ترجمة وتحرير: نون بوست
شهد موقع تويتر هجرة مزدوجة – للمستخدمين والموظفين – خلال الشهر الأول الفوضوي لملكية إيلون ماسك. بعد أن خفَّض ماسك بالفعل عدد الموظفين إلى ما يقارب النصف يوم الأربعاء الماضي، أرسل للباقين منهم إنذارًا نهائيًا مفاجئا عبر البريد الإلكتروني ورد فيه: “إما البقاء في الشركة والالتزام بأن تكونوا “متفانين” في العمل، أو غادروا بتعويض يعادل أجر ثلاثة أشهر”. وحسب ما ورد، اختار أكثر من ألف موظف الخيار الأخير. وتشير بعض التقديرات إلى أنه غادر حتى الآن ما يصل إلى تسعين في المئة من موظفي “تويتر”.
في الوقت نفسه، شهدت المنصة انسحاب العديد من المستخدمين الذين كانوا يراقبون بقلق إصلاح ماسك لأنظمة التحقق الخاصة بالمنصة، وإقالة فرق الإشراف على المحتوى، ونشر تغريدات حول نظريات المؤامرة، وإبعاد الموظفين والمعلنين على حد سواء. وبحلول نهاية الأسبوع الماضي، كانت الحالة المزاجية على المنصة أشبه بنصف جنازة ونصف حفلة ماجنة، إذ نشر الموظفون المغادرون تغريدات وداع بينما تساءل آخرون بسرور عما إذا كان الموقع سيظل قائمًا بحلول الصباح. لم يكن من المفيد إعلان ماسك خلال عطلة نهاية الأسبوع أنه سيسمح لدونالد ترامب بإعادة حسابه المحظور. ومع أن تويتر يتأرجح إلا أن الكثير منا يتساءل عما إذا كان يوجد بديل له؟
إن البديل الأكثر تداولاً حتى الآن ليس شركة ناشئة منافسة في وادي السيليكون، وإنما تطبيقًا أقل شهرة من البرامج مفتوحة المصدر يسمى “ماستودون”، الذي يعد واحدًا من أسطول من الأدوات الجديدة لما يعرف بالشبكات الاجتماعية اللامركزية، أو ما يطلق عليها أحيانًا بالشبكات المترابطة. يتضمن ذلك العديد من البرامج مفتوحة المصدر التي تحاول تقديم نفسها كبديل للمنصات الرئيسية على غرار “بيكسل فيد” كبديل “لإنستغرام” و”بيرتيوب” كبديل عن “يوتيوب”، وذلك من خلال السماح للمستخدمين الفرديين بتشغيل “اتحاد” من الشبكات الاجتماعية المصغرة المستقلة المرتبطة ببعضها لكن لكل منها مجموعة من القواعد والسياسات الأساسية.
تعد هذه المواقع حتى الآن بمثابة تعهدات متخصصة، وقد تمكّنت من جذب مجموعة صغيرة من المتبنين الأوائل. لكن الاضطرابات التي شهدها تويتر تسببت في زيادة مفاجئة في الاهتمام السائد بتطبيق “ماستودون”. أخبرني يوجين روشكو، مبتكر “ماستودون” البالغ من العمر 29 سنة، أن عدد مستخدمي التطبيق زاد في الشهر الماضي من 300 ألف مستخدم نشط شهريًا إلى ما حوالي المليونين. وقد بدا في محادثة فيديو حديثة منهكًا وجادًا مثل طبيب مقيم في مناوبة ليلية. ومواكبةً لتدفق المستخدمين على ماستودون، كان يوجين يعمل لمدة 14 ساعة في اليوم بشكل متشدد وفقًا لمعظم المعايير.
وُلد يوجين روشكو في روسيا سنة 1993، وانتقل إلى ألمانيا عندما كان في الحادية عشرة من عمره، وفي النهاية درس علوم الكمبيوتر في جامعة جينا. كان معجبًا بتويتر في سنواته الأولى، عندما كان يمتلك نظاما إيكولوجيا مزدهرا لمطوري الطرف الثالث، حيث يتمكن الغرباء من البناء على النظام الأساسي أو تقديم واجهات بديلة. ولكن نظرًا لأن “تويتر” قيَّد بشكل تدريجي من وصول المطورين إلى واجهة برمجة التطبيقات وبعض أدوات أخرى بدءًا من سنة 2012 تقريبًا، رأى روشكو ذلك فرصة لخلق شيء أفضل.
ماستودون أفضل لهذا النوع من المجتمعات الصغيرة أكثر من تويتر – وهو بشكل عام بيئة مشجعة أكثر ودية ويحتوي على تفاعل أقل عدوانية
بدأ العمل على برنامج “ماستودون” في سنة 2016 خلال فترة دراسته وأطلق البرنامج في نفس السنة، ثم حصل لاحقًا على منح من شركة “سامسونغ” والمفوضية الأوروبية. (تم تسميته على اسم فرقة أمريكية للموسيقى الصاخبة، التي بدورها اقتبست اسمها من اسم مخلوق منقرض يشبه الفيل.) تشبه واجهة “ماستودون” إلى حد كبير واجهة “تويتر”، حيث يقع مربع إدخال النص على اليسار وليس في الجزء العلوي من الشاشة، وكذلك يبدو تصميم الرسوم أقل شفافية، لكن القالب يبدو مألوفًا بشكل مريح، أي أنه يماثل “تويتر” بالنسبة للأشخاص الذين يريدون الخروج من “تويتر”.
في جوانب أخرى يهدف تصميم “ماستودون” لتقديم بيئة تختلف تمامًا عن بيئة ” تويتر”، إذ يتيح كتابة منشورات لا تتجاوز 500 حرف كحد أقصى بدلاً من 280 حرف في “تويتر”، لذلك غالبًا ما يتواصل الأشخاص من خلال فقرات قصيرة بدلاً من سطر واحد بليغ. كما يتم إخفاء إحصائيات مثل “المفضلة” و”التعزيزات”، التي يسميها “ماستودون” الإعجابات والتغريدات، إلى حد كبير من الجداول الزمنية للمستخدمين، مما يجعل من الصعب استكشاف ما هو شائع. ولا توجد وظيفة اقتباس تغريدة إضافةً للقليل من الفرز الخوارزمي للمحتوى.
يدير برنامج “ماستودون” اثنين من أكبر الخوادم وهما “ماستودون سوشيال” (246 ألف عضو نشط) وماستودون أونلاين” (87 ألف عضو نشط)، ولكن هناك الآلاف من الخوادم الأخرى التي تختلف في الحجم وتتراوح من مئات الأعضاء لعشرات الآلاف. يقضي لين تريفت، وهو مسؤول السجلات في جامعة سيدني للتكنولوجيا الذي يعمل في “ماستودون” منذ سنة 2017، معظم وقته على “تيبل توب سوشيال” وهو خادم لللاعبي لعبة الطاولة، وخادم “أوس سوشيال”، للوظائف الخاصة بأستراليا.
يقول بريان لويد، وهو محرر في موقع الويب الأيرلندي “إنترتينامنت آي إي” العضو في “ماستودون آي إي” وهو خادم يركز على إيرلندا ويضم 16 ألف عضو نشط، أن كل خادم لديه “لغة مشتركة لا تحتاج إلى شرح أو تفسير”. إن قائمة النشاط الخاصة به تشبه لوحة الإعلانات الرقمية الوطنية، حيث تقدم الإعجابات على المستوى الإقليمي مثل مقاطع الفيديو لتطبيق “تيكتوك” التي تشيد بساندويتش الزبدة ورقائق البطاطس، والرسوم الكاريكاتورية السياسية التاريخية. ومقارنةً بـ “تويتر”، يقول لويد: “لا تشعر بنفس المستوى من العداء هناك”، وليس هناك “مساحات واسعة من التفاهة الأمريكية يمكن تجاوزها”.
انضم كريستوفر فينويك، كاتب ومترجم بريطاني يسعى للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة برلين الحرة، إلى خادم “ماستودون أونلاين” بتاريخ 3 تشرين الثاني/ نوفمبر بعد أسبوع من الاستحواذ على “تويتر”، وقد أخبرني قائلاً: “لدي كراهية شديدة وشخصية لإيلون ماسك”. لقد كان جزءًا من مجتمع أدبي من زملائه الأكاديميين والنقاد على “تويتر” وكان يواجه مشكلة في العثور على دائرة اجتماعية مكافئة عبر الإنترنت في “ماستودون”. لذلك أنشأ بالتعاون مع هيو يون كانج، وهو باحث قانوني، خادم “زيرك يو إس” المخصص “لملتقى الفنون والعلوم الإنسانية”، حيث يحتوي على خط مجلات أنيق. وتأتي التسمية من عنوان محدد موقع الموارد الموحد حيث كان فينويك يحفظه لمجلة أدبية محتملة.
يمتلك خادم “زيرك يو إس” الآن أكثر من ثلاثة آلاف مستخدم يشاركون منشورات حول تدريس أدب القرن التاسع عشر وقراءة القرآن باللغة العربية ومشاهدة أفلام “ياسوجيرو أوزو”، وبالطبع السلوك الغريب للقطط. انضممت إليه بتاريخ 15 تشرين الثاني/ نوفمبر ووجدت جوًا يشبه أجواء مقهى مثقف حيث يتمتم الجميع خلال الحديث بدلاً من الصراخ. أخبرني فينويك قائلاً “إن ماستودون أفضل لهذا النوع من المجتمعات الصغيرة أكثر من تويتر – وهو بشكل عام بيئة مشجعة أكثر ودية ويحتوي على تفاعل أقل عدوانية”. وفي الوقت الذي يمكن أن يتسبب جنون تويتر الحالي في صمت بعض الناس، يمكن لبيئة “ماستودون” الأكثر حميمية تشجيع هذا النوع من اليوميات الشخصية المألوفة التي ميزت أيام “تويتر” الأولى. كما نشر أحد المستخدمين، “لا يوجد نقاش محموم ومستمر حول الشخص العصبي غريب الأطوار الذي يمتلك المنصة”.
هناك أداة تسمى ”Debirdify” يمكنها إخبارك بمستخدمي تويتر الذين تتابعهم الموجودين بالفعل على ماستودون
بسبب افتقارها للإشراف على شركة واحدة، تضع منصات التواصل الاجتماعي اللامركزية عبء المسؤولية على عاتق المضيفين الأفراد. أخبرني فينويك أنه “ليست هناك حاجة للمعرفة التقنية على الإطلاق” لإنشاء مساحة على ماستودون، ولكن يجب على المضيفين على الأقل تشغيل خوادم البيانات الخاصة بهم أو الاستعداد لاستئجار مساحة على أحد هذه الخوادم. بالنسبة إلى لخادم “زيرك يو إس”، استخدم فينويك خدمة مدفوعة تسمى “ماستو دوت هوست”، التي تتولى جميع أعمال الصيانة نيابةً عنك – على الرغم من إغلاقها الآن أمام الحسابات الجديدة نظرًا لارتفاع عدد الزيارات.
أخبرني فينويك أن خادم “زيرك يو إس” يكلف حاليًا حوالي 250 دولارًا في الشهر، وهي تكلفة ستزداد مع نمو قاعدة مستخدميه. وغالبًا ما يشترك المضيفون في التمويل الجماعي لتغطية التكاليف؛ حتى وظيفة روشكو في بناء ماستودون يتم تمويلها من قبل منصة باتريون الذي يجمع الآن حوالي ثلاثين ألف دولار شهريًا من التبرعات المعلنة. ويجب أن يعمل المضيفون أيضًا كضباط سلامة خاصين بهم، ويقومون بالعمل اليومي المتمثل في الإشراف على المحتوى.
قال فينويك إنه وكانغ يتعاملان مع حوالي عشرة منشورات يوميًا وصفها مستخدموه على أنها إشكالية ومعظمها منشورات من حسابات على خوادم أخرى تضايق مستخدمي “زيرك يو إس”.
لقد اضطرا إلى حظر خمسة خوادم أخرى من ماستودون بشكل مباشر بسبب هيمنة العنصرية أو خطاب الكراهية. وحقيقة أن ماستودون لامركزي لا تعني أنه خالي من السلوكيات السامة. ولكن على عكس تويتر، إذا لم تعجبك سياسات أي شخص يقوم بتشغيل الخادم الخاص بك، يمكنك دائمًا نقل حسابك إلى خادم مختلف.
يجب على المستخدمين الذين يرغبون في الحصول على تجربة متنوعة وحيوية على ماستودون بذل الجهد أيضًا. على تويتر، تقوم بتسجيل الدخول إلى حسابك وتندفع فورًا إلى معركة “الساحة العامة العالمية”، للأفضل أو للأسوأ. أما في ماستودون، يمكنك إنشاء حسابات على أي عدد تريده من الخوادم ولكن عليك تسجيل الدخول إلى كل حساب على حدة، كما لو كان كل حساب شبكة اجتماعية منفصلة خاصة به. ويكون الخادم الذي يستضيف حسابك مدمجًا في اسم المستخدم الخاص بك ويصبح نوعًا من قاعدة رئيسية. يقدم ماستودون أشكال أخبار متنوعة، من “محلي” يعرض فقط المنشورات من الحسابات على الخادم الخاص بك إلى مزيج أكثر نشاطًا لجميع المستخدمين الذين تتابعهم عبر أي خادم.
هناك أداة تسمى ”Debirdify” يمكنها إخبارك بمستخدمي تويتر الذين تتابعهم الموجودين بالفعل على ماستودون. لكن الاحتكاك والتشتت المدمجين في ماستودون يجعل من الصعب التواصل مع العديد من الأشخاص في وقت واحد. يمكنك النظر إلى الخوادم التي لا تنتمي إليها، مثل السائح الفضولي، لكنك لن تتمكن من النشر في صفحتهم الرئيسية.
لطالما كان الصحفيون من أكثر قواعد مستخدمي تويتر إدمانًا. نحن نعتمد على النظام الأساسي لمشاركة الأخبار العاجلة ومتابعتها في الوقت الفعلي والمشاركة في محادثات سريعة مع زملاء المهنة. فهل يستطيع ماستودون، بسرعته المدروسة وبنيته المنعزلة، أن يؤدي وظيفة مماثلة؟ في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، أنشأ الصحفي آدم ديفيدسون (وهو كاتب سابق في مجلة نيويوركر) “جورنا دوت هوست”، وهو خادم في ماستودون خاص بالصحفيين الذين تم التحقق من هوياتهم قبل انضمامهم. وسرعان ما تلقى هذا الخادم تمويلًا من كلية الدراسات العليا للصحافة في جامعة مدينة نيويورك وجذب مجموعة من الإداريين المتطوعين، بما في ذلك زاك إيفرسون، وهو كاتب في مجلة “فوربس” أخبرني أنه يرى أنها فرصة للسماح للصحفيين “بتكييف القواعد وفقًا لما هو أفضل لنا، بدلاً من الاضطرار إلى اتباع نزوات الشركات”.
جزء مما يجعل تويتر رائعًا هو الوتيرة المحمومة والحديث المتبادل وعدم القدرة على التنبؤ
وفي حين أن تويتر مفتوح لأي شخص، فإنه في “جورنا دوت هوست” يحدد المسؤولون من يجب السماح له بالانضمام. في الأسبوع الماضي، لجأ الكاتب المستقل جيف مايش، من بين آخرين، إلى تويتر للشكوى من أن الخادم قد رفضه لكونه غير مؤهل، وأن المسؤولين قد انخرطوا بالفعل في أسئلة فوضوية حول الإشراف على المحتوى.
لقد تمكنت من إنشاء حساب على خادم “جورنا دوت هوست” باستخدام عنوان البريد الإلكتروني الخاص بالعمل. وحتى الآن وجدت في الغالب أعضاء ينشرون صورًا للطعام ويروجون لقصصهم الخاصة ويعبرون عن ارتباكهم بشأن البرمجية نفسها. قد يكون الأمر أكثر هدوءًا وأمانًا، لكنه يفتقر إلى الشعور بالإلحاح الذي يأتي من المراسلين الذين يتواصلون مع جماهير أوسع. إنه مثل تطبيق “كلوب هاوس”، كما أطلق عليه أحد مشرفي الخادم الآخرين، وبعيد كل البعد عن المجال العام.
على مدار العقد الماضي، تم تكييفنا للتفكير في الحياة على منصات التواصل الاجتماعي باعتبارها سعيًا بلا هوادة لجذب الانتباه من أكبر عدد ممكن من الأشخاص. والهدف هو الصراخ في الفراغ بصوت عالٍ بما يكفي للوصول ربما إلى حشد من الغرباء. وقد وصف فينويك من مخدم “زيرك يو إس” ماستودون بأنه “مصمم ليكون ضد الانتشار”، وهو ما يجذب العديد من المستخدمين.
يعتقد روشكو أنهم يدخلون “نموذجًا مختلفًا لوسائل التواصل الاجتماعي”. جزء مما يجعل تويتر رائعًا هو الوتيرة المحمومة والحديث المتبادل وعدم القدرة على التنبؤ. لا نعرف حتى الآن الشكل الذي سيبدو عليه إنترنت يقل فيه الانتشار الفيروسي للمحتوى، أو ما إذا كان جذاباً مثل ما كان عليه من قبل. ولكن مما يثلج الصدر، بعد مشاهدة الاستبداد والمزاج المتقلّب لماسك على تويتر، أن نتخيل المساحات التي يقودها المجتمع والتي تعكس تطلعات المضيفين الذين يشرفون عليها والأشخاص الذين يجذبونهم. ربما نمر بفترة مشتركة لإعادة تعلم ما نحتاجه ونريده من حياتنا الرقمية. ومن جهته، يوصي روشكو “ببعض التسامح مع التأني”.
المصدر: نيويوركر