في بداية المقام أحب أن أنوّه أن في كل حالة من حالات الفوضى والتغير السياسي ينتج في المقابل تغير اجتماعي مرادف له؛ فتجد بعض الناس تصعد إلى أعلى الهرم والبعض يسقط إلى القاع وكل حسب قربه وبعده من رأس الهرم السابق والحالي، وتجد النفعيين الذين لا تتغير مواقعهم في الهرم ولكن الولاء والمبادئ يغيرونها حسب المرحلة وحسب الظروف.
في البداية سنسوق أهم الأسباب التي جعلت الشاب يغير رأيه من العزوف إلى الإقبال:
أولاً: السبب المادي: ويعتبر من أهم وأكبر الأسباب الذي جعلت الشاب الموصلي يعزف عن الزواج قبل أحداث 10/ 6 ويقبل عليه بعد هذه الأحداث، ولكن هل الحالة المعشية في ارتفاع بعد أحداث الموصل! طبعًا لا .. ففرص العمل أصبحت شبه معدومة ولكن في إطار العادات والتقاليد فإن الشاب الموصلي المتوسط الدخل يحتاج لغرض الزواج ما لا يقل عن 12 مليون دينارًا عراقيًا (أي ما يقارب 10 آلاف دولارًا أمريكيًأ) وهذا مبلغ كبير بالنسبة لشاب في بداية حياته ويشمل هذا المبلغ المهر وعادة من الذهب والتجهيز من غرفة نوم وملابس إضافة لحفلة الزفاف، كل هذه الأمور انحصرت في مدينة الموصل ليكتفي أهل العروس بقبول الشاب فقط، إذا كان معقول السمعة والعائلة، وتنحصر التكاليف بزفاف ومهر صغير لا يتجاوز في التكلفة 2000 دولارًا أمريكيًا؛ مما جعل الزواج في هذه الظروف فرصة لكل شاب محدود الدخل .
ثانيًا: السبب الاجتماعي: معظم عائلات الموصل تساهلت في الجانب المادي من جهة والجانب الطبقي من جهة ثانية.
إن هذا التساهل نتيجة عدة أمور كان أهمها خوف العائلات من أفراد تنظيم الدولة (داعش) الذي حكم المدينة، ويكمن خوف الأهالي من إجبار التنظيم للفتيات على الزواج من أفراده؛ وهذا ما جعل كل رب أسرة لديه فتاة غير متزوجة يسعى لتزويجها بشتى الطرق للحفاظ عليها؛ مما أتاح فرص للشباب الذين لم يتم القبول بهم أن يحصلوا على موافقة وتسهيلات لا حدود لها .
السبب المادي والاجتماعي هما اللذان جعلا الشباب يقبلون على الزواج، لكن هذه الظاهرة هل هي صحية للمجتمع أم سيكون لها مردود سلبي؟
الزواج واتساعه مهم جدًا في مجتمعنا ويعد حالة صحية، وانخفاض المهور أيضًا يجعل الأمر أقل إرهاقًا ويساعد على انطلاق الشباب بدون قيود لحياتهم الجديدة ولتكوين أسرة مساهمة في بناء المجتمع.
ولكن الأمر له خطورة من ثلاثة جوانب، يجب أخذها في الحسبان لتقييم هذه الظاهرة:
أولاً: الزواج والعقد غير موثق لدى الحكومة الرسمية؛ مما يجعل المرأة في خطر لكونها لا تستطيع المطالبة بحقوقها لعدم وجود قانون، إضافة لمشكلة أكبر وهي مشكلة الأطفال الذين سيكونون بدون أي وثائق تثبت انتسابهم أو جنسيتهم، وهذا أمر خطير جدًا يجب الانتباه إليه.
ثانيًا: المسؤولية وهذه من أخطر الأمور التي تواجه الزواج، وهي قدرة الشاب على تحمل الضغوط في ظل وضع متأزم، وقد يترك الزوجة ويخرج لغرض الهجرة أو العمل؛ مما يزيد حالة الفتاة تعقيدًا ويزيد الألم على الأهل، خاصة إن أصبح لديها طفل، وهذا أمر أيضًا يجب الانتباه عليه.
ثالثًا: التكافؤ والرضا وهذا الأمر مهم جدًا، على المدى البعيد قد يجعل المجمع متفكك وتحدث حالات طلاق وضياع للأسر بسبب عدم الرضا والذي ينتج من زواج شاب بمستوى متوسط بفتاة من عائلة غنية أو طبقة اجتماعية أعلى أو فرق ثقافي كبير، ولكن الظرف الطارئ جعل هذه الزيجة تتم رغم عدم التكافؤ؛ وهذا يؤدي فيما بعد انتهاء الأزمة إلى خلق حالة من عدم الرضا لدى الزوجة وأهلها، تجعل الأمر صعب على الزوج فيبدأ الشرخ يتسع لينتهي بعائلة تعيسة أو مفككة، وهذا ما نخشاه جدًا ونسعى ألا يكون .
لذلك على كل شاب قرر الزواج .. عليك بدراسة هذا المقال وتمحيص الاختيار بحيث تختار للظرف الحالي والمستقبل وتكون أسرة قوية تجعلك سعيدًا لبقية حياتك، وكذلك على ولي أمر الفتاة دراسة هذا المقال والتركيز على موضوع المسؤولية، فهو خطير جدًا لتجعل من الفتاة التي هي أمانة في عنقك سعيدة لبقية حياتها.
رغم كل هذه المحاذير يبقى الزواج ظاهرة اجتماعية صحية يجب أن نستفيد من اتساعها ونعمل على إنجاحها.