بمجرد انطلاق صافرة منافسات كأس العالم، انضم اللوبي الصهيوني إلى حملة تشويه واسعة النطاق في لعبة قذرة بغرض استهداف قطر وإفساد عرسها المونديالي، وتشويه صورة العربي عامة.
بدأت الحملة بعد أخذ المشعل عن لوبي عربي كان قد أطلق الهجمة على الملف القطري لتنظيم البطولة الدولية في وقت مبكر، فمن قاد هذه الحملات؟ وما غايتها؟
حملة واسعة النطاق
للإحاطة بالموضوع، لا بد من الإشارة إلى الهجمة المبكرة على قطر للحول دون قبول ملفها لتنظيم الاستحقاق الكروي العالمي، إذ تؤكد التقارير في هذا الشأن، أن اللوبي العربي في الولايات المتحدة، المتكون أساسًا من شخصيات إماراتية وسعودية، قاد حملة للطعن في قدرة السلطات القطرية على احتضان أكبر محفل دولي، مبررًا ذلك بعدة مزاعم منها ضعف البنية التحتية الرياضية والفندقية، وغيرها.
بدأت الحملات تلك، التي بلغت أوجها خلال سنوات محاصرة قطر، مع بداية الثلث الأخير من سنة 2017، في هجمات متزامنة من عدة بلدان، وقادت شخصيات في قوى ضغط عربية من دول الحصار الأربعة (الإمارات والسعودية والبحرين ومصر)، جهودًا مشتركةً ومتسقة باتصالات مع صناع قرار أمريكيين، لتسليط الاهتمام على الدوحة لتعطيل مساعيها الحثيثة لإتمام البنية التحتية الرياضية من ملاعب وفنادق وشبكات مترو.
وقد كشفت المخابرات الأمريكية في تقرير لها، وهي ليست المرة الأولى التي تشير إليها المصادر الإعلامية الأمريكية، إلى وجود أعمال تجسس على إدارتها من دولة مجاورة لقطر، ما أثار الاستياء باعتباره تلاعبًا بالقرار الأمريكي.
من حق #الإمارات وأي دولة أخرى،التدخل في شؤون دول،لتغيير نمط سياساتها تجاه الدولة نفسها أو المنطقة،فاللوبيات الأخرى ناشطة وفاعلة في واشنطن،كاللوبي الصهيوني والإيراني والصيني.
واشنطن بوست:بعض انشطة #الإمارات في الولايات المتحدة الواردة في التقرير الإستخباري ترقى إلى مستوى التجسس.
— Dr. Saleem Aldulimi (@SaleemAldulimi) November 13, 2022
وعلى مستوى ثانٍ ومتزامن، انطلقت من دول الحصار، آلاف الحسابات على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، في شبكات خوارزمية بالغة التعقيد تقاد من واشنطن ودبي وعواصم أخرى خليجية وعربية، بأسماء مستعارة وبعضها موثق بالعلامة الزرقاء لإكسابها طابع المصداقية في إشاعاتها، بهدف تشويه قطر وقادتها والتشكيك في سياساتها العامة، لإرباك اقتصادها أولًا، ثم للتأثير على نسق جميع مشاريعها.
ونعرف هنا أن قطر كانت تحارب على جبهتين: توفير المتطلبات الناتجة عن تداعيات الحصار، والمحافظة على استمرارية المشاريع المونديالية التي لم تتوقف، حتى في قمة الأزمة الخليجية.
كثّف من وصفوا حينها بأمراء الذباب الإلكتروني، مثل القحطاني والمزروعي والكواري، هجماتهم الشعواء على الدولة الخليجية المجاورة لهم، لكن مع المصالحة الخليجية ولقاء الأميرين تميم بن حمد ومحمد بن سلمان خلال قمة العُلا السعودية، تقلصت حدة الهجمات، مع بدء جليد الخلافات في الذوبان بشكل شبه تام، حتى رأينا مؤخرًا ارتداء الأميرين لعلمي بلديهما، في رسالة وجدت صدى إيجابيًا بين الشعبين.
اليد الإماراتية تصفق في الهواء
انقشعت تقريبًا السحابة السعودية عن الدوحة، لكن السحابة الإماراتية ظلت مركزة عليها بشكل مكثف حتى موعد انطلاق المونديال، مشككة كعادتها في المكاسب القطرية وقدرة قطر على إدارة المحفل الضخم ومستهزأة بكل صغيرة وكبيرة، بالإضافة إلى شيطنة كل ما هو إسلامي.
من ذلك ترذيل عملية استقدام الدعاة وتعليق اللوحات الإسلامية بالفضاءات الرياضية وإذاعة صوت الأذان ومنع المثلية والخمور وقراءة القرآن في حفل الافتتاح، محوّلة الرياضة إلى محفل سياسي بحت، إمعانًا في تشويه صورة قطر أمام العالم، بينما يطبّعون ضمنيًا مع الاحتلال ومع الفساد الأخلاقي.
عادي لو تطلع اللجنة المنظمة لكاس العالم وتقول نعم سنستضيف مجتمع الميم ويرفعون شعاراتهم وسنسمح بالخمور ونطبع مع اسرائيل والله ان الناس كلها راح تحترمهم لانه العالم يعرف ان من شروط استضافة حدث كاس العالم اعطاء الجميع حقوقهم وحرياتهم ، ولكن المتاجرة والكذب والتضليل جعل منهم اضحوكة
— محمد الكواري (@kuwarimud) November 19, 2022
لكن مع انطلاق المنافسات الرياضية، تقلصت نسبيًا الحملة الإماراتية، نظرًا لغلبة الجانب الرياضي على الأحداث، الذي غطّى الفراغ السائد ومحاولات الإرباك الجانبية، حتى ظهرت اليد الإماراتية، التي غاب رئيسها عن حفل الافتتاح، كالتي تصفق وحدها في الزفة أو في الهواء، فانسحبت لصالح تدخل عنيف للوبي الصهيوني بطريقة ظاهرة للعيان، في حملة تغريدات ومراسلات صحفية وبرامج سياسية ضد المونديال العربي.
انطلقت الحملة الصهيونية بتداول إشاعات منع قطر للجمهور “الإسرائيلي” من الذهاب للدوحة، للتغطية على اشتراط قطر على الاحتلال نقل آلاف المشجعين الفلسطينيين للدوحة، ورفض أي تمثيل صهيوني لتسهيل إجراءات جماهيرهم، وعدم السماح لشركات الاحتلال بتشغيل هواتف جماهيرها بقطر، ما ولد حالة احتقان صهيوني دفين.
اليد الصهيونية تستلم الدور
لم يُلاحظ أي تدخل لبقية دول الحصار السابقة خاصة البحرين ومصر التي حضر رئيسها حفل الافتتاح، لكن اليد الصهيونية أخذت المشعل عن اللوبي العربي السابق خاصة بعد خفوت صوت حسابات تويترية شهيرة عرفت بولائها للإمارات.
لكن الصراخ الأعلى كان للكيان الصهيوني، منذ أن بدأت ماكينته في الاشتغال من الميادين الرياضية القطرية، وما رافق ذلك من ضخ إعلامي مسلط على قطر ككيان خليجي يغرد خارج السرب، وإظهارها كدولة متمردة عن شقيقاتها البحرين والإمارات والسلطنة، وحتى السعودية رغم مغازلة جماهيرها، وتحريضهم ضد الفلسطينيين بزعم تشجيعهم منتخب الأرجنتين خلال المباراة ضدهم.
وعلى موقع التدوين القصير “تويتر”، شن أكاديميون وإعلاميون تغريدات متتالية، لترذيل كل منجزات قطر على جميع المستويات، تراوحت بين السخرية والتهكم على منتخبها وجمهورها، والإساءة إلى سلطاتها القيادية والأمنية بمزاعم إهانة الضيوف ورفض الاختلاف بعد منع دخول شارات الشواذ، لدرجة توعدها بالمحاسبة!
قطر ستحاسب على كل المضايقات https://t.co/gWMXl6Gk4Q
— إيدي كوهين אדי כהן ?? (@EdyCohen) November 23, 2022
ولم تقف الهجمات والتهجمات التي تبدو منسقة ومتزامنة، من إعلاميين مثل جاي معيان وإيدي كوهين ومئير مصري، عند أي حدود، فطالت المجال السياسي في توظيف للحدث الرياضي الدولي، فتم تداول موضوع الإرهاب بكثرة، وادعوا صلته بقطر وبقطاع غزة ومقاومتها، وبقية المقاومة الفلسطينية، دون أي إشارة للمساعدات المالية القطرية للفسطينيين، ولا لجهودها في كسر الحصار.
بل لم يستثن ذلك الرّهاب والضغوطات، الملف السوري، بزعم تشجيع قطر للخراب العربي في إشارة للربيع العربي وقوى التحرر والمعارضة في سوريا، في تغاض تام عن القصف الصهيوني شبه اليومي لمواقع النظام السوري.
بث للفتن بين قطر والعرب، ووصف للعرب بأوصاف نابية وأخرى عنصرية تحقيرية مثل “عرب الشمال” و”مرتزقة” و”برابرة” بادعاء سيطرتهم على قطر، كلها أساليب باتت معتمدة في جميع دوائر الاحتلال الاتصالية والإعلامية لإفساد أول مونديال عربي، في محاولات يائسة لبث البلبلة، وقد أقر مراسلو القنوات التليفزيونية برفض الجمهور العربي الحديث إليهم بشكل قاطع.
تفاجأ الإعلام الصهيوني مرارًا من حجم المقاطعة تلك، وهي تبدو عمليات سبر آراء واضحة لقياس مدى استجابة الشارع العربي للتطبيع الشعبي، وهو الحلم الوحيد الذي لن يطمع به الاحتلال، مهما سوق لمعاهداته مع الأنظمة الرسمية، ولعل الحملة ضد قطر تندرج ضمن تشويه الدول الرافضة للتطبيع.