ودع المنتخب القطري لكرة القدم – رسميًا – بطولة كأس العالم في نسختها الـ22، وذلك بعد خسارته أمام المنتخب السنغالي بثلاثة أهداف لهدف في المباراة التي أقيمت الجمعة 25 نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ في المرحلة الثانية من مباريات المجموعة الأولى ضمن كأس العالم FIFA قطر 2022.
الخسارة هي الثانية للعنابي بعد الهزيمة التي تلقاها في افتتاحية المونديال على يد المنتخب الأكوادوري بهدفين نظيفين، في الـ20 من الشهر الحاليّ، ليتأكد خروج المنتخب القطري من البطولة بشكل نهائي بعد تعادل منتخبي هولندا والأكوادور وأصبح لكل منهما 4 نقاط، في انتظار المباراة القادمة التي ستكون الفاصلة لتحديد هوية المرشحين بين الثلاثي (هولندا – الأكوادور – السنغال).
بهذا الخروج المبكر يصبح المنتخب القطري ثاني منتخب مستضيف يغادر الدور الأول بعد جنوب إفريقيا في نسخة 2010، وسط حالة من الصدمة للجمهور القطري، وتساؤلات عدة لدى الشارع الرياضي العربي بشأن المستوى الذي ظهر به العنابي مقارنة بالتنظيم الرائع للمونديال الذي أبهر العالم أجمع.. فما أسباب هذا الخروج في الوقت الذي كان يتوقع المحللون أن يظهر منتخب الدولة المستضيفة بصورة أفضل وأن يصعد للأدوار اللاحقة؟
“خسارة مرة”.. حزن على مواقع التواصل الاجتماعي بعد هزيمة المنتخب القطري أمام السنغال#كأس_العالم_قطر2022 #قطر_السنغال pic.twitter.com/TBibhnj21I
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) November 26, 2022
5 أسباب رئيسية
منذ الدقائق الأولى لمباراة الافتتاح تبين حجم الرهبة والخضة التي تملكت لاعبي المنتخب القطري، فلأول مرة يخوضون مثل تلك المباريات بهذا الحضور الجماهيري الأول من نوعه بالنسبة لهم، كما أنها أول مشاركة لهم في البطولات المونديالية، ما أصابهم بالرهبة التي تمثلت في حجم التمريرات الخاطئة والفشل في التمركز بجانب الأخطاء الشخصية الفادحة التي كلفت الفريق أهدافًا سهلةً في المبارتين.
تزامنت تلك الخضة مع حجم ضغوط غير مسبوقة ملقاة على كاهل الفريق المطالب أن يقدم مستويات جيدة وأن يصعد للأدوار التالية، بصفته منتخب الدولة المستضيفة، وكما جرت العادة فإن المنتخب المستضيف في الغالب يحقق نتائج إيجابية، مستغلًا الجمهور والدعم الإعلامي والأجواء المعتاد عليها، وهو ما جاء بنتيجة عكسية على أداء المنتخب القطري الذي لم يستطع تحمل تلك الضغوط.
ما كان يتوقع أحد أن يصل المنتخب القطري الذي يحتل المرتبة الخمسين في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى مستويات متقدمة من التصفيات، فمجموعته تعد واحدة من أصعب مجموعات المونديال، فهولندا الثامن عالميًا، والسنغال الثامن عشر عالميًا، والأكوادور الرابع والأربعين عالميًا، لكن في الوقت ذاته كان الخروج من المرحلة الأولى أمرًا مستبعدًا نسبيًا، وهو ما جاء بمثابة الصدمة للأنصار.
يرى خبراء أن استقرار المنتخب على أسماء بعينها منذ 12 عامًا، دون إجراء تغييرات عليها، جعل الفريق كتابًا مفتوحًا أمام الجميع، ومن ثم سهل مأمورية دراسته والتعامل معه
ورغم أن المنتخب العنابي يعد من المنتخبات صاحبة متوسط الأعمار السنية الصغيرة نسبيًا، التي تصل إلى 26.3 عامًا للاعبيه، فإن اللياقة البدنية لم تكن على مستوى هذا العمر، وهو ما ظهر جليًا أمام المنتخب الأكوادوري الذي لم يجد صعوبة مطلقًا في التحكم بسير المباراة نظرًا للفوارق الكبيرة في اللياقة، وهو ما أرجعه محللون إلى عدم الإعداد الجيد للبطولة، محملين الجهاز الفني واتحاد الكرة مسؤولية هذا الانخفاض الواضح في مستوى اللياقة.
سبب آخر يرتبط بزاوية الإعداد الجيد يتعلق بعدم خوض مباريات تمهيدية كافية استعدادًا للبطولة، فقد ارتكن العنابي إلى كونه بطلًا لآسيا ومنتخب الدولة المستضيف، وأن ذلك كافيًا لتحقيق نتائج إيجابية دون دراسة الخصم والمنافس بشكل جيد، أسوة بما فعلته المنتخبات الأخرى التي أجرت مباريات عدة مع فرق من مناطق جغرافية مختلفة ومستويات لياقة وأداء متباينة حتى تكون على أهبة الاستعداد للتعامل مع السيناريوهات كافة.
بعض الخبراء الرياضيين يرون أن استقرار المنتخب على أسماء بعينها منذ 12 عامًا، دون إجراء تغييرات عليها، جعل الفريق كتابًا مفتوحًا أمام الجميع، ومن ثم سهل مأمورية دراسته والتعامل معه، خاصة فيما يتعلق بمفاتيح اللعب التقليدية المعروفة لشتى المتابعين، مثل أكرم عفيف وحسن الهيدوس والمعز علي وخورخي بو علام، فيما يرى آخرون أن تلك ميزة وليست عيبًا، وأن المشكلة هنا تتعلق بخطط اللعب والإعداد الجيد ودراسة المنافسين بشكل دقيق.
ثم تأتي قوة المنافسين كأحد الأسباب الرئيسية التي عجلت بخروج العنابي من الدور الأول، حيث أوقعته القرعة مع منتخبات تتميز بالسرعة والتكتل الدفاعي الواضح، حيث يحتل المنتخب الأكوادوري المرتبة الثالثة في قائمة أقوى دفاع في تصفيات أمريكا الجنوبية خلف البرازيل والأرجنتين، كذلك المنتخب السنغالي العنيد، وإن كان ذلك ليس مبررًا للهزيمة منهما خاصة المباراة الثانية التي أضاع فيها العنابي أكثر من 5 أهداف محققة كانت كفيلة بقلب الطاولة وإعادة ترتيب المجموعة مجددًا بما يبقي على آماله في الصعود.
بين الشماتة والإطراء.. جدل الشارع الرياضي
انقسم الشارع الرياضي العربي إزاء الخروج المبكر لمنتخب الدولة المستضيفة للمونديال إلى قسمين: الأول: يلتمس العذر للعنابي، صاحب المشاركة الأولى في كأس العالم، مرجعين الخسارة إلى عدم الإعداد الجيد، سواء على المستوى الفني أم البدني، وهو ما أدى في النهاية إلى تلك النتيجة غير المتوقعة، متفقين مع رأي المدير الفني للعنابي، فيليكس سانشيز، الذي علق على خروج فريقه قائلًا: “كأس العالم سينتهي، لكن كرة القدم لن تنتهي، وسنعمل من أجل المستقبل”.
ويتفق أنصار هذا الرأي أن المشاركة الأولى للمنتخب القطري في المونديال لا شك أنها حملت الكثير من الرسائل والدروس المستفادة التي يمكن أن يُبنى عليها لبناء فريق قوي قادر على المنافسة في المشاركات القادمة، خاصة أن الفريق يمتلك قدرات فنية جيدة كشفت عن نفسها خلال بطولة آسيا 2019 التي فاز بها القطريون.
أما القسم الثاني الذي يتصدره عدد من الإعلامين فاستغل هذا التعثر لإظهار الشماتة في المنتخب القطري، متهمًا إياه بأنه الأضعف في البطولة ولا يستحق الصعود، وهي الشماتة التي لم يجدوا لها مكانًا خلال حفل الافتتاح الذي راهن الكثير منهم على فشله، لكنهم صعقوا أمام الإبهار الذي خرج به وردود الفعل الإيجابية، ومن ثم وجدوا في الخروج المتوقع للمنتخب القطري – بصرف النظر عن كونه مبكرًا للغاية – متنفسهم لبث أحقادهم الكاشفة عن توجهات أخرى بعيدة تمامًا عن كرة القدم والرياضة.
#الشروق| عمرو أديب: قطر دخلت التاريخ كأسرع فريق مضيف يغادر كأس العالمhttps://t.co/KnQuAn1lwE pic.twitter.com/yIFaQ151RB
— Shorouk News (@Shorouk_News) November 26, 2022
الإعلامي المصري، عمرو أديب، خلال برنامجه اليومي “الحكاية” المقدم على قناة “mbc مصر” السعودية، علق على هزيمة العنابي قائلًا: “قطر دخلت التاريخ كأسرع فريق مضيف يغادر كأس العالم”، وواصل هجومه “الفريق لم يكن له أي طعم”، معتبرًا أن لاعبيه لم يكن لديهم الحافز الكافي.
الهجوم ذاته تبناه مدير مكتب صحيفة “الحياة” اللندنية (الممولة سعوديًا) في القاهرة، محمد صلاح، الذي لم ينكر تلك الشماتة في الخروج المبكر للفريق القطري، لكنه أرجع ذلك إلى بعد سياسي على حد قوله، مغردًا على حسابه الشخصي على تويتر قائلًا: “على المسؤولين القطريين أن يسألوا أنفسهم لماذا تعاطفت الشعوب العربية وشجعت منتخبات: السعودية وتونس والمغرب في المونديال أكثر بكثير من تشجيعها لمنتخب قطر؟ لماذا ظهرت بعض الشماتة بخروج العنابي؟ ببساطة لأن الشعوب لا تتغير ولا تتأثر بالسياسة ولعبة المصالح ولم تنس الأذى القطري لها”.
وبين القسمين هناك رأي آخر عبر عنه بعض النشطاء، يتعلق بدلالات هذا الخروج المبكر للدولة المستضيفة، وهو ما ذهب إليه الناشط السياسي اليمني محمد المحيميد، الذي علق في تغريدة له قائلًا: “خروج منتخب قطر من المونديال قبل جميع المنتخبات هو أكبر دليل على نزاهة قطر وكذب ادعاءات خصومها وكارهيها أنها اشترت تنظيم المونديال”، وتابع “من يشتري تنظيم المونديال كان باستطاعته شراء الرئيس السنغالي”.
وكانت الدوحة قد تعرضت لهجوم شرس من اللجان الإلكترونية الممولة غربيًا وعربيًا على حد سواء منذ فوزها بتنظيم المونديال في 2012، فقد عزفت تلك اللجان على وتر أن الحكومة القطرية فازت بتنظيم البطولة بالرشوة وأنها قدمت أموالًا لمسؤولي الفيفا لفوز عرض الاستضافة الذي قدمته، وهي الاتهامات التي فندتها قطر على أرض الواقع من خلال الاستعدادات غير المسبوقة التي أثبتت من خلالها قدرتها على احتضان مثل تلك الفعاليات الدولية.
وفي الأخير.. ربما تنجح قطر في تقديم نسخة استثنائية من المونديال، وقد تكون المكاسب المحققة من هذا الإبهار في التنظيم والرسائل والدلالات التي تخللته أكبر بكثير مما يتخيله البعض، لكن هذا لا يغفر خطيئة عدم الإعداد الجيد على مستوى المنتخب الذي لم يظهر بالشكل اللائق ولم يُرض طموحات الجماهير القطرية، وهو الدرس الذي يجب أن يكون نقطة الانطلاق نحو بناء جيل جديد من اللاعبين قادر على رفع اسم بلاده مستقبلًا في المحافل الدولية القادمة.