؤها في ظل تفسيرات متماسكة للأطر القانونية الدولية. ولطالما حذر النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان من أن عدم الاستجابة لذلك قد يفتح الباب أمام دول أخرى لاستخدام الطائرات المسيّرة بطريقة مماثلة، وتبرر العمليات التركية الحالية في سوريا (وشمال العراق) بوضوح هذه المخاوف.
اختبار الطائرات المسيّرة ومنطقة الانطلاق
كانت ساحة المعركة في سوريا والعراق بمثابة اختراق لاستخدام الطائرات التجارية المسلحة، بقيادة تنظيم الدولة التي قامت بتقليدها الجماعات المسلحة الأخرى. وقد شهد استخدام الطائرات المسيّرة من قبل الجماعات المسلحة المختلفة في سوريا الكثير من “الأوليات”؛ حيث أنشأ تنظيم الدولة برنامجًا احترافيًّا لتعديل الطائرات المسيّرة (DIY) على نطاق يشبه المصنع، والذي لم يسبق له مثيل مع الجماعات المسلحة غير النظامية من قبل. وقد كان تنظيم الدولة أول مجموعة من الجماعات المسلحة غير النظامية التي تصنع ذخائر للطائرات التجارية المسيّرة على نطاق صناعي؛ ومنذ ذلك الحين، قامت الجماعات المسلحة الأخرى بتكرار إنتاج هذه الذخيرة.
لم تكتف الطائرات التجارية المسيّرة بإضافة قيمة دعائية للجماعات المسلحة وتعزيز الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع؛ بل قامت بتسليح الطائرات المسيّرة بقنابل صغيرة ومتفجرات. الأمر الذي حولها إلى مصدر إزعاج حقيقي وقاتل للدول. على وجه الخصوص؛ أظهر استخدام طائرات مسيّرة أكبر حجما محلية الصنع ومجهزة بقنابل صغيرة تستهدف القاعدة الجوية الروسية في حميميم في اللاذقية مدى قدرة مجموعة مسلحة على الإطاحة بالطائرات النفاثة والمروحيات بأساليب رخيصة وبسيطة، حيث احتاجت روسيا لتعزيز دفاعاتها الجوية بعد الهجمات.
وكان الصراع أيضا ساحة معركة للعديد من الدول المتورطة بالفعل في صراعات مع بعضها البعض، وهو ما زاد من التحديات الأمنية الإقليمية. وتُعد إسرائيل وإيران، اللتان واصلتا صراعهما في سوريا من خلال نشر الطائرات المسيّرة من الفئة الأولى غير المسلحة لأغراض الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والطائرات المسلحة المسيّرة ضد بعضها البعض أو ضد وكلائها، مما أدى إلى تفاقم التوترات القائمة بالفعل، أحد الأمثلة على ذلك. وقد استغلت إيران الوجود الأمريكي القوي في شرق سوريا من خلال تزويد الميليشيات العراقية بطائرات مسيّرة تم إطلاقها بعد ذلك ضد القواعد الأمريكية، بينما أطلقت أيضا رحلات جوية بطائرات مسيّرة إلى إسرائيل. وهو ما كان له تأثير تصعيدي، حيث نفذت كل من إسرائيل والولايات المتحدة غارات جوية على مواقع يشتبه في تخزينها وإطلاقها لطائرات مسيّرة.
بالإضافة إلى النوع الأكبر من الطائرات العسكرية المسيّرة التي تستخدمها إيران، شهدت سوريا أيضًا أول استخدام لطائرة لانسيت الانتحارية من قبل روسيا، واستخدامًا إضافيًّا من قبل الولايات المتحدة لطائرة سويتشبليد، وهي نوع مشابه من الطائرات المسيّرة، ويُزعم أيضًا أنه استخدام الطائرة التركية المسيّرة الانتحارية كارجو. وقد تم نشر هذه الطائرات المسيّرة الدقيقة ذات الحمولات الصغيرة والفعالة والتي يسهل حملها ونشرها منذ ذلك الحين على نطاق أوسع في حرب أوكرانيا. وبالنظر إلى الاستخدام الفعال المحتمل من قبل القوات البرية وإنتاجها الرخيص وسهولة استخدامها، فمن المرجح أن نشهد تطويرًا ونشرًا أوسع لمثل هذه الطائرات المسيّرة العسكرية الصغيرة والمميتة في المستقبل القريب.
عند مقارنة فئات الطائرات المسيّرة المختلفة التي تستخدمها كل جهة، تبرز عدة عناصر؛ فقد استفادت جميع الجهات الحكومية في الصراع السوري تقريبا- باستثناء تركيا وإسرائيل- أي النظام السوري وروسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيران، من الطائرات المسيّرة من الفئة الأولى والثانية والثالثة. وفي حين أن تركيا استخدمت فقط أنظمة الفئة الثالثة والطائرات المسيّرة الانتحارية، ويبدو أن إسرائيل اعتمدت فقط على الطائرات المسيّرة من الفئة الأولى. وفي حالة الجماعات المسلحة غير النظامية، استخدم معظمهم طائرات مسيّرة من الفئة الأولى فحسب. ولم يكن هناك أي استثناء سوى حزب الله الذي استخدم طائرات مسيّرة من الفئة الثالثة والميليشيات العراقية التي استخدمت طائرات مسيّرة من الفئة الثانية. ومن اللافت للنظر أن الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران فقط هي التي تمكنت من استخدام ليس فقط طائرات مسيّرة من الفئة الأولى ولكن أيضًا طائرات مسيّرة من الفئة الثانية والثالثة.
ما وراء حروب الطائرات المسيّرة في سوريا
لقد مرت ذروة استخدام الطائرات المسيّرة من قبل الجماعات المسلحة في سوريا، ولكن الصراع أظهر قدرة الميليشيات على تحدي تفوق القوات المسلحة للدول وتحقيق مزايا إستراتيجية كبيرة من خلال الاستخدام الرخيص والمبتكر لتكنولوجيا الطائرات المسيّرة؛ حيث إن استخدام الطائرات المسيّرة الصغيرة موجود ليبقى ومن المتوقع أن يكون لها تأثير أكبر على مستقبل الحرب. وهو ما لن يؤدي إلى إعادة تشكيل عملية صنع القرار العسكري فحسب، بل سيتطلب أيضا نقاشً دوليًّا متجددًا حول مخاطر الصادرات غير المنضبطة لتقنيات الطائرات المسيّرة واستخدامها لاحقًا.
وتؤكد نتائج هذا التقرير مجددا على أهمية التقرير الأخير للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات القتل خارج نطاق القضاء من سنة 2020، والذي شدد – من بين أمور أخرى – على الحاجة إلى “إنشاء عملية شفافة متعددة الأطراف لتطوير معايير قوية في استخدام الطائرات المسيّرة”. ومع وجود أكثر من مائة دولة وأعداد متزايدة من الجماعات المسلحة غير النظامية التي تنشر طائرات مسيّرة، فإن اتباع نهج دولي قوي يُعد أمرًا ضروريًّا لبناء القواعد والمعايير الدولية، وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين ومنع الآثار التصعيدية لانتشار الطائرات المسيّرة غير المنضبط.
المصدر: مركز باكس فور بيس البحثي الهولندي