مر الخطاب التركي الرسمي تجاه الأزمة السورية بأطوار مختلفة على مدار السنوات الماضية، فقد حجزت سوريا حيزًا كبيرًا ضمن أولويات السياسة التركية الخارجية، على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري، ولا يكاد يمر يوم دون أن تكون سوريا محورًا رئيسًا على أجندة الحكومة التركية، فمنذ بداية الثورة السورية، دعم الرئيس التركي رجب طيب المعارضة السورية، وهو ما دفعه إلى رعاية فصائل المعارضة المسلحة إضافة للمكونات السياسية السورية الأخرى.
لكن مع مرور الوقت، تبدلت الأوضاع السياسية والعسكرية في سوريا، وكذلك تغيرت السياسة التركية، على نحو مفاجئ وأسرع مما كان يمكن توقعه، إذ لم تشِ أي من تحركات الحكومة التركية بأن المصافحة مع بشار الأسد ستكون واحدةً من الخطوات التي تسعى إلى تحقيقها.
رسائل حازمة
عقب انطلاق الانتفاضة الشعبية عام 2011، ظل الخطاب التركي الرسمي الموجه آنذاك إلى النظام السوري باردًا نسبيًا، فهو لم يتعد المطالبة بالإصلاح والإسراع به من أجل إنقاذ البلاد، وأن الأحداث التي تجري في سوريا قضية سياسية داخلية ولا يمكن التدخل إلا من باب “الإنسانية”، لا سيما بعد أن تدفقت مجموعات صغيرة من اللاجئين السوريين لأول مرة إلى تركيا.
مع ازدياد قمع النظام السوري لشعبه وتزايد أعداد الانتهاكات والضحايا، ازدادت الضغوطات والعقوبات الدولية على بشار الأسد، حينها كان الخطاب الرسمي التركي يدعو لعمل كامل من المجتمع الدولي من أجل إيجاد حل في سوريا، وكانت تركيا من أول المؤيدين لقرارات الجامعة العربية التي علقت عضوية النظام السوري بموجبها، وفي هذا الإطار أكد الرئيس التركي آنذاك عبد الله غول أن هذا “الوضع ضروري للتحول السياسي في سوريا وأننا بحاجة إلى العمل معًا”، كما أشار إلى أن بلاده لم تعد تثق بالنظام السوري، وأن “سياسة الحزب الواحد انتهت إلى غير رجعة”.
بدوره، قال أردوغان في مايو/أيار 2011، عندما كان رئيسًا للوزراء: “من المبكر جدًا القول إذا كان على الرئيس السوري بشار الأسد الرحيل”، مؤكدًا أن تركيا نصحت بإجراء إصلاحات في سوريا قبل اندلاع الاحتجاجات في البلاد، وواصفًا الأسد بـ”الصديق”، وردًا على سؤال عما إذا كان على الأسد مغادرة السلطة، أجاب أردوغان “من المبكر جدًا اليوم اتخاذ قرار، لأن القرار النهائي سيتخذه الشعب السوري، يجب الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها”.
وعقب دخول الوضع في سوريا إلى مرحلة حساسة، خاصة مع زيادة إجرام النظام ووحشيته، أرسل أردوغان، أحمد داوود أوغلو وزير خارجية تركيا آنذاك، إلى دمشق، والتقى برئيس النظام السوري بشار الأسد، وأعلنت تركيا حينها أن داوود أوغلو سيبلغ الأسد رسالة حازمة، في المقابل قالت مستشارة الأسد بثينة شعبان أن داوود أوغلو سيسمع ردًا حازمًا أيضًا.
خلال الزيارة، أبلغ داوود أوغلو بشار الأسد بأن “الفرصة المتبقية له قصيرة جدًا، وأن عليه الاستجابة للمطالب الشعبية أو يلقى مصير صدام حسين أو القذافي، وأن إيران لن تنفعه حينها”، مؤكدًا أن الاستمرار في سياسته سيؤدي إلى وقوف تركيا نهائيًا وقطعيًا إلى جانب المجتمع الدولي لدعم المعارضة السورية وفرض عقوبات متصاعدة على نظامه وعزله كلية، لكن النظام لم يكترث للزيارة، حتى على الصعيد الإعلامي، وواصل قتل الشعب السوري.
خرج أردوغان عن صمته وموقفه الأولي عقب هذه الزيارة، ليقول: “لا يوجد نظام قادر على الاستمرار عن طريق قتل وسجن معارضيه”، محذرًا الأسد من أن مستقبل سوريا لا يمكن أن يُبنى على دماء المظلومين، مضيفًا أن قمعه الوحشي لمعارضيه يعني وضع اسمه في قائمة القادة الذين يعتاشون على الدم، إذ لا يوجد نظام يمكنه البقاء مع ممارسة القتل أو الزج بالسجون، ولا أحد يمكنه بناء مستقبل بدماء المعارضين، موضحًا أن “تركيا لم تعد تثق بالنظام السوري”.
استمرت حدة الخطاب التركي بالتصاعد، خاصة بعد أن هاجم موالون للنظام السوري، مقرات البعثات الدبلوماسية التركية في المدن السورية، على خلفية تأييد أنقرة لقرارات الجامعة العربية ضد النظام السوري، فقد وجه أردوغان خطابات حادة للأسد في أكثر من مناسبة خلال عام 2011 وكان من بينها “تستطيع أن تبقى في السلطة بالدبابات والمدافع فقط لفترة معينة ليس إلا، وسيأتي اليوم الذي سترحل فيه أنت أيضًا”.
ارحل
في مارس/آذار 2012، أغلقت أنقرة سفارتها في دمشق وسحبت الطاقم الدبلوماسي، وكانت تلك التحركات من أهم الخطوات التي اتخذتها أنقرة ردًا على بطش النظام السوري، بقولها: “إغلاق سفارتنا سيوجه بالتأكيد رسالة سياسية قوية إلى النظام السوري”، وبذلك تكون تركيا قد حذت حذو العديد من دول الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وهولندا بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
تركزت التصريحات الرسمية التركية في النصف الأول من عام 2012 حول إيجاد حل دولي للقضية السورية، بالإضافة إلى تأييد الشعب السوري في مطالبه للوصول إلى حقوقه، كما عززت تركيا موقفها المناهض للنظام السوري، وتحدث الرئيس التركي آنذاك عبد الله غول عن رفض بلاده لأي قوة من خارج المنطقة في سوريا، مؤكدًا أن النظام لا يستطيع أن يستمر من خلال استخدام العنف ضد شعبه.
رافقته تصريحات أخرى مثيرة للجدل في أبريل/نيسان 2012، حين حذر أردوغان الأسد من أن أنقرة قد تلجأ إلى المادة الخامسة في قانون حلف شمال الأطلسي (الناتو) لحماية حدودها مع سوريا، مؤكدًا: “الناتو عليه مسؤولية حماية الحدود التركية”، مضيفًا “تركيا ليس لديها نية لدخول سوريا، لكن إذا دفعنا أي أحد لفعل ذلك فسيكون النظام السوري نفسه”، جاء ذلك بعد أن أطلق جنود النظام النار على مزارعين داخل الأراضي التركية.
إلى ذاك الوقت، ظلت التصريحات التركية الرسمية محافظة على الطابع الأخلاقي تجاه معاناة الشعب السوري، فقال أردوغان في أحد خطاباته: “كنا أصدقاء الشعب السوري بالأمس، واليوم أيضًا نحن أصدقاؤه”، واستطرد “من كان صديقنا بالأمس وخاننا، فنحن نتركه. لقد انتهى الأسد”، مشيرًا إلى أن الأسد الابن فاق إجرام أبيه الذي قتل أكثر من 30 ألفًا في مجزرة حماة عام 1982.
تلا هذا الموقف، دعوات من أردوغان إلى الأسد للرحيل عن الحكم، بالإضافة إلى دعمه الائتلاف السوري الذي تشكل في أواخر عام 2012، وفي تصريح له قال أردوغان إن بلاده “ستدعم الثورة السورية حتى النهاية”، مضيفًا “يمكننا أن نرى بجلاء أن عون الله قريب”، في إشارة إلى نجاح الثورة، كما قال أيضًا إن أكثر من مئة دولة اعترفت بالائتلاف السوري المعارض، وهذا يعني أن تلك الدول لم تعد تعترف بالأسد، وأن عليه بالتالي الرحيل لأن القادة غير المقبولين من شعوبهم لا يمكنهم البقاء في السلطة.
في العام ذاته، بدأ المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمة في سوريا بجدية، فجرى التحضير لمؤتمرات سياسية من أجل إيجاد حل، وأنهت مجموعة العمل حول سوريا اجتماعها الأول بجنيف الذي دعا إليه المبعوث الأممي إلى سوريا حينها كوفي عنان، وجاء في البيان: “تأمل مجموعة العمل التوصل إلى الخطوط العريضة لعملية الانتقال السياسي في البلاد بما يلبي تطلعات الشعب السوري المشروعة”، وكانت التصريحات التركية متسقة مع خطابات الكثير من الدول الداعمة للشعب السوري التي تدعو للتخلص من النظام وإيجاد حل سياسي.
دعم المعارضة
تصاعدت الأحداث في سوريا وبدأت تتعقد حسابات أنقرة عام 2013، فقد شهد هذا العام أحداثًا مأساويةً على الصعيد السوري والتركي، إذ اتُهم النظام السوري بالوقوف وراء تفجيري مدينة الريحانية التركية اللذين خلفا عشرات القتلى والجرحى، وقال داوود أوغلو حينها إن تفجيري الريحانية يحملان بصمات منفذي الهجمات الدامية على مدينة بانياس السورية، في إشارة إلى نظام بشار الأسد.
كما اعتبر أردوغان أن النظام السوري يحاول جر تركيا إلى “سيناريو كارثي” عبر هذه الهجمات، فجدد أردوغان كلامه عن شرعية الأسد قائلًا: “النظام الحاكم في دمشق غير شرعي.. كيف يمكننا أن نعترف بإدارة لا يعترف بها حتى مواطنيها”، وذلك ردًا على تساؤلات عن مشاركة النظام السوري بالتحقيق في تفجيرات الريحانية.
لم يكن حادث الريحانية الوحيد المفصلي في عام 2013، فقد قصف النظام السوري مناطق الغوطة الشرقية والغوطة الغربية بالسلاح الكيماوي المحرم دوليًا، وأوقع أكثر من 1400 ضحية جلهم من الأطفال بالإضافة إلى آلاف الإصابات الأخرى، فأدانت تركيا هذه الجريمة وطالب أردوغان بالعمل على إسقاط الأسد من خلال عمل عسكري، وقال: “أي تدخل في سوريا ينبغي أن يهدف إلى وضع نهاية لحكم الرئيس بشار الأسد”، معتبرًا أن “الاكتفاء بعملية عسكرية محدودة ضد سوريا دون إسقاط نظامها لن يرضي أنقرة”.
قبل مجزرة الكيماوي بشهور، حذرت تركيا على لسان غول، الأسد من استخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب، حين قال: “لا نتسامح أبدًا في شأن استخدام السلاح الكيماوي أو الدمار الشامل”، داعيًا أن تكون المنطقة خالية من هذه الأسلحة، وهو ما يفسر زيادة وتيرة الدعم التركي لقوى الثورة السورية والمعارضة في معاركها ضد نظام الأسد بعد هذه المجزرة.
استمر الخطاب التركي في التصاعد عام 2014 تجاه الأزمة السورية، ومع دخول فاعل جديد إلى الأرض السورية، باتت تركيا تشعر بالخطر الموجود على حدودها الجنوبية، إذ اقتحم تنظيم “داعش” البلاد ودخلت الثورة السورية في إطار جديد، إلا أن تركيا لم تتخل كما غيرها عن رحيل الأسد مقابل ضرب الإرهاب متمثلًا بـ”داعش”، فقد وصف أردوغان الأسد بـ”المجرم” و”الإرهابي”، معتبرًا أنه يمثل خطرًا أكبر من تنظيم “داعش”، وكذلك وجه داوود أوغلو وجاويش أوغلو انتقادات مماثلة للأسد.
توالت التصريحات التركية التي تشبه وحشية “داعش” بنظام الأسد، إذ قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو: “النظام الحاليّ في سوريا أخطر من تنظيم الدولة، وهو المصدر الحقيقي للإرهاب”، مشيرًا إلى الحاجة للتحول السياسي في سوريا، كما قال أردوغان إن بلاده لا يمكن أن تترك مصير اللاجئين السوريين بين يدي “الأسد المجرم الذي يمارس إرهاب الدولة”، متهمًا بعض دول الجوار بعمل كل ما بوسعها لحماية نظام الأسد.
المنطقة الآمنة
في العام ذاته، بدأ الحديث عن اللاجئين السوريين في تركيا يأخذ منحى مختلفًا عما كان عليه في السنوات الماضية، فقد أثارت المعارضة التركية الجدل حول سياسة الباب المفتوح التي اتبعتها أنقرة تجاه اللاجئين، وهو ما رد عليه أردوغان قائلًا: “ننوي الحفاظ على سياسة الباب المفتوح حيال المدنيين السوريين الفارين من الحرب في بلادهم”.
كما لوحظ في الخطابات الرسمية التركية تكرار الحديث عن “المنطقة الآمنة” خاصة بعد أن وصل أردوغان إلى الرئاسة، فقد شدد على ضرورة فرض منطقة حظر طيران، وأضاف الرئيس التركي أيضًا “القوات التركية قد تساهم في إنشاء منطقة آمنة في سوريا في حال إبرام اتفاق دولي على إقامة ملاذ للاجئين الفارين من داعش”، وحين سئل عن احتمال أن تنشئ تركيا منطقة آمنة للاجئين في سوريا بشكل منفرد أجاب “ينبغي أن يحدث ذلك بالتعاون مع دول المنطقة، ينبغي أن نتحاور فيما بيننا. نحتاج للشرعية في إطار المجتمع الدولي”، وحينها بحث أردوغان الفكرة بإقامتها على طول حدود تركيا مع سوريا، وطرحها على القادة الأوروبيين، مطالبًا إياهم بدعمها وتبنيها.
عند الانتقال إلى عام 2015، لم تختلف اللهجة التركية تجاه النظام السوري، فقد استمر أردوغان بالمطالبة برحيل النظام السوري، قائلًا: “الرئيس السوري، بشار الأسد، لا يمكن أن يضطلع بأي دور في مستقبل سوريا”، إضافة لذلك بدأت أنقرة تحذر من الميليشيات الكردية التي تعتبر التهديد الأكبر لتركيا، وذكر أردوغان حينها أن بلاده ستوجه مزيدًا من الضربات لأكراد حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا ولا تحتاج إذنًا من أحد”، وواجهت تركيا حينها انتقادات غربية بسبب الضربات التي شنتها ضد الوحدات الكردية.
في هذا العام، اتسم الخطاب التركي بالتأكيد على دعم تركيا للمعارضة السورية، خاصة عقب التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا وتغيير موازين القوى في البلاد، إذ قال أردوغان: “تركيا تواصل اعتراضها على العمليات العسكرية الروسية التي تستهدف قوات المعارضة السورية”، مؤكدًا أن “بلاده تدعم التركمان والمعارضة المعتدلة في وجه اعتداءات نظام الأسد”.
في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، شكّلت حادثة إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية، بنيران تركية، علامة فارقة بمسار الأحداث في سوريا، حينها ذكر مسؤولون عسكريون أتراك، أن طائرات تركية من طراز “F-16” أسقطت الطائرة الروسية، بعد تحذير طياريها مرات عدة بأنهما ينتهكان المجال الجوي التركي، وقد أدلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتصريحات عن إسقاط الطائرة الروسية اتهم فيها تركيا بأنها “داعمة للإرهاب، وأنها وجهت طعنة لروسيا في ظهرها”، من جانبه حذر أردوغان، روسيا من “اللعب بالنار” باستخدام قواتها في سوريا.
خاضت روسيا وتركيا معركة كسر عظام خلال أسابيع من حادث إسقاط الطائرة، وأتى الاعتذار التركي في أوائل 2016 من روسيا ليغلق الملف ويكون مقدمة لانطلاق تحالف روسي تركي في سوريا وتبين ذلك في عام 2017 من خلال التعاون التركي الروسي في إطلاق مسارات سوتشي وأستانة للحل السياسي في سوريا.
تحرير سوريا من حكم الأسد
بدا عام 2016 مفصليًا بالنسبة للسياسة التركية في سوريا، فعندما اتخذت الشؤون العسكرية منحى آخر لصالح النظام السوري وازداد عدد اللاجئين إلى تركيا، بقيت أنقرة تطالب بإقامة المنطقة الآمنة في سوريا من أجل اللاجئين السوريين، إذ قال أردوغان في بدايات العام: “صبر تركيا ربما ينفد إزاء الأزمة في سوريا وقد تضطر للتحرك”، داعيًا الأمم المتحدة لبذل المزيد من الجهود لمنع ما وصفه بـ”التطهير العرقي” في البلاد، ومتهمًا إياها بعدم الصدق لدعوتها تركيا بذل المزيد من الجهود لمساعدة اللاجئين السوريين بدلًا من التحرك لوقف إراقة الدماء في جارة تركيا الجنوبية.
توالت التصريحات التركية الرسمية التي تشير إلى أن تركيا لن تسمح بوجود دولة كردية على حدودها، فأكد أردوغان على التزامه بأطروحة إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا لضمان الأمن في المدن التركية الموازية للحدود، وعلى الرغم من تأكيد أردوغان أن بلاده لن تترك مدينة حلب أيًا كان الثمن، فإن قوات الأسد وروسيا دمرت الأحياء التي تخضع لسيطرة المعارضة وعملت على تهجير قسري لأهلها أواخر عام 2016، لكن بالمقابل عمل الجيش التركي على إطلاق عملية محدودة سميت بـ”درع الفرات” من أجل طرد تنظيم “داعش” والوحدات الكردية من مدن مثل الباب وجرابلس والراعي وغيرها.
وعن التدخل العسكري التركي قال أردوغان: “تركيا قررت الدخول إلى سوريا مع الجيش السوري الحرّ بعد أن رأت أن الأمم المتحدة لا تفعل شيئًا”، وأضاف أردوغان “تركيا دخلت لإنهاء حكم الأسد الوحشي وحماية الأصحاب الحقيقيين للأرض وإقامة العدل، ولا توجد لديها مطامع في الأراضي السورية”.
في العام التالي (2017)، قال أردوغان: “الأسد قطعًا إرهابي نفذ إرهاب الدولة”، مضيفًا “الاستمرار في وجود الأسد مستحيل. كيف يمكننا أن نتطلع إلى المستقبل مع رئيس سوري قتل قرابة مليون من مواطنيه؟”، ثم أعلن لاحقًا أن الجيش التركي سوف يدخل إدلب، المحافظة الوحيدة التي تسيطر عليها قوات المعارضة في سوريا، جاء ذلك بعد أن بدأت الجولة الأولى من مباحثات أستانة حول الأزمة السورية بين وفود المعارضة والنظام بضمانة تركية روسية إيرانية، وهنا أخذت أنقرة على عاتقها أن تكون الضامن للمعارضة أمام دول العالم.
وعلى خلاف ما كان متوقعًا، لم يحدث أي صدام بين القوات التركية وهيئة تحرير الشام المصنفة على أنها فصيل إرهابي من أنقرة، بل العكس من ذلك، أدخلت تركيا الأرتال التركية بحماية ورعاية الهيئة. الدخول التركي العسكري إلى إدلب لم يمنع الطيران الروسي من استهداف المحافظة، ورغم الحديث عن التوصل إلى تفاهمات روسية تركية بخصوص انتشار القوات التركية في النقاط المتفق عليها، فإن هذا الأمر لم يحصل حتى نهاية عام 2017.
يشار إلى أن عام 2017 شهد توسعًا عالي المستوى للنفوذ التركي في سوريا عمومًا، فقد أدى تراجع الموقف الأمريكي من القضية السورية، ومعه الموقف الأوروبي، إلى توسع النفوذ التركي إلى جانب النفوذين الروسي والإيراني، خاصة مع انسحاب فاعلين إقليميين آخرين، أهمهم السعودية وقطر.
مسار سياسي
في 2018 أعلنت تركيا وبمشاركة قوات الجيش السوري الحر عن إطلاق عملية عسكرية في عفرين شمال غرب حلب، بغرض إنهاء وجود الوحدات الكردية من المنطقة، وبالتزامن مع إطلاق العملية التي حملت اسم “غصن الزيتون” أعلنت وزارة الدفاع الروسية سحب كامل جنودها من المنطقة، وبذلك بسطت تركيا نفوذها على نحو 5 آلاف كيلومتر مربع من الأرض السورية.
استمر أردوغان برفضه لدعوات التواصل مع الأسد قائلًا: “في أي شأن سنتحدث مع قاتل تسبب بموت مليون سوري؟”، مضيفًا أن ما قامت به القوات التركية في عفرين من خلال عمليتها العسكرية “لا يمكن اعتباره حتى جولات إحماء”، وأضاف “شعب سوريا مهم لنا وليس الأسد، لأن الأسد هو من ارتكب إرهاب دولة وتسبب في مقتل كثيرين ولا يزال”.
كما أتمت تركيا نشر نقاط المراقبة الاثنتي عشرة في منطقة خفض التصعيد الرابعة الممتدة على محافظة إدلب ومحيطها في الشمال السوري، وجاء ذلك بعد أن كانت أنقرة تمتنع عن إتمام هذه العملية، وبالمقابل ضغطت موسكو باستمرار عليها من أجل تسريع التسوية في منطقة خفض التصعيد، وأعلنت وزارة الدفاع التركية انتهاء تشكيل المنطقة العازلة في منطقة خفض التصعيد شمال سوريا، وذلك بموجب الموعد المحدد وفق ما نص عليه اتفاق سوتشي الذي تم توقيعه بين الدولتين الضامنتين تركيا وروسيا.
استفادت أنقرة من قرار الانسحاب الأمريكي في ديسمبر/كانون الأول 2018، حيث شرعت في التخطيط لشن حملة واسعة النطاق ضد قوات “قسد” التي كانت تفكر بالاندماج مع قوات الأسد بعد إتمام الانسحاب الأمريكي.
في عام 2019 تركزت خطابات أردوغان والمسؤولين الأتراك على مسألة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا، وفي أكثر من مناسبة أعلن أردوغان أن بلاده صرفت ما يزيد على 40 مليار دولار على اللاجئين، كما زادت كثافة الأحاديث المتعلقة بالمنطقة الآمنة التي تريد تركيا إنشاءها في شمال سوريا من أجل اللاجئين السوريين، بالإضافة للعمليات العسكرية التي تجريها ضد الوحدات الكردية لتشكيل حزام آمن على الحدود الجنوبية التركية.
بعد مفاوضات حثيثة مع واشنطن وموسكو، أعلن أردوغان في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 بدء عملية نبع السلام”، شمال سوريا لإبعاد الوحدات الكردية عن الشريط الحدودي، إلا أن ضغوطًا أمريكيةً وروسيةً أعقبتها ضمانات لأنقرة أوقفت العملية، وتزامنت العملية التركية مع تقدم ميداني للقوات الخاصة الروسية وعناصر النظام لملء الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الأمريكية، ما اضطر القوات التركية لوقف مدفعيتها في تلك المناطق، والاكتفاء بتحقيق هدف جزئي يتمثل في إخراج “قسد” من المناطق الحدودية.
وردت معلومات خلال العام الماضي عن تواصل تركي رسمي مع النظام السوري، وعلق أردوغان بأنه “الخيط الوحيد، السياسة الخارجية بين تركيا وسوريا مستمرة على مستوى الأجهزة الأمنية”، مشيرًا إلى أن تواصل الأجهزة الأمنية مختلف عن الزعماء السياسيين.
في 2020، أكد أردوغان أن القوات التركية ستبقى في سوريا إلى أن يتمكن شعبها من العيش في حرية وسلام وأمن، وفي ذات العام دارت معارك ضارية بين الجيش التركي وجيش النظام، حيث قتل عشرات الجنود الأتراك الموجودين في القواعد العسكرية في إدلب في ضربة جوية شنتها القوات الروسية والنظام، وكان النظام السوري بدعم روسي قد سيطر على العديد من المناطق التي تقع ضمن حدود اتفاقية سوتشي وهو ما عدته أنقرة خرقًا كبيرًا، ولم تكتف روسيا والنظام بالسيطرة على معرة النعمان، فأكملا حربهما حتى سيطرا على العديد من المدن المهمة، الأمر الذي دفع تركيا لأن تعلن بدء عملياتها العسكرية لردع النظام عن التقدم أكثر فأكثر، وبالفعل أعلنت تركيا في بداية شهر مارس/آذار عن عملية عسكرية في محافظة إدلب بمرافقة فصائل المعارضة السورية المسلحة تحت شعار “درع الربيع”.
إثر العمليات العسكرية العنيفة، اجتمع الرئيسان التركي أردوغان والروسي بوتين للاتفاق على هدنة، في هذا الاجتماع تراجعت تركيا عن مطالبها بتراجع جيش النظام السوري إلى النقاط المتفق عليها في مؤتمر سوتشي 2018، ثم جرى الاتفاق على تسيير دوريات عسكرية مشتركة بين أنقرة وموسكو في محيط طريق m4، ووقف جميع الأعمال القتالية على طول خط التماس، ويعتبر تاريخ هذا الاجتماع في 5 مارس/آذار نهاية للعمليات العسكرية حتى يومنا الحالي.
بدأت تركيا منذ بداية عام 2021 تتوجه إلى حل مشكلة اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها، إضافة إلى محاولتها تسوية مشاكلها في سوريا، إذ بدأت أنقرة جهودها التطبيعية مع دول المنطقة كالإمارات والسعودية وفتح قنوات للتواصل مع مصر، وبالتزامن مع ذلك حافظت على حضورها في المشهد السوري ودعمها للمسارات السياسية، إضافة إلى مواصلة ضمانها للمعارضة السورية ومناطقها.
كذلك، هدد أردوغان، بشن عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وقال إن الهجمات على قوات بلاده التي تستهدف أرضها بلغت حدًا لا يحتمل، وكثفت الطائرات التركية الحربية والمسيرة هجماتها على قيادات من “حزب العمال الكردستاني” في شمال شرق سوريا، في حين ردت “قسد” بقصف مواقع للجيش التركي في ريف حلب الشمالي، ولم تثمر المفاوضات التركية مع موسكو وواشنطن عن إطلاق عملية عسكرية تستكمل عملية “نبع السلام”، وتوقف التصريحات والتهديدات التركية بعد شهر أكتوبر/تشرين الأول.
المصالحة والتطبيع
تحولت السياسة التركية خلال العام الماضي من العدائية الكاملة لنظام السوري إلى محاولات التقارب التدريجية في سبيل حل المشكلة الكردية وإعادة اللاجئين السوريين، إذ بدأت التصريحات التركية تتوالى وتوضح أن العلاقات مع الأسد ممكن أن تعود لتحقيق ما تراه أنقرة استقرارًا لأمنها القومي.
وذكر الرئيس التركي أن “السياسة الخارجية بين تركيا وسوريا مستمرة على مستوى الأجهزة الأمنية”، وقال: “لا يمكن للأنظمة الاستخباراتية أن تقوم بما يقوم به الزعماء، عليكم ألا تقطعوا هذا الخيط تمامًا، لأن هذا الخيط يلزمكم في يوم من الأيام”.
ذكرت وسائل إعلام عربية أن لقاءً انعقد في موسكو بين حقان فيدان رئيس الاستخبارات التركية وعلي مملوك رئيس جهاز الأمن في النظام السوري، وبحسب المصادر فإن موسكو تحاول من خلال عقد هذا اللقاء إعادة ترتيب الوضع في سوريا “لضمان عدم حدوث تأثيرات سلبية على الملف السوري، ناجمة عن أوكرانيا”، هذا اللقاء الاستخباراتي لم يكن الأول، فقد سبقته اجتماعات في سنوات سابقة، لكنه بدا الأبرز في مسيرة التطبيع التركية مع النظام السوري.
لكن على المستوى السياسي كانت أنقرة تنفي أي تواصل مع النظام، فقد تحدث جاويش أوغلو في أغسطس/آب 2021 عن مفاوضات دبلوماسية مع دمشق، لكنها لا تتعلق بالحوار السياسي، بقوله: “حدوث لقاء سياسي مع النظام السوري في دمشق غير ممكن. أنقرة تتواصل في القضايا الأمنية فقط”، مضيفًا أن النظام السوري غير معترف به من قبل العالم، فما من شك أن تركيا لن تجري مفاوضات سياسية معه، “بل هنالك في قضايا أمنية متعلقة بالإرهاب”.
تصريحات جاويش أوغلو لم تصمد كثيرًا، فبعد شهور وجه دعوته الشهيرة لإحداث مصالحة بين النظام السوري والمعارضة، مشددًا على ضرورة تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما، ومبينًا أنه لن يكون هناك سلام دائم دون تحقيق ذلك.
فتحت تصريحاته سيلًا من الاحتجاجات في مناطق المعارضة السورية وتنديدًا كبيرًا بدعوته للمصالحة، ولحقها تصريح آخر عن لقاء خاطف بين وزيري الخارجية على هامش اجتماع بلغراد لحركة عدم الانحياز عام 2021.
تصريح الوزير التركي كان فاتحة السياسة التركية الجديدة تجاه سوريا بالعموم، حيث صدر خلال الشهور الأخيرة، أكثر من تصريح أردوغان، يبيّن فيه استعداده للقاء نظام بشار الأسد، وذلك ضمن حزمة تصريحات أطلقتها الإدارة التركية بكل مستوياتها في سياق المحاولات التركية لتطبيع العلاقات مع النظام في دمشق، في خطوة فسرها البعض على أنها وسيلة لكسب أصوات الناخبين الأتراك (تحديدًا الفئة المستاءة من اللاجئين السوريين في البلاد) في انتخابات 2023 القادمة، فيما رآها آخرون أنها عودة إلى عهد “صفر مشاكل” في السياسة الخارجية التركية.
عرّف أردوغان هذه الخطوات بإيجاز عندما قال: “لا خلاف أبديًا في السياسة”، خاصة بعد أن أنهى خلافاته السياسية مع الإمارات والسعودية، وأيضًا بعد أن عبر أكثر من مرة عن احتمالية التقارب مع نظام عبد الفتاح السيسي الذي كان يعتبره “انقلابيًّا ولا يمكن وضع يدنا في يده” على حد وصفه، واتضحت ملامح هذه السياسة عندما التقى أردوغان بالسيسي في الدوحة على هامش افتتاح مونديال قطر منذ شهر تقريبًا، في خطوة هي الأولى من نوعها بعد عداء طويل.
خطوات متسارعة
تسارعت وتيرة التصريحات التركية بخصوص التقارب التركي مع الأسد، فأعلن أردوغان أنه عرض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إجراء لقاء ثلاثي على مستوى الزعماء يضم بشار الأسد، وقال: “اعتبارًا من الآن، نريد أن نتخذ خطوة كثلاثي سوريا وتركيا وروسيا”، وأضاف أنه يجب أن تتحد الاستخبارات أولًا، ليجتمع بعدها وزراء الدفاع، ثم وزراء الخارجية، وعقب ذلك القادة، موضحًا أن بوتين نظر إلى هذا العرض بـ”إيجابية”، مؤكدًا بدء سلسلة من المفاوضات.
كما تحدث أردوغان عن إمكانية عقد لقاء مع النظام السوري بشار الأسد، قائلًا: “من الممكن أن يحدث لقاء مع بشار الأسد”، مردفًا “في السياسة ليس هناك استياء وتحفظ، عاجلًا أم آجلًا سنتخذ خطواتنا”، وقبل ذلك أشار الرئيس التركي إلى أن بلاده قد تعيد تقييم علاقاتها مع النظام السوري بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في يونيو/حزيران المقبل، ولم ينتظر الأمر حتى الانتخابات، إذ حققت موسكو اختراقًا كبيرًا بجمعها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، مع نظيره السوري علي محمود عباس، وحضر الاجتماع رؤساء الاستخبارات في البلدين بالإضافة إلى رئيس الاستخبارات الروسي، وذلك بعد أشهر من التصريحات التركية التي بينت رغبتها وعزمها على بدء المسار التطبيعي والتفاوضي مع نظام الأسد، بعد سنوات من القطيعة والعداء بين الجانبين.
أصدرت وزارة الدفاع التركية بيانًا قالت فيه إن الاجتماع “تضمن مناقشة الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والجهود المشتركة لمحاربة كل التنظيمات الإرهابية في سوريا”، وأوضح البيان أنه نتيجة للاجتماع الذي جرى في “جو بناء، تم الاتفاق على استمرار اللقاءات الثلاثية، لضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة ككل”، بدوره صرح وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، أنه أكد خلال الاجتماع الثلاثي “على ضرورة حل الأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف، وفق القرار الأممي رقم 2254″، فيما وصف الجانب السوري لقاء موسكو مع وزير الدفاع التركي بأنه كان “إيجابيًا”.
بحسب موقع “ميدل إيست آي” فأن اجتماع موسكو كان “وديًا”، ولم يتم خلاله التوصل لأي اتفاقات أو عقد أي صفقات، ورفضت تركيا، أحد مطالب النظام الأساسية، وهي تصنيف جميع الفصائل والجماعات المعارضة على أنها “إرهابية”، وإعلان المناطق الخاضعة للإدارة التركية في الشمال السوري “مناطق إرهاب”، وأكدت أنقرة عبر مسؤوليها أن الاجتماعات مع نظام الأسد لا تعني أنها ستتخلى عن المعارضة السورية، فقد أكد جاويش أوغلو موقف أنقرة “الداعم للمعارضة السورية والشعب السوري وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″، بالتزامن مع ذلك أعلن جاويش أوغلو أنه سيعقد اجتماعًا مع نظيره بالنظام السوري فيصل المقداد في منتصف الشهر الحاليّ.
مطالب ومسوغات
تغير الموقف التركي من النظام السوري كان نتيجة للضغوط التي تتعرض لها الحكومة التركية داخليًا وخارجيًا وعلى المستويات العديدة، فاستحالة التواصل مع “الإرهابي” الأسد كما وصف أردوغان، باتت ضرورة ملحة اليوم من “أجل السلام” والوصف له أيضًا، وفيما يبدو حاليًّا فإن أنقرة تحاول تحصيل أكبر مكاسب من هذا التطبيع، لكن هل يوجد شيء لدى نظام الأسد يمكن أن يقدمه؟ “لا يوجد”. هكذا كان جواب الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم الذي أشار في حديثه لـ”نون بوست” أن نظام الأسد لن يستطيع تلبية المطالب التركية، ملخصًا مطالب تركيا بنقاط رئيسة كالآتي:
“الحرب على الإرهاب”، وفق المفهوم التركي هي محاربة الوحدات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية. والإسهام بعودة اللاجئين، إذ يرى سالم أن ذلك قد يتحقق عند اتخاذ نظام الأسد إجراءات حقيقية تسهل عودة اللاجئين سواء في مناطق النفوذ التركي أو مناطق نفوذ الأسد، ومن هذه الإجراءات إصدار عفو شامل، إضافة إلى تسهيل وصول اللاجئين إلى مناطقهم الواقعة تحت سيطرة الأسد.
يقسم محمد سالم الدوافع التركية للتطبيع مع النظام السوري إلى دوافع داخلية وخارجية، الأولى تتعلق بأزمة اللاجئين السوريين بالنسبة للحكومة التركية، وهي أزمة اجتماعية فقد تسبب وجود اللاجئين بالبلاد في خلق نقمة شعبية على الحكومة لعدم تعاملها مع هذه الأزمة كما يجب، إضافة إلى استغلال المعارضة التركية هذه الورقة والتسويق لها على اعتبار أنها أساس المشاكل الاقتصادية في البلاد.
يضيف سالم أن الحكومة التركية تريد حل أزمة اللاجئين بأي شكل، حتى وفق الحل الذي تقترحه المعارضة، خاصة أن المعارضة التركية وتحديدًا حزب الشعب الجمهوري يقول إنه سيعيد اللاجئين في غضون سنتين عن طريق الاتفاق مع الأسد، وبهذا تكون الحكومة قد حققت ما تصبو إليه المعارضة التي يبدو أنها فقدت واحدة من البنود الأساسية في برنامجها الانتخابي.
الدوافع الخارجية وفقًا لسالم تأتي من طرفين متعاضدين، هما: روسيا وأمريكا، ففي الوقت الذي تعزز فيه الولايات المتحدة علاقتها مع قوات سوريا الديمقراطية التي تعد العدو اللدود لتركيا، في المقابل ترفض روسيا تقسيم سوريا، وتعارض بقاء الوحدات الكردية كطرف قوي مسيطر على مناطق واسعة من البلاد، وعلى هذا الأساس تجد أنقرة نفسها أقرب إلى الرؤية الروسية.
يرى الباحث سالم أنه يوجد تسارع في عملية التطبيع وقد نشهد لقاءً بين الرؤساء، بالإضافة إلى إمكانية تبادل وفود دبلوماسية بين البلدين على المستوى القائمين بالأعمال، لكن ستبقى هناك مطالب معلقة بين الطرفين ومن الصعب تحقيقها إلا في حال عقد صفقة شملت جميع الفاعلين الدوليين وخاصة أمريكا التي تستطيع تحريك أحجارها من شمال شرق سوريا تلك المنطقة التي تمثل عقدة لتركيا بما تحويه من فصائل كردية.
بناءً عليه، تعمل تركيا اليوم ضمن إطار جهودها الإقليمية لتصفير المشاكل وهو ما بدأته مع دول عدة مثل الإمارات والسعودية، ويبدو أن إدارة أردوغان تسعى إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري ولو بالحد الأدنى الذي يكسبها هذه الورقة الانتخابية، خاصة أن حديث إعادة العلاقات مع النظام هو أحد أهم بنود البرامج الانتخابية لبعض أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، كما يضاف إلى ذلك محاولة تركيا من خلال تطبيعها مع النظام فرض خناق كامل على القوات الكردية الموجودة في شمال شرق سوريا وتأمين حدودها الجنوبية ضمن اتفاقيات ترسمها مع روسيا وينفذها النظام.