ترجمة وتحرير: نون بوست
أثار قرار الهند بدعوة المسؤولين الإسرائيليين إلى منطقة كشمير المتنازع عليها القلق بين السكان المحليين والخبراء، حيث اتُّهمت نيودلهي بمحاولة استبدال الثقافة والجغرافيا الأصلية ببيئة أُعيد تصورها.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، سافر دبلوماسيون إسرائيليون إلى كشمير التي تسيطر عليها الهند لاستكشاف التعاون الزراعي المشترك مع الحكومة الهندية؛ حيث زار يائير إيشيل، الملحق الزراعي في السفارة الإسرائيلية في دلهي، وبريهاما ديف، مسؤول مشروع ماشاف في وكالة الإغاثة الدولية الإسرائيلية؛ المَزارع والمزارعين في وادي كشمير في جامو، بالقرب من الحدود مع باكستان.
وأعلنت الحكومة الإسرائيلية في اليوم التالي لزيارة الثنائي لجامعة شير كشمير للعلوم والتكنولوجيا الزراعية في كشمير في سريناغار – حيث التقيا بمجموعة من مسؤولي الجامعات، بما في ذلك نائب المستشار نذير أحمد جناي – أنه سيتم بناء “مركزي أو مراكز التميز”.
ووفًقا للمسؤولين؛ ستعمل مراكز التميز على تسهيل نقل التكنولوجيا الإسرائيلية إلى المزارعين في كشمير الهندية وتعزيز أفضل الممارسات في الري وإدارة المشاتل والزراعة، وستكون بمثابة نقطة التقاء للحكومة والأكاديميين والمزارعين للتعاون والتعلم من بعضهم البعض.
وقال العديد من الكشميريين الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لموقع “ميدل إيست آي” إن مراكز الزراعة الإسرائيلية ستعمل على تعميق احتلال الهند في المنطقة وتسريع مشروعها الاستعماري الاستيطاني.
وقال أكاديمي كشميري مقيم في إسطنبول لموقع “ميدل إيست آي”: “في وقت سابق، كنا نبحث عن أوجه الشبه بين كشمير وفلسطين أو تحالف الهند الوثيق مع إسرائيل. ولكنهم في الوقت الحالي، يجلبون إسرائيل إلى الوادي في شكل هذه المؤسسات – التي ستكون” ذات توجه زراعي “شكليًّا – لكننا نعلم جميعا إن إسرائيل ستساعد الهند على تحويل كشمير إلى فلسطين حقيقية”.
وأضاف الأكاديمي: “لا يمكن للهند تنفيذ إبادة جماعية في كشمير، ولا يمكنها صنع صراع عرقي. ولكن بالنظر إلى النموذج الفلسطيني الذي يُنظر إليه على أنه ناجح، فقد قررت الهند إدخال إسرائيل لكي يفهموا الخريطة الإثنية لكشمير”.
ويتعمق التضامن مع الفلسطينيين في كشمير من خلال شعارات “غزة حرة” و”تحيا فلسطين” الموسومة على مصاريع من حديد.
وفي سريناغار؛ قال صحفي محلي متابع للتطورات لموقع “ميدل إيست آي” إن الإعلان “لا يُضفي سوى الطابع الرسمي على علاقة هذه القوى الاستعمارية التي تعمل معا في كشمير لفترة من الوقت. وفي الوقت الحالي، تقوم إسرائيل بمسح الأراضي تحت ستار الزراعة مباشرة على الحدود مع باكستان. ما الذي تبقى؟”.
مشروع استعماري استيطاني كلاسيكي
وتعززت العلاقات بين الهند و”إسرائيل” بشكل كبير في السنوات الأخيرة، خاصة منذ أن تولى رئيس الوزراء ناريندرا مودي منصبه؛ حيث تبلغ قيمة تجارة الأسلحة بين الدولتين أكثر من مليار دولار سنويا، وتعتبر نيودلهي أكبر مشتر للأسلحة الإسرائيلية ومنتج مشارك للأسلحة الإسرائيلية.
وقال أكاديمي كشميري مقيم في الولايات المتحدة- والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف من الانتقام – لموقع “ميدل إيست آي”: “لا يمكن للمرء أن يرى الإعلانات في كشمير منفصلة عن القائمة الواسعة للأسلحة ونقل التكنولوجيا بين الهند وإسرائيل”.
وأضاف أن فكرة قدوم الغرباء لتثقيف الكشميريين حول أفضل السبل لإنتاج التفاح والزعفران والجوز، من بين المحاصيل الأخرى التي تنتجها مجتمعات السكان الأصليين على نطاق واسع في المنطقة، وكانت طريقتهم في ذلك وقحة ومتعجرفة.
وقال الأكاديمي؛ مشيرا إلى سيطرة الإسرائيليين على إمدادات المياه في الأراضي المحتلة رغم تشجيعهم لتكنولوجيا الحفاظ على المياه في الخارج: “من الضروري أن يدعي هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني الكلاسيكي أنك تجلب التنمية أو التحسين للسكان الأصليين”.
ولطالما أشار الأكاديميون والمؤرخون الفلسطينيون إلى أن المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة لا يمكن إخراجه من سياساته البيئية التي تمحو التاريخ الفلسطيني من الأرض.
وفي الشهر الماضي؛ كتبت غادة ساسا، طالبة الدكتوراه الفلسطينية في جامعة ماكماستر في كندا، أن “إسرائيل” قامت بزرع أشجار الصنوبر – حتى غير الأصلية منها – فوق أشجار الزيتون – التي تعتبر شعارا متكاملًا للفلسطينيين؛ ثقافيًّا وروحيًّا ووطنيًّا واقتصاديًّا – وغيرها من الأراضي المستدامة بدقة، من أجل جعل المشهد أوروبيًّا.
وأضافت ساسا: “في غضون ذلك؛ من خلال منع الفلسطينيين من مواجهة أدلة حية على النكبة، مثل الركام والأنقاض، يتم إبعادهم عن الظلم الكبير وبالتالي يكونون أقل قابلية للثورة”.
وفي آب/ أغسطس 2019؛ أرسلت الهند عشرات الآلاف من القوات إلى كشمير، وفرضت تعتيما على الاتصالات، وقطعت روابط النقل حيث أنهت حكومة مودي وضع الحكم شبه الذاتي لجامو وكشمير.
وقالت الحكومة الهندية إن هذه الخطوة ستؤدي إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوادي، رغم أنها تترك أثمن صادراتها، التفاح، تتعفن في البساتين، مما يترك ملايين الأشخاص في ضائقة مالية.
“الاستعارة من الفصل العنصري الإسرائيلي”
لعقود من الزمان، كان الكشميريون يطالبون بالحق في تقرير المصير على النحو الذي وعد به قرار مجلس الأمن رقم 47 لسنة 1948. وتطالب الهند وباكستان بكشمير كاملة، وتفصل الحدود الفعلية كشمير التي تسيطر عليها الهند عن الجزء الذي تسيطر عليه باكستان.
ومنذ بدء الانتفاضة في عام 1988، قُتل أكثر من 70.000 شخص، بالإضافة إلى الآلاف من المفقودين، حيث تشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 700.000 جندي هندي في الوادي، مما يجعل كشمير واحدة من أكثر المناطق عسكرة على وجه الأرض.
إن إلغاء المادة 370 والمادة 35 أ اللتين نصتا على الوضع الخاص لكشمير في الدستور الهندي يعني أيضا أن الهنود يمكنهم الآن شراء الأراضي في كشمير، وكذلك يصبحوا مقيمين دائمين في الولاية.
منذ أشهر، أخبر دبلوماسي هندي كبير في نيويورك مجموعة من الهنود والهنود الكشميريين أن الهند يجب أن تتبع نموذج الاستيطان الإسرائيلي في كشمير.
وقال أبورفا بي جي، منسق منطقة آسيا والمحيط الهادئ للجنة الوطنية لمقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها “بي دي إس”، إن المراكز الزراعية الإسرائيلية تبدو موجهة لتحقيق هدفين، مضيفًا: “أن مركز التميز يمارس سياسة الغسيل الأخضر- أي أنها تتخذ من القضايا المناخية ستارًا لإخفاء نواياها الحقيقية – وذلك من أجل التغطية على الفصل العنصري الإسرائيلي والاستعمار الاستيطاني في فلسطين. كما أنه يدعم محاولات السلطات والشركات الهندية لتغيير استخدام الأراضي والديموغرافيا في كشمير.
وذكر أبورفا بي جي: “تؤثر هذه الخطوة بشكل مباشر على التركيبة السكانية للمنطقة وتستعير من نماذج السيطرة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة”، مشيرًا إلى أن استثمارات الشركات ومصالح دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة في المنطقة بعد آب/ أغسطس 2019 كانت في ازدياد.
وبالمثل، قال سومديب سين، المؤلف والمحلل الهندي الإسرائيلي، لـ “ميدل إيست آي”، إن تكرار الهند للمشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي في كشمير يعطي صلاحية لمشروعها الاستعماري الاستيطاني الذي يستهدف الفلسطينيين.
وأضاف سين، الأستاذ المشارك في دراسات التنمية الدولية في جامعة روسكيلد في الدنمارك: “إنها تمنحها أيضًا بعض القدرة على المناورة الدبلوماسية وتعزز تحالفاتها الدولية عندما تواجه إدانة عالمية لسياساتها القاسية في فلسطين”.
هل يستفيد المزارعون الهنود؟
ووفقًا لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، فإن مراكز التميز هي مراكز تديرها ماشاف، ذراع التنمية الدولية للحكومة الإسرائيلية، لتسهيل نقل التكنولوجيا إلى المزارعين في البلدان الشريكة.
لكن الخبراء الزراعيين جادلوا بأن مراكز التمييز نادرًا ما تقدم أرباحًا للمزارعين المحليين وأن المبادرات تعمل كوسيلة لتحسين سمعة “إسرائيل” أكثر من تقديمها للخدمات.
في تشرين الأول /أكتوبر؛ أصدرت منظمة غرين – وهي منظمة دولية غير ربحية تدعم صغار المزارعين والحركات الاجتماعية – تقريرًا جادلت فيه بأن “الدبلوماسية الزراعية” الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم لم تكن مجرد نقطة دخول لصفقات الأسلحة، بل كان من الصعب جدًّا أيضا تخليص الزراعة من المساعي العسكرية.
وتعتبر الزراعة في البلاد هي نتاج عقود من الاحتلال العنيف والعسكرة للأراضي الفلسطينية وقمع جيشها للشعب الفلسطيني؛ حيث إنه تم تشكيل شركات الأعمال الزراعية الإسرائيلية من خلال هذا السياق وتستمر في الاستفادة منه.
“الجيش الإسرائيلي هو أيضا مصدر مهم للأفراد والتقنيات لشركات الأعمال الزراعية الإسرائيلية، حيث سيكون من الصعب العثور على شركة إسرائيلية واحدة من بين مئات الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الزراعية الموجودة اليوم ليس لها بعض الروابط مع الجيش الإسرائيلي أو الخدمة السرية”.
وأشارت منظمة غرين، في بيان أُرسل إلى” ميدل إيست آي”، إلى أن حكومات المقاطعات الهندية “لم توقع فقط صفقات لإنشاء مراكز تميز لمحاصيل البستنة ولكنها ترعى رحلات إلى دولة الاحتلال لمسؤولي الزراعة فيها، وتوفر مخصصات في الميزانية للري الصغير، وإمداد الشركات الإسرائيلية بمخططات الدعم، والتكنولوجيا على نطاق واسع”.
وأضافت: “ومع ذلك، هناك القليل من الأدلة على كيفية استفادة المزارعين الهنود من هذه التقنيات الإسرائيلية”.
وفقًا للحكومة الإسرائيلية؛ فهناك 29 مركزًا للتميز في 12 ولاية في جميع أنحاء الهند، بينما صرح السفير الإسرائيلي في الهند، في عام 2020، بأن 150.000 مزارع هندي تلقوا تدريبًا من هذه المراكز في عام واحد فقط.
وأرسل موقع” ميدل إيست آي” طلبات لإجراء مقابلات مع مديري خمسة مراكز تميز – في ولايات غوجارات وماهاراشترا وكارناتاكا وهاريانا – لكنها لم تتلق ردًا حتى وقت النشر.
وأوضح أبورفا بي جي، منسق اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، أن مراكز التميز كانت في الأساس “منصات دعائية” تستخدم المال العام للغسيل الأخضر الإسرائيلي.
وقال:”مراكز التميز الإسرائيلية هي أداة لإنفاق المال العام الهندي لتوفير منصات دعائية للوكالات الإسرائيلية، مما يتيح الغسل الأخضر لنظام الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، والفصل العنصري، وسرقة الأراضي الفلسطينية والموارد المائية بلا هوادة، واقتلاع ملايين الأشجار الفلسطينية، والتطهير العرقي للفلسطينيين، خاصة المزارعين”.
وتواصلت ميدل إيست آي مع السفارة الإسرائيلية في نيودلهي للتعليق لكنها لم تتلق ردا حتى وقت النشر.
المصدر: ميدل إيست آي