يبدو أن العرب على أبواب كتابة تاريخ جديد مع الساحرة المستديرة، فالأمر لم يعد مقصورًا على استضافة المونديال بهذا الإبهار وذاك التنظيم الرائع فحسب، لكن بالحضور المقنع للمنتخبات العربية المشاركة الذي لم يكن مألوفًا منذ سنوات طويلة، إذ كان الخروج المبكر مع الأداء الهزيل – إلا في بعض المرات النادرة – السمت الأبرز للنسخ السابقة التي شارك فيها العرب.
ولأول مرة يحتل المونديال كل هذا الاهتمام لدى الشارع العربي، ليس الكروي فقط، فالأجواء المحيطة بالبطولة والتفرعات المنبثقة عنها نتيجة عدد من المواقف الأيديولوجية لبعض الدول التي تريد فرض أجندتها بالقوة، أضفى أهمية كبيرة عليها وجعلها محط اهتمام كل الأطياف، حتى تلك غير المهتمة بلعبة كرة القدم.
ورغم خروج منتخب قطر رسميًا من البطولة بعد خسارته مبارتين، فإن حظوظ المنتخبات العربية الثلاث الأخرى (المغرب والسعودية وتونس) لا تزال قائمة، وإن كانت بفرص متباينة نسبيًا، متأرجحة بين ضعيفة ومتوسطة وقوية، ونستعرض في هذا التقرير سيناريوهات الفرق الثلاثة وحظوظ كل منها في عبور الدور القادم، وسط حالة من الانتشاء الكروي التي يعيشها العرب حاليًّا بسبب الأداء الكروي الرائع للمنتخبات العربية المشاركة.
هذه ميزة اللعب على ارض عربية
الاستاد اليوم كان بالكامل احمر لتشجيع المغرب
المنتخب المغربي وكأنه يلعب في احد المدن المغربية ، عامل الجمهور سبب رئيسي في فوز المغرب ??
pic.twitter.com/37ajWp4m4o— حمد لحدان المهندي (@hamadlahdan) November 27, 2022
نسور قرطاج.. فرصة ضئيلة لكنها غير مستبعدة
بدأ المنتخب التونسي المصنف رقم 30 عالميًا في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) مشواره بأداء أكثر من رائع أمام منتخب الدنمارك المصنف رقم 10 عالميًا، حين نجح في فرض أسلوب لعبه معظم أوقات المباراة، هذا بخلاف نجاحه في إحداث التوازن في معدل اللياقة البدنية للاعبيه على مدار الـ90 دقيقة، وهو ما ساعده في النهاية على الخروج بتعادل ثمين بمثابة الفوز بالنسبة للنسور.
وتوقع الجميع أن يكون الأداء تصاعديًا خلال المباراة التالية أمام أستراليا المصنف رقم 39 عالميًا، لكن المفاجأة كانت صادمة، فقد خسر نسور قرطاج بهدف دون مقابل في الجولة الثانية ضمن المجموعة الرابعة للبطولة، مع أداء أقل نسبيًا مما كان عليه في الجولة الأولى التي قدم فيها التونسيون واحدة من أفضل مبارياتهم في تاريخ مشاركاتهم في المونديال.
وبعد تلك الخسارة صعب المنتخب التونسي من مهمته في التأهل إلى دور الـ16 حيث يحتل المركز الرابع في ترتيب المجموعة (D) برصيد نقطة واحدة فقط، بينما تتصدر فرنسا ترتيب المجموعة برصيد 6 نقاط ، ثم أستراليا في المركز الثاني برصيد ثلاث نقاط ، تليها الدنمارك ثالثًا برصيد نقطة واحدة.
ومن ثم ليس أمام نسور قرطاج إلا فرصة واحدة فقط، للتأهل للدور التالي، وهي أن يفوزوا على منتخب فرنسا الذي ضمن التأهل، شريطة أن يتعادل المنتخب الدنماركي مع نظيره الأسترالي، ورغم أن تلك الفرصة ضئيلة لكن لا شيء مستبعد خاصة في ظل المفاجآت التي تحملها تلك البطولة منذ انطلاقها، مع الوضع في الاعتبار أن ضمان الديوك الفرنسية الصعود قد يدفعهم للتعامل مع المباراة القادمة بأريحية نسبية خشية التعرض لأي إصابات تؤثر عليهم في المراحل القادمة وهو ما قد يتيح الفرصة للتونسيين للفوز رغم أن الأمر يبدو صعبًا نسبيًا.
كثيرا ما كان يفوز في مبارياته دون أن يستحوذ،، لكن المنتخب التونسي اليوم لعب جيدا وسيطر دون أن يتمكن من الفوز أمام منتخب أسترالي أضعف من الدنمارك وفرنسا.
هاردلك لتونس ،، وحظ أوفر في مواجهة فرنسا رغم صعوبة المأمورية وصعوبة التأهل إلى الدور الثاني . pic.twitter.com/oManTCIJbX— hafid derradji حفيظ دراجي (@derradjihafid) November 26, 2022
الخضر.. فرصتان متساويتان
أما المنتخب السعودي فاستهل مشواره بمفاجأة من العيار الثقيل دخل من خلالها التاريخ من أوسع أبوابه، وذلك حين نجح في الفوز على المنتخب الأرجنتيني، المصنف رقم 3 عالميًا، والمرشح الأول للبطولة بهدفين لهدف في الجولة الأولى ضمن المجموعة الثالثة، وسط تفاؤل كبير بقدرة الأخضر على أن يكون الحصان الأسود لتلك النسخة المونديالية.
وعلى درب نسور قرطاج، تعرض الأخضر لهزيمة كبيرة أمام المنتخب البولندي بهدفين مقابل لا شيء في الجولة الثانية، ورغم الاستحواذ السعودي على مجريات المباراة والفرص المهدرة المتعددة، فإنه فشل في ترجمة ذلك إلى أهداف، على عكس البولنديين الذين استطاعوا تحقيق الفوز من خلال عدد هجمات محدود، لتنتصر الخبرة هنا على الجهد والعطاء.
بتلك النتيجة توقف رصيد المنتخب السعودي عند 3 نقاط، متراجعًا إلى المركز الثالث بعد بولندا التي لديها 4 نقاط في المركز الأول ثم الأرجنتين في المركز الثاني بثلاث نقاط وبفرق الأهداف عن منتخب الخضر، فيما تتذيل المكسيك المجموعة بنقطة واحدة حصلت عليها من التعادل أمام بولندا.
في ضوء هذا الترتيب أمام السعودية 3 فرص للصعود إلى دور الـ16، أولها الفوز في المباراة القادمة أمام المكسيك، لتصل إلى النقطة السادسة، وبذلك تضمن الصعود بصرف النظر عن نتائج الفرق الأخرى في المجموعة، الثانية أن تتعادل السعودية مع المكسيك لكن شريطة فوز بولندا على الأرجنتين، وبذلك يصل الخضر إلى النقطة الرابعة فيما يتجمد رفقاء ميسي عند النقطة الثالثة.
أما في حالة خسارة المنتخب السعودي لمباراته القادمة أمام المكسيك فإن آماله في الصعود ستتلاشى نهائيًا، بصرف النظر عن نتائج المباريات الأخرى، حيث يتجمد رصيده آنذاك عند النقطة الثالثة في المركز الثالث، وهو ما يجعل المنافسة على المركزين الأول والثاني محصورة في الثلاثي (الأرجنتين – المكسيك – بولندا).
الفوز على المكسيك ليس أمرًا صعبًا في ضوء المستوى الذي ظهر به الخضر خلال المبارتين السابقتين، إذ يمتلك المنتخب السعودي كوكبة متناسقة من اللاعبين في شتى المراكز، ومعدل لياقة جيد، غير أن ما ينقصه هو إحراز الأهداف واستغلال الفرص، خاصة أن المنتخب المكسيكي سيضغط بكل قوة، فليس أمامه فرصة أخرى إلا الفوز للاستمرار في المنافسة، ومن ثم على الجانب السعودي غلق المساحات خلف المدافعين بشكل جيد، وهي الثغرة التي استغلها خصومه خلال المبارتين الماضيتين لإحراز الأهداف، فيما يتركون للأخضر الاستحواذ.
العمل مستمر ? ? pic.twitter.com/PEmud4SBq7
— المنتخب السعودي (@SaudiNT) November 27, 2022
أسود الأطلس.. الأكثر حظًا ولكن
يعد المنتخب المغربي الأوفر حظًا بين المنتخبات العربية في التأهل لدور الـ16 وذلك بعد الفوز الغالي الذي حققه على حساب منتخب بلجيكا المصنف الثاني عالميًا بهدفين دون رد في المباراة التي جمعتهما في الجولة الثانية ضمن منافسات المجموعة السادسة في البطولة.
وبتلك النتيجة يحتل أسود الأطلس المركز الثاني في المجموعة برصيد 4 نقاط، بعد كرواتيا المتصدرة بنفس الرصيد وبفارق هدف واحد فقط عن المغرب، فيما يحل المنتخب البلجيكي ثالثًا برصيد 3 نقاط، وتتذيل كندا المجموعة بدون أي نقاط لتصبح ثاني منتخب يودع البطولة رسميًا بعد المنتخب القطري.
وأمام الأسود 3 سيناريوهات للتأهل للدور القادم، أولها الفوز على كندا خلال المباراة القادمة، دون النظر إلى نتيجة المباراة الأخيرة بين بلجيكا وكرواتيا، حيث سيرتفع رصيد المنتخب المغربي إلى 7 نقاط، ضامنًا بهم الصعود، أما السيناريو الثاني فهو التعادل مع كندا، حيث سيرتفع الرصيد إلى 5 نقاط، بما يسمح له بالتأهل بعيدًا عن نتيجة المباراة الأخرى.
أما في حالة خسارة المغرب أمام كندا، وهو السيناريو الثالث، فربما يتأهل المنتخب العربي، لكن شريطة فوز كرواتيا على بلجيكا، وهنا يتجمد رصيد المغرب عند 4 نقاط وبلجيكا عند 3 نقاط وكرواتيا تصبح 7 نقاط، ليصعد كرواتيا والمغرب عن تلك المجموعة.
وفي حالة فوز بلجيكا وخسارة المغرب فإن المجموعة هنا ستزداد تعقيدًا، حيث تصعد بلجيكا رسميًا بـ6 نقاط أما كرواتيا والمغرب فسيكونا في المركز الثاني والثالث بـ4 نقاط، والأفضلية ستكون حسب فارق الأهداف، الوضع ذاته في حال خسارة المغرب وتعادل بلجيكا وكرواتيا، لكن المنافسة هنا ستكون بين المغرب وبلجيكا وستحسم الأهداف المعركة بينهما.
مبروووك لنا جميعاً فوز المنتخب العربي الأفريقي #منتخب_المغرب و تصدره المجموعة دمتم فخر لنا جميعاً ???☝? ثقة في الله نجاح pic.twitter.com/KnUddTomuW
— Mohamed Ramadan (@Mohamed_Ramadan) November 27, 2022
على الورق ربما يكون أسود الأطلسي الأوفر حظًا، في ظل المستوى الرائع الذي ظهروا عليه أمام كرواتيا وبلجيكا، لكن غدر كرة القدم غير مأمون، والمفاجآت ليست مستبعدة، ومن ثم على المنتخب المغربي أن يبدأ المباراة بنفس الجدية التي خاض بها المبارتين السابقتين، مع الوضع في الاعتبار أن المنتخب الكندي سيدخل المباراة دون أي ضغوط، فهو خرج من البطولة ومن ثم يلعب للتاريخ والشهرة، وهو سلاح ذو حدين أمام المنتخب المغربي المطالب بحسم المباراة مبكرًا تجنبًا للدخول في أي حسابات أخرى معقدة.
أمام المنتخبات العربية فرصة جيدة – لن تتكرر مرة أخرى في القريب العاجل – لكتابة تاريخ جديد مع كرة القدم العالمية، في ظل الأجواء الداعمة التي وفرتها إقامة البطولة في أرض عربية، حيث الدعم الجماهيري غير المسبوق والتحفيز الإعلامي المستمر، هذا بخلاف التنظيم المبهر المحفز لتقديم مستويات رائعة، ورغم الفرص الضئيلة أمام بعض المنتخبات، لا تزال الأماني ممكنة.. فهل يفعلها العرب؟