ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ وقت ليس ببعيد، كان ولي العهد السعودي، محمد بن نايف، مستعدًا لتولي السلطة، لكن ابن عمه الشاب الطموح كان لديه خطة عنيفة ليحظى بكامل السيطرة.
ظل الأمير السعودي رهن الإعتقال طوال الليل، ومع اقتراب ضوء النهار وخروجه من قصر الملك في مكة، لم يجد أي أثر لحراسه الشخصيين، الذين كانوا يراقبونه في كل مكان. وتم اصطحاب الأمير إلى سيارة كانت تنتظره؛ حيث كان له حريّة مغادرة المكان، لكنه سرعان ما اكتشف أن الحرية لا تختلف كثيرا عن الاحتجاز.
وما إن ابتعدت سيارته عن بوابات القصر، كتب الأمير محمد بن نايف سلسلة من الرسائل النصية المذعورة، وكتب إلى مستشاره الذي يحظى بثقته، والذي غادر المملكة بطريقة سريّة قبل أسابيع فقط: “التزم الحذر! وإياك أن تعود!”.
وعندما وصل ابن نايف إلى قصره في مدينة جدة الساحلية بعد بضع ساعات، وجد حراسًا جددًا أمام القصر، وكان من الواضح أنه قيد الإقامة الجبرية حينها، لذلك كتب إلى مستشاره: “فليوفقنا الله يا دكتور. ما يهم الآن هو أنه عليك توخي الحذر، ويجب أن لا تعود إلى هنا تحت أي ظرف من الظروف”.
في الليلة السابقة الموافقة لـ 20 حزيران/يونيو 2017، أُجبر محمد بن نايف، ابن شقيق الملك، على التنحي عن العرش السعودي في حدث وصفه أحد المطلعين على شؤون العائلة المالكة بأنه كان شبيها بفيلم “”العراب”، ولكن على الطريقة السعودية. وكان ابن نايف، الذي كان مشرفًا على الأمن الداخلي، أقرب حليف سعودي لوكالة المخابرات المركزية. وفي وقت سابق من ذلك العام، منحه مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك، مايك بومبيو، ميدالية تقديرًا لمجهوداته في مكافحة الإرهاب التي أنقذت أرواح الأمريكيين.
وقبل عامين من ذلك؛ عندما بدأت فترة حكم الملك سلمان، أصبح ابن نايف وليًا للعهد وهو في سن 55، مما يجعله التالي في ترتيب العرش، لكن كانت هناك منافسة شرسة محتدمة في الخفاء بين محمد بن نايف وابن عمه محمد بن سلمان، نجل الملك، الذي صعد من لا شيء ليصبح نائبًا لولي العهد.
وقبل وقت قصير من انقلاب القصر، في 5 حزيران/يونيو 2017، بلغت التوترات بين الأميرين أشدها بعد أن فرض محمد بن سلمان وغيره من المستبدين الإقليميين حصارًا عقابيًا على قطر المجاورة. فلطالما أزعجت الإمارة الصغيرة الغنية بالغاز جيرانها العرب الأكبر من خلال تحركاتها الاستفزازية، مثل تمكين الإسلاميين والمعارضين الإقليميين من البث على قناتها الإخبارية المؤثرة “الجزيرة”.
كان لدى ابن نايف أيضًا مشاكل مع قطر، لكنه فضل اعتماد الدبلوماسية الهادئة عوضًا عن نهج محمد بن سلمان الهجومي. ودون علم ابن عمه، فتح ابن نايف قناة تواصل سرية مع حاكم قطر تميم بن حمد آل ثاني؛ حيث أرسل ابن نايف رسالة نصية لمستشاره في ذروة هذه الأزمة قال فيها: “اتصل بي تميم اليوم، لكنني لم أجب. أريد أن أرسل له هاتفًا مشفرًا لنتمكن من التواصل”.
في 20 حزيران/يونيو 2017، في خضم تلك الأزمة، تمت دعوة ابن نايف لعقد اجتماع في قصر الملك سلمان في مكة، وهو مبنى عملاق ذو جدران رخامية يطل على الكعبة؛ أكثر مكان مقدّس في الإسلام. وأفادت مصادر قريبة من ابن نايف أنه عند وصوله، تلقت عناصره الأمنية تعليمات بالانتظار في الخارج، ولمنع حدوث أي تسريبات، تمت مصادرة جميع الهواتف المحمولة، بما في ذلك هواتف موظفي القصر، من قبل الحراس الموالين لمحمد بن سلمان.
إلى جانب ذلك؛ مُنع أحد كبار أفراد العائلة المالكة، الذي حاول دخول القصر بعد ابن نايف، من تجاوز البوابات، ويُزعم أن الأمير دخل إحدى الغرف مع تركي آل الشيخ، المقرب من محمد بن سلمان والذي يعرف بطريقته الفظة والمخيفة في التعامل وإعجابه بساعات ريتشارد ميل باهظة الثمن. (تمت ترقية الشيخ لاحقًا ليتولى رئاسة الهيئة العامة للترفيه – وهي وكالة تسعى إلى تلطيف صورة المملكة العربية السعودية من خلال إقامة حفلات عملاقة في الصحراء، من بين أمور أخرى).
يُزعم أن الشيخ حبس ابن نايف في الغرفة لساعات، وضغط عليه لتوقيع خطاب استقالة والتعهّد بولائه لمحمد بن سلمان. في البداية، رفض ابن نايف ذلك، لكن وفقًا لمصدر مقرب من الأمير، فقد تم تهديده بأنه إذا لم يتنازل عن مطالبته بالعرش، فسوف يتم اغتصاب أفراد عائلته، كما منع من تناول دوائه لارتفاع ضغط الدم والسكري، وقيل له أيضا إنه إذا لم يتنح عن طيب خاطر، فإن وجهته التالية ستكون المستشفى، وقال مصدر آخر من العائلة المالكة إنه كان خائفًا للغاية من تعرضه للتسمم في تلك الليلة، لدرجة أنه رفض حتى شرب الماء.
وسُمح لابن نايف بالتحدث مع اثنين من الأمراء من هيئة البيعة السعوديّة، وهي الهيئة الملكية التي تُعنى باختيار تسلسل الخلافة؛ حيث صُدم عندما علم أنهم قدّموا بالفعل ولاءهم لمحمد بن سلمان. بحلول الفجر؛ كان كل شيء قد انتهى بعد أن استسلم ابن نايف الذي كان قلقًا ومرهقًا، ثم أجبر نايف على دخول غرفة مجاورة، حيث كان محمد بن سلمان ينتظره مع كاميرات التلفزيون وحارس كان يحمل مسدسًا. وأظهرت اللقطات، التي نشرتها محطات الإذاعة السعودية، لمحة موجزة للشيخ وهو يضع رداء مزينًا بالذهب على ظهر الأمير المعتقل، وبينما كانت الكاميرات تصوّر، اقترب محمد بن سلمان من ابن عمه وانحنى بطريقة مسرحية لتقبيل يده وركبته، وكتب ابن نايف لاحقًا في رسالة إلى مستشاره: “عندما تعهدت بالولاء، كان هناك سلاح موجّه نحوي”.
في الأيام التي تلت ذلك، أزيلت ملصقات ابن نايف من المباني العامة، وأصبح محمد بن سلمان الآن أول ولي للعرش، وكان أقوى رجل في البلاد وهو في سن الـ 31، وبينما ظل الملك الثمانيني رئيسًا للدولة، لكن محمد بن سلمان أصبح الحاكم الفعلي، ويحظى بسيطرة مطلقة على جميع وسائل الأمن والاقتصاد والنفط السعودي. في المقابل، تحوّل ابن نايف، حليف المخابرات الأمريكية الذي كان يعتقد أنه سيكون الحاكم القادم للمملكة العربية السعودية، الآن إلى سجين، لكن بالنسبة له، ما زال الأسوأ قادما.
تمّ حجب الانقلاب الذي حدث في القصر والقوة التي تسببت فيه، إلى حد كبير عن الأنظار العامة في ذلك الوقت، مع تسريب أجزاء من المعلومات وبعض الدعايات فقط إلى الصحافة. على سبيل المثال؛ تم تغذية وسائل الإعلام الدولية بما يسميه شركاء نايف بمزاعم كاذبة تفيد بأنه قد تم إبعاده من أجل المصلحة الوطنية لأنه كان عاجزًا بسبب إدمانه على المورفين والكوكايين.
ويعدّ الوصول إلى الحقيقة صعبًا للغاية في بلد تكون فيه المراقبة شديدة للغاية لدرجة أن بعض السعوديين يضعون هواتفهم في الثلاجة أثناء مناقشة المواضيع الهامة والحساسة، فيما لم ترد سفارتا السعودية في لندن وواشنطن على طلبات التعليق على هذا المقال، لكن سردًا مفصلا لأحداث عام 2017، وما تلاها من آثار مروعة، أصبح متوفرا الآن، بفضل تجميع أسرار القصر الواحد تلو الآخر، من قبل عدد من كبار أفراد العائلة المالكة ومصادر أخرى ذات صلة جيدة، كان قد تم تجريدهم من نفوذهم وثرواتهم في عهد محمد بن سلمان، وفي أسوأ الحالات، كانوا قد تعرضوا للسجن والتعذيب.
من بين هذه المصادر رجل يدعى سعد الجبري، وهو أقرب مستشار لنايف ورئيس المخابرات، وكان الجبري أول من راسله ابن نايف مباشرة بعد إطلاق سراحه من قصر الملك بعد الانقلاب. وكان الجبري، البالغ من العمر 63 عامًا، يعمل منذ فترة طويلة في الخفاء، حيث اعتبره الكثيرون ممن عملوا معه من أقوى الأفراد من غير الملوك في المملكة العربية السعودية، ووصفه مسؤول أمريكي سابق عمل معه لسنوات بأنه “صلة الوصل العميقة للدولة” بين المملكة العربية السعودية والقوى الغربية.
في السنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر، تمت ترقية الجبري إلى رتب داخل وزارة الداخلية، وأصبح في النهاية رئيسًا لعمليات مكافحة الإرهاب. قام الجبري وداعمه محمد بن نايف معًا بتحديث أجهزة الأمن والمراقبة في المملكة، كما تم اتهامهم باستهداف النشطاء السلميين بحجة مكافحة الإرهاب وإرساء أسس الدولة الأمنية التي سينقلب عليها محمد بن سلمان لاحقًا.
وتم الكشف عن الرسائل النصية بين محمد بن نايف والجبري لأول مرة من خلال وثائق قانونية في أمريكا الشمالية وقرار الإنتربول الذي رفض طلبًا سعوديًا باعتقال الجبري في الخارج. وتم التحقق من صحة الرسائل الواردة في تلك الوثائق من قبل خبير في الأدلة الجنائية الرقمي عينته شركة “نورتون روز فولبرايت”، وهي شركة المحاماة الدولية التي تمثل الجبري، والتي استحوذت على جهاز أيفون الخاص به، وفقًا لشهادات المحكمة، وأطلعني فريق الجبري بشكل منفصل مجموعة من الرسائل لم يتم نشرها من قبل.
على مدى عقود؛ توارث العرش مباشرة بين أبناء عبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، مما يضمن توازنًا دقيقًا للقوى بين مختلف فروع العائلة المالكة الكبيرة. وكان من الممكن أن تشهد خلافة محمد بن نايف انتقال الملكية إلى الجيل التالي للمرة الأولى، ولكن مع ذلك انتقل إلى فرع مختلف من العائلة، مع الحفاظ على هذا التوازن الدقيق.
ولكن بعد ذلك حدث انقلاب القصر؛ الذي لم يكتف بإبعاد المنافس الرئيسي لمحمد بن سلمان، بل دمر أيضًا نموذج الخلافة القديم الذي كان يفضل الأقدمية والإجماع داخل الأسرة، من خلال إرساء انتقال السلطة مباشرة من الأب إلى الابن داخل فرع واحد من العائلة مما مكّن محمد بن سلمان من اكتساب المزيد من السلطة أكثر من أي حاكم سابق، حتى قبل أن يتولى العرش رسميًا.
وكان الانقلاب تتويجا لأشهر من العداء بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، وكانت إحدى نقاط الخلاف الرئيسية هي تنافسهما على نيل الرضا من الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترامب؛ حيث يقول أشخاص مقربون من محمد بن نايف إنه كان يستمع سرًا لمكالمات محمد بن سلمان مع مساعديه وحلفائه مثل جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشار البيت الأبيض. وساعده التلصص على تتبع تحركات محمد بن سلمان في واشنطن.
وأشار سجل من مكالمة تم اعتراضها في ربيع سنة 2017، والتي عرضها محمد بن نايف على الجبري، إلى أن محمد بن سلمان كان يناقش الخلافة الملكية مع كوشنر. في تلك المكالمة، أخبر محمد بن سلمان كوشنر أنه أقام علاقات وثيقة مع جميع الوكالات الأمريكية “باستثناء ثلاث”. عندما رأى الجبري السجل؛ اعتبر الوكالات الثلاث تعني وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي؛ وهي المؤسسات التي كانت تفضل محمد بن نايف منذ فترة طويلة. بالنسبة له ولرئيسه، كان من الواضح أن محمد بن سلمان كان يحاول تعزيز الدعم الأمريكي لخلافته.
في أيار / مايو 2017؛ حاول محمد بن نايف شق طريقه الخاص إلى البيت الأبيض خلال عهد ترامب؛ حيث استأجر شركة “سونوران بوليسي غروب”، وهي شركة ضغط في واشنطن لها علاقات وثيقة مع فريق ترامب، وتم تعيين سونوران – التي تم تغيير اسمها منذ ذلك الحين إلى “ستريك غلوبال ديلوماسي” على اسم رئيسها عضو اللوبي روبرت ستريك – لتقديم “خدمات استشارية واسعة” في واشنطن لوزارة الداخلية التابعة لمحمد بن نايف، وقال أشخاص مقربون منه إن ابن نايف فهم أن سجله السابق لم يكن له تأثير كبير مع رئيس متهور غير تقليدي الذي سيستمر في علاقة متوترة مع مجتمع المخابرات الأمريكي.
وأراد نايف إقناع الرئيس الجديد بأنه لم يكن مجرد شريك قديم، بل هو شريك أكثر قيمة من ابن عمه، شارك الجبري بشكل مباشر في التفاوض على عقد ضغط بقيمة 5.4 ملايين دولار نيابة عن الوزارة.
ومع انتشار نبأ توقيع العقد؛ خشي الجبري من أن يعلق بين الأميرين المتناحرين. وفي أيار / مايو 2017، هرب سرًّا إلى تركيا قبل أيام قليلة من زيارة ترامب للرياض، وكان لدى الجبري أسباب قوية للخوف، فبعد فترة وجيزة من مغادرته؛ قال الجبري إنه تلقى خبرًا مفاده أن الشخص الرئيسي الذي وقّع على العقد – وهو ضابط مخابرات سرية كام تحت قيادة ابن نايف – تم احتجازه من قبل الموالين لمحمد بن سلمان وتم استجوابه حول جهود الضغط.
وفي 4 حزيران / يونيو 2017؛ أرسل الجبري رسالة نصية إلى عبد العزيز الهويريني، وهو مسؤول أمني محنّك، ليسأله عما إذا كان ينبغي عليه الاستمرار في “الصيام في البرد”، في إشارة مشفرة إلى البقاء في تركيا؛ حيث الهويريني، الذي يعمل الآن تحت إشراف محمد بن سلمان، بأنه يجب عليه أن يبقى هناك.
وفي 17 حزيران/ يونيو، أرسل الهويريني رسالة نصية أخرى إلى الجبري، يحذره فيها من أن الموالين لمحمد بن سلمان كانوا “متحمسين جدًا” لاعتقاله أيضًا. في غضون ذلك؛ أجبرت ردة فعل غاضبة من محمد بن سلمان محمد بن نايف على إلغاء عقد ستريك. وبحسب الجبري؛ حذره محمد بن نايف من أن محمد بن سلمان قد رأى العقد على أنه مؤامرة لإفساد علاقته مع عائلة ترامب وأنه كان يسعى للانتقام.
في 18 حزيران/ يونيو؛ تلقى الجبري رسالة نصية مفاجئة من محمد بن سلمان يطلب منه العودة إلى المملكة العربية السعودية للمساعدة في حل “صراعات” لم يتم تسميتها مع محمد بن نايف، وكتب محمد بن سلمان بنبرة تصالحية بشكل غير اعتادية: “لا أعتقد أن هناك من يفهم [نايف] أفضل منك”.
وكانت هناك ضغينة بين محمد بن سلمان والجبري منذ سنة 2015 عندما طرد الملك سلمان، بناءً على طلب الأمير على ما يبدو، الجبري من منصبه لمقابلته سرًّا مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك جون برينان ووزير الخارجية البريطاني آنذاك فيليب هاموند دون الإبلاغ عن الاجتماعات إلى الملك.
ومع ذلك؛ استمر الجبري في العمل مع ابن نايف بشكل غير رسمي، واعتبر إقالته واحدة من محاولات محمد بن سلمان العديدة لإضعاف داعمه. وكتب محمد بن سلمان مصرًّا: “دعنا ننسى الماضي. هل نحن أطفال اليوم؟ سامحني وأبرئني أمام الله. متى ستعود؟”، فيما رد الجبري بأنه بحاجة إلى الابتعاد لتلقي العلاج الطبي.
بعد يومين؛ شن محمد بن سلمان الانقلاب
في الأشهر التي أعقبت الانقلاب، استمر الجبري في الاحتماء في تركيا، وكانت عائلته المقربة معه، باستثناء اثنين من أبنائه اللذان تم منعهما من استقلال طائرة في الرياض يوم الانقلاب، فيما ظل الجبري على اتصال سري مع ابن نايف الذي كانت تحركاته مقيدة.
في هذه الثناء؛ تحرك محمد بن سلمان بسرعة لتشديد قبضته على الأجهزة الأمنية، لا سيما وزارة الداخلية التي تم تجريدها من الموالين لابن نايف في الوظائف الرئيسية مثل مكافحة الإرهاب؛ حيث انتقد محمد بن سلمان بشدة أي تلميح إلى وجود معارضة شعبية. وفي أول حملة قمع كبيرة له بعد الانقلاب؛ اعتقل محمد بن سلمان رجال دين مؤثرين ومفكرين يتابعهم الملايين على وسائل التواصل الاجتماعي في أيلول/ سبتمبر 2017.
وفي الشهر نفسه؛ ناشد الجبري محمد بن سلمان للسماح لأبنائه بمغادرة المملكة، لكن محمد بن سلمان أصر على عودة الجبري أولاً لمناقشة “ملف حساس للغاية” يتعلق بابن نايف، وسأله محمد بن سلمان في رسالة نصية: “دكتور، إلى أين نرسل الطائرة لإحضارك؟”. لم يكن الجبري ينوي العودة، لكنه سعى أيضًا إلى إقناع محمد بن سلمان بأنه لا يشكل أي تهديد. وفي رسائل مليئة بعبارات مبتذلة مبالغ فيها، تعهد الجبري بالولاء لمحمد بن سلمان.
وكتب الجبري: “لدي الكثير من المعلومات الحساسة عن الدولة، لكن على الرغم من ذلك لم أسرب شيئًا لأي شخص”. وفي أمثلة على ولائه، كتب أنه دحض علناً مزاعم “مجتهد” – وهو حساب مجهول على تويتر يكشف فساد العائلة المالكة كان منذ فترة طويلة شوكة في خاصرة الأسرة المالكة السعودية -: “ما هو المصير الذي ينتظرني إذا كنت سأعود [للسعودية]؟ أليس الأفضل لي أن أبقى خارج المملكة، وأبقى وفيا لحكمك وأرفض قول أي شيء يسبب الضرر … وأتعاون مع سموك في كل ما يخدم الصالح العام؟”، ولكن لم يتأثر محمد بن سلمان وأرسل رسالة نصية إلى الجبري مفادها أنه سوف يلاحقه “بكل الوسائل المتاحة”. ودفع هذا التهديد الجبري إلى الفرار من تركيا إلى كندا في وقت لاحق من ذلك الشهر.
في أواخر سنة 2017، حاولت المملكة العربية السعودية اعتقال سعد الجبري عن طريق الإنتربول بدعوى اختلاس أموال حكومية تقدر بالمليارات، كما ضغطت على كندا لتسليمه لكن كلتا المحاولتين فشلتا. وفي تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2018 – وفقًا للجبري نفسه – تلقّى المستشار الأمني السابق تحذيرًا من جواسيس في دولة شرق أوسطية بأنه سيكون عرضة للاغتيال، وحثوه على الابتعاد عن السفارات والقنصليات السعودية. (طلب الجبري حجب اسم البلد خوفًا من انتقام سعودي). وفي الشهر نفسه، يُعتقد أن حرس الحدود الكندية اعترضوا عددًا من أعضاء فرقة الاغتيال السعودية المسماة “فرقة النمر” أثناء محاولتهم دخول البلاد بتأشيرات سياحية، وقاموا بترحيلهم.
ورغم نفي الرياض أي تورط لها، إلا أن المؤامرة المزعومة التي اعترفت ضمنيًا بها السلطات الكندية، كانت تحمل أوجه تشابه مروعة مع الطريقة التي قتلت بها فرقة النمر الصحفي المعارض جمال خاشقجي في الشهر نفسه داخل القنصلية السعودية في تركيا.
كان من الواضح بالنسبة للأمريكيين الذين عملوا مع الجبري أن الأمير محمد بن سلمان يعتبره تهديدًا. وذلك ما أكده المسؤول الأمريكي السابق الذي عمل معه بقوله “إن فرار الجبري من المملكة يشبه مغادرة جون إدغار هوفر – أول مدير لمكتب التحقيقات الفيدرالي – العاصمة ليظهر في موسكو، فهذا الرجل [الجبري] محبوب من قبل منظمات الدولة العميقة في جميع أنحاء العالم، إنه يعرف كل نقطة ضعف وكل زلة ارتكبها أفراد العائلة المالكة السعودية”.
في صباح شتوي من السنة الماضية، دُعيت إلى فندق خمس نجوم في العاصمة واشنطن للقاء سعد الجبري القادم من تورنتو لزيارة ابنه خالد، طبيب القلب والمتحدث الرسمي باسم والده المنعزل. وعندما وصلت إلى ردهة الفندق، رنّ هاتفي برسالة غير متوقعة مكتوب فيها: “لنلتق خارج الفندق”. وبعد دقائق ظهر رجل واقتادني إلى ناطحة سحاب أخرى في المنطقة. وخارج البرج السكني الذي يعد موطنًا لبعض النخب السياسية في العاصمة، وقفت سيارة دفع رباعي متعددة الاستخدامات تحمل علامة “الخدمة السريّة الأمريكية”.
في فناء مغلق على السطح، كان الجبري يجلس على أريكة يحدق في منظر وسط مدينة واشنطن مرتديًا بدلة داكنة ونظارات ذات إطار سلكي بجانب مدفأة مثبتة في الحائط، وصوت خافت لمقطوعة عزف بيانو في الخلفية. وعند وصولي، وقف الجبري وفي يده قهوة ستاربكس وبدأ بالإشارة إلى معالم المدينة مثل نصب جيفرسون التذكاري ونصب واشنطن والبيت الأبيض.
قال الجبري إنه تجنّب الإقامة في واشنطن العاصمة في عهد ترامب رغم ما لديه فيها من أصدقاء مؤثرين كُثر، بما في ذلك أعضاء في مجلس الشيوخ من الحزبين والمسؤولين الأمنيين، إلا أنه مع ذلك كان حذرًا من الذراع الممتدة للدولة السعودية، ناهيك عن أن العلاقة الحميمية بين ترامب ومحمد بن سلمان جعلته أكثر حذرًا.
أثناء حديثنا تساءل الجبري، الحاصل على درجة الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي من جامعة إدنبرة، عن إمكانية اختلاف مسار حياته لو لم يقابل نايف. فقد بدأ الجبري حياته المهنية في وزارة الداخلية في التسعينيات، وحاول ذات مرة الاستقالة من وظيفة في أرامكو، – عملاق النفط الحكومي الذي يعد البقرة الحلوب للمملكة – لكن نايف أوقفه والآن يبدو أن أقدارهما أصبحت مرتبطة ببعضها البعض.
اعتُقل حوالي 40 من أفراد عائلة الجبري والمقربين منه في المملكة العربية السعودية منذ الانقلاب في محاولة لإجباره على العودة. تحشرج صوته عند عرض صور على الهاتف لابنيه المسجونين، سارة (22) وعمر (24)، اللذين قُبض عليهما في آذار/ مارس سنة 2020، وأدينا في محاكمة مغلقة بغسيل الأموال ومحاولة الهروب من السعودية بشكل غير قانوني؛ هذا بالإضافة إلى اعتقال صهره. قال الجبري إنه إذا كانت هناك فرصة لعملية تبادل – محمد بن سلمان مع عائلته من جهة، والجبري من جهة أخرى – فسوف يفعلها في لمح البصر؛ حيث قال وهو يتخيل المشهد: “خذ فديتك، أطلق سراح الرهائن”، لكنه يعلم أن المطالب لا تنال بالتمني.
في أغسطس/ آب سنة 2020 بعد سجن أبنائه، رفع الجبري دعوى قضائية في واشنطن معلنًا عن ادعائه أن محمد بن سلمان أرسل خلفه فريق إعدام. (علق القاضي لاحقًا بأن الدعوى القضائية كانت شبيهة بإحدى روايات توم كلانسي البوليسية والجاسوسية). ومع أن الجبري يعلم أنه لا يستطيع الانتصار على دكتاتور قوي، فإن ما فعله يعتبر على الأقل على حد تعبير أحد مساعديه “حصاةً في حذاء محمد بن سلمان”. وفي أوائل سنة 2021، أثارت هذه الدعوى ما اعتبره الجبري دعاوى قضائية انتقامية في بوسطن وأونتاريو رفعتها 10 شركات سعودية مرتبطة بالحكومة أسسها نايف في البداية لتوفير غطاء للعمليات الأمريكية السعودية ويسيطر عليها الآن صندوق الثروة السيادي للمملكة، الذي يرأس مجلس إدارته الآن محمد بن سلمان. اتهمت هذه الشركات الجبري وشركاءه بالاحتيال عليهم بمبلغ 3.5 مليار دولار، ولكنه نفى ارتكاب أي مخالفات وقال إن الدفاع عن نفسه سيتطلب الكشف عن عمليات هذه الشركات وأموالها، التي تم تصميمها بشكل معتم لدعم الأنشطة السرية.
تشير وثائق المحكمة التي قدمتها وزارة العدل الأمريكية في بوسطن إلى أن المسؤولين الأمريكيين كانوا حريصين على تسوية خارج المحكمة بين الجبري ومحمد بن سلمان، وذلك لمنع أي كشف علني عن عمليات أمريكية سرية على ما يبدو. لكن تلك الجهود ذهبت في مهب الريح؛ إذ أخبرني مسؤول أمريكي عمل سابقًا في السفارة الأمريكية في الرياض، أن السعوديين غير مهتمين بالتسوية لأنهم “غير مقتنعين بأن الجبري سيبقى صامتًا”.
في شباط/ فبراير من هذخ السنة، قدّم الجبري عرضًا جديدًا لمحمد بن سلمان: عرض الجبري “حلاً ماليًا وقانونيًا” في رسالة إلى أحد كبار مستشاري الديوان الملكي (رفض فريق الجبري مناقشة تفاصيل العرض معي)، وأرسلوا إلى البيت الأبيض مذكرة يطلبون فيها من المسؤولين الأمريكيين “حثّ القيادة السعودية على قبول عرض التعويض”، إلا أنه قوبل بالصمت من محمد بن سلمان.
يقول أنصار محمد بن سلمان إن حرص الجبري على تسوية مالية هو اعتراف ضمني بذنبه، بينما يرى فريق الجبري أن عدم رغبة محمد بن سلمان في التسوية يثبت أن الفساد مجرد ذريعة لملاحقة خصم سياسي. وفي غضون ذلك، تستمر المعركة القانونية. ففي أيلول/ سبتمبر، رفضت محكمة واشنطن دعوى الجبري ضد محمد بن سلمان، مشيرة إلى عدم اختصاصها الشخصي (فريق الجبري يستأنف على القرار). وفي أواخر السنة الماضية، أسقطت محكمة بوسطن الدعوى المرفوعة ضد الجبري بعد أن استندت الحكومة الأمريكية إلى “امتياز أسرار الدولة” لوقف الكشف عن معلومات الأمن القومي السرية (الشركات لازالت تقاوم)، لكن هذه الأسرار لا تزال معرضة لخطر الكشف عنها في محكمة أونتاريو؛ حيث تُظهر مستندات المحكمة في وقت سابق من هذه السنة أن محامي الحكومة الأمريكية يعملون مع نظرائهم الكنديين لمنع الوصول لهذه النتيجة.
ولكن حتى إذا استمرت الدعاوى القضائية ضد الجبري، فقد يكون من الصعب إثبات مزاعم الفساد بشكل قاطع، وهذا بسبب اختفاء شاهد رئيسي، وهو الرجل الذي أشرف على الإنفاق على مكافحة الإرهاب: محمد بن نايف.
في أواخر سنة 2017، خُفِفت ظروف الإقامة الجبرية لنايف، لكنه كان لا يزال ممنوعًا من السفر خارج المملكة. أخبرني الجبري أن نايف كان يعتقد في البداية أن أسوأ ما يمكن أن يحدث له هو فقدان ألقابه الرسمية والحصول على تعويض مالي كبير في المقابل، وتوقع أن يعامل بنفس الطريقة التي عومل بها سلفه الأمير مقرن بن عبد العزيز، رئيس المخابرات السابق الذي أقيل من منصب ولي العهد في سنة 2015 – فوفقًا لمصدر موثوق، تم إغراق الأمير مقرن بهدايا الوداع بعد أن أقاله الملك سلمان، بما في ذلك دفع تعويضات ملكية تبلغ حوالي 800 مليون دولار، ويخت سولاندج الفاخر.
على النقيض من ذلك، تم الاستيلاء على جزء كبير من ثروة بن نايف. وفي 10 كانون الأول/ ديسمبر 2017، أرسل بن نايف رسالة إلى بنك “إتش إس بي سي” في جنيف يطلب فيها تحويل “أرصدة اليورو والجنيه الإسترليني والدولار الأمريكي” إلى حساب مصرفي سعودي. وقال مصدر مطلع على أصول بن نايف إن مصرفيّيه ومحاميه في جنيف تجاهلوا مثل هذه الطلبات للاشتباه في أن الأمير يتصرف بالإكراه (ومن جهته، رفض بنط إتش إس بي سي التعليق عندما سُئل عن كيفية رده على الرسالة، وطلب حجب اسم المسؤول الذي تم تناوله في الرسالة مشيرًا إلى مخاوف تتعلق بالسلامة).
مع أن القيمة الإجمالية لأصول الأمير محمد بن نايف في الخارج غير واضحة، إلا أن شركاءه يقولون إنه يمتلك عقارات مميزة في أوروبا والولايات المتحدة تتخطى قيمتها عدة مليارات، بينما من المؤكد أنه اضطر إلى تسليم جزء كبير من أصوله المحلية. كما قدم المصدر المقيم في أوروبا، الذي لديه معرفة بهذه الأصول، قائمةً بتفاصيل شركاته “المصادرة” وحساباته المصرفية – بلغ المبلغ الإجمالي 5.22 مليار دولار. شارك مصدر منفصل مقرب من الأمير ما بدا أنه جدول بيانات أقدم بقليل مع تفاصيل مماثلة، مضيفًا أن “القيمة الإجمالية ” للأصول المصادرة بلغت 17.8 مليار ريال أي ما يعادل 4.75 مليار دولار.
وما بين 2018 و2019، تمتع الأمير بحرية نسبية دون أن يُسمح له بمغادرة المملكة، وبذلك أصبح نشاطه المفضل الصيد بالصقور في صحاري الجزائر أمرًا غير وارد لكن سُمح له بالذهاب للصيد داخل المملكة العربية السعودية. كما ظهر في حفلات الزفاف والجنازات الملكية، هذا إلى جانب ظهوره في مقطع فيديو في أواخر سنة 2019 مع مجموعة من المؤيدين الذين التقطوا صور سيلفي مع الأمير وقبّلوا يده.
ساءت الأمور فجأة بالنسبة للأمير محمد بن نايف، ففي آذار/ مارس 2020 داهمت الحكومة مقره الصحراوي في ضواحي الرياض وتم احتجازه. قال المصدر، المقيم في أوروبا، إن العديد من الموظفين اعتقلوا أيضًا بينما اُحتجز بن نايف في الحبس الانفرادي لأكثر من ستة أشهر وتعرض خلال ذلك الوقت لسوء المعاملة بشكل خطير. وهو يزعم أن الأمير عُلق من كاحليه وتعرض للتعذيب ويعاني الآن نتيجة لذلك من أضرار طويلة الأمد في أسفل ساقيه وكاحليه، مما يجعل المشي مؤلمًا، إلى جانب فقدان الكثير الوزن.
نُقل بن نايف إلى مجمع قصر اليمامة في الرياض، المقر الرسمي للملك وللحكومة السعودية، قرب نهاية سنة 2020. كما أكد المصدر ذاته أن الأمير لا يُسمح له بالخروج من وحدته الصغيرة ويتم تصويره وتسجيله في جميع الأوقات، وممنوع من الزيارة باستثناء بعض أفراد الأسرة في حالات نادرة، ولا يمكنه رؤية طبيبه الشخصي أو ممثليه القانونيين، بينما تم إجباره على توقيع بعض المستندات دون قراءتها.
وفي ربيع سنة 2021، تلقى مصرفيّو ومحامو بن نايف في أوروبا طلبات جديدة لتحويل أرصدته، بما في ذلك مكالمة هاتفية من بن نايف إلى محاميه في سويسرا، وذلك وفقا لمصدر مطلع على المكالمة. لكن المحامي، الذي كان الأمير قد منحه توكيلا سابقًا، رفض تنفيذ هذا الطلب لأنه يعتقد أن موكله كان تحت الإكراه، ليجد المحامي أن الأمير يدعوه لزيارة المملكة العربية السعودية والتحقق بنفسه. حيال هذا الشأن، قال المصدر: “ظل بن نايف يقول ‘أنا حر، سنخرج لتناول العشاء عندما تأتي إلى الرياض’، إلا أن المحامي أصرّ على أن الأمير بحاجة إلى السفر إلى سويسرا مع عائلته للسماح بنقل الأصول.
بالتواصل معه هاتفيًا، أخبرني المحامي أنه لا يستطيع إنكار المحادثة أو تأكيدها معربًا عن قلقه بشأن التداعيات المحتملة للمشاركة الإعلامية لموكل. قال المصدر المقيم في أوروبا إن “السبب الرئيسي لاحتجاز بن نايف هو أن ولي العهد يعتقد خطأً أنه يشكل تهديدًا لحكمه”، مضيفُا أن “محمد بن سلمان يحاول إذلال بن نايف عن طريق ملاحقة أمواله أيضًا، حتى لا يبقى أي تهديد على الإطلاق خاصة من فكرة أن ولي العهد السابق بديل قوي يمكنه إزاحة محمد بن سلمان”.
في فندق فخم مزخرف بالرخام في قلب الرياض، التقيت بأحد أبرز مستشارين العلاقات العامة لمحمد بن سلمان. كان يجلس بجانبه في المقهى مسؤول كبير في الديوان الملكي الذي مكث لفترة من الاجتماع. كان واضحًا من لقاءاتنا السابقة أن هذا المستشار المتخصص في العلاقات العامة جزء من حملة ترعاها الدولة لتقديم محمد بن سلمان في الغرب باعتباره صاحب رؤية يدفع بجرأة نحو الإصلاحات الاجتماعية. كان يريد التحدث عن كيفية رفع الأمير الحظر المفروض منذ عقود على قيادة النساء للسيارة ودور السينما، وسمح بالحفلات الموسيقية التي كانت ممنوعة في السابق، وكبح سلطة الشرطة الدينية التي عارضت بشدة الاختلاط بين الجنسين. وقد أخبرني ذات مرة أن “محمد بن سلمان شجاع”.
في إحدى الأمسيات من شهر آذار/ مارس 2020، أراد هذا المستشار – الذي انهمك في تناول فنجان قهوة وطبق من الكريب مغطى بنوتيلا – أن يضع الأمور في نصابها الصحيح بشأن اختفاء محمد بن نايف مؤخرًا. ومن جهتها، لم تقدم الحكومة السعودية أي تعليق على سبب اعتقاله، إلى جانب الأمير أحمد بن عبد العزيز، أحد كبار أفراد العائلة المالكة، الذي يُنظر إليه على أنه منافس لولي العهد. وكان هذا الاجتماع الأقرب الذي حصلت فيه على تفسير رسمي.
أصرّ مستشار العلاقات العامة على نفي رواية نُشرت في وسائل الإعلام الأجنبية مفادها أن الأمراء اُعتقلوا لأن السلطات تعتقد بأنهم كانوا يخططون للإطاحة بولي العهد محمد بن سلمان ووالده. وقال إن محمد بن سلمان ظل “مسيطرًا” وأن الاعتقالات نُفذت “بعد تراكم السلوك السلبي من قبل الأميرين”، بينما كان الهدف من التطهير المفاجئ هو فرض “الانضباط” داخل العائلة المالكة. وبينما لم يوضّح طبيعة “السلوك السلبي”، قال إنه يتوقع إطلاق سراح الأمراء قريبًا.
لا يزال الأمراء رهن الاحتجاز بعد ما يقارب ثلاث سنوات، وحسب ما أفادت به السنة الماضية كيرستن فونتنروز، التي أشرفت لفترة وجيزة على السياسة الخليجية لإدارة ترامب، أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي: “كانت الدعوة إلى إطلاق سراح محمد بن نايف على رأس نقاط الحديث بين إدارتي بايدن وترامب والقيادة السعودية”، إلا أن “محمد بن سلمان لم يستجب”.
تبدو قوة محمد بن سلمان مطلقة بغياب منافسين معروفين للعرش. ففي مساره الحالي، لا يوجد شيء يمنعه من خلافة والده. ويبدو أن الغضب العالمي على مقتل خاشقجي، والحرب المدمرة التي تقودها السعودية في اليمن، والقمع المتزايد في الداخل، لم تؤثر في سلطاته في حكم البلاد. ورغم مخاطر السمعة المتمثلة في التعامل مع ديكتاتور، فإن المديرين التنفيذيين في وول ستريت حريصون على إبرام صفقات مع الدولة البترولية الغنية. في الأثناء، يخشى الناشطون من أن القرار الأمريكي الأخير بمنح بن سلمان حصانة سيادية في قضية قتل خاشقجي قد يزيد من تشجيعه على ملاحقة المعارضين.
أخبرني مصدر من العائلة المالكة، استنكر معاملة بن نايف سرًا لكنه ظل صامتًا في العلن لتجنب الانتقام، أنه لن يُفاجأ إذا ظهر بن نايف فجأة في العلن يومًا ما إلى جانب محمد بن سلمان ليبارك الرجل الذي سحقه. وهذا الأمر مشابه لفيديو عُرض بعد انقلاب سنة 2017، وهو ما سيكون السمة المميزة الأخرى لعصر محمد بن سلمان وصعوده العنيف إلى السلطة.
المصدر: الغارديان