لا ينتهي مسلسل الإجرام بحقّ الشعب الفلسطيني، فمنذ أكثر من 7 عقود وهو يعيش في نكبة مستمرة، طرد، تشريد، اغتيالات، إعدامات ميدانية واعتقالات متكررة، تنفّذها أجهزة عسكرية إسرائيلية مدرَّبة بأحدث الأسلحة لقتل كل من وما هو فلسطيني، في ظل حكومة يمينية متطرفة تشرعن التصفيات الميدانية لـ”مكافحة الإرهاب” كما تدّعي.
في مواجهته لشعب أعزل، لا يملك سوى الحجر، طوّر الاحتلال الإسرائيلي وحدات قمع للشعب الفلسطيني، فلم يكتفِ بجيشه الهمجي ذي العدد والعتاد، لكنه تمادى بإنشاء وحدات مساعدة لعملياته في القمع والاغتيال للشعب الفلسطيني، فتراه ينشئ الوحدات العسكرية التي تتبع بالعادة للأجهزة العسكرية الرئيسية في دولة الاحتلال؛ الجيش، حرس الحدود، الشرطة، الاستخبارات (الشاباك)، ويصرف لها ميزانيات كبيرة، ما يشجّع المئات للانتساب لها.
ازدادت عمليات التصفية الميدانية الفترة الأخيرة في شمال الضفة الغربية، وصار يتردد كثيرًا على مسامعنا في نشرات الأخبار، أن مجموعة من جيش الاحتلال برفقة وحدات خاصة اغتالت الشبان الفلسطينيين وقامت بتصفيتهم ميدانيًّا.. ومن هذه الوحدات: اليمَّام.. ساييرت متكال.. وحدة الدوفدوفان وغيرها.
سنخصّص في نون بوست ملف “أجهزة القمع الإسرائيلية” للحديث عن وحدات الاغتيالات والقمع المرافقة لقوات الاحتلال، والتي باتت تتصدر المشهد بوحشيتها وهمجيتها، فهي المسؤولة بشكل مباشر عن ارتقاء الشهداء الفلسطينيين. مادتنا الاستهلالية في هذا الملف، ستكون عن أكثر الوحدات همجية، خاصة أنها الأقدم وذات ماضٍ دموي، هي وحدة اليمَّام.
يتصدر جهاز وحدة اليمَّام منذ عقود قائمة الأجهزة العسكرية الإسرائيلية، متخذًا من تعريفه المستحدث “الوحدة العملياتية القُطرية لمكافحة الإرهاب”، أداة عسكرية ذات ماضٍ وحاضر مشينَين ضد الفعل الفلسطيني المقاوِم. فما هي وحدة اليمَّام؟ وكيف تعمل؟ وما هي سياستها في التعامل مع المقاومين الفلسطينيين؟ وكيف استطاع المقاومون توجيه ضربات قاسية للوحدة وقاداتها؟
في الآونة الأخيرة، نفذت وحدة اليمَّام عدة عمليات اغتيال وتصفية بحقّ الشبان والنشطاء الفلسطينيين خلال الشهور الماضية، ومنهم إبراهيم النابلسي الذي استشهد في صباح الثلاثاء 9 أغسطس/ آب الماضي إلى جانب اثنين من رفاقه، هما إسلام صبوح والفتى حسين جمال طه، وذلك بعد ساعات من الاشتباك المسلح مع القوة الإسرائيلية الخاصة من وحدة اليمَّام في البلدة القديمة بمدينة نابلس.
ما هي وحدة اليمَّام؟
تعتبر الوحدة بشكل رسمي “الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب”، ورغم أن اليمَّام تشبه الوحدات التابعة لجيش الاحتلال بتنظيمها وقدراتها، إلا أنها وحدة تعمل في إطار شرطة الاحتلال الإسرائيلي، لتنفيذ العمليات الخاصة مثل الإنقاذ، اغتيالات دقيقة، ملاحقة وأسر المقاومين وتنفيذ عمليات خاصة. وتماثل في قدراتها وتدريباتها وحدة العمليات الخاصة التابعة لرئاسة أركان جيش الاحتلال سييرت متكال، والتي سنأتي على ذكرها ضمن هذه السلسلة.
وتتكون الوحدة من المقاتلين القدامى الذين خدموا في وحدات قتال النخبة التابعة لجيش الاحتلال ويرغبون في استكمال “مسيرتهم” ضمن سلك الشرطة، ويُعتبر الشرط الأساسي للانضمام إلى هذه الوحدة وجود خبرة تقدَّر بـ 3 سنوات من الخدمة كجندي مقاتل.
سبب تأسيس الوحدة وتطورها
منذ تأسيسها خلال سبعينيات القرن الماضي، بسبب أحداث أمنية شهدتها “إسرائيل” داخليًّا تمثلت بعملية “معالوت” التي أسفرت عن مقتل 24 مستوطنًا إسرائيليًّا في مايو/ أيار 1974 (نفّذتها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)؛ وخارجيًّا تمثّلت بعملية ميونيخ التي نفّذتها مجموعة أيلول الأسود الفلسطينية (التابعة لحركة فتح)، والتي أسفرت عن مقتل 11 مستوطنًا إسرائيليًّا (البعثة الرياضية الإسرائيلية لأولمبياد ميونيخ في أيلول/ سبتمبر 1972).
ونتيجة لهذه الأحداث التي تهدد مشاريع الاحتلال، والتي اُعتبرت ضمن دائرة “الإرهاب”، تشكّلت لجنة أمنية-عسكرية خاصة مهمّتها مواجهة وفحص العمليات و”الأنشطة الإرهابية المعادية”، وتقسيم المهام بين الجيش والشرطة لمواجهة هذه العمليات مستقبلًا والحدّ منها، بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المتمثلة بالشاباك والموساد وشعبة أمان.
وعلى إثر اللجنة، تولت الشرطة المهمة الموكلة لها بمواجهة كل عمل أو نشاط يصنَّف ضمن “الإرهاب”، وبالتحديد داخل الخط الأخضر، إذ قامت بتشكيل وحدة شُرطية خاصة للقيام بذلك لقائد حرس الحدود في حينه داني حاييم.
وبالفعل تأسّست الوحدة في 17 فبراير/ شباط 1975 بقيادة يعقوب رؤوفين نمرود، وكانت في البداية وحدة خاصة تابعة لجهاز حرس الحدود، تُقيم في ثكنتَين عسكريتَين في مطار اللد -بن غوريون- للتعامل مع “الحوادث الأمنية”، وقد تمَّ تغيير اسمها بعد فترة قصيرة لتحمل الاسم الحالي “يمَّام”.
شغلت عدة شخصيات عسكرية وأمنية منصب قائد هذه الوحدة، فحسب موقعها الإلكتروني الرسمي، تُعرَض أسماء القادة ومدة تسلمهم لهذا المنصب: رؤوفين يعقوب نمرود (1974-1975)، ماؤود هليفي (1975-1976)، أساف حيفتس (1976-1980)، شموئيل تسوكر (1980-1981)، غبرئيل كوهين (1981-1984)، نير تسفرير (1984-1987)، أليك رون (1987-1991)، ديفيد تسور (1992-1995)، ديفيد بن شيمول (1995-1999)، حجاي بيلغ (1999-2001)، زوهر دفير (2001-2007)، يورام هليفي (2007-2009)، بوعز هرشكوفيتس (2009-2012) وأخيرًا رئيسها الحالي الذي يُشار إليه بالرمز “ح”.
العمليات التي شاركت بها الوحدة بين السنوات 1978-2000
شاركت وحدة اليمَّام ومنذ بدايات تأسيسها في التصدي للمقاومين الفلسطينيين الذين نفّذوا عملية الشاطئ عام 1978، وكانت الشهيدة دلال المغربي من أبرز المقاومين المشاركين، حيث كان هناك تنسيق كبير بين الجيش واليمَّام.
في أعقاب مشاركة الوحدة في عملية الشاطئ حظيت الوحدة بثقة المستويات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، لتتحول بذلك إلى شريك كامل للجيش في تنفيذ المهام “الأمنية الخطيرة” داخل الخط الأخضر، أو حتى في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصبح مقرّها الرئيسي في “مشمار أيالون”.
وبعدها شاركت في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 (انتفاضة الحجارة)، كوحدة خاصة لتنفيذ عمليات تُصنَّف إسرائيليًّا بأنها عمليات “مركّزة ودقيقة”، وهي تنفيذ اغتيالات لشخصيات ونشطاء فلسطينيين، من خلال رفع مستوى التنسيق بين الوحدة والشاباك المسؤول، من ناحية استخباراتية، عن المناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
وفي مارس/ آذار 1988، أوكلت إلى الوحدة، من ضمن وحدات أخرى للشرطة والجيش والقوات الخاصة الإسرائيلية، مهمة القضاء على منفّذي عملية ديمونا، حيث اختطف 3 فدائيين فلسطينيين حافلة تقلُّ عاملين في مفاعل ديمونا النووي (باحثي مجمع الأبحاث النووية في المفاعل) وقطع الطريق عليهم ومنعهم من الوصول إلى المفاعل، وتخليص الإسرائيليين أيضًا، وهي العملية التي منحت الوحدة ثقة وثقلًا في أوساط القيادتَين العسكرية والأمنية، خصوصًا في ظل تزايد قدرتها على التعامل مع مثل هذه الأحداث.
سنوات الانتفاضة وحتى يومنا هذا
منذ اندلاع الانتفاضة الثانية، تركّز عمل الوحدة الرئيسي في تنفيذ عمليات اغتيال وتصفية النشطاء والقيادات الميدانية العسكرية والتنظيمية للفصائل الفلسطينية في المحافظات الفلسطينية كافة، حيث نفّذت مئات العملية “المركزة” و”الدقيقة” اغتالت فيها مئات الفلسطينيين الذين صنّفتهم أجهزة الأمن الإسرائيلية كـ”خطر حقيقي”.
ومن هذه الاغتيالات كان اغتيال الشهيد الدكتور ثابت ثابت أحد قادة حركة فتح عام 2000، وفي عام 2002 اغتالت هذه الوحدة بالاشتراك مع مجموعة من الشاباك والجيش خمسة من قادة ومجاهدي كتائب القسام، بعد محاصرة المنزل الذي كانوا يتحصّنون بداخله في الضفة الغربية.
كما اغتالت الشهيد القائد عبد الله القواسمة، مسؤول كتائب القسام في الخليل، والذي أشرف على تنفيذ العديد من العمليات النوعية ضد الأهداف الإسرائيلية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 63 مستوطنًا إسرائيليًّا وجرح أكثر من 235.
ازداد نشاط هذه الحركة بشكل كبير وخاصة في ملاحقة منفّذي العمليات الفردية خلال العقد المنصرم وتصفيتهم، تحديدًا منذ العام 2014، ومرافقة وحدات الجيش في عمليات الاقتحام الليلية للمخيمات والقرى والمدن الفلسطينية، فقد قامت الوحدة باغتيال الشهيدَين أشرف نعالوة وصالح عمر البرغوثي، اللذين نفّذا، كل بمفرده، عمليتَين نوعيتَين ضد الاحتلال عام 2018؛ عملية البركان و”عوفرا”.
وقد برز دور الوحدة بشكل كبير خلال الاقتحامات الأخيرة لمناطق الضفة الغربية، والتي خلّفت عشرات الشهداء الذين تمّت تصفيتهم بشكل مباشر (الاغتيالات الأخيرة في مخيم جنين، والاغتيالات في البلدة القديمة في نابلس، وهم القادة الميدانيين من “عرين الأسود”).
كما شاركت الوحدة في عمليات البحث عن أسرى سجن جلبوع الستة العام الماضي تحت بند “الاعتقالات شديدة الخطورة”، كأحد المهام الموكلة للوحدة، في المقابل قُتل العشرات من أفراد الوحدة خلال العمليات التي نفّذتها الوحدة منذ تأسيسها حتى اليوم.
تصريحات القادة السياسيين حول وحدة اليمَّام
في يناير/ كانون الثاني 2019 أعلن نتنياهو بشكل واضح أن وحدة اليمَّام هي الوحدة الإسرائيلية المركزية في “محاربة الإرهاب”، وفجأة تحولت الوحدة في نظر الإعلام الإسرائيلي إلى الوحدة الخاصة الأفضل على مستوى العالم، وقال بينيت إن الهدف من هذه الخطوة هو جعل وحدة اليمَّام أفضل وحدة في العالم لمحاربة الإرهاب، وأضاف أنه سيطرح القرار على الكابينيت الأمني والسياسي قريبًا لنيل موافقته.
بينما أشار وزير الأمن الداخلي المنصرف، عومير بارليف، أن مقاتلي الوحدة يقومون كل عام بإنقاذ حياة العشرات بل المئات من المواطنين الإسرائيليين، وأحيانًا من دون علم هؤلاء أنهم كانوا في خطر. ومن جانبه أثنى مفتش الشرطة العام، الجنرال يعقوب شابتاي، أن أفراد الشرطة يتواجدون دومًا في الخط الأمامي بوجه المنظمات الإرهابية، خاصة في شرقي القدس حيث تنشط هذه المنظمات.
خلال الأيام الماضية زادت وتيرة الاغتيالات والتصفيات الميدانية بحقّ الشبان والنشطاء الفلسطينيين على نحو كبير، تحديدًا في شمال الضفة الغربية، وقد لعبت وحدة اليمَّام إلى جانب الأجهزة العسكرية والأمنية الأخرى، متمثلة بجيش الاحتلال والشرطة وحرس الحدود بالتوازي مع وجود حكومة يمينية متطرفة، دورًا في التصدي والقضاء على الفعل الفلسطيني المقاوِم، مع تمدد الموجة الشعبية والجماهيرية نحو “عرين الأسود” التي قضّت بهجماتها مضاجع دوائر صنع القرار الإسرائيلي أمنيًّا وسياسيًّا.