أصبح المنتخب الفرنسي أول المتأهلين إلى الدور ثمن النهائي من كأس العالم في قطر 2022 بعد فوزه الصعب على نظيره الدانماركي بهدفين مقابل هدف في المباراة التي أقيمت بينهما السبت 26/11/2022 على إستاد (974) ضمن المجموعة الرابعة من مباريات الجولة الثانية بدور المجموعات.
بهذا الفوز تصبح فرنسا أول حامل للقب المونديالي يتأهل للدور الثاني منذ كأس العالم 2006 في ألمانيا، حيث خرجت إيطاليا حاملة اللقب من الدور الأول لنسخة 2010 في جنوب إفريقيا، كذلك إسبانيا التي فشلت في بلوغ الدور الثاني لمونديال البرازيل 2014 وهي حاملة اللقب، كما خرجت ألمانيا مبكرًا من مونديال روسيا 2018.
كسرت الديوك الفرنسية بهذا الانتصار عقدة الدنمارك التي فازت عليها في آخر مبارتين جمعت بين الفريقين في النسخة الحاليّة من دوري الأمم الأوروبية 2022-2023، وانتهتا بفوز الدنمارك 2-1 و2-0 على التوالي، وهو ما أنعش آمال الفرنسيين في تكرار سيناريو 2018 في روسيا رغم أن منتخب بلادهم المصنف الرابع عالميًا لم يكن ضمن المرشحين الأبرز للبطولة قبيل انطلاقها.
جاء الفوز الفرنسي بأقدام لاعبه ذي الأصول الكاميرونية الجزائرية، كيليان مبابي (والده كاميروني ووالدته جزائرية) نجم فريق باريس سان جيرمان الفرنسي، وهو ما أعاد ملف اللاعبين المهاجرين للأضواء مرة أخرى، فقد كانوا أحد الأسباب الرئيسية وراء تتويج فرنسا باللقب مرتين قبل ذلك، إذ تزخر التشكيلة الفرنسية بالأسماء التاريخية للاعبين المهاجرين التي صنعت التاريخ الكروي لمنتخب الديوك، على رأسهم: ميشال بلاتيني (من أصول إيطالية) وزين الدين زيدان (أصول جزائرية) وتيري هنري (أصول هندية) وباتريك فييرا (أصول سنغالية).
منتخب المهاجرين
منتخب فرنسا أحد المنتخبات الـ13 التي شاركت في أول نسخة من كأس العالم التي أقيمت في أوروغواي عام 1930، كما كان صاحب أول مباراة مونديالية وأول فوز حين أمطر شباك المكسيك بأربعة أهداف لهدف واحد، وشاركت الديوك الفرنسية في 15 نسخة سابقة من البطولة العالمية، فيما تغيبت عن نهائيات 1950، 1962، 1970، 1974، 1990، 1994، وتعد النسخة الحاليّة هي الـ16 لهم.
وعلى مدار مشاركاته الممتدة لأكثر من 90 عامًا أحرز المنتخب الفرنسي اللقب مرتين: الأولى عام 1998 التي أقيمت في فرنسا حين فاز على منتخب السامبا البرازيلي بثلاثية نظيفة في واحدة من أجمل مبارات كأس العالم على مر التاريخ، والمرة الثانية هي النسخة الأخيرة التي أقيمت في روسيا 2018، بعد الفوز على منتخب كرواتيا بأربعة أهداف لهدفين، فيما بلغ الديوك الدور النهائي مرة واحدة فقط، عام 2006، بينما أحرزوا المركز الثالث في نسختي عامَي 1958 و1986.
ما كان للمنتخب الفرنسي التتويج بنسختي كأس العالم التي حصل عليهما على مدار تاريخه دون اللاعبين من ذوي أصول مهاجرة
أما على المستوى الأوروبي، فحصلت فرنسا على بطولة أمم أوروبا مرتين من إجمالي تسع مشاركات، الأولى كانت عام 1984 بقيادة ميشيل بلاتيني والثانية عام 2000 بقيادة ديدييه ديشان، كما حلت بالمركز الرابع مرتين في بطولة عامي 1960 و1996.
ومنذ المشاركة الأولى للمنتخب الفرنسي في المونديال عام 1930 وبدأ تجنيس عدد من لاعبي كرة القدم من أصول أجنبية، لكن كان التجنيس حينها مقصورًا على النمساويين واللوكسومبرغيين، وبعد وقت ليس بالقصير بدأت في استدعاء لاعبين من مستعمرات فرنسية قديمة، خاصة في القارة الإفريقية، ومن أقدم اللاعبين الأفارقة – من أصول عربية – الذين انضموا للمنتخب الفرنسي، اللاعب الجزائري علي بنونة، والمغربي العربي بن مبارك.
بعض المؤرخين يرون أن استعانة فرنسا باللاعبين المهاجرين كان أحد الإستراتيجيات التي اتبعتها باريس لتدشين علاقة قوية رياضية بينها وبين مستعمراتها السابقة، على عكس بريطانيا مثلًا التي لم تقبل أن ينضم إلى منتخبها أي لاعب ذي بشرة سوداء إلا بحلول 1978، هذا قبل أن يتحول الأمر إلى احتراف بمعناه العصري الحاليّ بعيدًا عن البعد السياسي.
ويمتلك المنتخب الفرنسي المشارك حاليًا في مونديال قطر عددًا كبيرًا من اللاعبين المهاجرين، على رأسهم أنطوان غريزمان من أصول برتغالية، وعثمان ديمبلي من أصول مالية، بجانب النجم الكاميروني الأصل كيليان مبابي، فيما غاب للإصابة صاحب الكرة الذهبية لهذا العام، نجم ريال مدريد كريم بنزيما، ذي الأصول الجزائرية، لذا يحلو للبعض أن يطلق على منتخب فرنسا “منتخب المهاجرين”.
التتويج بأقدام غير الفرنسيين
ما كان للمنتخب الفرنسي التتويج بنسختي كأس العالم التي حصل عليهما على مدار تاريخه دون اللاعبين من ذوي أصول مهاجرة، ففي مونديال 1998 حقق الديوك البطولة بفضل نجمهم التاريخي زين الدين زيدان، ذي الأصول الجزائرية، الذي لعب مع المنتخب 108 مبارايات وسجل هدفين في النهائي الشهير أمام البرازيل وكان سببًا في تتويج الفرنسيين بالبطولة.
وقد حصل زيدان على وسام جوقة الشرف في عام 1998، وشارك منتخب بلاده في الفوز ببطولة أمم أوروبا 2000 التي توج خلالها بجائزة أفضل لاعب في البطولة، كما حصل أيضًا على الكرة الذهبية لأفضل لاعب في بطولة كأس العالم عام 2006.
الأمر كذلك مع اللاعب ذي الأصول الغانية مارسيل ديساييه، وكان ديساييه الذي فاز مع الديوك بكأس العالم 1998 وكأس أوروبا 2000، أحد أكثر اللاعبين الفرنسيين مشاركة مع منتخب بلاده، حيث لعب 116 مباراة دولية وسجل فيها 3 أهداف، ويصنفه المؤرخون على أنه من أفضل اللاعبين في آخر عقدين.
تترقب أعين أبناء ألكسندر دوما وكوستاف إيفل وشارل ديجول، أقدام اللاعب الكاميروني الجزائري كليان مبابي، كونه اللاعب الوحيد القادر على تحقيق أحلام الشعب الفرنسي في تحقيق الثنائية المونديالية على التوالي
وفي النسخة المونديالية الثانية التي حصل عليها المنتخب الفرنسي في روسيا 2018 ضمت قائمة الديوك 17 لاعبًا من أصول مهاجرة، يمثلون 73% من تشكيلة المنتخب، كان أبرزهم مبابي المستمر حتى اليوم، وبول بوغبا (غيني الأصل) ونغولو كانتي (مالي) وصامويل أومتيتي (كاميروني).
اللافت للنظر أن الإنجاز الذي ساهم به المهاجرون في إعلاء اسم وعلم فرنسا وتتويجها ببطولة كأس العالم تزامن مع الحملة الشرسة التي تبناها اليمين المتطرف الفرنسي بقيادة ماريان لوبان ضد اللاجئين والمهاجرين عمومًا، وطالبت بطردهم من البلاد وغلق الحدود أمامهم بدعوى أنهم عالة على بلادها، علمًا بأن كل النجاحات التي حققتها فرنسا خلال العقود الأخيرة ساهم فيها أبناء المهاجرين بنسب كبيرة، بعضها يتفوق على حصة أبناء البلد الأصليين.
يؤمل الفرنسيون أنفسهم بإنجاز يضاهي ما حدث في 2018، يعوضون به الإخفاق في البطولات القارية، وبعد مباريات الجولة الأولى يبدو أن الديوك سيكونون أحد المنافسين بقوة على اللقب، عكس التوقعات قبيل انطلاق البطولة، حيث تترقب أعين أبناء ألكسندر دوما وكوستاف إيفل وشارل ديجول، أقدام اللاعب الكاميروني الجزائري كليان مبابي، كونه اللاعب الوحيد القادر على تحقيق أحلام الشعب الفرنسي في تحقيق الثنائية على التوالي.