ترجمة وتحرير: نون بوست
كيف سيكون شعورنا إذا حضرت محطات التلفزيون والمحللون والصحفيون الإفريقيون كأس العالم في إنجلترا وسلطوا الضوء على الظلم تجاه السود، ونقص المديرين السود، وإساءة معاملة اللاعبين السود، والأسوأ من ذلك؛ المعاملة التي يتلقاها السود في المدن الداخلية من قِبل السلطات؟ وكيف نحبها إذا طالبوا بالتغيير وأجروا دعوات لمقاطعة المباريات، ولإخراج كأس العالم من إنجلترا، أثناء إقامتهم في أفضل فنادقنا وتناول الطعام في أفضل مطاعمنا؟ هل سنتساءل: كيف يجرؤون على ذلك؟!
لذلك؛ فرغم وجود تمييز في القانون القطري، فإن التمييز مكرس أيضًا في المجتمع والثقافة البريطانية؛ حيث يتم إيقاف الكثير من السود وتفتيشهم واحتجازهم لمجرد أنهم سود، ولهذا دعونا نحاسب أنفسنا قبل أن نبدأ في إلقاء المحاضرات والوعظ لبقية العالم.
ويعتبر “الإرث” أحد مبادئ كأس العالم، فقد كنتُ جزءًا من عرض إنجلترا لكأس العالم 2018، إلى جانب الأمير هاري وديفيد بيكهام، وإن كان ذلك بصفة ثانوية، وتجولنا حول العالم للضغط على دول العالم للتصويت لنا، وقمنا بزيارة سياسيين ومدارس ودربنا الأطفال وتحدثنا عن تاريخ إنجلترا ومكانتها وعلاقتها بالدول التي زرناها، لكننا نسينا مجددًا أن العالم ينظر إلى علاقتنا السابقة معهم بطريقة مختلفة، ولهذا نالت روسيا شرف استضافة كأس العالم سنة 2018 وقطر سنة 2022.
لقد عملتُ في قناة “بي إن سبورتس” القطرية ومنظمة بث مباريات كأس العالم في قطر في الماضي، لكنني لا أتلقى أجرًا منهم الآن، وآرائي مستندة إلى تلك التجربة وليست معتمدة عليها. إذًا، كيف سيكون إرث قطر 2022؟ لقد رأيت بنفسي خلال السنوات العشر الماضية الفوائد التعليمية والمهنية والمالية التي تمنحها الثروة القطرية لكرة القدم في الدول النظامية؛ فبعد البطولة؛ سيتم تفكيك بعض الملاعب ونقلها وإعادة تجميعها في البلدان المحرومة. بعبارة أخرى؛ إرث قطر 2022 لن يضاهيه أي بلد آخر في تاريخ كأس العالم.
وكان النقد اللاذع والازدراء تجاه قطر مع اقتراب البطولة مثيرًا للسخرية، فربما كنت تعتقد أن قطر نالت شرف الاستضافة قبل بضعة أشهر، ولكنه نفس النقاش الذي يدور منذ عشر سنوات.
فمنذ أن نالت قطر شرف استضافة كأس العالم تغيرت الأمور، وتم إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان للعمال المهاجرين، ورغم أن الطريق لا يزال طويلا، إلا أن الوضع متقدم على ما كان عليه قبل عشر سنوات؛ حيث تم إجراء تحسينات في الإسكان والمنشآت والأجور. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن بعض أولئك الذين أثاروا الكثير من البلبلة ليس لديهم الآن الكثير ليقولوه عن تطور قطر على مدار العشرين سنة الماضية.
ويصعب الموافقة على معاملة قطر لمجتمع المثليين، لكننا نسارع إلى نسيان أن المثلية الجنسية كانت غير قانونية في بلدنا منذ وقت ليس ببعيد (حتى سنة 1967)، وأن زواج المثليين كان محظورًا في تاريخنا الحديث؛ أنا لا أتفق مع القوانين في قطر، ولكننا نتوقع من الزائرين احترام قوانيننا، لذلك يجب أن نفعل الشيء نفسه في البلدان الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أنني أدين بشدة قوانين قطر المناهضة للمثلية، لكنني أعتقد أنه يتعيّن على الزوار الالتزام بها حتى لو كانوا يعارضونها. وإذا أراد الناس حقًا اتخاذ موقف، فعليهم مقاطعة كأس العالم وعدم الذهاب، وسيكون لذلك تأثير أكبر بكثير من ارتداء شارة “حب واحد”.
إن دعم مجتمع المثليين في قطر يستحق الثناء، لكني لا أتذكر أي دعم في وسائل الإعلام الرئيسية قبل منح قطر حق استضافة كأس العالم، وأنا متأكد من أنه لو لم تُمنح قطر شرف الاستضافة، لكان صمت الكثيرين مدويًّا.
في الواقع؛ كم عدد النقاد والصحفيين ولاعبي كرة القدم المتواجدين هناك حاليا والذين سلطوا الضوء على هذه المظالم وأظهروا دعمهم للقطريين المحرومين من حقوقهم قبل أن تنال شرف شرف الاستضافة؟ كم عدد الذين سيستمرون في القتال بعد انتهاء كأس العالم؟ تمامًا مثل حركة “حياة السود مهمة”؛ من المرجح أن يتضاءل الدعم.
لقد تغير الزمن؛ وإذا أراد الأوروبيون المتميزون أن يلقوا محاضرتهم على العالم حول الصواب والخطأ، معتقدين أن لهم الحق في الذهاب إلى بلد آخر “لتثقيف” و”تعليم” و”تمدين الشعوب والثقافات الأدنى منهم” فهذا لن يجدي الآن.
ولم يعد بإمكاننا التنمر عليهم اقتصاديًا أو عسكريًا أو ننسج قصة خيالية عن ثقافتنا المتفوق؛ لقد تسببت غطرستنا في استمرار رؤيتنا لأنفسنا كأوصياء على الأخلاقيات محاولين “إجبار” العالم على إتباع طريقة تفكيرنا، في حين يسير باقي العالم بهدوء في طريق تطوره “المستقل”.
لو طُلب مني؛ لكنتُ سعيدًا بالذهاب إلى قطر لأكون جزءًا من الفريق الإعلامي، لكن ما لم أكن لأفعله بصفتي فردًا أسود في وسائل الإعلام، هو أن أقول إنني كنت هناك “لتثقيف” و “تعليم” أو مساعدتهم على “تعلم” فكرنا المتفوق. بصفتي رجلًا أسود؛ فأنا على دراية تامة بالتاريخ الذي يمتد لقرون من حملات الأوروبيين إلى أفريقيا بهدف تغيير وتحسين “أسلوب الحياة المتدني” الوحشي كما ادَّعَوْا، في حين كان يتعلق الأمر فعليًا بمصالحهم الخاصة.
أنا اعرف التاريخ جيدًا، وأفهم أن الرواية الأوروبية حول تحسين حياة الشعوب الأقل حظًا من خلال غزو بلادهم وإجبارهم على التغيير لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا. ليس لدي أي مشكلة مع أي شخص يسافر إلى قطر للعمل، ولكن كن صادقًا بشأن سبب وجودك هناك وهو لأنك تحصل على أجر.
لقد بدا أن البعض دهشوا من انعدام الترحيب الذي واجه المشجعين الإنجليز الذين ارتدوا الأزياء الصليبية في قطر؛ هذا يقدم مثالًا عن انعزالنا وقلة الوعي لدينا؛ حيث يتم تصوير أسطورة ريتشارد قلب الأسد في ضوء من الخير والاحترام والإيثار، والحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك.
إن الفظائع والاغتصاب والنهب والقتل الذي ارتكبه آلاف المسيحيين ضد اليهود والمسلمين على أراضيهم تنافس جرائم بعض أكثر الحكام استبدادًا في التاريخ، والحجة أنهم كانوا أوروبيين، ولكن هل هذا شئ جيد؟ كان العالم الإسلامي ينظر للصليبيين حتى قبل 900 عام بنظرة الاشمئزاز، لكن في جهلنا نفترض أن العالم يكن التقدير للصليبيين لأنهم كانوا مسيحيين صالحين، وسيكون هذا مثل ظهور الألمان في ويمبلي بالزي النازي، ثم يتساءلون: لماذا يقلق الناس؟.
لقد دعت قطر “الجميع” إلى كأس العالم سواء أكانوا مثليين أم لا، لكنها طالبت “الجميع” باحترام أساليبهم وقوانينهم وثقافتهم، مما يعني أنه يجب الحد من استعراض التوجه الجنسي؛ لكل فرد الحق في أن يعيش حياته بالطريقة التي يختارها، ولكن إذا كنا نطالب الناس بقبول قوانيننا في بلدنا سواء كانوا يؤمنون بها أم لا، فعلينا أن نفعل الشيء نفسه في البلدان الأخرى.
وتروج ألوان قوس قزح وشارة “حب واحد” لأمر غير قانوني في قطر، حتى لو اعتقدنا أنه لا ينبغي أن يكون كذلك. وكما أنه لن يُسمح لزوار بلدنا بالترويج لشيء غير قانوني؛ لذا فحتى لو اعتقدنا أنها مجرد قبعة ملونة أو شارة؛ ففي قطر يُنظر إلى هذه الرموز على أنها نقد وتحدي مباشر لثقافتها وقوانينها.
المثلية غير قانونية في العديد من البلدان الأفريقية أيضًا، على الرغم من أنه يجب الإشارة إلى أن الكثير من القوانين المناهضة للمثليين في المستعمرات السابقة هي قوانين بريطانية قديمة نحن من وضعها، فهل يجب أيضًا منع هذه الدول من المشاركة في نهائيات كأس العالم؟ لا بد وأن تجد نوعًا أو آخر من التعصب في جميع أنحاء العالم، لذا من التعقيد خلط الرياضة بالسياسة والأخلاق والدين. وكما نعلم من خبرتنا في بلدنا هذه، فإن التغيير الحقيقي يستغرق وقتًا.
المصدر: ذا تايمز