ترجمة وتحرير: نون بوست
وسط أنباء من وكالات استخبارات أمريكية تزعم فيها أن الصين تساعد بنشاط المملكة العربية السعودية في برنامج تطوير الصواريخ الباليستية، وعلى الرغم من عدم وجود أدلة كافية على تطوير الرياض للصواريخ ودور الصين في ذلك؛ إلا أن هناك العديد من التساؤلات حول ما إذا كان هذا التعاون المزعوم يمثل تحولًا في انخراط الصين في الشرق الأوسط وتحولها من إيران نحو المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى التساؤل عن قدرة الصين على على الحفاظ على استراتيجية موازنة تجاه هذه القوى الإقليمية.
وتتجه الرياض نحو إنتاج صواريخها الباليستية لتكملة مشترياتها من سوق الأسلحة الدولية لثلاثة أسباب، وهي:
الأول؛ هو توتر العلاقات السعودية الأمريكية، حيث حذر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الملك سلمان في عام 2018 من أن حكمه “لن يستمر أسبوعين” بدون دعم أمريكي، كما أزالت واشنطن، في أيلول/ سبتمبر 2021، نظام الدفاع الصاروخي المتقدم وبطاريات باتريوت من المملكة العربية السعودية على الرغم من هجمات المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وبخ الرئيس جو بايدن الرياض، بسبب خفض إنتاج منظمة أوبك+ للنفط، كما رفضت واشنطن مشاركة الصواريخ الباليستية والتكنولوجيا مع الرياض للحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي.
الثاني؛ على الرغم من وجود قوات مسلحة مجهزة تجهيزًا جيدًا، إلا أن الرياض تمتلك نظام دفاع جوي ضعيف، وهو ما كشفه الحوثيون من خلال ضرب مواقع بارزة، مثل منشأة أرامكو النفطية في آذار/ مارس 2022.
الثالث؛ اكتساب إيران، المنافس الإقليمي الرئيسي للمملكة العربية السعودية، لقدرة صاروخية قوية.
من وجهة نظر المملكة العربية السعودية؛ يعد تنويع مشتريات الأسلحة والحصول على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية أمرًا ضروريًا؛ لتعزيز قدرات الردع وتقليل الاعتماد الخارجي والحفاظ على التكافؤ مع إيران.
ومن خلال هذه الجهود تصبح الصين مهمة بالنسبة للسعودية، وكانت بكين قد سلمت لأول مرة صواريخها من طراز “دي إف-3 إيه” ذات الدفع السائل إلى المملكة في عام 1988، بينما اعترفت المملكة العربية السعودية علنًا بحيازتها “دي إف-3” في عام 2014 فقط، عندما كشف تقرير إخباري أن المملكة اشترت عشرات الصواريخ من طراز “دي إف-21″، التي تعمل بالوقود الصلب من بكين في عام 2007.
وقد يظهر هذا التعاون العسكري المتنامي في الوقت الذي تؤرجح فيه الصين ولاءها بين المملكة العربية السعودية وإيران، إلا أن هذا التعاون لا يعني حدوث تغيير في سياسة التوازن التي تنتهجها الصين، حيث لا يزال نقل تكنولوجيا الصواريخ إلى المملكة العربية السعودية متوافقًا مع سياسة أمن الطاقة الصينية.
المجتمع الإستراتيجي الإيراني يدرك تماما الموقع الجغرافي الإستراتيجي للبلاد، مما يجعل عدم أهميته لبكين أمرًا مستبعدًا للغاية
وفي نفس السياق؛ يبقى نقل تكنولوجيا الصواريخ الصينية إلى الرياض معزولًا عن تعاملها مع طهران، وهو ما يكشف أن السياسة الصينية في المنطقة تفضل الوضع الراهن بين البلدين.
في حقيقة الأمر؛ لا تزال بكين ملتزمة باستغلال تطلعات المملكة العربية السعودية إلى تنويع محافظ الاستيراد والتصدير بعيدًا عن الدول الغربية، وسط الدعوات المتزايدة لتقييم الدعم المسبق لجهود المملكة وفق القضايا الداخلية بالمملكة، إلا أن ذلك لا يشير إلى أن الصينيين يختارون المملكة العربية السعودية على إيران لأن كلا البلدين لهما أهمية بالنسبة للصين.
وتأتي حملة الرياض لرعاية الحلفاء الآسيويين مباشرة من بحثها عن أسواق جديدة لمنتجاتها من الطاقة، وذاك باعتبار بكين أكبر دولة صناعية متعطشة للطاقة، فهي أكبر مشتر لطاقة الرياض، بالإضافة إلى أنها أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية وعملاء للطاقة، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية 87 مليار دولار أمريكي في عام 2021، وهي تعتبر قيمة قليلة بالمقارنة مع حجم بيع الأسلحة ونقل التكنولوجيا التي تبلغ قيمتها 245 مليار دولار أمريكي.
وعلى الرغم من ذلك؛ فإن المساعدة الصينية في مجال تكنولوجيا الصواريخ للسعودية لن تقلل من دور إيران كشريك إستراتيجي بارز لبكين في المنطقة؛ حيث يعتبر التعاون مع طهران أمرًا حيويًّ لنجاح مبادرة الحزام والطريق في بكين، وذلك بفضل موقع إيران عند تقاطع آسيا الوسطى وجنوب آسيا والشرق الأوسط، الذي يعتبر أمر بالغ الأهمية للوصول إلى سهول آسيا الوسطى، وهو الهدف الأكبر الذي تهدف بكين إلى توطيده في مجال نفوذها.
وقد ينظر العديد من الإيرانيين إلى حيازة السعودية للصواريخ على أنها خيانة للصين، إلا أن طهران تعترف بانتهاج بكين للعلاقات غير العدائية — إن لم تكن الودية — عبر الخليج العربي، هذا إلى جانب أن المجتمع الإستراتيجي الإيراني يدرك تماما الموقع الجغرافي الإستراتيجي للبلاد، مما يجعل عدم أهميته لبكين أمرًا مستبعدًا للغاية.
تستطيع الصين مواصلة موقفها الاقتصادي في المنطقة وسط اعتمادها على الطاقة الخليجية والوصول إلى الأسواق
ويعتبر التزام الصين باستثمار أكثر من 400 مليار دولار في إيران على مدى الأعوام الـ 25 المقبلة أمرًا إيجابيًّا؛ حيث تعتمد بكين على الأيديولوجية الإيرانية الراسخة المعادية للغرب وعدم ثقتها بالولايات المتحدة في المنافسة الأكبر بين الصين والولايات المتحدة، ولذلك ستدعم إيران بكين إذا أرادت إعادة توحيد تايوان مع البر الرئيسي للصين، الأمر الذي سيجلب الولايات المتحدة حتما إلى المشهد.
من ناحية أخرى، لا تزال الرياض تحت النفوذ الأمريكي بقوة على الرغم من الخلافات الأخيرة، حتى أن الولايات المتحدة توافقت مع المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال بشأن برنامج إيران النووي، مما يدل على تعاونها الأمني الوثيق مع الولايات المتحدة، ولذلك فإن إعادة الاعتماد على الصين يبدو غير محتمل لأنه يعني التخلي عن المظلة الأمنية الأمريكية.
وكان هذا عاملًا داعمًا في السياسة الخارجية السعودية منذ اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، والتي بدأت منذ عام 1928 لذلك سيكون من الصعب على الرياض استبدال اعتمادها على المعدات العسكرية الأمريكية؛ لأن إعادة التموضع تعني منع قواتها المسلحة من الإمدادات الحيوية — خاصة لسلاحها الجوي.
وطالما ظلت الرياض تعتمد على واشنطن في أمنها، فإن تودد الصين للرياض على حساب طهران أمر غير مرجح، هذا إضافة إلى تضاؤل الأهمية الإستراتيجية للمملكة العربية السعودية بالنسبة للصين مقارنة بطهران، وذلك على الرغم من أن المملكة العربية السعودية هي أكبر مورد للطاقة في بكين، إلا أن الصين تسعى إلى تحقيق التنوع في مصادر سلسلة الاستيراد هذه بعيدًا عن الرياض.
وما يمكن أن يعطل توازن العلاقات الصينية بين المملكة العربية السعودية وإيران هو تحول السياسة الأمريكية بسبب سياسات السعودية العنيدة في أوبك+، وهو ما يجعل التصور بأن الولايات المتحدة تنفصل تدريجيًا عن المنطقة غير دقيق، حيث تلتزم واشنطن فقط بتخفيض ارتباطاتها العسكرية في المنطقة من خلال الانسحاب من أفغانستان، وليس التنازل عن تفوقها الإقليمي تمامًا.
ومن جانبها تستطيع الصين مواصلة موقفها الاقتصادي في المنطقة وسط اعتمادها على الطاقة الخليجية والوصول إلى الأسواق.
المصدر: منتدى شرق آسيا