منذ منتصف القرن التاسع عشر، غذّى النفط الثورات الصناعية والتطورات الاقتصادية لكل بلد تقريبًا على وجه الأرض، هذا الطلب المتزايد في الموارد ساهم أيضًا في بعض من أسوأ الحروب في التاريخ الحديث، ويدفع المورّدون مقابل الحصول عليها مليارات الدولارات كل عام.
عندما يتعلق الأمر بالسلطة الدولية والقوة العسكرية والهيمنة السياسية والدبلوماسية، يمكن أن تكون السيطرة على موارد الطاقة بالقدر نفسه من الأهمية، لكن الغالبية العظمى من موارد الطاقة في العالم تملكها حفنة صغيرة من الدول في العالم، فمن بالضبط الذي يسيطر على طاقة كوكب الأرض؟
من يمتلك احتياطات النفط؟
عندما يتعلق مصطلح “احتياطي” بالنفط فإنه يحمل معنيَين، أولهما كمّيات مفترضة من النفط الخام في باطن الأرض، وثانيهما مفهوم حديث ابتكره مجتمع الطاقة باسم “احتياطي النفط الاستراتيجي”، ويُعرَف أيضًا بـ”المخزون الاستراتيجي”، ويعني كمّيات النفط والمشتقات التي تخزّنها الحكومات لاستخدامها في حالات الطوارئ وانقطاع الإمدادت.
تعد الولايات المتحدة أكبر مخزِّن للنفط، لا سيما المستورَد منه، ولديها احتياطات تكفيها لمدة 10 سنوات، ويبلغ الحد الأقصى لقدرة السحب الإجمالية من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي 4.4 ملايين برميل يوميًّا، أي ما يقرب من 32% من واردات النفط اليومية في الولايات المتحدة.
بدأت الولايات المتحدة هذا المشروع الاستراتيجي عام 1975، بعدما اضطرّ تدخلها في حرب مصر وسوريا ضد “إسرائيل” دولَ منظمة “أوبك” إلى حظر إمدادات النفط، فيما أصبح معروفًا بـ”صدمة النفط الأولى”، وهو ما أعقبه تراجع لاقتصاد النفط العالمي وارتفاع أسعاره بسرعة، ما أدّى إلى نقص في الغاز في جميع أنحاء أمريكا وأوروبا.
أثبتت هذه الواقعة أن النفط أداة دبلوماسية قوية وسلاح اقتصادي وسياسي، حتى إن العديد من الحروب وُصفت بأنها “حروب نفط”، وبدأت الدول صراعات مع الدول الغنية بالنفط من أجل السيطرة على مواردها، على وجه الخصوص غزو العراق غير المبرر عام 2003، الذي عُدّ مثالًا على هذا النوع من الصراع، واعترف بذلك عدد من القادة العسكريين الأمريكيين الذين كشفوا أن السيطرة على النفط العراقي كان عاملًا أساسيًّا في قرار الغزو.
بخلاف احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي الذي يشكّل أكبر إمدادات الطوارئ في العالم، بلغت احتياطات النفط المؤكدة في الولايات المتحدة 69 مليار برميل (4% من الإجمالي العالمي)، أي أكثر من جميع البلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم باستثناء 8 دول، وتنتج 13.1 مليون برميل يوميًّا، وهو أعلى معدل في أي دولة في العالم، ويعادل 14.1% من إنتاج النفط العالمي اليومي.
رغم احتلالها المرتبة التاسعة في العالم من حيث احتياطات النفط المؤكدة، لا يوجد بلد يستهلك نفطًا أكثر من الولايات المتحدة، حيث لتلبية الطلب المحلي على الطاقة تستهلك الدولة 913.3 مليون طن من النفط سنويًّا، أي أكثر بحوالي 50% من الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم.
فقط 12 دولة من أعضاء “أوبك” تسيطر على حوالي 80.4% من النفط في العالم
من حيث الإنتاج، أعلى 3 دول منتِجة للنفط في العالم هي الولايات المتحدة والسعودية وروسيا، رغم أن هذه الدول تحتل مرتبة منخفضة في قائمة احتياطات النفط، ففي عام 2021 أنتجت الولايات المتحدة نحو 13.1 مليون برميل يوميًّا، وهو أعلى معدل في أي دولة في العالم، ويعادل 14% من إنتاج النفط العالمي اليومي البالغ 95 مليون برميل من النفط، وأنتجت السعودية بعدها مباشرة 12 مليون برميل من النفط يوميًّا.
إلى جانب الولايات المتحدة والسعودية، تعدّ روسيا واحدة من 3 دول فقط في العالم تنتج أكثر من 10 ملايين برميل من النفط يوميًّا، ويوجد أكثر من 107 مليارات برميل من احتياطات النفط المؤكدة داخل حدودها، وشكّل البترول أكثر من نصف صادرات البلاد البالغة 341 مليار دولار.
لكن في حين تساهم هذه البلدان الثلاثة بمعظم إنتاج النفط، فإنها لا تسيطر على أكبر الاحتياطات، حيث فقط 12 دولة من أعضاء “أوبك” تسيطر على حوالي 80.4% من النفط في العالم (1.24 تريليون برميل من احتياطات النفط المؤكدة)، ويقع الجزء الأكبر من احتياطات نفط “أوبك” في الشرق الأوسط (67.1%)، وتتنافس مباشرة مع الولايات المتحدة وروسيا وكندا من أجل السيادة على النفط.
السعودية، زعيمة منظمة “أوبك” الفعلية، تملك وحدها ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد فنزويلا، يقدَّر بـ 298 مليار برميل من الاحتياطات المؤكدة، أي أكثر من أي دولة أخرى غير الولايات المتحدة، كما تملك مخزونات احتياطية استراتيجية تصل إلى 188 مليون برميل، وتُخزَّن داخل السعودية ومصر وهولندا واليابان.
رغم ذلك، فإن أكبر مخزون احتياطي للنفط ليس حتى ضمن باقي دول منظمة “أوبك”. 18% من نفط العالم موجود في فنزويلا، التي تتصدر مقدمة الدول التي تمتلك احتياطات مؤكدة من النفط تصل إلى 304 مليارات برميل، ويعتمد اقتصادها بشكل كبير على النفط، حيث يمثّل البترول أكثر من 90% من إجمالي الصادرات، لكن حتى هذه الثروة الهائلة من الموارد الطبيعية لم تكن كافية لإنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية والسياسية والإنسانية الأخيرة.
السبب في ذلك أنها واحدة من الدول غير المحظوظة، فرغم أن وجود مليارات من براميل النفط داخل حدودها يمكن أن يكون هدية استراتيجية من الطبيعة، إلا أنها غير قادرة على إنتاجه وبيعه لتعظيم الفوائد المحتملة بسبب الجيولوجيا، ففي مثل هذه الأماكن يتواجد معظم النفط الخام الثقيل أو القار (النفط الرملي)، وهذه الأنواع ببساطة أكثر صعوبة وتكلفة في الاستخراج.
في أماكن أخرى تُفرض العوائق نفسها. في بعض البلدان، مثل البرازيل والولايات المتحدة، هناك ضرائب أعلى على إنتاج النفط، ما يرفع التكلفة الإجمالية للبرميل. في المقابل، في السعودية، على سبيل المثال، تبلغ تكلفة إنتاج النفط حوالي 3 دولارات للبرميل، وهي الأدنى في العالم، وهذا يعني أن الغالبية العظمى من الإيرادات المكتسَبة من كل برميل تذهب إلى خزائنها.
يبدو الأمر مختلفًا تمامًا في كندا، وهي دولة غير تابعة لـ”أوبك”، وتمتلك ثالث أكبر مخزون من احتياطات النفط العالمية، بسيطرتها على 170 مليار برميل (9.8% من النفط المثبت عالميًّا)، في الواقع تملك كندا 60% من النفط الاحتياطي المتواجد خارج منظمة “أوبك”، لكن معظم رواسب الرمال النفطية الضخمة، أقذر أنواع الوقود في العالم، في مقاطعة ألبرتا لا يمكن الوصول إليها إلا إذا كانت الأسعار مرتفعة بدرجة كافية.
وفي حين يبقى التقييم النهائي للتحكم العالمي في النفط هو الإنتاج الفعلي، ليس من المستغرَب أن تسيطر “أوبك” وروسيا على 50-55% من إجمالي الإنتاج، حتى مع ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة لا يزال تأثير هذه الكتلة فعّالًا، والأهم من ذلك أن روسيا والسعودية تسيطران على 25-30% من إجمالي الصادرات.
كم تبقّى من النفط لدينا؟
بخلاف موارد الطاقة المتجددة، فإن النفط مورد غير متجدد، ما يعني انتهاءه بمجرد أن نستخدمه بالكامل، ويوجد كل نفط العالم تقريبًا في مساحات متمركزة في عدة دول، لكن حتى لو أمكننا استخراج ذلك النفط، فهناك عدد من الطرق المختلفة لتصنيف احتياطات النفط التي يمكن استخراجها، ويُشار إليها بالاحتياطي المؤكّد وغير المؤكد.
ويعني الاحتياطي المؤكد ببساطة احتمال إمكانية استخراج 90% من النفط مع علمنا بوجوده في تلك المناطق، وهذه الطريقة بالضبط لا تصف كمية النفط التي يمكن أن تكمن بالفعل تحت الأرض، في حين يعني الاحتياطي غير المؤكد بشكل عام إمكانية وجود النفط في منطقة معيّنة لكن لا يمكن استخراجه لعدة أسباب.
إذا لم تنمُ الاحتياطات المؤكدة، وظلَّ الاستهلاك ثابتًا عند مستويات عام 2019، فسوف يستغرق الأمر حوالي 45 عامًا فقط قبل أن ينفذ النفط
عمومًا، يعتمد تقدير امتلاك أي دولة للنفط على الاحتياطات المؤكدة، التي تمثل كمية النفط التي يمكن إنتاجها اليوم في ظل الأسعار والتقنيات السائدة، ومع ذلك فإن هذين العاملَين دائمًا في حالة تغيُّر مستمر، ويمكن أن تؤدي تغيراتهما إلى رفع المزيد من الموارد إلى فئة الاحتياطي.
في حين أن العديد من الدول والكيانات تتنافس ليكون لديها الكثير من النفط، تتضاءل موارد الطاقة غير المتجددة شيئًا فشيئًا، ورغم أن ذروة استخدام النفط من المفترض أن تكون قد حدثت في السبعينيات، إلا أن ما ينتجه العالم اليوم هو أعلى ما يكون، الأمر الذي يستدعي معرفة مقدار النفط المتبقّي لدينا فعلًا.
وفقًا لتقدير إجمالي الاحتياطات المؤكدة لكوكب الأرض، كان احتياطي النفط يقدَّر بحوالي 1.7 تريليون برميل عام 2019، وبلغ الاستهلاك العالمي السنوي 36 مليار برميل (ما يقرب من 88.6 مليون برميل يوميًّا)، وللمقارنة يقدِّر البعض أن ما لا يقلّ عن 135 مليار برميل اُستخدم منذ بدء التنقيب عن النفط التجاري عام 1870، وهي الفترة التي أسّس خلالها جون روكفلر شركة Standard Oil، رغم أن باقي التقديرات حول كمية النفط الخام التي اُستخرجت من الكوكب تتفاوت بشدة.
إذا لم تنمُ الاحتياطات المؤكدة، وظلَّ الاستهلاك ثابتًا عند مستويات عام 2019، فسوف يستغرق الأمر حوالي 45 عامًا فقط قبل أن ينفد النفط، بحسب آخر تقدير لشركة “بريتش بتروليوم”، ما يعني أنه في وقت ما في عام 2067 ستنفد تلك الاحتياطات.
ومع ذلك، ما زالت جميع الأرقام، ومن بينها مقدار احتياطي النفط ومعدّل الاستهلاك وعدد السنوات المتبقية، محور جدل واسع النطاق، ولا تعني بالتأكيد نفاد النفط في أي وقت قريب، فمن المحتمل أن يكون هناك الكثير من النفط المتبقي بما يتجاوز ما تراه شركة “بريتيش بتروليوم”.
وتبقى مدة استدامة النفط أمرًا غير محدد، فالبعض يقول إن الأمر سينتهي قريبًا بالاعتماد على استخراج النفط أو الغاز “غير التقليدي” عن طريق الحفر الأفقي والتكسير المائي لتزويد العالم بالطاقة، ويقول البعض الآخر إننا سننتقل إلى موارد طاقة أخرى مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قبل فوات الأوان.
ووفقًا للعديد من المحلّلين، احتياطات النفط هذه ليست سوى قمة جبل الجليد، بمعنى آخر يستمر اكتشاف حقول الصخر الزيتي الجديدة في الولايات المتحدة، والتي من المفترض أن تغذّي الاحتياطات على مدى العقد المقبل، وما زال هناك الكثير من النفط في المخزون العالمي بفضل التطورات التكنولوجية الأخرى في العقود الأخيرة التي يُتوقع أن تزيد احتياطات العالم رغم الزيادة في الاستهلاك العالمي.
محتكرو الطاقة.. الصين في المقدمة
في حين أن الولايات المتحدة هي أكبر منتِج، تقف السعودية كأكبر مصدِّر للنفط في العالم، حيث تعتمد أغلبية دول آسيا على النفط السعودي، وتعتمد في الوقت نفسه على روسيا التي وفّرت ما يقرب من ثلث النفط والغاز الطبيعي في القارة عام 2021، وتملك ما لا يقلّ عن 37 تريليون متر مكعب من احتياطات الغاز الطبيعي.
في عام 2021، استحوذت روسيا على 41% من جميع واردات الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، وتعتمد بعض الدول بشكل حصري تقريبًا على الغاز الروسي، كما شكّلت واردات النفط 25% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من النفط، وساهمت واردات الفحم بنسبة 20% من إجمالي الفحم في الاتحاد الأوروبي.
لم يعد الأمر كذلك في العام التالي مع غزو أوكرانيا وتنامي العقوبات الغربية غير المسبوقة ضد موسكو، حيث خطّط الاتحاد الأوروبي لخفض واردات الغاز من روسيا بمقدار الثلثَين بحلول نهاية عام 2022، وردّت روسيا بخفض الإمدادات عبر أكبر خط أنابيب لها إلى القارّة، وقطعت الشحنات حتى لأولئك الذين وجدوا حلولًا لأمر الدفع بالروبل، نتيجة لذلك لم يحصل العملاء في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والنمسا على كل الغاز الذي طلبوه.
تسيطر 3 دول (الصين وفيتنام وروسيا) على 70% من احتياطات مصادر الطاقة المتجددة، مع امتلاك الصين ما يزيد قليلًا عن نصف هذه الاحتياطات.
كانت الصين البديل الجاهز للسوق الروسي، وتفوّقت على ألمانيا كأكبر مستورد للنفط الروسي، حيث استوردت ما يقرب من مليوني برميل يوميًّا في مايو/ أيار الماضي، بزيادة 55% مقارنة بالعام الماضي، وبالمثل تجاوزت روسيا السعودية كأكبر مورّد للنفط للصين.
كذلك تفوّقت الصين على اليابان كأكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، وشكّلت ما يقرب من 60% من نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال عام 2021، رغم نمو إنتاج الصين من الغاز الطبيعي بنسبة 7.8%، ويعزى هذا النمو المستدام في الإنتاج جزئيًّا إلى السياسات الحكومية التي تحفّز التحول من الفحم إلى الغاز.
تعتمد الصين على النفط أكثر من أي دولة أخرى -غير الولايات المتحدة- لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وبسبب الطلب المحلي المتزايد تستورد الصين النفط أيضًا، وشكّلت وارداتها -بشكل أساسي من السعودية وإيران والعراق ودول الشرق الأوسط الأخرى- أكثر من 10% من الواردات البالغة 1.5 تريليون دولار عام 2017.
يحدث هذا رغم أن الصين تحتل المرتبة الـ 13 بامتلاك أكبر احتياطي نفطي بعد كازاخستان، وتقدَّر احتياطاتها بـ 26.2 مليار برميل (1.5% من الإجمالي العالمي)، وتنتج يوميًّا 3.8 ملايين برميل من النفط، واستهلكت حوالي 608 ملايين طن من النفط عام 2017 وحده.
مثل هذه الاحتياجات الضخمة من الطاقة والاعتماد على المورّدين الخارجيين دعمت سياسة الصين الخارجية لعقود، لكن يبدو أن هذه الاحتياجات تتغير الآن، فأكبر مستورد للنفط والفحم في العالم يريد أن يصبح أكثر اخضرارًا واعتمادًا على الذات، وقد اتخذ بالفعل خطوات كبيرة نحو هذه الأهداف.
في النصف الأول من العقد الأول من هذا القرن، عندما بدأ الاعتراف بتقنيات الطاقة المتجددة على أنها مهمّة، سيطر عليها عدد قليل من الدول، لا سيما ألمانيا واليابان والولايات المتحدة، أما اليوم تسيطر 3 دول (الصين وفيتنام وروسيا) على أكبر احتياطات من مصادر الطاقة المتجددة (70% من الاحتياطات العالمية)، مع امتلاك الصين ما يزيد قليلًا عن نصف هذه الاحتياطات.
بحلول عام 2060، يهدف ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى تحويل مزيج توليد الطاقة من حوالي 70% من الوقود الأحفوري اليوم إلى 90% من مصادر متجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، وكذلك الطاقة المائية والنووية، وفقًا لنشرة السياسة الصينية الصادرة في أبريل/ نيسان الماضي.
وتفيد التقارير أن الصين تخطّط لمشروع ضخم لطاقة الرياح والطاقة الشمسية بقوة 400 غيغاواط من شأنه أن يعيد رسم خريطة الطاقة العالمية، ما يضيف قدرًا من الطاقة المتجددة كما هو الحال حاليًّا في جميع أنحاء أوروبا.
منذ حوالي عام 2005 فصاعدًا، بدأت الصين تلعب دورًا رئيسيًّا في تطوير الطاقة المتجددة، وخاصة مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حتى أصبحت المحرك الرئيسي للنمو في هذا المجال العام الماضي، وشكّلت حوالي 36% من الطاقة الشمسية و40% من طاقة الرياح.
وفي حين سجّل الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة رقمًا قياسيًّا بلغ 226 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري 2022، شكّلت الصين أكثر من 40% من الإجمالي، وارتفعت استثماراتها للأشهر الستة الأولى بنسبة 11% عن العام الماضي 2021 مسجّلة لرقم قياسي في النصف الأول، وفقًا لتقرير حديث صادر عن Bloomberg NEF.
في فترة 2000-2016، استحوذت 3 دول فقط (الولايات المتحدة والصين واليابان) على 62% من جميع براءات اختراع الطاقة المتجددة، ومنذ ذلك الحين نمت حصة الصين بشكل أكبر، بحيث أصبحت تمثّل الآن حوالي ثُلث جميع براءات الاختراع هذه.
استثمارات الصين في البحث والتطوير للطاقة المتجددة وضعتها في المقدمة من حيث المعرفة والإنتاج على حدّ سواء، وأصبحت اليوم أكبر منتِج في العالم للألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات والمركبات الكهربائية، وأكبر مستثمر في الطاقة النظيفة، سواء للسوق المحلية أو للسلع القابلة للتصدير، كما استثمرت في مشاريع الطاقة النظيفة في أجزاء كثيرة من العالم النامي، بما في ذلك جنوب وجنوب شرق آسيا.
كان هذا فعّالًا للغاية في خفض التكاليف، لدرجة أن مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أصبحت تنافسية من حيث التكلفة مع مصادر طاقة الوقود الأحفوري القديمة على المستوى العالمي، ومع ذلك بدلًا من الاحتفال بما ينبغي اعتباره انتصارًا للبشرية والكوكب، رفعت الولايات المتحدة بالفعل قضايا ضد الصين في منظمة التجارة العالمية، بحجّة أن دعمها لهذه القطاعات يشكّل انتهاكًا لقواعد التجارة العالمية.
هناك جوانب أخرى للطلب المستقبلي المحتمَل على الطاقة المتجددة التي تتأثر بالتركيز الجغرافي، فإمدادات العناصر الأرضية النادرة (الكوبالت والنحاس والليثيوم والنيكل) معرّضة للخطر لأسباب مختلفة، أحدها أن إنتاج هذه المعادن ومعالجتها يتمُّ في عدد صغير من البلدان، بما في ذلك بعض البلدان التي لديها بيئات سياسية غير مستقرة.
وممّا يثير القلق أيضًا، أن احتياطات المعادن الهامة خارج الولايات المتحدة مملوكة إلى حدّ كبير من قبل حفنة من الحكومات، وعلى الأخص الصين، مع القدرة على التدخُّل في إمداداتها. تمتلك الولايات المتحدة احتياطات من بعض هذه المعادن، لكن حكومة الولايات المتحدة لا تملك سيطرة مباشرة على إنتاجها أو معالجتها ما لم تستدعِ تشريعات مثل قانون الإنتاج الدفاعي لعام 1950.
توفّر الصين حاليًّا أكثر من 90% من العناصر الأرضية النادرة في العالم، والتي تعدّ بالغة الأهمية للعديد من المواد المطلوبة للانتقال الأخضر، وحوالي ثلثَي الإمداد العالمي بالمعادن النادرة والمعادن مثل الأنتيمون والباريت، وكلها ضرورية من أجل تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية والأقمار الصناعية والأسلحة والإضاءة الفلورية الموفّرة للطاقة وتوربينات الرياح والألواح الشمسية، وغيرها من الإجراءات لتقليل اعتماد المستهلكين والصناعات على الوقود الأحفوري.
تحذّر ورقة بحثية نشرها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي مؤخرًا، من أنه في حين أن إنتاج المعدن يمكن أن يتشتّت على نطاق واسع على مستوى العالم، فإن كيانًا واحدًا قد يكون له السيطرة النهائية (بما في ذلك من خلال الشركات التابعة) على قرارات العديد من الشركات المنتجة لهذا المعدن في بلدان مختلفة.
تُظهر البيانات أن الصين أصبحت اللاعب الرئيسي في تكرير واستهلاك السلع التي تحتاج إلى معادن مهمة، تمامًا كما تعمل الولايات المتحدة في مجال الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري، مع نجاحها في السنوات الأخيرة في استغلال الغاز الطبيعي من خلال التكسير الهيدروليكي، وفي كلتا الحالتين قد تشكّل هيمنة الدولتَين على الأجزاء الرئيسية من سلسلة التوريد مخاطر أمنية.