بداية قوية أثلجت الصدور، فكبوة غير متوقعة حيّرت الجميع، تلتها نهاية أقوى أسعدت الجماهير ولو لوقت قليل، هذه حصيلة مشاركة منتخب تونس في كأس العالم بالقطر، لكن المطلوب لم يتحقق، إذ غادر نسور قرطاج أرض المونديال مبكرًا، لتضاف خيبة أخرى إلى صاحب اللقب القاري سنة 2004، فرغم مشاركاتهم المتكررة في مبارات كأس العالم، إلا أن نسور قرطاج لم يتمكنوا إلى حدّ الآن من تحقيق حلم التونسيين بتجاوز الدور الأول وبلوغ دور الـ16، فما الأسباب؟
مشاركة تونس في مونديال قطر، كانت السادسة في تاريخ مشاركتها في مسابقات كأس العالم، ولم يكتب النجاح لها في الكثير من هذه المشاركات، رغم أن النسور كانوا أول منتخب عربي وإفريقي يحقق الفوز في كأس العالم عام 1978 على منتخب المكسيك بنتيجة 3 أهداف مقابل هدف، وهو ما فتح الباب للمنتخبات الإفريقية في الانضمام إلى نسخة 1982.
تاريخ متواضع
لعب منتخب تونس في دورات 1978، 1998، 2002، 2006، 2018 وأخيرًا دورة قطر 2022، واكتفى باللعب 18 مباراة فاز في 3 منها فقط، رغم أن المنتخب يعدّ من أقوى المنتخبات الإفريقية، وأحرز سابقًا اللقب القاري سنة 2004.
الفوز التاريخي الذي حققته تونس على حساب منتخب فرنسا لا يمكن أن يغطي على حجم الإخفاقات التي تلازم نسور قرطاج
يذكر أن بداية ظهور كرة القدم في تونس تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، لكن الاتحاد التونسي للعبة تأسس في 29 مارس/آذار 1957، وانضم إلى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) والاتحاد الدولي (فيفا) عام 1960.
يعود تاريخ أول مباراة خاضها منتخب تونس في تاريخه إلى 2 يونيو/حزيران 1957، وحقق فيها الفوز على ليبيا (4ـ2)، وله مشاركات قارية قياسية، فهو دائم الحضور في كأس إفريقيا للأمم وترتيبه على المستوى العالمي غالبًا ما يكون متقدمًا.
فوز تاريخي على فرنسا
في آخر مبارياته ضمن مشاركته في مونديال قطر، حقق منتخب تونس فوزًا تاريخيًا له رمزية سياسية كبيرة على منتخب فرنسا بنتيجة هدف دون مقابل سجله المهاجم وهبي الخزري على إستاد المدينة التعليمية، أمس الأربعاء، رغم أن هذا الفوز لم يكن كافيًا للترشح للدور الـ16 وخرج منتخب نسور قرطاج من دور المجموعات بخيبة أمل، وإن كان وقعه كان كبيرًا على التونسيين، فمشاعر الفرح والاحتفالات كانت حاضرة عقب انتهاء المباراة.
غادر منتخب تونس كأس العالم من الدور الأول، لكنه حقّق فوزًا تاريخيًا على فرنسا بطلة العالم التي اختار مدربها إجراء العديد من التغييرات في تشكيلته الأساسية، استنقاصًا من نسور قرطاج، إلا أن هدف الخزري والسيطرة التونسية على أغلب ردهات المباراة صدمته.
مبروك منتخب #تونس ?? ⚽
فوز يستحق الفرحة#تونس_فرنسا #كأس_العالم_قطر2022 pic.twitter.com/8YlNr1nP6W
— Haifa Wehbe (@HaifaWehbe) November 30, 2022
ضغطت تونس وحاصرت منتخب فرنسا في منطقته وسجلت هدفًا عبر نادر الغندري في أول ربع ساعة، لكن الحكم ألغاه بداعي التسلل، ثم سدد وهبي الخزري كرة قوية تصدى لها الحارس الفرنسي ستيف مانداندا، وتوالت الهجمات التي أربكت دفاع الفرنسيين.
هدف ماتيو ليكي لصالح منتخب بلاده أستراليا في الدقيقة 60 في المباراة أمام الدانمارك، ضيع فرصة الترشح التاريخية للتونسيين ومنح بلاده ورقة التأهل للدور الثاني، مع ذلك احتفلت الجماهير التونسية بالفوز التاريخي على بلد دائمًا ما كان يرى نفسه الأقوى في كل المجالات.
تؤكد الاحتفالات التونسية بالفوز على منتخب الديوك النقمة الكبيرة التي يكنها العديد من التونسيين لهذا البلد الأوروبي الذي احتلّ بلاده طيلة 75 سنة ونهب خيراته وتحكم في قراره السيادي وما زال على نفس النهج بالاستعانة مع “عملاء” من الداخل.
هل الإصلاح ممكن؟
الفوز التاريخي الذي حققته تونس على حساب منتخب فرنسا لا يمكن أن يغطي على حجم الإخفاقات التي تلازم نسور قرطاج، وترجع هذه الهزات المتتالية وفق الإعلامي الرياضي لطفي النايب إلى “تواضع إمكانات اللاعب التونسي بدنيًا وفنيًا وقدرته المحدودة على المنافسة في البطولات الكبرى باستثناء جيل 1978 الذين كانوا لاعبين موهوبين بالفطرة”، وفق قوله.
يرجع ذلك، وفق حديث النايب لـ “نون بوست” إلى “ضعف التكوين وغياب التنافسية في البطولة المحلية وخاصة ضعف البطولات التي ينشط بها المحترفون التونسيون، حيث ينشط أغلبهم في البطولات الخليجية والبطولة الفرنسية والسويسرية”.
إضافة إلى ذلك، يقول الإعلامي الرياضي التونسي لـ “نون بوست”: “نقص الكفاءة لدى المدربين وأعني بذلك ضعف الشخصية والتأثر بالضغط من اللاعبين، أثر على مردود المنتخب، فالاختيارات الفنية غالبًا ما تظهر غريبة وغير مفهومة والتصرف في مجريات المباريات أغرب”.
أعطى النايب أمثلة عدة على ذلك، منها مباراة كولومبيا 1998 وروسيا 2002 والسعودية وأوكرانيا 2006 وبلجيكا 2018 وأخيرًا مباراة أستراليا 2022، فـ”خلال هذه المباريات أساء المدربون التعامل معها وكان ذلك سببًا في فشل المشاركة”.
غادرت تونس للمرة السادسة مرحلة المجموعات، في وقت نجحت فيه منتخبات عديدة كانت إلى وقت قريب “هاوية” في الوصول إلى الدور ثمن النهائي
وأشار النايب إلى أن “هناك مسؤولية مشتركة بين المدرب والإدارة في اختيار القائمة، فضلًا عن الحسابات الشخصية الضيقة ومحاباة لاعبين التي تتسبب في اختيار قائمة غير متوازنة، وهو ما ساهم في تكرر الفشل في أكثر من نسخة”.
بدوره قال الإعلامي المختص في الشأن الرياضي زياد عطية لـ “نون بوست”: “أسباب الخيبة لا تحصى ولا تعد، لكن من يمتلك بطولة ضعيفة بكل المقاييس، ورئيس جامعة برتبة مدرب أول وأتباعه برتبة مساعدين ومتحكمين بكل كبيرة وصغيرة، مع أندية مفلسة ماليًا ورياضيًا، وملاعب بمواصفات غابات، وإعلام رياضي موجه تتحكم فيه مؤسسات ذات رأس مال عال، ومسؤولين يحركهم مكر وخبث “السماسرة والوكلاء”، لن ننتظر أفضل مما تحقق”.
بالرغم من عدم تأهلها إلى النهائي …⚽️✌️
الجماهير العربية تصف مباراة اليوم بين تونس وفرنسا ب”التاريخية” , وهنا تظهر ردة فعل الجماهير العربية بعدما تمكن منتخب نسور تونس من إحراز الهدف الهدف ضد منتخب فرنسا خلال #كاس_العالم_FIFA ???? pic.twitter.com/Ml7dzZw03F
— غزة الآن – Gaza Now (@GazaNownews) November 30, 2022
لا يرى لطفي النايب “الإصلاح قريبًا” لأن “معيقات تطور الكرة التونسية عديدة، منها ضعف التكوين وغياب البنية التحتية والفساد في الجمعيات والهياكل، فعقلية المسؤول واللاعب والمشجع لا تشجع على التقدم والتطور”، حسب قوله. مضيفًا “يتطلب الإصلاح مراهنة الدولة على الرياضة عبر بناء ملاعب بمواصفات متطورة وتغيير التشريعات والقوانين المنظمة للقطاع الرياضي في البلاد ووضع مسؤولين أكفاء قادرين على الإصلاح ووضع إستراتيجية واضحة للتكوين”.
مبروووك #تونس
منتخب تونس خاض معركتين، الأولى كروية في مواجهة #فرنسا والثانية حضارية بمواجهة الاستعمار والفوقية الغربية، مرغت وجوههم بالتراب وفازت في الاثنتين، لتمنح العرب وفلسطين لحظة من الفرح وجزءاً من التاريخ، وأملاً بأن النصر يبدأ في الرمزيات قبل أن يصير واقعاً✌???❤?? #قطر pic.twitter.com/TTNbo0nxWL
— ???القدس درب الشهداء??✌? (@BeetMaqdes2020) December 1, 2022
يتابع النايب قوله: “النجاح في المسابقات القارية والعالمية القادمة مشروط بما سبق من إصلاحات حتمية”، لكنه يستدرك بالقول: “بعض الاختيارات المدروسة في المستقبل القريب قادرة أن تجعل تونس تنافس بجدية على اللقب القاري”.
غادرت تونس للمرة السادسة مرحلة المجموعات، في وقت نجحت فيه منتخبات عديدة كانت إلى وقت قريب “هاوية” في الوصول إلى الدور ثمن النهائي، ما يحتم ضرورة الإصلاح ومعالجة النقاط المتسببة في هذا الفشل المتكرر.