بأداء مقنع، ونتيجة مرضية، ومستوى فني محترم، نجح المنتخب المغربي لكرة القدم في العبور لدور الـ 16 في بطولة كأس العالم المقامة في قطر، وذلك بعد فوزه المستحق على المنتخب الكندي بهدفَين لهدف واحد، رافعًا رصيده لـ 7 نقاط يحتل بها المركز الأول في مجموعته السادسة، التي تضم بجانبه كلًّا من بلجيكا وكرواتيا وكندا.
حفظ أسود الأطلس بهذا الفوز ماء وجه العرب بعد النتائج المخيّبة للآمال التي حققتها المنتخبات العربية الثلاثة الأخرى (السعودية، تونس وقطر)، والتي خرجت جميعها من الدور الأول، بعدما فشلت في تقديم أوراق اعتمادها للعبور للدور التالي نتيجة أخطاء بعضها ساذج كلّفت الفرق الخسارة.
ورغم أن المونديال يقام فوق أرض عربية وبحضور جماهيري غير مسبوق، ودعم إعلامي لم يتوقف دقيقة واحدة، إلا أن الفرق العربية أخفقت في إسعاد جماهيرها، ما عدا منتخب الأسود الأطلسي الذي بات الممثل العربي الوحيد في البطولة في مراحلها التالية.. فما هي الأسباب التي أدّت إلى هذا الإخفاق العربي؟
فخر العرب
لم يخيّب منتخب المغرب آمال أنصاره، فمنذ بداية البطولة وهو يقدم أداء أكثر من رائع، نال به إعجاب وتقدير الجميع، وأقنعهم بأن الصعود لدور الـ 16 مسألة وقت إذا ما استمر على هذا المستوى، وبالفعل حقّق المراد وارتقى عرش مجموعته ليلتحق بالكبار في الملحق الثاني.
ورغم علامات الاستفهام والتحفظات التي رافقت اختيارات المدير الفني الوطني، وليد الركراكي، قبل بداية البطولة، لكنه استطاع في شهرَين فقط من تحقيق الصعب، فقد نجح في تثبيت المراكز وفرض حالة من الانسجام والتناغم بين عناصر الفريق، كما لعب على الجانب الإنساني في التعامل مع اللاعبين فظهروا ككيان واحد على قلب رجل واحد، ليس أمامهم هدفًا سوى الفوز والصعود.
استطاع أسود الأطلس فرض أسلوب لعبهم منذ المباراة الأولى أمام المنتخب الكرواتي المصنَّف ثانيًّا عالميًّا وأحد المرشحين للبطولة، فخرجوا بالمباراة إلى برّ الأمان، كخطوة أولى نحو تحقيق الهدف الأكبر وهو الصعود.
وأمام بلجيكا كانت المفاجأة، حيث أمطروا شباكهم بهدفَين نظيفَين، محقّقين النقاط الثلاث والأداء المتصاعد مباراة تلو الأخرى، وهو ما جعلهم يدخلون مباراتهم الثالثة أمام كندا وهناك شبه يقين جماهيريًّا في صعودهم، عكس الفرق العربية الأخرى التي دخلت وأنصارها يفقدون تلك الثقة.
بتلك النتيجة، صدارة المجموعة بـ 7 نقاط، يحقق المنتخب المغربي رقمًا قياسيًا جديدًا، بعد أفضل نتائجه في مشاركاته السبع في المونديال، عام 1986، حين احتل صدارة مجموعته التي كانت تضم إنجلترا والبرتغال وبولندا، بعدما حصد 4 نقاط (فوز نقطتين وتعادلان)، وكان أول منتخب أفريقي وثاني منتخب وطني من خارج أوروبا والأمريكتَين (بعد كوريا الشمالية في كأس العالم 1966)، يصل إلى الدور الثاني في كأس العالم.
شاهد ابتهاج أمير قطر وأولاده بترشح منتخب عربي، المغرب، في تصفيات #كأس_العالم بعد هزيمته كندا بهدفين لواحد#المنتخب_المغربي pic.twitter.com/stUqqGLaxT
— مجلة ميم (@MeemMagazine) December 1, 2022
قطر.. لم تحضر بعد
قبل انطلاق صافرة مباراة البداية بين منتخب الدولة المستضيفة، قطر، والأكوادور، كانت كافة التوقعات تذهب باتجاه فوز العنّابي، أو على الأقل الخروج بنقطة تعادل، هذا بخلاف الأداء الجيد المنتظر، فالتاريخ في صالح الدولة المستضيفة في الغالب في المباريات الافتتاحية، إذ لم يعرف منتخب دولة مستضيفة للمونديال أن خرج من الدور الأول سوى جنوب أفريقيا في نسخة 2010، هذا بجانب الاستعداد المفترض للبطولة على كافة المستويات، الفنية والبدنية والذهنية.
ودقيقة تلو الأخرى بدأت الأمور تسير عكس ما خُطط لها، وعلى مسار مخالف لكافة التوقعات، حيث منيت شباك العنابي بهدفَين نظيفَين، كان يمكن أن يكونا أكثر من ذلك، في ظل حالة من التوهان بدا عليها لاعبو قطر الذين يبدو أنهم ما كانوا أبدًا في تركيزهم.
توقع البعض أن التعويض سيكون في المباراة التالية، فخضّة الافتتاح واللعب أمام هذا الجمهور أمر لم يعتاده لاعبو المنتخب القطري، كما أن السلبيات التي ظهر عليها الفريق في الجولة الأولى لا بدَّ أن تتم معالجتها بعد ذلك، لكن السيناريو يكرر مرة أخرى، هزيمة بالثلاثية أمام السنغال مقابل هدف يتيم هو كل ما حققه القطريون في المونديال.
بتلك الخسارة تأكّد خروج قطر رسميًّا من المونديال، فيما تتبقى مباراة واحدة أمام الطواحين الهولندية، البعض توقع أن تكون المباراة للتاريخ، وأن يحاول المنتخب العنّابي تقديم لقاء يحفظ به ماء وجهه ويخرج من البطولة مرفوع الرأس، غير أن الوضع جاء مخيّبًا للآمال.. هزيمة للمرة الثالثة بهدفَين دون ردّ، ليودّع العنّابي المونديال صفر نتيجة وصفر أداء.
تعددت الأسباب التي أوردها الخبراء لهذا المستوى المخزي للمنتخب القطري، فبجانب حجم الرهبة والخضة اللتين تملّكتا لاعبي المنتخب القطري، كونها أول مشاركة لهم في البطولات المونديالية، هناك ضغوط غير مسبوقة ملقاة على كاهلهم لتحقيق نتيجة إيجابية، فهم منتخب الدولة المستضيفة للبطولة، إضافة إلى المستوى البدني المتراجع، ويبدو أن فترة الإعداد لم تكن كافية، أو بشكل صريح لم يكن هناك إعداد بالمرة، فالأداء البدني والفني والذهني يؤكد أنه ما كانت هناك فترة إعداد نهائيًّا.
خروج المنتخب القطري نقطة سوداء أمام ما وفرته قطر من تنظيم و إمكانيات pic.twitter.com/KcZnT9t3kK
— Tarek Dhiab (@DhiabTarak) November 25, 2022
تونس.. التفاصيل تُجهض الحلم
البداية كانت مبهرة ومشجّعة ومحفّزة، قدم نسور قرطاج مباراة رائعة أمام الدنمارك، وخرجوا بنقطة ثمينة وأداء مقنع، رفع من منسوب الآمال المعقودة على النسور لتحقيق نتائج مميزة في الجولات التالية، فالأداء المقدم كان مغريًا بالفعل للجماهير التونسية والعربية حتى لو لم يكن المنتخب التونسي مقنعًا قبل انطلاق البطولة.
الجميع توقع لقاءً تاريخيًّا أمام أستراليا، يقرّب النسور كثيرًا من دور الـ 16، فالأداء أمام الدنمارك يوحي أن النقاط الثلاثة بنسبة كبيرة في جيب المدير الفني جلال القادري، لكن الصدمة فاقت التوقعات، حيث منيت شباك التونسيين بهدف وحيد من خطأ دفاعي ساذج، استمات الأستراليون في الحفاظ عليه فيما فشل أبناء تونس في التعويض ولو حتى الخروج بنقطة، لينتهي اللقاء بصدمة جماهيرية عربية كبيرة تلاشت معها حظوظ الصعود، وإن ظلت على الورق محتملة.
دخل نسور قرطاج مباراة فرنسا، وهي حامل اللقب، وأحد المرشحين بقوة للفوز بالبطولة الحالية، واحتمالات الفوز ضعيفة للغاية، فالأمر لم يكن بأقدامهم فحسب، فلا بدَّ من تعادل أستراليا والدنمارك في مقابل الفوز على الديوك الفرنسية حتى يعبر التونسيون من “خرم إبرة” الصعود للدور التالي.
ومع مرور الدقائق بدأ المنتخب التونسي يتعامل مع المباراة بشكل فني متوسط، ارتفع نسبيًّا إلى جيد، حتى أحرز النسور هدف التقدم، وهنا ارتفع منسوب الأمل في تحقيق المعجزة، وفي المقابل استشعر المنتخب الفرنسي الحرج وهو الذي لم يخسر منذ مونديال 2014، وعلى الفور أجرى بعض التعديلات لإنقاذ الموقف، فيما قاتل التونسيون للحفاظ على الهدف الذي يضمن لهم فوزًا تاريخيًّا يحسَب لهم، بعيدًا عن حظوظ الصعود لدور الـ 16.
لكن الفرحة لم تكتمل بعد، حيث جاءت استفاقة التوانسة متأخرة جدًّا، فالهزيمة التي تلقوها أمام أستراليا هي من أقصتهم خارج البطولة، فرغم الفوز الصعب على الديوك لكنهم فشلوا في العبور بسبب فوز أستراليا على الدنمارك بهدف، لترافق الفرنسيين في الدور القادم فيما يودّع النسور المونديال بانتصار يحفظ لهم ماء الوجه، بعدما فرّطوا في فرصة الصعود التي يراها البعض من أسهل الفرص التي مُنحت للمنتخب التونسي لتحقيق الحلم.
تعود معرفة تونس بكرة القدم إلى ثلاثينيات القرن الماضي، فيما تأسّس اتحاد الكرة في 29 مارس/ آذار 1957، وانضم إلى الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) والاتحاد الدولي (فيفا) عام 1960، وكانت مشاركة المنتخب التونسي في مونديال قطر الحالي هي السادسة في تاريخ مشاركاته المونديالية (1998، 2002، 2006، 2018، 2022)، خرج من الدور الأول منها جميعًا، فيما فاز خلالها بـ 3 مباريات فقط من إجمالي 18 مباراة لعبها.
تونس ?? تقهر بطل العالم المنتخب الفرنسي
ثاني انجاز عربي كبير بعد المنتخب السعودي ??وفوزة على الارجنتين
كفوووو يا ابطال العرب ??#تونس_فرنسا #السعوديه_المسكيك pic.twitter.com/SUYxRwuIxh
— فهد بن سعيد الشهراني ?? (@fahadq6r6) November 30, 2022
السعودية.. ضحية التضخيم
لم تكن هناك بداية أروع ممّا بدأها منتخب الخضر السعودي الذي حقق فوزًا تاريخيًا على رفقاء ميسي، منتخب الأرجنتين، بهدفَين لهدف في المباراة الافتتاحية، وسط تفاؤل كبير بقدرة الأخضر على أن يكون الحصان الأسود لتلك النسخة المونديالية، خاصة أنه قدّم أداء قتاليًّا جيدًا حتى إن لم يكن مقنعًا على المستوى الفني، لكن هزيمة فريق بحجم الأرجنتين يغفر للأخضر أي سلبيات أخرى، وهنا كانت المشكلة.
المبالغة في تقدير الفوز والتضخيم الإعلامي يبدو أنه جاء بنتيجة عكسية، إذ نزل لاعبو الأخضر مباراتهم الثانية أمام بولندا واثقين بنسبة كبيرة في تحقيق الفوز، فشتّان بين بولندا والأرجنتين، لكن جاء الأداء مغايرًا وعكس التوقعات، رعونة من المهاجمين وأخطاء دفاعية ساذجة وضربة جزاء مهدرة، كلفت الأخضر هدفَين نظيفَين.
لم يستوعب السعوديون الصدمة، فالدعم الإعلامي والجماهيري وردود الفعل التي رافقت المباراة الأولى توحي وكأن الأخضر صعد للدور الـ 16 فعليًّا، متناسين أنها مباراة من 3 نقاط فقط وأن المشوار لم ينتهِ بعد، وهنا دخل المنتخب السعودي مباراته الثالثة أمام المكسيك تحت ضغوط كبيرة، فالفوز هو الخيار الوحيد لضمان التأهل.
وبدلًا من أن يقاتل لاعبو الخضر للفوز إذ بهم يقدّمون أداء باهتًا، استسلام شبه تام أمام الهجوم المكسيكي الذي لم يتوقف طيلة شوطَي المباراة، واستطاع إحراز هدفين وإضاعة أضعافهما، ولولا أن مُني مرماه بهدف في نهاية المباراة مع فارق الكروت الصفراء التي حصل عليها لاعبوه، لرافق الأرجنتين في الدور التالي بدلًا من بولندا، لتنتهي المباراة بخروج الفريقَين، المكسيك والسعودية، وسط خيبة أمل كبيرة.
ملخص اهداف مباراه السعوديه والمكسيك#السعوديه_المسكيك pic.twitter.com/7wOPFglp76
— عـــالم الكـــورة (@Koora_alem) December 1, 2022
الفساد وغياب الاحترافية
يرجع الإخفاق العربي في التمثيل المونديالي تحديدًا إلى حزمة من الأسباب، على رأسها غياب الاحترافية في التعامل مع ملف كرة القدم، ففي دول أوروبا تعدّ اللعبة مؤسّساتية في المقام الأول، تقوم عليها كيانات ومؤسسات محترفة تستثمر في المواطن وتحقق أكبر فائدة منه، كما توفر الدولة الدعم الكامل لاكتشاف الناشئين والمواهب ودعم قدراتهم.
كذلك ضعف الدوريات المحلية التي تخرج لاعبين لم يكونوا على نفس مستوى لاعبي الدوريات الأوروبية أو داخل أمريكا اللاتينية، وهو ما ينعكس في النهاية على مستوى المنتخبات الوطنية وأداء لاعبيها، فالبيئة غير البيئة والفكر غير الفكر ومن ثم القيمة غير القيمة، أضف إلى ذلك غياب التنافسية ما يجعل معظم تلك الدوريات لا طعم لها ولا تقدِّم مستويات تطويرية للاعبين.
القوانين التي تدير منظومة الكرة في البلدان العربية تتحمل جزءًا كبيرًا من مسؤولية هذا الإخفاق، والتي تتعامل مع هذا الملف كلعبة ترفيهية وليس كمجال استثماري ذي عوائد كبيرة إذا ما تمَّ توظيفه بشكل منهجي احترافي، هذا بجانب غياب العدالة عن كثير من المنظومات الرياضية بما يؤثر في المخرجات العامة، فما بُني على باطل فهو باطل.
ومن المسبّبات المحورية في تراجع المستويات الكروية عربيًّا تفشي الفساد، الذي تحول إلى سرطان ينخر في جسد المنظومة الرياضية بأكملها دون استثناء، فالواسطة والشللية والمحاباة وغياب العدالة وعدم الرقابة كلها مسبّبات قادت إلى تلك المستويات المتدنية، سواء على مستوى الأندية المحلية أو على مستوى المنتخبات.
في الأخير إن هناك متسعًا من الوقت لإعادة النظر في هذا الملف ووضعه تحت مجهر الاهتمام الرسمي العربي، وأن تكون هناك دراسات معمّقة لتجارب الدول المتقدمة كرويًّا للوقوف على استراتيجياتها في إدارة تلك المنظومة والخروج بأفضل نتائج ممكنة، ورغم الخروج المخزي للمنتخبات العربية الثلاث (السعودية، تونس وقطر) لا تزال الآمال معلّقة على أسود الأطلس في الزود عن السمعة العربية كرويًّا، وتمثيل العرب أفضل تمثيل في هذا المحفل العالمي.